عاشت جماعة الإخوان الإرهابية ثلاث سنوات من الرغد، فى أحضان النظام التركى برئاسة رجب طيب أردوغان، بعدما سقط نظامهم فى مصر نتيجة ثورة 30 يونيو، والتى كانت سببًا فى هروب العديد من قيادات الجماعة ورموز التنظيم الدولى الذين كانوا موجودين بالقاهرة إلى إسطنبول، للنوم فى أهدأ ملجأ قد يستقطبهم فى سنوات الظلام. خلال هذه السنوات وقعت العديد من المناوشات فيما بينهم، حتى جاءت الصاعقة التى قد تقصم ظهر الجماعة، وهى محاولات التقارب بين تركيا ومصر، لا نعتقد أن الجماعة وأنصارها سيشعرون بالارتياح لتواتر أنباء الانفتاح التركى التدريجى على مصر، وحكومة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو الانفتاح الذى تجسد فى اللقاء الذى جرى على هامش قمة عدم الانحياز التى عقدت فى فنزويلا بين وزير الخارجية سامح شكرى، ونظيره التركى مولود جاويش أوغلو، ولعل هذا الشعور طبيعى لأن تركيا كانت الداعم الأكبر للحركة إلى جانب قطر. على الرغم من أن جماعة الإخوان خرجت سريعًا لتنفى ما كشفه محمد الحسن ولد الددو الشنقيطى، رئيس مركز تكوين العلماء فى موريتانيا وعضو التنظيم الدولى للجماعة، عن انتقال الإرشاد من إسطنبول ممثلاً فى محمود عزت، الذى وإن لم يكن أحد يعلم موقعه بالضبط إلا أنه ترأس الجماعة منذ القبض على بديع طيلة السنوات الثلاث الماضية، لذلك يعبر عن مرحلة إسطنبول، إلى لندن ممثلة فى إبراهيم منير، أمين التنظيم الدولى للجماعة، إلا أن ما تحدث عنه «الددو» تدعمه من المؤشرات ما تجعله أصدق من نفى الجماعة. «الددو» تحدث عن التغيرات التى فرضتها أمور واقعية عدة على الجماعة بصيغة «مهذبة» تبعد شبهة الإجبار والاضطرار والعجز عن «عزت»، إذ صور الأمر أنه تفويض، بكامل الإرادة، من جانب عزت إلى منير، إلا أن الجماعة التى اعتادت أن تعمل فى الظل، وتقسم تركتها وتنقل مناصبها فى سرية تامة، كمعظم أنشطتها، سرعان ما خرجت لتنفى، ليس ببيان واحد فقط، بل اثنين، الأول ببيان أصدره محمود عزت ينعى فيه ضحايا رشيد، مزيلا بمنصبه «القائم بأعمال المرشد»، ثم بيان على لسان متحدثهم الرسمى طلعت فهمى. والمتتبع لبيانات الجماعة وسياستها، يعلم أن الجماعة لا تسارع بالنفى إلا لأمر واقع بالفعل، أما إذا كان الحديث لا أساس له من الواقع، فلا تكلف نفسها فى الخروج ببيان رسمى تنفى فيه حديث تردد عبر فضائية، ذلك من جهة، ومن أخرى مشاهد عديدة متتابعة جرت على مدار الشهور الست الماضية، جعلت انتقال المركز من إسطنبول إلى لندن أمرا تفرضه سياسة الواقع، واقع دولة المركز السابقة من جهة «إسطنبول»، وواقع الدول الأوربية وأمريكا من جهة أخرى، ممثلة فى «لندن» مركز الاستقرار. الإرهاصات تتمثل فى تصريحات لعمر فاروق قورقماز، مستشار رئيس الوزراء التركى المستقيل أحمد داود أوغلو، قال فيها إن «من يريد خدمة المصالح التركية من إخواننا العرب عليه ألا يتجاوز سياسة العدالة والتنمية، فهناك شعارات أكبر بكثير من حجم تركيا عند بعض إخواننا العرب، وهذا يجعل بعض الأصدقاء الغربيين يخافون من تركيا فى شكل كبير»، وقال ملمحًا إلى تجارب «الإخوان المسلمين» فى الحكم فى بعض البلدان العربية أن «هناك أطرافًا صغيرة تطلق شعارات مريبة، وتنادى بمشروع فشل وأفشل المشروع الديمقراطى فى بلادها، ولا أريدها أن تُفشِل معها المشروع الديمقراطى فى تركيا». قناة «مصر الآن» التابعة لجماعة الإخوان تفتح باب احتمال توتر العلاقات بين تركيا وتنظيم الإخوان، حيث أعلن العاملون بالقناة عن وجود ضغوطات من السلطات التركية، أدت إلى غلق القناة وإعلان وقف بثها، وأن تحسن العلاقات المصرية التركية فى الأيام الماضية خاصة بعد فشل محاولة الانقلاب، أعطى لقيادات جماعة الإخوان شعورا بالخوف من المستقبل، ولهذا كان الأحرى عليهم البحث عن مأوى جديد، حيث لقت الدول الأوروبية تفتح أبوابها على مصرعيها لاستقبالهم، وكانت على رأسها بريطانيا وسويسرا بمثابة سفن النجاة التى أضاءت الضوء الأخضر لقيادات الجماعة. ولعل وقوع اختيار الإخوان على «لندن» ليس وليد اللحظة، فالعلاقة المتبادلة فى الأساس منذ إنشاء الجماعة، وذلك بحسب الروايات التاريخية التى كشفت أن حسن البنا مؤسس الجماعة حصل على 500 جنيه من شركة قناة السويس «البريطانية – الفرنسية»، وهو المبلغ الذى أسس به الجماعة، كما كشف عدد من المؤرخين البريطانيين، عن العلاقة بين «البنا» والاحتلال البريطانى وقتها، بحسب ما ذكره «هيوارث دون» المؤرخ البريطانى فى كتابه «الدين والاتجاهات السياسية فى مصر»: «حسن البنا قد ألمح خلال اتصالاته مع السفارة البريطانية أنه على استعداد للتعاون، وسيكون سعيدًا لو أن مساعدة مالية قدمت إليه». عودة العلاقات فيما بينهم فى الوقت الحالى أمر طبيعى للغاية، ففى يونيو الماضى، كانت هناك جلسة لعدد من قيادات التنظيم الدولى فى مصر وتونس والعراق، حول مفهوم الإسلام السياسى وعلاقته بالنظم الحاكمة استمرت ثلاث ساعات، وكان من أبرز الحاضرين: إبراهيم منير نائب مرشد الجماعة، ومروان المصمودى، مستشار زعيم حركة النهضة راشد الغنوشى، وأنس التكريتي، مدير مؤسسات قرطبة الحقوقية بتركيا وأحد قيادات إخوان العراق، بالإضافة إلى سندس عاصم، منسقة الإعلام الأجنبى السابقة برئاسة الجمهورية خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، ومها عزام رئيس ما يعرف ب«المجلس الاستشارى للمصريين بالخارج»، والمحسوب على الجماعة. وفى محاولة للجماعة لعرض وجه جديد لها على المجتمعات الدولية وظهر هذا جليًا من خلال كلمة إبراهيم منير، الأمين العام للتنظيم الدولى، حيث قال: «إن عدد الإخوان الذين يحق لهم التصويت الداخلى فى مصر يتراوح بين 900، ألف ومليون عضو»، مؤكدا أن عدد عضوات الجماعة الأخوات يمثل 40 ٪ من مجموع أعضاء الجماعة فى مصر.