قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    ماذا حدث فى الأسواق العالمية بعد حديث رئيس الفيدرالى الأمريكى فى ندوة جاكسون هول؟.. الذهب يستفيد والأونصة تقفز بأكثر من 1% خلال جلسة واحدة.. تصريحات جيروم باول أعادت توقعات خفض الفائدة في سبتمبر    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    إسرائيليون من أمام إقامة رئيس وزراء الاحتلال: نتنياهو سيقتل الرهائن فى غزة    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    الكاف يخطر بيراميدز بموعد مباراتى الجيش الرواندى فى دوري الأبطال    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    بعد حالات غرق شاطئ "أبو تلات" احذروا شواطئ غرب الإسكندرية.. "ملتم" أغسطس يسبب تيارات شديدة ودوامات.. الهانوفيل فى المقدمة بسبب "المقبرة".. و"أبوتلات" فى المرتبة الثانية بسبب تيارات مصب النيل..    السجن المشدد 6 سنوات لحداد لاتجاره فى المخدرات وحيازة سلاح بشبرا الخيمة    بعد أنباء عودته لشيرين عبد الوهاب.. حسام حبيب ل ياسر قنطوش: تصرفات شيطانية هدفها تشويه سمعتي    وزارة الصحة تقدم 314 ألف خدمة طبية مجانية عبر 143 قافلة بجميع المحافظات    "عربية النواب": المجاعة في غزة جريمة إبادة متعمدة تستدعي تحركًا عاجلًا    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    باريس تستدعي سفيرة روما إثر تصريحات إيطالية بحق ماكرون    اليوم.. البابا تواضروس يترأس قداس تدشين كنيسة القديس مارمينا العجائبي بالإسكندرية    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    ماذا ينتظر كهربا حال إتمام انتقاله لصفوف القادسية الكويتي؟    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «تعليم أسوان» تعلن عن فرص عمل للمعلمين بنظام الحصة.. الشروط والأوراق المطلوبة    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    وزير التربية والتعليم يزور مدرسة «كوازاه» الفنية الصناعية في طوكيو    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    مستشفى الأهلى.. 6 لاعبين خارج الخدمة فى مباراة غزل المحلة بسبب الإصابة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعليم الديني في مصر.. الأفكار المدمرة
نشر في صوت البلد يوم 25 - 02 - 2016

إن التخلص من الأفكار المدمرة أو محاولة حصرها، لم يتم من خلال محاولات التغيير المستمرة للمناهج الدراسية، حيث نجد أنه مع كل أزمة مجتمعية يتم توجيه انتقادات حادة حول بعض المفاهيم والمعلومات والقيم السلبية التي تضمنتها المناهج التعليمية، فيتجه المسؤولون نحو الحذف أو الإضافة دون رؤية متكاملة تستند إلى التغيير في ضوء فلسفة تستهدف المواطنة والتنوير والتفكير الناقد. ولم تأت محاولات التطوير غالباً إلا بالفشل؛ لأن هذا التطوير لا يتضمن مواجهة العنف والتسلط والتطرف من خلال فتح باب الحوار والاجتهاد وإعمال العقل ومقارعة الحجة بالحجة، وإتاحة حرية التعبير والتفكير دون قيود أو تخوين.
تقديس الشخصيات
إن تحويل الشخصيات التاريخية الدينية إلى شخصيات مقدسة من خلال إخراجها من السياق التاريخي، يُسهم في تكوين ذهنية منغلقة ضيقة التفكير لا تقبل الاختلاف، ومن ثم فإن المناهج الدراسية -بشكل عام- جميعها، ولاسيما العلوم الإنسانية فيها، تحتاج لإعادة النظر، ليس فقط من خلال الحذف والإضافة، حتى وإن كان هذا الحذف للفقرات التي تدعو للعنف والتطرف، وإنما من خلال تحويلها من الجمود إلى المرونة، ومن الأحادية إلى التنوع والتعددية، ومن التلقين إلى الحوار، ومن الاعتماد على الآخر إلى الاعتماد على الذات، ومن الحفظ والتلقين إلى التفكير وإعمال العقل، ومن ثقافة التعصب إلى ثقافة المواطنة.
ليست –فقط- المناهج الدراسية هي التي في حاجة للتغيير الجذري، وإنما –أيضاً- الثقافة المدرسية التي أصبحت تمد جماعات العنف الديني برصيد هائل من عضويتها، فالمدرسة أصبحت -هي نفسها- مكاناً خصباً وملائماً لحوادث العنف بين الطلبة بعضهم البعض وبينهم وبين المعلمين، ثم امتد ذلك ليكون خارج المدارس ليشمل المجتمع بأسره، ويبدو أن المدارس قد توقفت تماماً عن دورها المؤثر مجتمعياً، من خلال كونها عوازل واقية ضد ثقافة داعمة للعنف، إلى كونها إحدى آليات فرز العنف والتطرف.
أهداف تغيير التعليم
• أن المعارف والمعلومات التي تقدم من خلال منظومة المنهج يجب أن تميز بين الواقعي والوهمي.
• أن تكون جميع الأفكار والآراء قابلة للنقد والتقويم.
• المساهمة المناهج الدراسية والمناخ الصفي واللاصفي والمدرسة برمتها في تنمية قيم التسامح والتواصل الإنساني.
• المساهمة العملية التعليمية في إحداث تغيرات إيجابية للمتعلمين تكسبهم الوعي وعمق التفكير وإمكانات التفاعل مع أحداث الحاضر والمتغيرات المستقبلية.
• الابتعاد عن التمييز المحتمل في البنائية والعزلة والطائفية.
ونقطة البداية كمسؤولية ثقافية وطنية، هي الخروج أو تحديد أساليب الخروج من أزمة انتشار الفكر المتطرف الديني، وذلك من خلال العمل على فصل الدين عن العلم، فالأول، أي الدين، ثابت يقيني مقدس، ويجب أن يكون مكانه المسجد أو الكنيسة، أما الثاني، أي العلم، فهو نسبي متغير ومكانه المؤسسات التعليمية.
مقترحات تجديد المناهج
الأول: تنقية مناهج التربية الدينية الإسلامية والمسيحية من التراث والقصص والأساطير التي تُحكَى في المناسبات ويستحسنها الناس، ووردت في الفكر الديني واحتلت مساحة واسعة لدى بعض رجال الدين، حتى تحولت وأصبحت جزءاً من الدين.
الثاني: لمواجهة البيئة التمييز، في التعليم المصري، يصبح من الضروري تدريس الأديان كلها من خلال منهج واحد يسمى "دراسات الأديان"، وذلك بهدف تعميق إدراك التعددية الدينية وإكساب المتعلمين القدرة على فهم الدور الذي تلعبه الأديان في العالم.
الثالث: أن يدرس النسق القيمي الذي هو في حقيقة الأمر متضمن لدى جميع الأديان من خلال منهج واحد يسمى "الأخلاق والقيم"، ويُدرس لكل من المسلمين والمسيحيين، وتبقى العقائد فيتم نقلها من خلال المسجد والكنيسة والأسرة، وفى كل الأحول، فإن تدريس المناهج الدينية يجب أن يكون في ظل تلك المبادئ:
1- يجب أن يتلقى الطلاب معلومات عن الأديان والمعتقدات في مناخ يتسم باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والقيم المدنية.
2- يجب على من تقع عليه مسؤولية تدريس الأديان والمعتقدات أن يكون ملتزماً بالحرية الدينية ومؤمناً بفكرة التعددية والتسامح، وأن يسهم في دفع مناخ المدرسة إلى تعزيز حماية حقوق الآخرين في ضوء الاحترام المتبادل بين جميع الأفراد في المدرسة.
3- المراجعة الدائمة والمستمرة من خلال أجهزة استشارية، وإتاحة إمكانية لأولياء الأمور والطلاب والمعلمين لإبداء آرائهم في المناهج، مع التزام الحياد إلى جانب الحذر من أن تحتوي المواد التعليمية على معلومات غير دقيقة أو مسيئة لمعتقدات الآخرين.
4- الاهتمام بتطوير مناهج التدريب الأساسية لإعداد المعلم على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن تتضمن فكرة التنوع الثقافي والديني في المجتمع. أيضاً يجب تطوير المناهج للمعايير المتعارف عليها لضمان تدريس الأديان بشكل مرن، مع إعطاء الفرصة للأطراف المهتمة بإعطاء النصائح والتعليقات حول المناهج.
5- إن شيوع التطرف في التفكير لدرجة العنف بكل أشكاله، يجعل فهم الآخر قضية ملحة حتى يمكن التعامل معه بوعي، وهذا يعني تدريس الأديان السماوية وغيرها على أسس من الموضوعية والتركيز على ما هو مشترك، حتى يصل الجميع للفهم الجيد للمعتقدات المختلفة، مما يسهم في الإعلاء من القيمة الإيجابية لاحترام حق الآخر في اختيار الدين والمعتقد.
6- ولمناهضة التعصب، يجب أن تدرس الأديان -بشكل عام- انطلاقاً من مبدأ التعددية، وحوار واحترام الحضارات وليس الصراع، ذلك لأن شيوع سوء التفاهم والتصنيف السلبي والتحقير للآخر، كلها أعراض لغياب الفهم الحقيقي لمعتقدات الآخرين، مما يدفع إلى الكراهية والعنف.
7- بالنسبة لمناهج التربية الدينية، يجب أن يتضمن خطابها قيم الحرية والتعددية واحترام الأديان والبعد عن التعصب، فالحقيقة ليست ملكاً لأحد، وأن تكون لغة الخطاب التي تقدم للطلاب مستندة إلى العقل ومخاطبته من التعايش في ظل ثقافة متسامحة تؤمن بالمساواة والحرية بين جميع البشر.
حالات الأسلمة
إن الملاحظ أن حالات أسلمة كثير من الموضوعات واضحة، حيث نجد في المنهج السابق نفسه (ص10) بث آيات قرآنية لا تُضيف شيئاً لعلم الجغرافيا، وليس الحال أفضل في مجال التاريخ، ففي (ص14) يقول: "إن بعض ملوك الدولة الفرعونية القديمة قد اهتموا باستقلال الموارد كافة التي وهبها الله لمصر"، أو عبارة "أنعم الله على المصريين منذ فجر التاريخ"، والحقيقة أن محاولة أسلمة المناهج أو عملية تديينها، ليست قائمة علىوعي، مما يكشف -وبشكل صريح- عن العشوائية في إطلاق المناسبات للخروج بكلمة من هنا أو هناك، وفى الوقت نفسه، فهي مناهج تفتقد للشجاعة لأنها لا تحاول الاشتباك مع القضايا والمشكلات التاريخية والصراعات والمنعطفات بوعي وإدراك وشمولية، وهي بذلك لا تعد الطلاب ولا ترغب في أن تعدهم للتعامل مع المشكلات بجدية.
إن ما قاله سعد زغلول لرفيقه مكرم عبيد يؤكد أن مصر مرت بمرحلة كانت فيها الوحدة الوطنية متماسكة، وكان التسامح الديني والإيمان بالمساواة أمرين واضحين، وربما كان ذلك للسعي من أجل استقلال مصر، أي وجود قاسم مشترك بين المسلمين والمسيحيين بالدعوة للاستقلال عن الخلافة العثمانية عبر دعوة أحمد لطفي السيد (1872-1963) "مصر للمصريين"، غير أن ذلك السعي لترسيخ قيم المواطنة، قد أخذ شكله المتكامل بعد ثورة 1919 التي اشتركت فيها الأمة بجميع طوائفها، وجاء دستور 1923 الذي أسس لدولة مدنية حديثة في مختلف الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وقد انعكست تلك القيم على التعليم العام والعالي الذي لم يكن يثير -في مناهجه أو أهدافه أو أنشطته- أي تمييز على أساس ديني.
....
*خلاصة من بحث إلهام عبد الحميد فرجالدين في التعليم المصري وتنشئة التطرف، ضمن الكتاب 103 (تموز 2015) جدل التعليم الديني: التاريخ النماذج الإصلاح الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
إن التخلص من الأفكار المدمرة أو محاولة حصرها، لم يتم من خلال محاولات التغيير المستمرة للمناهج الدراسية، حيث نجد أنه مع كل أزمة مجتمعية يتم توجيه انتقادات حادة حول بعض المفاهيم والمعلومات والقيم السلبية التي تضمنتها المناهج التعليمية، فيتجه المسؤولون نحو الحذف أو الإضافة دون رؤية متكاملة تستند إلى التغيير في ضوء فلسفة تستهدف المواطنة والتنوير والتفكير الناقد. ولم تأت محاولات التطوير غالباً إلا بالفشل؛ لأن هذا التطوير لا يتضمن مواجهة العنف والتسلط والتطرف من خلال فتح باب الحوار والاجتهاد وإعمال العقل ومقارعة الحجة بالحجة، وإتاحة حرية التعبير والتفكير دون قيود أو تخوين.
تقديس الشخصيات
إن تحويل الشخصيات التاريخية الدينية إلى شخصيات مقدسة من خلال إخراجها من السياق التاريخي، يُسهم في تكوين ذهنية منغلقة ضيقة التفكير لا تقبل الاختلاف، ومن ثم فإن المناهج الدراسية -بشكل عام- جميعها، ولاسيما العلوم الإنسانية فيها، تحتاج لإعادة النظر، ليس فقط من خلال الحذف والإضافة، حتى وإن كان هذا الحذف للفقرات التي تدعو للعنف والتطرف، وإنما من خلال تحويلها من الجمود إلى المرونة، ومن الأحادية إلى التنوع والتعددية، ومن التلقين إلى الحوار، ومن الاعتماد على الآخر إلى الاعتماد على الذات، ومن الحفظ والتلقين إلى التفكير وإعمال العقل، ومن ثقافة التعصب إلى ثقافة المواطنة.
ليست –فقط- المناهج الدراسية هي التي في حاجة للتغيير الجذري، وإنما –أيضاً- الثقافة المدرسية التي أصبحت تمد جماعات العنف الديني برصيد هائل من عضويتها، فالمدرسة أصبحت -هي نفسها- مكاناً خصباً وملائماً لحوادث العنف بين الطلبة بعضهم البعض وبينهم وبين المعلمين، ثم امتد ذلك ليكون خارج المدارس ليشمل المجتمع بأسره، ويبدو أن المدارس قد توقفت تماماً عن دورها المؤثر مجتمعياً، من خلال كونها عوازل واقية ضد ثقافة داعمة للعنف، إلى كونها إحدى آليات فرز العنف والتطرف.
أهداف تغيير التعليم
• أن المعارف والمعلومات التي تقدم من خلال منظومة المنهج يجب أن تميز بين الواقعي والوهمي.
• أن تكون جميع الأفكار والآراء قابلة للنقد والتقويم.
• المساهمة المناهج الدراسية والمناخ الصفي واللاصفي والمدرسة برمتها في تنمية قيم التسامح والتواصل الإنساني.
• المساهمة العملية التعليمية في إحداث تغيرات إيجابية للمتعلمين تكسبهم الوعي وعمق التفكير وإمكانات التفاعل مع أحداث الحاضر والمتغيرات المستقبلية.
• الابتعاد عن التمييز المحتمل في البنائية والعزلة والطائفية.
ونقطة البداية كمسؤولية ثقافية وطنية، هي الخروج أو تحديد أساليب الخروج من أزمة انتشار الفكر المتطرف الديني، وذلك من خلال العمل على فصل الدين عن العلم، فالأول، أي الدين، ثابت يقيني مقدس، ويجب أن يكون مكانه المسجد أو الكنيسة، أما الثاني، أي العلم، فهو نسبي متغير ومكانه المؤسسات التعليمية.
مقترحات تجديد المناهج
الأول: تنقية مناهج التربية الدينية الإسلامية والمسيحية من التراث والقصص والأساطير التي تُحكَى في المناسبات ويستحسنها الناس، ووردت في الفكر الديني واحتلت مساحة واسعة لدى بعض رجال الدين، حتى تحولت وأصبحت جزءاً من الدين.
الثاني: لمواجهة البيئة التمييز، في التعليم المصري، يصبح من الضروري تدريس الأديان كلها من خلال منهج واحد يسمى "دراسات الأديان"، وذلك بهدف تعميق إدراك التعددية الدينية وإكساب المتعلمين القدرة على فهم الدور الذي تلعبه الأديان في العالم.
الثالث: أن يدرس النسق القيمي الذي هو في حقيقة الأمر متضمن لدى جميع الأديان من خلال منهج واحد يسمى "الأخلاق والقيم"، ويُدرس لكل من المسلمين والمسيحيين، وتبقى العقائد فيتم نقلها من خلال المسجد والكنيسة والأسرة، وفى كل الأحول، فإن تدريس المناهج الدينية يجب أن يكون في ظل تلك المبادئ:
1- يجب أن يتلقى الطلاب معلومات عن الأديان والمعتقدات في مناخ يتسم باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والقيم المدنية.
2- يجب على من تقع عليه مسؤولية تدريس الأديان والمعتقدات أن يكون ملتزماً بالحرية الدينية ومؤمناً بفكرة التعددية والتسامح، وأن يسهم في دفع مناخ المدرسة إلى تعزيز حماية حقوق الآخرين في ضوء الاحترام المتبادل بين جميع الأفراد في المدرسة.
3- المراجعة الدائمة والمستمرة من خلال أجهزة استشارية، وإتاحة إمكانية لأولياء الأمور والطلاب والمعلمين لإبداء آرائهم في المناهج، مع التزام الحياد إلى جانب الحذر من أن تحتوي المواد التعليمية على معلومات غير دقيقة أو مسيئة لمعتقدات الآخرين.
4- الاهتمام بتطوير مناهج التدريب الأساسية لإعداد المعلم على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن تتضمن فكرة التنوع الثقافي والديني في المجتمع. أيضاً يجب تطوير المناهج للمعايير المتعارف عليها لضمان تدريس الأديان بشكل مرن، مع إعطاء الفرصة للأطراف المهتمة بإعطاء النصائح والتعليقات حول المناهج.
5- إن شيوع التطرف في التفكير لدرجة العنف بكل أشكاله، يجعل فهم الآخر قضية ملحة حتى يمكن التعامل معه بوعي، وهذا يعني تدريس الأديان السماوية وغيرها على أسس من الموضوعية والتركيز على ما هو مشترك، حتى يصل الجميع للفهم الجيد للمعتقدات المختلفة، مما يسهم في الإعلاء من القيمة الإيجابية لاحترام حق الآخر في اختيار الدين والمعتقد.
6- ولمناهضة التعصب، يجب أن تدرس الأديان -بشكل عام- انطلاقاً من مبدأ التعددية، وحوار واحترام الحضارات وليس الصراع، ذلك لأن شيوع سوء التفاهم والتصنيف السلبي والتحقير للآخر، كلها أعراض لغياب الفهم الحقيقي لمعتقدات الآخرين، مما يدفع إلى الكراهية والعنف.
7- بالنسبة لمناهج التربية الدينية، يجب أن يتضمن خطابها قيم الحرية والتعددية واحترام الأديان والبعد عن التعصب، فالحقيقة ليست ملكاً لأحد، وأن تكون لغة الخطاب التي تقدم للطلاب مستندة إلى العقل ومخاطبته من التعايش في ظل ثقافة متسامحة تؤمن بالمساواة والحرية بين جميع البشر.
حالات الأسلمة
إن الملاحظ أن حالات أسلمة كثير من الموضوعات واضحة، حيث نجد في المنهج السابق نفسه (ص10) بث آيات قرآنية لا تُضيف شيئاً لعلم الجغرافيا، وليس الحال أفضل في مجال التاريخ، ففي (ص14) يقول: "إن بعض ملوك الدولة الفرعونية القديمة قد اهتموا باستقلال الموارد كافة التي وهبها الله لمصر"، أو عبارة "أنعم الله على المصريين منذ فجر التاريخ"، والحقيقة أن محاولة أسلمة المناهج أو عملية تديينها، ليست قائمة علىوعي، مما يكشف -وبشكل صريح- عن العشوائية في إطلاق المناسبات للخروج بكلمة من هنا أو هناك، وفى الوقت نفسه، فهي مناهج تفتقد للشجاعة لأنها لا تحاول الاشتباك مع القضايا والمشكلات التاريخية والصراعات والمنعطفات بوعي وإدراك وشمولية، وهي بذلك لا تعد الطلاب ولا ترغب في أن تعدهم للتعامل مع المشكلات بجدية.
إن ما قاله سعد زغلول لرفيقه مكرم عبيد يؤكد أن مصر مرت بمرحلة كانت فيها الوحدة الوطنية متماسكة، وكان التسامح الديني والإيمان بالمساواة أمرين واضحين، وربما كان ذلك للسعي من أجل استقلال مصر، أي وجود قاسم مشترك بين المسلمين والمسيحيين بالدعوة للاستقلال عن الخلافة العثمانية عبر دعوة أحمد لطفي السيد (1872-1963) "مصر للمصريين"، غير أن ذلك السعي لترسيخ قيم المواطنة، قد أخذ شكله المتكامل بعد ثورة 1919 التي اشتركت فيها الأمة بجميع طوائفها، وجاء دستور 1923 الذي أسس لدولة مدنية حديثة في مختلف الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وقد انعكست تلك القيم على التعليم العام والعالي الذي لم يكن يثير -في مناهجه أو أهدافه أو أنشطته- أي تمييز على أساس ديني.
....
*خلاصة من بحث إلهام عبد الحميد فرجالدين في التعليم المصري وتنشئة التطرف، ضمن الكتاب 103 (تموز 2015) جدل التعليم الديني: التاريخ النماذج الإصلاح الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.