كشف أحمد بان، أحد قيادات جماعة الإخوان المنشقة، أن الإخوان لم يؤمنوا يومًا بالديمقراطية، وقال في حواره ل "البوابة نيوز" إن الجماعة كانت ترى أن الأحزاب آفة الوطن، ولكنها أعادت مراجعة فقها طبقًا لمصالحها وأطماعها في السلطة، وحتى تبدو ليبرالية أمام المجتمع، وتنفي الصورة الذهنية التي قدمها الإعلام عنها، أعادت توظيف واستخدام الفتاوى، ليتم إقرار حق ترشح المرأة في الانتخابات، وإنشاء أحزاب، موضحًا أن القرار طيلة العام الذي حكم فيه الإخوان مصر، لم يكن يتخذ في حزب الحرية والعدالة، لكن في مكتب الإرشاد في المقطم. وأضاف "بان" أن الجماعة لم تكن في خلاف مع نظام مبارك، لكنها كانت في صراع على السلطة معه، والدليل أنه عند رحيل مبارك في فبراير، لهثوا لعقد صفقات مع قيادات نفس النظام ووقف التدفق الثوري. وأكد "بان" أن سبب اختيار الاخوان للرئيس المعزول محمد مرسى، هو أنه لدية تركيبة الموظف، واللئيم، والقادر على خداع الاخرين والكذب أحيانا كثيرة . *متي بدأت علاقتك بجماعة الإخوان؟ ارتبط بجماعة الإخوان وأنا أبلغ من العمر 22 عامًا، وكنت مولعًا بالمشروع الناصري لأقصي حد، ولكن بعد ارتباطي بالجماعة وانضمامي اليها، بدأت المراجعات الفكرية للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، تحت وطأة الجماعة، والتي تؤكد أن عبدالناصر، انتهك حقوق الإنسان في هذه المرحلة، وتحول ناصر الي شخصية ديكتاتورية بالنسبة لي. وقد ارتبط بالجماعة باعتبارها، حركة لإحياء المشروع الإسلامي، نستطيع من خلالها تمكين القيم الدينية في المجتمع المصري، وذلك عن طريق مشروعها المعروف ( فرد _فأسرة_ فمجتمع_ فدولة_ فخلافة _ فأستاذية العالم)، وكنت مقتنع بدرجة كبيرة بهذه الاهداف، وتأثرت كثيرًا بروح المحبة والصوفية بين الإخوان بعضهما البعض، ولكن خلال مسيرتي مع الجماعة، بدأت أشعر انها متناقضة حتي مع ذاتها، ومتناقضة في أدائها السياسي والتفاعلي مع نظام مبارك، حتي تأكدت أن الجماعة لا تعرف ماذا تريد سياسيًا، أو عن أي أمر تبحث. وتدرجت في المناصب داخلها، حتي وصلت إلي مسئول شعبة "طحانوب" بمحافظة القليوبية، وعضو المكتب السياسي المركزي بالجماعة، وشاركت في تأسيس حزب الحرية والعدالة، وتم انتخابي عضو مؤتمر عام في الحزب، ولكنني كنت أصنف ضمن معسكر المعارضين داخل الجماعة، حتى قدمت استقالتي المسببة يوم 29 أكتوبر عام 2011، وقلت في نصها "إن الجماعة فشلت في أن تحقق مطالب الوطن منذ عشرين عامًا، وكانت تمضى في المسار الخطأ، وتساءلت كيف أصمت أكثر على جريمة الجماعة في تفكيك الزخم الثوري وشق الصف الوطني الذي نجحنا جميعا في بنائه لأول مرة بدءا من 25 يناير وحتى تنحي مبارك في فبراير عندما شارك الإخوان في خدعانا وحثنا على الانصراف من الميدان، ليبدأ مخطط القضاء على الثورة التي لم يكن الإخوان يومًا من أنصارها كمنهج للتغيير، وتم دفعنا جميعا للانتقال من مربع الثورة إلى مربع السياسة التي يمتلئ قاموسها بالصفقات والمناورات والمؤامرات"، حتى أن عددًا من قيادات الجماعة وجهت لي الاتهامات بأن كاتب استقالتي أحد "الكُتاب العلمانيين"، ولكن حتي اللحظة الاخيرة كنت احظي بثقة قياداتي واحترامهم. * تري ما هي أبرز المواقف التي واجهت فيها الجماعة؟ في جميع الأقسام التي عملت بها داخل الجماعة، كنت أرى أن العمل داخل الجماعة، عبارة عن خطة للإشغال وليس هناك خطة حقيقية للتغيير، وهاجس قيادات الجماعة هو تحرك أنصارها فقط، حتي لو كان في اتجاهات غير محددة وعشوائية، فمثلًا في عمل الإخوان في "النقابات المهنية"، فهل الهدف هو تغلغل الجماعة بداخل النقابات المهنية فقط، أم الهدف هو العمل علي وجود ارتقاء مهني حقيقي، للأعضاء وأسرهم. والحقيقة أن الجماعة، كانت لا تعمل على الارتقاء بالمستوي المهني، وكانت النقابات تُوظف على أنها ذراع سياسية للجماعة لمحاربة نظام مبارك، وتضييع المهمة الأساسية للنقابات للنهضة بالدولة. *وما أبرز إخفاقات الجماعة داخل النقابات؟ كانت قيادات الجماعة كثيرًا، ما تتباهي بأن لديها عددًا ضخمًا من أعضاء نقابة المعلمين، ولكن الحقيقية الغائبة، أن الجماعة وأعضاءها من المعلمين، لم تقدم مشروعًا حقيقيًا، للنهوض بالمنظومة التعليمية لمصر، وبالتالي فكانت عبارة عن خطط إشغال وإثبات حالة من الوجود السياسي لا أكثر، وتنظيم معارض سلع وكتب، تدر المبالغ الكثيرة علي الجماعة، وبالتالي فإن خطط الإشغال الدائمة، كانت نوعًا من التدريب على مبدأ "السمع والطاعة". *كيف يتم تربية شباب الجماعة على هذا المبدأ؟ هو من أخطر المبادئ التي يتربى عليها الإخوان داخل الجماعة، حيث إن هناك عددًا من رموز الجماعة السابقين، انتقد ذلك المبدأ مثل الدكتور محمد الغزالي، الذي قام بتأليف كتاب "من معالم الحق" عام 1951، وتحدث في فصل كامل عن مبدأ "السمع والطاعة" ، بعد تجنيد الشاب الإخواني، يعتقد انه يخدم الإسلام تحت لواء جماعة الإخوان، وانها تعمل دائمًا لنصرة الدين والشريعة، وان كل قرار تتخذه يقتضي الواجب الشرعي، وان الإسلام في محاربة مع تدبير كوني وجماعي، ولابد من محاربة هذا العدو العالمي عن طريق عمل جماعي، ولابد أن يكون لها قائد لابد أن نلتزم تجاهه بالسمع والطاعة، وإلا لم تكن قيادة، وان الطاعة العمياء نوع من أنواع عبادة الله، مستندين إلي المقولة الفقهية "أن طاعة الأمير من طاعة الرسول من طاعه الله"، والمقولة الفقهية الأخرى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، "انه لا إسلام إلا بإمارة، و لا إمارة إلا بطاعة، ولا طاعة إلا بجماعة" ، هذا بالإضافة أن هناك حالة من الثقة الكاملة بين القيادات وبين أعضاء الجماعة، حيث إن "الثقة" من الأركان العشرة لبيعة المرشد، وهم "الفهم والاخلاق والثقة والعمل والجهاد والتضحية والتجرد والطاعة وغيرها" ، بالتالي تكون هناك حالة من الاستلاب النفسي والعقلي والوجداني، وبالتالي يسهل السيطرة عليه، وينفذ جميع الأوامر المُكلف بها .. مبدأ السمع والطاعة لم يكن بهذه القوة الحالية داخل التنظيم العام للجماعة، لكنه كان صيغة تسمح "للنظام الخاص" أو "الميلشيات العسكرية" داخل الجماعة وذراعها العسكرية الذي يحمي الدعوة، ويتم تدريبهم علي مبادئ جيوش العالم، (نفذ الأمر ثم ناقشه). *متي تم إنشاء "النظام الخاص"؟ أنشأه الإمام حسن البنا، عام 1941 من أجل حماية دعوة الجماعة، ومحاربة الاحتلال الإنجليزي والصهيوني وقتها، ولكن دور النظام الخاص تخطى ذلك، ليصبح جماعة بشرية مُسلحة ومُدربة، تسمع وتطيع بدون نقاش، أصبح تنظيمًا عسكريًا داخل الدولة، والبنا قال في رسالة التعليم الخاصة للإخوان " هذه رسالتي الي الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين"، وهنا في رسالته يستثني مجموعة المجاهدين من مجموعة النظام العام، حيث قال هذه الرسالة ووجهها إلي المجاهدين في الجماعة، وهو ما أطلق عليه "النظام الخاص"، ولكنه قد خرج عن سيطرة البنا عام 1947، وأعضاؤه يتحلون بصفات جسدية خاصة، ومهارات تدريبية ورياضية جيدة، وهم "لجان الردع"، كمثل المجموعات التي نزلت وفضت اعتصام الاتحادية. *ولماذا خرج عن سيطرة حسن البنا؟ بعد امتلاك التنظيم الخاص للقوة والسلاح والتدريب عليه، اصبح اعضاء النظام الخاص، يعتقدون أن البنا رجل أقوال فقط وهم رجال الأعمال، وأن "السيف أحد وأصدق من أنباء الكتب"، وأصبح هناك صراع بينه وبينهم، فخرج عن سيطرته، وبدأ "النظام الخاص" في ارتكاب أعمال عنف عام 1948، وتم اكتشاف مسئوليتهم عن اغتيال "القاضي أحمد الخازندار والحكمدار سليم زكي، ومحاولة تفجير محكمة الاستئناف، واغتيال النقراشي باشا رئيس الوزراء". *هل تعني ان حسن البنا ليس مسئولًا عن تلك العمليات الدموية؟ التاريخ لم يحسم هذا الجدل حتي الآن، لكن هناك تحقيقًا أجُري داخل الجماعة برعاية عبدالعزيز كامل، مع حسن البنا باعتباره قائد التنظيم العام، وعبدالرحمن السندي قائد التنظيم الخاص، ووجه سؤالًا للبنا قائلًا : هل امرت بقتل القاضي الخازندار؟ البنا : " لا " . فرد عليه كامل: وهل تتحمل مسئوليه قتله؟ البنا : لا اتحمل مسئولية قتله. ثم أعيدت نفس الأسئلة علي مسمع عبدالرحمن السندي قائد التنظيم الخاص، فرد قائلًا: البنا هو المسئول وهو الذي أمرني. فرد عليه كامل : وكيف أمرك؟ قال السندي : ان البنا قال له "ربنا يخلصنا من الرجل ده"، فرد كامل عليه قائلًا: ولكن هذه الصيغة لا تتحمل أن يكون أمرك بقتله؟ فقال السندي: رغبات المرشد العام اوامر، ولذلك قتلت الخازندار. ثم قال عبدالعزيز كامل لحسن البنا، هل ستترك الامور تنفرط من بين يديك هكذا؟ فلم يستطيع البنا الرد عليه. وأردف "أحمد بان " في مقابله لي مع الراحل الدكتور فريد عبد الخالق، أحد قيادات الجماعة البارزة والصديق الشخص لحسن البنا، سألته هل البنا كان موافقا علي أعمال التنظيم الخاص الدموية؟ ورد : انني دخلت علي البنا مكتبه بعد اغتيال النقراشي باشا، ووجدت البنا منزعجًا جدًا، وهو يردد بصوت عال "أنا ابني وهم يهدمون". ولكن الثابت تاريخيًا أن البنا هو من أسس النظام الخاص الذراع المُسلحة للجماعة، وساعده بالتدريب والسلاح وغيره. *هل هناك صفات محددة يتم اختيار الشباب الجدد للجماعة بناء عليها؟ نعم .. لابد أن يكون ذكيًا وشجاعًا وكريمًا ولديه طاقه كبيرة للبذل والجهد، وتحمل عناء القبضة الأمنية التي كانت علي الجماعة، والواقع أنه لا يدخل الشاب الإخواني، الجماعة بإرادته، بل يتم اختياره وبناء علي اختياره يتم نسج شباكهم حوله، عن طريق شخص مقرب له، حيث يبدأ في التقرب والتودد إليه، نفسيًا ووجدانيًا ويخترق نقاط ضعفه الانسانية، ويدرس شخصيته جيدًا، وتكوين حالة كاملة من الحصار العاطفي، ثم يتم إدخاله إلي المرحلة الثانية وهي "إيقاظ الإيمان الخامل"، ويبدأ الحديث عن الحياة والموت والثواب والعقاب، ويتم تدريبه علي الصوم والصلاة وقراءة القرآن، ثم تبدأ المرحلة الثالثة وهي "شمولية العبادة" وأن عبادة الله ليست طقوسًا فقط، ولكن يتم التأكيد أن الإسلام الذي احببته، يتعرض لمؤامرة كونية من أعداء الدين، ويتعاون على ذلك الصهاينة والنصارى، ولابد أن تنطوي تحت لواء جماعة لمحاربة هؤلاء الأعداء. ويتم ترغيبه في قراءة بعض النصوص التي تثبت أفكارهم في عقله، مثل كتاب "الطريق إلي جماعة المسلمين"، و"ماذا يعني انتمائي للإسلام"، "والدعوة فريضة شرعية وضرورة بشرية"، ثم في النهاية "رسائل حسن البنا"، وذلك لتهيئة الضمير الانساني له، ثم يتم دمجه في أسرة إخوانية، ليصل إلي حد المصارحة بأنه أصبح عضوًا في جماعة الإخوان، ثم يتم التدرج في مراحل الجماعة "محب ثم مؤيد ثم منتسب ثم منتظم ثم عضو عامل"، وهي أقصي درجات العضوية في التنظيم. *وهل هناك أسس نفسية واجتماعية محددة يتم الاختيار بناء عليها؟ التركيز علي أبناء الطبقة المتوسطة، لأنهم يريدون شخص لديه قدرة مالية علي دفع الاشتراك الشهري للجماعة، ولا يتحملوا أعباءه المالية والاجتماعية. *ما هي أبرز المواجهات بينك وبين قيادات الجماعة؟ كل نقيب أسرة جلست معه، كنت أمُثل له مشكله حقيقة، حيث انني كنت أطرح اسئلة عديدة ولا أجد أي إجابة واضحة عليها، وبالتالي هناك حالة من السجال السياسي بين وبينهم، كما انني دائمًا كنت أطالب بإنشاء حزب سياسي تستطيع الجماعة، من خلاله ممارسة العمل السياسي الواضح والوصول للحكم، إذا كان هو مشروعكم الإسلامي في خلافة وأستاذية العالم، كما أن الجماعة كانت لا تقوم بدورها في إعداد كوادر لإدارة الدولي، بل كنت أري رجال دين فقط، غير قادرين علي استيعاب المجتمع الدولي، وكان لي اعتراض واضح على البرنامج السياسي للجماعة الذي طرح كمبادرة في عام 2005، وبعد استقالتي حاولوا استقطابي بجلسة استمرت مع مسئول الشعبة والمحافظة لمدة 8 ساعات، لكن دون جدوى. *وهل كانت رسائل حسن البنا تهدف للوصول الي حكم مصر؟ نعم .. رسالة المؤتمر الخامس في عام 1939، كانت تعبر عن مرحلة الانتقال من مساحة الدعوة والتربية، إلي مساحة السياسة والوصول الي الحكم، وربما هذا هو الخطأ الأول الذي ارتكبه البنا في حق الجماعة، لأن تلك القفزة السريعة أثرت بشكل كبير على مسيرة الجماعة. *لكن الجماعة قفزت قفزات سياسية عديدة عقب ثورة يناير؟ هذه هي استراتيجية الجماعة، وهي التأرجح ما بين التمكن والتمسكن، وهذا ما رأيناه خلال فترة حكم مرسي، كانت هناك قائمة اعتقالات، وأنا أحد الأسماء بها، الأزمة أن مصر كانت تواجه نظامًا لا يعرف ماذا يريد. *ولكن هل كانت الجماعة مؤمنة بالديمقراطية؟ لا .. التجربة في الحكم خلال العام الماضي، أثبتت انهم لا يؤمنون بالشراكة الوطنية، وتُقبل الآخر والرأي المعارض، والدليل على ذلك أن قيادات التنظيم، لم تقبل بالتنوع السياسي داخلها، منذ عام 1935 شهدت الجماعة رحلات هروب جماعي للقيادات، قررت التغريد خارج السرب، لأنهم وجدوا أنفسهم أمام شخص متسلط يدعي حسن البنا، يسير علي درب المقولة الفقهية ان الشوري مُعلمة وليست مُلزمة له، وبالتالي فهي لم تكن قادرة علي إدارة تنوع وطني حقيقي. *وكيف وافقت الجماعة علي إنشاء حزب سياسي وهي ترفض الديمقراطية؟ عقب ثورة يناير، الجماعة كانت ترفض إنشاء حزب سياسي، ولكنها رضخت لتلك المطالب، للمعطيات السياسية التي فرضت عليها ذلك، وهذا يعود إلي أن حسن البنا كان يرفض فكرة التعددية الحزبية، ويري أنها أفه الوطن، ولكن في عام 1995 اجرت الجماعة مراجعه فقهية، وأقرت بفكرة الاحزاب وحق ترشح المرأة في الانتخابات، حتي عمر التلمساني المرشد الثالث للجماعة كان يرفض انشاء حزب، ولكن الأزمة أن حزب الحرية والعدالة خضع لاستبداد الجماعة، ولم يكن كيانًا سياسيًا مستقلًا عنها. *ما هي كواليس الجماعة أثناء قيام ثورة يناير؟ مساء يوم 24 يناير، اتصل بي أحد قيادات الجماعة البارزين وطلب مني مقابله أحد الأعضاء في صباح يوم 25 يناير، وعندما ذهبت لمقابلته قلت له: "هو احنا مش هنروح ميدان التحرير؟"، رد قائلًا : لا نحن ذاهبين لترتيب المعسكر الشتوي لشباب الجماعة. وعندما دخلت إلي المعسكر، قال لي مسئول المحافظة من الجماعة، "مش انت عضو القسم السياسي، ماذا أتي بك إلي قسم التربية؟"، أعضاء قسم التربية كانوا يحتقرون أعضاء القسم السياسي ويرون أن التربية أرقي وأهم من السياسة، وأثناء الجلسة قلت لهم لابد من إلقاء أبناء الجماعة في ميدان التحرير، فضحكوا ساخرين من حديثي، ورفضوا ذلك الأمر تمامًا. وحينها تذكرت حديثي مع الكاتب عبد الحليم قنديل منذ 10 سنوات، حيث قال لي " إذا تظاهر 100 ألف شخص في ميدان التحرير راغبين في إسقاط حسني مبارك لفعلوا، ولكن الجماعة لا تريد التغيير". وصمتت الجماعة حتي مساء يوم 27 يناير، واتصل بي أحد قيادات المحافظة يبلغني بمشاركتي غدًا في وقفة ببنها، منذ الساعة 9 صباحًا وحتي الساعة 3.30 مساءً فقط، وكان شباب الجماعة يسخرون من تلك الوقفات قائلين "انها ثورة .. ثوره حتي العصر"، وفي الساعة الثالثة وجدت محمد عماد أحد قيادات الجماعة والحزب في محافظة القليوبية، يقول "أيها الاخوان انصرفوا راشدين"، فرددت عليه منزعجًا واستنكرت اوامره ورفضتها، وقلت له "ازاي الناس تخرج تواجه النظام واحنا نروح؟"، واتصلت بمسئول المحافظة وابلغته بأن هناك من يأمر الإخوان بالانصراف، قال لي "هي الناس فين يا أخ أحمد؟"، قلت له الناس في الشارع، ازاي احنا نروح، قال خلاص خليكوا مع الناس". ولكن اتصل بي نائب الشعبة، يستأذنني بالنزول الي الميدان، فوافقت له ولخمس أشخاص أخرين بصفة شخصية من ضمن 100 شخص أعضاء الشعبة، وليست تنظيمية، لأن الجماعة وقتها كانت لا ترحب بالنزول الي الميدان، وتعقد صفقات مع نظام مبارك وتتفاوض مع عمر سليمان، على إنشاء حزب سياسي، واطلاق قانونية الجماعة، ثم نزلت للميدان صباح يوم 29 يناير، وظللت به حتي يوم التنحي، وجاءت لنا اوامر مكتب الإرشاد، ممثلة في محمود عزت بالرحيل عن الميدان ليله موقعه الجمل، فرفضت انا وعدد من زملائي، فرد علينا عزت "بأن ظفر الأخ أهم من المواجهات السياسية". *وماذا عن المرحلة الانتقالية؟ يوم 19 مارس 2011، أي يوم الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، كانت نقطة فاصلة في مشوار الجماعة، ومشواري بها، حيث إنني اتخذت قرارًا مخالفًا، لأوامر القيادات وهو الحشد ب" لا" ، وليس الحشد ب" نعم" كما قالوا، وقلت لأعضاء شعبتي" لكم عقول، ستسمعون من يقول حجج بنعم او بلا، ولكن لكم حرية الاختيار". ويومها بدأت التفكير في الانفصال جديًا عن الجماعة، ولكنني انتظرت حتى الانتخابات البرلمانية، حتي أكون رأيًا كاملًا وواضحًا عن ذلك الاختيار. *ولكن ما الذي خلق حالة الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري والإخوان عقب ثورة يناير؟ الإخوان والمجلس العسكري، خلقوا نوعًا من التوظيف المتبادل في ادارة المرحلة الانتقالية، وحاول كل طرف توجيه الاخر نحو أهدافه، والإخوان عندما دخلوا البرلمان، انقلبوا على الثورة، حيث قال صبحي صالح لوزير الداخلية اثناء احداث محمد محمود الأولي "إذا كانت الوزارة عندك مفيهاش رصاص، احنا ممكن نجبلك"، و"الشرعية للبرلمان وليست للميدان"، والمجلس العسكري سيطر عليهم الخوف من تنظيم الإخوان، وقدرتهم علي الحشد، ومن ثم توقع أعمال عنف، هذا بالإضافة إلي علاقة الإخوان الجيدة بأمريكا، وضغوط قطع المعونة العسكرية. والقوي السياسية ليس لها وجود حقيقي في الواقع، وليس لها حشد في الشارع المصري، فلم نجد انفسنا إلا أمام جيشين اصطدما مع بعضهما البعض، فوقعت مصر في حكم الإخوان. *برأيك .. من الفائز في انتخابات الرئاسة؟ عن طريق استطلاع أجراه مركز النيل للدراسات السياسية، الذي أعمل به، فوجئت بحجم التأييد الكبير لشفيق، والذي تخطي توقعاتي، وأعتقد أن النسبة بين مرسي وشفيق كانت متقاربة جدا، لكن ليس لدي معلومة أكيدة بمن هو الفائز، ولكن خالد الزعفراني أحد شباب المنشقين، قال في تصريح له منذ أيام إن شفيق هو الفائز، وان هناك تزويرًا للانتخابات حدث عن طريق تسويد بطاقات انتخابية في المطابع الأميرية. *ولماذا اختارت الجماعة مرسي للترشح للرئاسة؟ لأنه شخص يجيد السمع والطاعة، وموظف يجيد تنفيذ المهام المكلف بها، ولديه أهم سمة من سمات الكوادر الاخوانية التي يجب تصعيدها، وهي صفه "اللُئم"، ليكون قادرًا على خداع الآخرين. *من كان يحكم مصر فعليًا؟ خيرت الشاطر، هو من كان يحكم مصر ويحكم الجماعة ويحكم مرسي شخصيًا، المعزول كان ولاؤه الأول والأخير للشاطر، حيث إن المرشد محمد بديع لم تكن له سيطرة كاملة على الجماعة، في حضور الشاطر، لأنه هو الذي يملك المال، وكان مقدرًا أن يكون الشاطر هو المرشد العام للجماعة، ولكن الثورة استبقت كل الأحداث، والجيش انحاز لجموع الشعب الغاضبة، لأنه شعر بأن مقدرات الأمن القومي والدولة في خطر التوطين وضياع حدود مصر. *ما هو تقييمك للجماعة في حكمها لمصر؟ الجماعة خلطت بين العمل الدعوي والمسار السياسي، ولابد من إجراء مراجعة فكرية داخلية، لإنقاذها من الانتحار السياسي الكامل. *ما هو مستقبل الجماعة القادم؟ مستقبل الجماعة مرهون بالحوار الوطني والمصالحة مع المجتمع، وإجراء مراجعات فكرية داخلية، ولكن اذا تم سيطرة أراء الفصيل القطبي داخل الجماعة، ستنعزل الجماعة تاريخيًا وسياسيًا، وتصبح طائفة دينية، منبوذة من المجتمع، ولكن المعطيات السياسية تدل ان الجماعة ستنعزل سياسيًا. *من يدير الجماعة الآن؟ ما تبقي من مجلس شوري الجماعة خارج أسوار السجون، بالتنسيق مع أعضاء التنظيم الدولي، والدبلوماسيين العامليين بعدد من السفارات، لأنه يسهُل لهم نقل المعلومات والأموال، واعتماد الجماعة في تمويلها علي إخوان الخليج. *وأخيرًا .. صف لي شخصية الشاطر وبديع ومرسي؟ الشاطر .. تاجر ضل طريقه إلي السياسية، وبديع .. رجل طيب خضع لرغبات الشاطر، ومرسي .. شخص ضعيف تحلي بالمسع والطاعة فوصل لحكم مصر.