إن ما تشهدة مصر من أحداث تتسم بالعنف والإرهاب بعد ثورة 30 يونيو يقوم بها تنظيم الإخوان المسلمين بمساندة وتدعيم من فصائل التطرف التكفيرية والجهادية؛ يجعلنا نتوقف أمام العلاقة بين جماعة الإخوان وتلك الفصائل، التي تقودها قيادات هم في الأصل كانوا مرتبطين بالجماعة وانشقوا عنها، أو هكذا يدعون. فهناك شواهد رصدتها أجهزة الأمن المعلوماتية، وخاصة جهاز مباحث أمن الدولة السابق، أنه كلما زادت حركة العمل العام لجماعة الإخوان المسلمين كل فترة زمنية قوامها عشر سنوات تنتهي بعمل إرهابي مؤثر. فعندما قام الرئيس الراحل أنور السادات بالإفراج عن قيادات الإخوان المسلمين وإطلاق سراحهم من السجون في أوائل السبعينيات، وإعطائهم مساحة من التحرك على الساحة الجماهيرية؛ لضرب التيارات اليسارية، التي كانت تشكل ورقة ضغط سياسي عليه، انتهت (بعد تص اع د حركة العمل العام لجماعة الإخوان) باغتيالة على أيدي تنظيم الجهاد. وفي فترة الثمانينيات، التي بدأت بهدوء في حركة جماعة الإخوان المسلمين على الساحة، ثم المشاركة في انتخابات مجلس الشعب عام 1984 والحصول على 17 مقعدًا في المجلس النيابي بعد التحالف مع حزب الوفد. وبدء مرحلة جديدة من التصعيد في حركة العمل العام، وخوض انتخابات مجلس الشعب لعام 1987، بعد التحالف مع حزب العمل والحصول على 47 مقعدًا في المجلس النيابي. واستمرار التصعيد في حركة العمل العام للجماعة بصورة عالية مكنها من السيطرة على معظم المجالس النقابية والعمالية؛ حيث انتهت هذه الفترة الزمنية عند قيام بعض الفصائل الجهادية بعمليات اغتيالات استهدفت اللواء حسن أبو باشا، واللواء النبوي إسماعيل، والكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، والأديب نجيب محفوظ،... إلخ. وبدأت موجة عنيفة من الإرهاب شهدتها مصر في أوائل التسعينيات مع إصرار جماعة الإخوان على تصعيد حركة العمل العام لها؛ لتشتيت الجهود الأمنية، ورفع الضغط الأمني عن التيارات الجهادية. فما كان من الأجهزة الأمنية إلا توجيه ضربة أمنية لجماعة الإخوان؛ باستهداف شركة سلسبيل للكمبيوتر، المملوكة للمهندس خيرت الشاطر (كانت هذه هي الضربة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين منذ الإفراج عن قيادتهم في أوائل السبعينيات)، وكانت هذه الضربة هي نقطة التحول في تعامل الدولة مع جماعة الإخوان؛ حيث كانت شركة سلسبيل هي أرشيف جماعة الإخوان المسلمين، وأن هذه الضربة الأمنية هي ضربة لأرشيف الجماعة. فلقد وقع في أيدي الأمن مخططات الجماعة، وهياكلها التنظيمية، وعناصرها في الشُعب التنظيمية، وشركاتها الاقتصادية، وخطط اختراقها للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وكذا خطة التمكين لحكم البلاد والتي كانت محدد تاريخها بعام 2020. كانت القيادة السياسية في حيرة بعد عرض الأمر عليها؛ نظرًا لخطورة ما تحت يديها من أدلة مادية تبين مدى ما وصلت إليه جماعة الإخوان من خطورة تهدد الأمن القومي للبلاد؛ بسيطرتها على مساحة كبيرة من الاقتصاد المصري. فكان أمامها أحد اختيارين: إما توجية ضربة شاملة لجماعة الإخوان مع دراسة تأثير ذلك على الاقتصاد المصري، أو توجيه ضربات محدودة ومتتالية في عمق التنظيم؛ لتجنب أي آثار سلبية قد تؤثر على الاقتصاد؛ فكانت القضية 5 جنايات عسكرية والقضية 11جنايات عسكرية لسنة 1995. ولقد أدت هذه الضربات إلى انكماش حركة العمل العام للجماعة؛ وبالتالي انحسار الأعمال الجهادية خلال النصف الأخير من فترة التسعينيات. في ضوء ما تقدم كان دائمًا السؤال المطروح حول علاقة جماعة الإخوان بالفصائل الجهادية، لكن بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم لأكبر دولة محورية في المنطقة العربية (مصر) زادت الشكوك حول علاقة الجماعة بالتنظيمات الجهادية، خاصة فيما يتعلق بملف الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، وما تشهده الساحة المصرية هناك من أحداث إرهابية ساهمت فيها دولة المرشد التي كانت تحكم البلاد. في ضوء ذلك كان من الأهمية الوقوف على علاقة جماعة الإخوان بالتيارات الجهادية؛ حتى يمكن قراءة المشهد بصورة أكثر عمقًا، يمكن من خلالها وضع المقدمات السليمة للوصول إلى نتائج سليمة؛ لوضع خارطة طريق للتعامل مع هذا التنظيم الإرهابي. إن علاقة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتنظيمها الدولي بالجماعات الجهادية المتشددة والمتطرفة بصفة عامة، وتنظيم القاعدة بصفة خاصة، محل جدل بين الكثير من المهتمين بدراسة الحركات الإسلامية، ليس على المستوى المحلي أو الأقليمي فقط، بل على مستوى كافة دول العالم. فقد نشر مركز المساعدة والدراسات الإستراتيجية الأمريكية تقريرًا يعد هو الأخطر، للكاتب دوجلاس فرح، والذي شرح فية بالتفصيل علاقة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بالشركات الكبرى، ونسبة مساهمتة فيها، ومصادر تمويل هذا التنظيم، ويوضح فية بالبيانات ما يقدمة التنظيم الدول للأخوان المسلمين من دعم مالي ولوجيستي للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم القاعدة. كما يقوم التنظيم الدولي لجماعة الإخوان باستغلال فروعه في الدول المختلفة في عمليات غسيل الأموال دون إثارة الشبهات أو ملاحقة هذه الأموال أثناء تحويلاتها للعديد من المنظمات الإرهابية التي يدعمها الإخوان المسلمون بالمال والسلاح والأفراد. فمع بداية إنشاء البنية المصرفية الإسلامية الحديثة (في بداية الثمانينيات من القرن الماضي) أنشأ التنظيم الدولي للإخوان هيكلاً موازيًا في الخارج بعيدًا عن الدول الأصلية التي نشأ وتوغل فيها هذا التنظيم، مثل مصر والأردن وغيرهما، كأساس لعمليات مصرفية وشركات ومشاريع عملاقة تقدر بمليارات الدولارات، والتي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من قدرتها على إخفاء ونقل الأموال من وإلى جميع أنحاء العالم. إن هذه الشبكة الأخطبوطية من الشركات والمصارف الإسلامية الإخوانية لم تلفت انتباه الكثير من الدول وأجهزة الاستخبارات وأجهزة الأمن التي تلاحق الإرهابين ومصادر تمويلهم؛ وذلك بسبب الغموض الشديد والسرية الكاملة التي تحيط بهذه الأنشطة المالية الدولية للتنظيم. إن من الأسس الرئيسية لإنشاء هذا الهيكل المالي من قبل التنظيم الدولي للإخوان هو إحاطته بالسرية الشديدة وإخفائه عن غير المسلمين أولاً، بل وحتى المسلمين الذين لا يتفقون مع رؤية وأهداف الإخوان الأساسية؛ من إعادة إحياء الخلافة الإسلامية، ونشر الإسلام في جميع أنحاء العالم، سواء كان ذلك باستخدام القوة أو الإقناع. ولتحقيق هذه الغاية تم وضع إستراتيجية خاصة لجماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك بناء شبكتها المالية. إنه من خلال وثائق الإخوان أنفسهم نجد من بين أهم القادة الذين يديرون إمبراطورية الإخوان المالية: 1- إبراهيم كامل: مؤسس بنك دار المال الإسلامي، ومقره الرئيسي في ناسلو بجزر البهاما. 2- نصر الدين إدريس: مؤسس بنك العقيدة الدولي، ومقره في ناسلو بجزر البهاما. إن هذه الشبكة من الشركات المصرفية وشركات التأمين والشركات البحرية تستخدم في كثير من الأحيان كغطاء لفتح حسابات مصرفية، وتسهيل عمليات نقل وغسيل الأموال؛ بسبب صعوبة تتبع هذه الأموال المحمية بموجب قوانين السرية المصرفية. وهنا تكمن الخطورة؛ حيث من الأهمية الاهتمام بهذه الشبكات العنكبوتية؛ لأنها توفر آلية لتمويل أنشطة الإخوان المسلمين المشروعة وغير المشروعة في جميع أنحاء العالم. إن جماعة الإخوان لعبت دورًا كبيرًا في تمويل الإرهاب على الصعيد العالمي؛ فمع انتشار الإخوان في دول العالم انتشر فكر المتشددين الإسلامين دوليًّا، وأصبح التنظيم الدولي هو العمود الفقري لتمويل التيارات المتشددة من المتطرفين والإرهابيين. فجميع التيارات الإرهابية تمتد جذورها في النهاية إلى جماعة الإخوان المسلمين، فمن منظمة حماس، التي هي فرع مباشر من جماعة الإخوان المسلمين، إلى حسن الترابي، وهو من قادة الإخوان المسلمين، والذي وفر في السودان ملاذًا آمنًا لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة واتخذهم حلفاء لهم، والشيخ عبد الله عزام (معلم أسامة بن لادن)، أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، والقيادي أيمن الظواهري، الذي اعتقل وهو في سن الخامسة عشرة لارتباطه بجماعة الإخوان، والشيخ عمر عبد الرحمن (مفتي تنظيم الجهاد)، من السابق ارتباطهم بجماعة الإخوان المسلمين. هذا إلى جانب المعتقل في السجون الأمريكية خالد الشيخ؛ بتهمة الإرهاب، وهو من المرتبطين بجماعة الإخوان، ومحمد عطا (من قام بخطف الطائرات التي ضربت برجي التجارة العالمي في نيويورك) كان من جماعة الإخوان المسلمين في مصر. ولقد قال ريتشارد كلارك، المستشار الأسبق لشئون الإرهاب: إن قضية تمويل الإرهابيين في الولاياتالمتحدةالأمريكية هي مثال واضح على وجود البنية الأساسية المشتركة بين تنظيمات الجهاد الإسلامي وحركة حماس مع تنظيم القاعدة، والتي تتمتع بدرجة كبيرة من التعاون والتنسيق داخل الحدود الأمريكية، وأن الرابط المشترك بين هذه التنظيمات الإرهابية هو التنظيم الدولي المتطرف للإخوان المسلمين، والتي تأتي كل هذة التنظيمات المتطرفة من نسله الأيديولوجي. إن السجلات التي العامة الأمريكية تبين امتلاك شبكة الإخوان المالية للشركات القابضة والمصارف والمؤسسات المالية تمتد إلى بنما، ليبيريا، جزر فرجن البريطانية، جزر كايمان، سويسرا، قبرص، نيجيريا، البرازيل، الأرجنتين، أروجواي، ودول أخرى. ما سبق يوضح جزءًا من الجانب الخفي للدور الذي تلعبه جماعة الإخوان المسلمين في علاقاتها بالتنظيمات الإرهابية والتيارات الجهادية، ليس على المستوى المحلي، بل تمتد لتشمل معظم دول العالم. وهو ما يؤكد أننا أمام جماعة جهادية إرهابية، وأمام تنظيم تمتد فروعه لأكثر من ثمانين دولة. وهنا نسأل أنصار الاتجاه الذي ينادي بالمصالحة: إلى أين تتجهون بالوطن مع من لا يؤمنون بالوطن؟