انهيار البنية الأساسية للكليات ومراكز الأبحاث وتخصيص الجانب الأعظم من الميزانيات للإنفاق على الأجور أبرز أسباب التراجع من بين 25 جامعة حكومية لا يوجد فى مصر سوى 3 قادرة على التنافس وهى «القاهرة»و«المنصورة»و«الإسكندرية» الجامعات الإيرانية حققت إنجازات عالمية متميزة.. والتركية من الأكثر قوة على مستوى العالم جامعة تل أبيب بقيت ضمن أفضل 150 مؤسسة على مستوى العالم من 2003 وحتى 2013 دراسات «المركز العربى للبحوث» استمرارًا لسياسة التعاون بين جريدة «البوابة» والمركز العربي للبحوث والدراسات ننشر اليوم دراسة د. أحمد موسى بدوي الخبير السوسيولوجى ومدير وحدة الدراسات الاجتماعية بالمركز العربى للبحوث والدراسات حول أزمة التعليم فى مصر. عدة عوامل تساعد أى دولة على امتلاك عناصر القوة الشاملة التى تهيئها لتتبوأ مكانة إقليمية ودولية عالية، منها الاقتصادى، السياسى، العسكري، الثقافى، والعلمى. ولا بد من تضافر هذه العوامل معًا، لكى ترتقى الدولة إلى القوة الشاملة المطلوبة لخلق هذه المكانة. غير أن العلم فى حد ذاته له أهمية شبه مستقلة، حيث ينعكس تطوره على جميع العوامل المذكورة. دع عنك تصريح أشرف الشيحى، وزير التعليم العالى «أقسم على المصحف التعليم الجامعى كويس» فلا شك أن التعليم الجامعى والبحث العلمى فى مصر، يواجه راهنًا ومنذ أمد بعيد العديد من المشكلات، دفعت مصر للتراجع فى تصنيف الجامعات والمعاهد العلمية العالمية الذى ينشر كل عام ومن عدة مراكز أبحاث مرموقة ومستقلة فى عملها. وفى هذا المقال نسعى إلى رصد وتحليل المكانة العلمية للجامعات الإقليمية بالتركيز على حالة مصر وتركياوإيران وإسرائيل. وسوف نعتمد فى التحليل على البيانات الصادرة عن معهد التعليم العالى التابع لجامعة جيو تونج الصينية، والمعروف بتصنيف (شنغهاى). تعريف بتصنيف شنغهاي فى سعى الصين الدؤوب من أجل تعظيم قوتها الاقتصادية، اهتمت منذ السبعينيات بتعظيم القدرة التنافسية العلمية الصينية، التى تسمح لها بالتفوق التكنولوجى، وفى هذا الإطار أنشأت الصين مركزًا بجامعة جيو تونج، هدفه الأساسى، تحديد مكانة الجامعات الصينية مقارنة بغيرها من الجامعات على مستوى العالم، بحيث تتمكن الدولة بعد الوقوف على حالة الجامعات الصينية من تطوير نظمها وتقليل الفجوة ثم الارتقاء إلى مصاف الجامعات ذات السمعة العالمية. ويعتمد تصنيف شنغهاى على معايير موضوعية، وقد منحته الدولة الصينية صفة الاستقلالية، وحظرت استغلال نتائجه لأى أغراض تجارية، ولهذه الأسباب يعد من أهم التصنيفات العالمية فى مجال ترتيب الجامعات العالمية. يستخلص برنامج التصنيف مؤشرات التفوق والتمايز بين الجامعات والمعاهد العلمية من تقييم خمس مجموعات علمية هي: العلوم الطبيعية والرياضيات، الهندسة وعلوم الحاسب الآلي، العلوم الحيوية والزراعية، الطب والصيدلة، العلوم الاجتماعية. وهناك ستة مؤشرات أساسية تقيس جودة التعليم ومخرجاته فى هذه المجموعات العلمية: (1) خريجو الجامعة الذين حصلوا على جائزة نوبل وميدالية فيلدز (وهى تعادل جائزة نوبل، وتمنح كل أربع سنوات للاكتشافات فائقة التميز فى الرياضيات)، وقيمة هذا المؤشر عشر درجات مئوية. (2) أعضاء هيئة التدريس فى الجامعة الذين حصلوا على جائزة نوبل وميدالية فيلدز، وقيمة المؤشر عشرون درجة مئوية. (3) الباحثون من الجامعة الأكثر تأثيرًا واستشهادًا بهم فى 21 تخصصًا علميًا، وقيمة هذا المؤشر عشرون درجة مئوية. (4) المقالات العلمية التى تنتجها الجامعة وتم نشرها فى مجلتى الطبيعة والعلوم، وقيمة هذا المؤشر عشرون درجة مئوية. (5) المقالات العلمية التى تنتجها الجامعة وأدرجت فى دليل النشر العلمى الموسع، أو دليل النشر للعلوم الاجتماعية، وقيمة هذا المؤشر عشرون درجة مئوية. (6) نصيب عضو هيئة التدريس والباحثين فى الجامعة من مجمل المؤشرات السابقة، وقيمة هذا المؤشر عشر درجات مئوية، بذلك يكتمل التقييم إلى 100٪. وينبغى لفت انتباه القارئ، إلى أن اختيار أفضل 500 جامعة على مستوى العالم يتم بعد تصفية بين عدد كبير من الجامعات المتنافسة يبلغ أكثر من 1200 جامعة. وعليه فإن من مؤشرات التقدم العلمى للدولة، أن يكون لديها عدد أكبر من الجامعات القادرة على التنافس ضمن العدد الإجمالى الخاضع للتقييم، وأن يكون لبعضها القدرة على الدخول ضمن أفضل 500 جامعة. ولا تنتهى القصة عند هذا الحد، بل إن التنافس يستمر فى الارتقاء إلى أفضل 100 جامعة فى العالم. ويقدم لنا تصنيف شنغهاى، ثلاثة ترتيبات، (1) الترتيب العام للجامعة. (2) الترتيب بالنسبة لمجموعات العلوم الخمسة المذكورة بعاليه. (3) ترتيب الجامعات فى خمسة تخصصات علمية كل على حدة، وهي: الفيزياء، الكيمياء، الاقتصاد، الحاسب الآلى، الرياضيات. وفيما يلى سوف نستعرض مع القارئ تصنيف الجامعات المصرية والإيرانية والتركية والإسرائيلية. بالبحث فى أنواع التصنيف الثلاثة. تصنيف الجامعات المصرية من بين 25 جامعة حكومية لا يوجد فى مصر سوى ثلاث جامعات فقط قادرة على التنافس وفق برنامج تصنيف شنغهاى، وهى جامعات القاهرة، الإسكندرية، المنصورة. ولم تتمكن جامعتا المنصورة أو الإسكندرية من دخول حيز أفضل 500 جامعة منذ بداية التصنيف فى 2003 وحتى الآن، بينما استطاعت جامعة القاهرة أن تلحق الترتيب ضمن الفئة الأخيرة (401 - 500 جامعة)، فى عام 2006، ثم خرجت من التصنيف من أعوام 2008، 2009، 2010. ثم عادت لنفس الفئة من 2011 وحتى 2016. لكن المشكلة أن هذه الجامعات بحسب التصنيف، بما فيها جامعة القاهرة، لم يحدث بها تقدم يذكر فى مجموعات العلوم الخمس، ولا فى التخصصات العلمية المهمة. وسوف نرى بعد قليل أن بعض الجامعات الإيرانية أو التركية أو الإسرائيلية، على الرغم من أنها يمكن أن تكون خارج أفضل 500 جامعة، إلا أنها تحرز تقدمًا فى بعض المجالات العلمية، يساعدها على تحسين مكانتها العلمية مع الوقت، ومن ثم الدخول إلى قائمة أفضل الجامعات العالمية. تصنيف الجامعات الإيرانية يوجد فى إيران 42 جامعة، ولديها سبع جامعات داخل المنافسة فى تصنيف شنغهاي، منها ثلاث جامعات حققت إنجازات علمية متميزة وهي: (1) جامعة طهران: لحقت بالترتيب ضمن الفئة الأخيرة (401-500) فى عامى 2009، 2010، ثم حققت إنجازا كبيرا فى عامى 2011، 2012 بالصعود إلى الترتيب (301-401)، وفى عام 2015 صعدت إلى الترتيب (201-300)، وفى عام 2016 عادت إلى الترتيب (301-400). لكنها فى نفس الوقت تتميز فى مجال الهندسة، وأصبحت فى عام 2016 ضمن أفضل 50 جامعة فى هذا الميدان. كما أنها صنفت ضمن أفضل 200 جامعة فى ميدان علوم الحاسب الآلي، فى ثلاثة أعوام متتالية (2013، 2014، 2015). (2) جامعة أمير أكبر للتكنولوجيا، استطاعت أن تصل فى عام 2016 إلى أفضل 500 جامعة، وذلك نتيجة تميزها منذ عام 2012 فى مجالات الهندسة والرياضيات وعلوم الحاسب الآلى، وتعتبر من أفضل 150 جامعة على مستوى العالم فى هذه الميادين. (3) جامعة شريف للتكنولوجيا، أصبحت ضمن أفضل 500 جامعة فى عام 2015، ولديها تميز عالمى فى ميدان الهندسة، حيث تحل ضمن قائمة أفضل 200 جامعة فى هذا الميدان، بينما تحل ضمن قائمة أفضل 150 جامعة فى ميدان علوم الحاسب الآلى. أما الجامعات الأربع الباقية فهى خارج تصنيف أفضل 500 جامعة، ولا تمتلك نقاط تميز فى تصنيف مجموعات العلوم، أو فى تصنيف التخصصات المهمة، كحال جامعتى المنصورةوالإسكندرية، وهي: (4) جامعة إيران للعلوم والتكنولوجيا. (5) جامعة أصفهان للتكنولوجيا. (6) جامعة التربية والتعليم. (7) جامعة طهران للعلوم الطبية. إن هذه السمات توضح لنا وتجيب عن أسئلة كثيرة، منها كيف امتلكت إيران المعرفة والتكنولوجيا النووية، ويتضح مما سبق أن الجامعات الإيرانية تميزت فى كل المجالات العلمية، ما يعنى أنها تملك قاعدة علمية رصينة، ولا تعتمد على معرفة مستوردة، وتستطيع إدارة مشروعها النووى بكفاءة عالية وبكوادر إيرانية. وهذا الوضع سمح لها المضى بثقة فى مفاوضات عسيرة مع القوى الكبرى، والتوصل إلى الاتفاق الشهير، ولو أن إيران كانت تعتمد على معرفة أو تكنولوجيا مستوردة بالكامل، لما تمكنت نهائيًا بالخروج بالاتفاق على هذا النحو، الذى يعد انتصارًا لها وتعزيزًا لقوتها فى الشرق الأوسط. تصنيف الجامعات التركية تمتلك تركيا منظومة تعليم قوية، فى جميع المجالات، ولديها 96 جامعة حكومية، وهو ما سمح لثلاث عشرة جامعة تركية بدخول حلبة المنافسة، من بينها ست جامعات تمتلك قدرات علمية على مستوى عالمى فى عدة مجالات: (1) جامعة البسفور: لم تصل إلى أفضل 500 جامعة، ولكنها تحل ضمن أفضل 200 جامعة فى ميدان الفيزياء. (2) جامعة العلوم الطبية بأنقرة: كانت من أوائل الجامعات التركية التى صارت ضمن الفئة الأخيرة من أفضل 500 جامعة، أعوام 2003، 2005، 2006، ثم تراجع مستواها بعد ذلك. (3) جامعة إسطنبول العامة: وهى من أقدم الجامعات فى الشرق الأوسط، ولم تخرج من تصنيف أفضل 500 جامعة منذ عام 2007 حتى عام 2016، ولكنها مع ذلك لا تتمتع بمكانة عالمية فى تصنيف المجموعات العلمية الخمس أو فى مجال تصنيف التخصصات المهمة. وهى بذلك تشبه حالة جامعة القاهرة، ولكنها تختلف فى أنها قادرة على مغادرة الفئة الأخيرة، فقد حلت فى قائمة أفضل 400 جامعة فى عام 2011. (4) جامعة كودجي: وهى جامعة حديثة لم تصعد إلى أفضل 500 جامعة، ولكنها تحل ضمن قائمة أفضل 200 جامعة فى ميدان الاقتصاد وإدارة الأعمال. (5) جامعة الشرق الأوسط الفنية: لم تدخل ضمن أفضل الجامعات العالمية، ولكنها حلت فى 2016 ضمن أفضل 200 جامعة فى مجال العلوم الهندسية. (6) جامعة إيجه: ولم تدخل ضمن أفضل 500 جامعة، ولكنها حلت ضمن قائمة أفضل 200 جامعة فى مجال الرياضيات. إلى جانب هذه الطائفة من الجامعات التركية المتميزة، توجد طائفة أخرى - تشبه حالة جامعتى المنصورةوالإسكندرية - امتلكت القدرة على الدخول فى العدد الإجمالى للجامعات الخاضعة للتقييم فى تصنيف شنغهاى، ولكنها لا تملك نقاط تميز فى مجموعات العلوم الخمس، أو فى تصنيف التخصصات المهمة، وهذه الجامعات هي: (7) جامعة بلكيانت. (8) جامعة غازى. (9) جامعة إسطنبول الفنية. (10) جامعة كوجايلى. (11) جامعة مرمرة. (12) جامعة 19 مايو. (13) جامعة سابنجى. ويتضح من وضع الجامعات التركية، اتساع قاعدة التعليم الجامعى والبحث العلمى، وبسبب تفوق الجامعات فى مجالات الهندسة والاقتصاد وإدارة الأعمال، تمكنت من توفير الكوادر البشرية المدربة والمؤهلة علميا، وخلال فترة وجيزة (2005-2015) تعاظمت الاستثمارات فى مجال الصناعة، والخدمات الإنتاجية، فأحدثت الفارق فى قوتها الاقتصادية، واحتلت المركز السابع عشر عالميًا. تصنيف الجامعات الإسرائيلية إذا وضعنا الوزن الديموجرافى فى الاعتبار فمن المفترض أن تمتلك مصر وإيرانوتركيا، عددًا أكبر من الجامعات المصنفة عالميًا مقارنة بإسرائيل، فهذه البلدان مجتمعة يبلغ عدد سكانها 245 مليون نسمة تقريبًا، مقابل سبعة ملايين نسمة لإسرائيل. ولديها 163 جامعة حكومية مقابل ثماني جامعات إسرائيلية. غير أن الواقع المؤلم يشير إلى اختلاف نوعى فى حالة الجامعات الإسرائيلية ومكانتها العالمية، عن كافة الجامعات فى الشرق الأوسط. فلدى إسرائيل سبع جامعات من ثماني تأهلت للدخول ضمن المنافسة فى تصنيف شنغهاى، واستطاعت أن تحقق رتبًا عالية داخل التصنيف العام، وتصنيف المجموعات العلمية، وتصنيف التخصصات المهمة، على النحو التالي: (1) جامعة تل أبيب: بقيت ضمن أفضل 150 جامعة على مستوى العالم طيلة الفترة من 2003 حتى 2013، ثم تراجعت قليلا إلى أفضل 200 جامعة فى السنوات الثلاث الماضية. وهى متفوقة بصفة خاصة فى العلوم الطبيعية، والرياضيات وعلوم الحاسب الآلى والاقتصاد. (2) الجامعة العبرية: تقع ضمن أفضل مائة جامعة فى العالم منذ 2003 حتى 2016، وهى متفوقة فى مجالات العلوم الطبيعية والطب والرياضيات والهندسة والحاسب الآلى والاقتصاد. (3) معهد إسرائيل للتكنولوجيا: بدأ المعهد فى الفئة 201-300، فى عام 2003، وأصبح من 2012 وحتى 2016 ضمن أفضل مائة جامعة على مستوى العالم. (4) معهد وايزمان للتكنولوجيا: يقع ضمن أفضل 150 جامعة منذ عام 2003 وحتى 2016. (5) جامعة بن جوريون: وهى من الجامعات التى تدخل ضمن الفئة (301-400) عالميًا طوال الفترة من 2003 وحتى 2013، وتراجعت فى السنوات الثلاث الأخيرة إلى الفئة الأخيرة (401-500). (6) جامعة حيفا: دخلت ضمن الفئة الأخيرة أعوام من 2004 حتى 2013، ثم خرجت من التصنيف فى العامين الماضيين. (7) جامعة بار إيلان: ظلت ضمن أفضل 400 جامعة منذ عام 2003 حتى 2013، ثم تراجعت إلى الفئة الأخيرة عامى 2014، 2015، وخرجت من التصنيف فى 2016. إن هذه القدرة العلمية والتكنولوجية التى تكشف عنها حالة الجامعات الإسرائيلية ومكانتها العالمية، تعيد إلى الأذهان، حوادث اغتيال علماء مصر الأفذاذ من قبل الموساد الإسرائيلى (مصطفى مشرفة، سميرة موسى، سمير نجيب، يحيى المشد، سعيد السيد بدير) وكيف أن إسرائيل اعتبرت الصراع العلمى أهم فى أحيان كثيرة من الصراعات الأخرى. غير أننا فى مصر وكامل الوطن العربى، نسير دائما فى السكة الخاطئة، فنفقد بمرور الوقت عناصر القوة الشاملة، وتزداد الفجوات بيننا وبينهم رويدًا رويدًا، حتى نصل إلى درجة من الضعف وعدم القدرة على لعب دورٍ فعالٍ فى المنطقة. کيف تستعيد مصر قوتها العلمية؟ من جملة ما سبق من حقائق عن تصنيف الجامعات المصرية والتركية والإيرانية والإسرائيلية، يتضح لنا أن مكانة مصر العلمية فى حالة متدهورة، فالجامعات الثلاث التى تمكنت فى الدخول للمنافسة، لم تقو سوى واحدة منها على البقاء فى قائمة أفضل 500 جامعة عالميا لفترات متقطعة، دون أن تتمكن من تحسين تصنيفها داخل الفئة إلا من الترتيب 401 إلى 409. ولا غرابة فى ذلك فالجامعات الثلاث لا تقدم أى نقاط تميز فى تصنيف مجموعات العلوم الخمس، كما لا تقدم أى نقاط تميز فى تصنيف التخصصات المهمة. فى الوقت الذى تمتلك فيه إيران سبع جامعات، وتمتلك تركيا ثلاث عشرة جامعة، بعض منها سواء فى تركيا أو إيران، يتمتع بمكانة علمية عالمية فى التصنيف العام والتصنيفات الفرعية. فى حين أن إسرائيل تمتلك سبع جامعات، من أصل ثمانى، جميعها تتمتع بمكانة علمية مرموقة فى التصنيف العام والتصنيفات الفرعية. ولا يمكن عزل حالة التعليم الجامعى والبحث العلمى، عن حالة التعليم قبل الجامعى، فالبيانات الرسمية تشير إلى أن تدهور نظم التعليم قبل الجامعى، يؤدى إلى ضعف شديد فى مخرجات التعليم خاصة على المستويين المعرفى والمهارى، ما يعنى تدهور خصائص الطالب الجامعى بالضرورة. كما لا يمكن عزل المسألة عن انهيار البنية الأساسية للكليات والجامعات ومراكز الأبحاث، وتخصيص الجانب الأعظم من الميزانيات للصرف على الرواتب والأجور، ولا يمكن عزلها عن المشاكل المزمنة فى نظم التدريس والتقييم، ونظم شغل الوظائف الأكاديمية، ونظم الترقية ومنح الدرجات العلمية. كما أن ملايين الجنيهات تنفق سنويًا على برامج الجودة بالكليات والمعاهد المصرية، ولكن كما يقول المثل «نسمع جعجة بلا طحين» فلا مردود يذكر لبرامج الجودة على تصنيف الجامعات عالميًا وإقليميًا. كما أن المستوى شبه الثابت فى ترتيب جامعة القاهرة ليس مدعاة للتفاخر، كما يفعل مسئولو الجامعة فى كل مناسبة، فمصر تحتاج إلى قفزات علمية كبيرة. أكبر من مسألة التمثيل المشرف. ولا يليق من قيادات جامعة الإسكندرية، الاكتفاء بضم الدكتور أحمد زويل لأعضاء هيئة التدريس بها عام 2010، لكى تضمن الحصول على 30 درجة مئوية، مرة لأنه خريج الجامعة (10٪) ومرة لأنه عضو هيئة تدريس (20٪)، وماذا عن بقية مؤشرات التقييم الخاصة بالإنتاج العلمى وجودة التعليم وغيرهما، فبسبب ضعف هذه المؤشرات لم تستطع جامعة الإسكندرية الدخول إلى قائمة أفضل 500 جامعة. ولن يحدث ذلك مستقبلًا إلا بالتطوير الشامل. جملة القول، إذا استمرت هذه العوامل فاعلة داخل المؤسسات الأكاديمية، فسوف يستمر غياب مصر عن حلبة العلم والتكنولوجيا. ونأمل أن تظهر قدرة الدولة وعزمها على تعزيز قدراتها التنافسية العلمية والتكنولوجية، بإحداث تغييرات جذرية فى منظومة التعليم الجامعى وقبل الجامعى. ولا بديل عن إحداث ثورة فى التعليم، كما فعلت الأمم التى نهضت سابقًا، كاليابان والهند والصين، أو لاحقًا كالبرازيل وماليزيا وسنغافورة. بمعنى أن بوابة مصر لاسترداد مكانتها يجب أن تكون عبر بوابة الجامعة المصرية. ولن يجدى أن يكرر الخطاب السياسى التأكيد على دور مصر الإقليمى معتمدًا فقط على البعد الجيوسياسى لمصر، أو على تاريخها ودورها الرائد فى المنطقة، ولا يجب أن نستمع لأصوات تخديرية تضخم من القوة التاريخية والجيوسياسية لمصر، فكل ذلك مع صحته لا يفيد فى معادلة القوة الإقليمية فى القرن الحادى والعشرين. علينا أن نصارح أنفسنا بالحقائق، مع الإيمان بأن مصر مؤهلة لكى تصبح أكبر قوة إقليمية فى المنطقة إذا راعت متطلبات حيازة القوة فى عصر العولمة، وأهم شروطها العلم أساس التطور التكنولوجى والتنمية الحضارية الشاملة.