إن مسألة العلاقة بين التعليم متمثلا فى المناهج التي يتعلّمها الطلاب في مدارسهم وبين التطرّف، قضية طرحتها الولاياتالمتحدة الأميركية بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر)، وفي السنوات التي تلت تلك الهجمات، وضغطت الإدارة الأميركية بشدّة على بعض الدول العربية من أجل إصلاح مناهج التعليم فيها، اعتقادا منهم ان تلك المناهج تتضمّن مقررات دراسية كثيرة تُدرّس للمواطنين العرب أفكارًا تنمّي ميلهم إلى التطرّف والعنف والارهاب، وانطلاقا من ان ذلك يعد خطرا كبيرا على العالم. وفي مصر، وعلى خلفية الاعتداءات المتطرفة التي تشهدها بين فترة وأخرى، شكّلت وزارة التربية والتعليم لجنة لمراجعة بعض المواد في مناهج التربية الدينية ولتعديل النصوص التي تشجع على العنف والتطرف، وذلك في إطار ما أسمته "استراتيجية الأمن الفكري" التي تتعاون فيها مع وزارة الأوقاف ومع الأزهر، وفى ضوء ذلك قررت الوزارة تنقيح مناهج اللغة العربية، وحذف بعض الدروس او أجزاء من دروس كتب اللغة العربية وطال الحذف مناهج التاريخ والتربية الوطنية، وامتدت الى مناهج التعليم الأزهري فألغيت بعض المقررات الفقهية التى اعتقد انها تؤكد على التطرف والغلو. والواقع انه على الرغم من أنه لا توجد علاقة مباشرة بين التعليم والتطرف والإرهاب، إلا أن نظام التعليم يؤثر تأثيرا مباشرا ضمن عوامل أخرى على استعدادية الفرد لتقبل أفكار وعقائد متطرفة، كما ان إلغاء بعض الدروس قد يكون خطوة إيجابية، لكنها غير كافية وتتم بطريقة متسارعة، فبالإضافة الى الامتناع عن تعليم التطرّف، يجب فى المقابل تعليم التسامح، التاكيد على مفاهيم المواطنة... وحقوق الإنسان، وإضافة إلى ما يرد مباشرةً في المناهج، هناك مشكلة أخرى تتعلق بوجود ما يسمى بالمنهاج الخفي "هو ما يزرعه المعلمون بطلبتهم من آرائهم وثقافتهم الخاصة، في ظل غياب الرقابة. أن العملية التعليمية كما يؤكد الجميع ليست فقط منهجا أو مقررات، بل يضاف إليها- وهذا هو الأهم- ما يٌطلق عليه «المنهج الخفي»، أى ما يتعلق بتعامل المدرسين مع الطلاب، والأنشطة التعليمية، والحياة المدرسية بوجه عام، هنا يصبح من الضرورى الإشارة إلى البيئة الحاضنة للتطرف، التى تتمثل فى سيادة التلقين، وتعطيل الفكر النقدي، والاستبداد والقمع، وغياب الخيال، وضعف المشاركة، ومحدودية الانفتاح على المجتمع الخارجي، وهو الأمر الذى يحول المؤسسة التعليمية من مؤسسة مجتمعية منفتحة إلى مؤسسة بيروقراطية منغلقة، فإذا كان التطرف يقدم ثقافة جامدة، جافة، مفعمة بالاستعلاء، واقصاء الآخر المختلف، فإنه فى المقابل لابد أن تكون هناك ثقافة مغايرة فى المؤسسة التعليمية تقوم على التكوين والحوار والديمقراطية، الانفتاح على المجتمع، وتدريب الطلاب على النظرة الإنسانية للحياة، وممارسة ذلك بين جنباتها وخارجها، والا يقتصر دورها على حشو عقول المتعلمين بمعلومات ومعارف نظرية، وثقافات تغذى التطرف لنيل الشهادات العلمية، مع إهمال الاهتمام بالانشطة والتنمية الشاملة والمتكاملة لهم. والسؤال المطروح في هذا المجال هو: كيف يمكن للمؤسسة التربوية أن تعزز قيم التسامح في مواجهة التعصب والتطرف في مجتمعات لم تتعزز فيها تقاليد الديمقراطية بعد، خاصة تقاليد الاعتراف بالآخر، والتمثيل الشعبي، ومشاركة المجتمع المدني، حيث تغيب عمليًا مبادئ حقوق الإنسان، بل والأطر التنظيمية المشجعة على التعددية السياسية وتداول السلطة ؟ بداية من الصعب - كما يؤكد الكثيرون- أن نعزل حالة التعليم المتردية فى مصر، عن ضعف المناعة ضد التطرف فى الأنظمة التعليمية، فالمؤسسات التعليمية صارت طاردة، لا تسهم فى التكوين الفكرى والنفسى لطلابها، لا تقدم خريجا يمتلك المعرفة التى تمكنه من المنافسة فى سوق العمل إقليميا ودوليا، او مقاومة الافكار الداعمة للتطرف والارهاب، وهو أمر إذا كان لا يمكن إغفاله، فإن ذلك لا يمنعنا من الخوض فى المعركة ضد التطرف. ولذا فنحن فى حاجة الى إقرار سياسة تعليمية تقوم، على تحويل مؤسساتنا التعليمية، الى بيئات تعليمية جاذبة ومحببة للمتعلمين، وعلى مبدأ التربية على قيم التسامح، والمواطنة، والعقل، والتفكير الحر، وعدم تقديس نصوص القدامى أو رفعها من مرتبة الرأي الى مرتبة النص الديني الملزم، ونبذ التعصب والعنف، واحترام الآخر، ومواجهته بالحوار والحجة، ونبذ العنف بما فيه العنف اللفظي، والاعتراف بالحق في التنوع والاختلاف، وإعلاء روح الجماعة والمصلحة العامة بدلًا من الأنانية والتطرف والانغلاق، وتنمية مفاهيم ومهارات النقد المعرفي والعلمي والتعلم الذاتى، ولا بد من أن تجد هذه المنظومة من القيم مكانها في البرامج الدراسية المقررة في المدارس والجامعات، من أجل أن تتشبع بها الأجيال الجديدة والقادمة، وتتحلى بها في التفكير والسلوك. فى حاجة الى سياسة تعليمية تؤكد على اهمية وضرورة تفعيل ادوار المعلمين وتمكينهم من مساعدة طلابهم على ممارسة التفكير النقدي، وذلك من خلال أنشطة تعليمية مختلفة تعتمد على العصف الذهني، والتعلم النشط، ولعب الأدوار، والتعليم التعاوني، لمساعدة الفرد المتعلم على تنمية قدراته على التعبير وإبداء الرأي، والتحاور مع الآخرين، وإعمال العقل، وتنمية خياله العلمي، وتنمية قدرته على الاكتشاف، فى هذا الاطار يمكن الاستفادة مما يوفره "دليل المعلم لمنع التطرف العنيف " الصادر عن منظمة اليونسكو كمساهمة منها فى تنفيذ خطة الأمين العام للأمم المتحدة للعمل على منع التطرف العنيف، التي أعلن عنها في يناير 2016.