يتأهب مجلس نواب الشعب التونسي (البرلمان) اعتبارًا من يوم غد الجمعة، لعقد جلسات عامة للنظر في مشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية لسنة 2017، وسط احتدام الجدل بين الحكومة وبعض الجهات التنظيمية في المجتمع التونسي، أبرزها اتحاد الشغل (النقابات) والمحامين والأطباء واتحاد الصناعة والتجارة حول ملفات الأجور والضرائب التي لا تزال عالقة. وبحسب بيانٍ أصدره البرلمان التونسي، اليوم الخميس، أن جدول الأعمال غدًا سيتضمن إعلان بيان رئيس الحكومة يوسف الشاهد يستعرض فيه التقرير العام حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2017 والنقاش العام حوله، يتخلله الاستماع لبيانات وأجوبة من رئيس الحكومة، لمختلف أبواب الميزانية بتقديم تقرير حول كل باب من أبواب الموازنة والنقاش العام حوله والاستماع إلى الأجوبة ثم التصويت على الاعتمادات. وفي ضوء الأزمة التي لم تُحسم بعدُ بين الحكومة واتحادات الشغل والصناعة وأصحاب المهن الحرة، فقد استبق الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بدء البرلمان في مناقشة مشروع الموازنة العامة الجديدة ليعقد لقاءات اليوم بقصر قرطاج مع كل من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ورئيس البرلمان التونسي محمد الناصر الذي أفاد بأنه ناقش مع الرئيس الوضع العام بالبلاد واستعدادات البرلمان بخصوص مناقشة مشروع الميزانية لسنة 2017، وهو الأمر الذي يبدو أن رئيس الدولة يريد تلطيف الأجواء بين الحكومة والبرلمان قبل بدء النقاش حول الموازنة. وحاول رئيس الدولة الباجي قائد السبسي أيضًا على مدار الأسابيع الماضية احتواء الخلافات بين الحكومة والجهات المعترضة على مشروع الموازنة بلقاءات عقدها مع رئيس الاتحاد التونسي للشغل حسين العباشي ومع نقيب المحامين التونسيين أيضًا لكن يبدو ذلك لم يأت بجديد في هذا الملف. وعلى مدار الأيام الماضية استمعت اللجان الفرعية للبرلمان إلى استعراض كل وزير في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد للموازنة العامة لوزارته وخطته المستقبلية التي يسعى لتحقيقها في مختلف المجالات. وتقدمت الحكومة التونسية في 15 أكتوبر الماضي بحسب الدستور إلى البرلمان بمشروع الموازنة العامة بتقديرات بلغت 7ر32 مليار دينار (بما يعادل 14 مليار دولار) بزيادة نسبتها 5ر12% عن موازنة العام الحالي 2016، وعجز كلي في الموازنة قدره 7ر6 مليار دينار، بما يعادل نحو 3 مليارات دولار، لكن المشروع لم يتضمن زيادة في أجور الموظفين لعام 2017 وهو ما أثار حفيظة الاتحاد العام للشغل (النقابات) الذي يندرج تحته أكثر من 5ر1 مليون موظف في تونس، كما تضمَّن المشروع فرض ضرائب إضافية على المهن الحرة أبرزها المحاماة والأطباء الذين خرجوا في مظاهرات ونظّموا إضرابات بسبب هذه الخطوة من الحكومة. رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد أكد مرارًا وتكرارًا أن تأجيل الزيادة في الأجور وفرض ضرائب على المهن الحرة ليس هدفا في ذاته ولكن إنقاذ الموازنة العامة للدولة التي تشهد عجزا إضافيا للعام المقبل بقيمة 3 مليارات دينار في ظل وضع وصفه بالاستثنائي للاقتصاد التونسي، هو الهدف الرئيسي لمثل هذه الإجراءات ولن تقدر الحكومة على هذه الزيادات إذا لم تتح لها الفرصة لتحقيق نمو اقتصادي. وأشار إلى أن معدل نسبة النمو في تونس خلال السنوات الخمس الماضية كان فى حدود 5ر1%، وهو ما أثّر على نسبة التعيينات العمومية، لافتا إلى أن بند الأجور تَضاعف بين عامى 2010 و2016 من 5ر6 مليار دينار إلى 7ر13 مليار دينار، وقد أثَّر ذلك أيضا في الميزانية وزاد من عجزها، وقفز حجم مديونية الدولة إلى 65 مليار دينار(30 مليار دولار) العام الحالى، مقابل 25 مليار دينار سنة 2010، ما دفع تونس إلى التوجه إلى صندوق النقد الدولي لمساعدتها على تجاوز المرحلة الحرجة التي يعيشها الاقتصاد الوطني، والحصول على مساعدة الصندوق الدولى يتطلب إجراء إصلاحات جذرية وعميقة وموجعة للخروج من الأزمة. وقال إن الحكومة قلصت مقترحها بتأجيل الزيادات في الأجور من عامين إلى عام واحد وهو ما رفضه أيضا الاتحاد العام للشغل، ليجدد رئيس الحكومة دعوته إلى الاتحاد للتفاوض من جديد، وكان آخر جولات التفاوضات بين الجانبين أمس الأربعاء، والذي قدمت فيه الحكومة مقترحًا جديدًا بقصر الزيادة في الأجور إلى 9 أشهر فقط وليس عام كامل. الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل بوعلي المباركي، أعلن رغم ذلك تمسك الاتحاد بالزيادة في الأجور لسنة 2017 كاملة لكنه قال في نفس الوقت إنه سيعيد الأمر إلى مجلس إدارة الاتحاد للنظر في مقترح الحكومة الجديد. وتوازيًا مع محاولة الحكومة التوصل لاتفاق مع اتحاد الشغل بشأن الرواتب، تقدمت وزارة المالية بمقترح جديد لحل الأزمة مع أصحاب المهن الحرة تمثَّل في إعفاء شباب المحامين والأطباء من أداء الضريبة المقررة على أصحاب المهن الحرة في القانون الجديد، على أن يكون الإعفاء لمدة ثلاث سنوات، لكن وزارة المالية أبقت في الوقت نفسه بند ضريبة القيمة المضافة دون حسم. ورأى عدد من النواب أن ضريبة القيمة المضافة من شأنها إثقال كاهل المواطنين، خاصة أن الزيادة في ضريبة القيمة المضافة على سلع مثل الأدوية يشمل الأدوية المستوردة المعنية بعلاج الأمراض المستعصية. وقال عبد العزيز القطي، النائب عن كتلة نداء تونس، إن الدولة تفتقر لمنهجية واضحة للإصلاح الضريبي ويغلب عليها العشوائية في إعداد قانون المالية، كما احتج نواب آخرون على بنود فرض ضرائب على المحامين عند قيامهم برفع الدعاوي القضائية. لكن المتحدث باسم الحكومة التونسية إياد الدهماني قال إن مقترح اعتماد فرض ضريبة على أعمال رفع الدعاوى القضائية، كان مقترحا مكتوبا ورسميا من هيئة المحامين التونسيين وليس من الحكومة. وخرج قبل يومين رئيس مجلس شورى حركة النهضة بتصريح ربما يؤدي إلى قلب الموازين عندما أعلن أن كتلة الحركة بالبرلمان والتي يصل قوامها إلى 69 عضوا من إجمالي 217 عضوا هم أعضاء البرلمان لن يصوتوا على مشروع الموازنة إلا بعد إجراء تعديلات على قانون المالية بما يرضي جميع التونسيين، هذا التصريح الذي يأتي مغايرا لتصريح عضو لجنة المالية بالبرلمان عن حزب النهضة سليم باسوس بأن البرلمان لن يعارض الحكومة لأن تكوينة البرلمان تشبه إلى حد كبير تكوين الحكومة، لكنه أشار إلى أن البرلمان سيحاول التوصل إلى حلول توافقية. وقال الهاروني حركة النهضة: لن تصادق على قانون المالية لسنة 2017، إلا بعد تعديلات لازمة عليه تخدم مصلحة تونس وترضي جميع التونسيين لكنه لم يوضح طبيعة تلك التعديلات المطلوبة التي يتحدث عنها، فيما أشار إلى أن الأجور بلغت نسبة عالية جدا مقارنة بميزانية البلاد، وهذا يخل بالتوازنات المالية للدولة، داعيا الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة، إلى إيجاد حل وسط يوازن بين الحق في الأجر ويضمن في نفس الوقت التوازنات المالية.