عالمهم وردي تملأه الأحلام السعيدة، والقلب الأبيض الذي لا يشوبه شيء ولا يمتلئ إلّا بالحنان والحب، المسامحة والعفوية في كل شيء" إنهم الأطفال. ولكن إذا تحولت هذه الصفات الجميلة إلى أبشع ما يمكن أن يصف به إنسان ألا وهي "تكفيري وجلاد وذباح"، سيختلط عليك الأمر، وتكون أبرز الأسئلة التي تبحث عن إجابتها "هل تتحدث عن طفل أم عن مصاص دماء كما يظهر في الأفلام الأجنبية؟، وكيف تحولت هذه البراءة إلى فجور؟. ولعل الإجابة سهلة، لكن لا يملك أحد حل الأزمة، وارجع بعض المحللين السياسيين إلى أن خوف القيادات على مستقبل التنظيم هو الدافع وراء استغلال الأطفال وتحويلهم لذئاب متوحشة، خاصة في ظل أن الهزائم المتكررة للتنظيمات الإرهابية في المناطق التي يسيطرون عليها، كذلك مقتل قيادتهم أدى إلى اتجاه الجماعات والتنظيمات الإرهابية إلى تصدير الأطفال إلى المشهد السياسي والإعلامي، لضمان مستقبل الجماعة وخاصة أن تربية هؤلاء الأطفال لها بيئة خاصة مليئة بالدماء والقتل وكذلك ضمان ولائهم الأول والآخر للتنظيم. والسبب في مناقشتنا لهذه القضية، هو ما كشف عنه تقرير صادر عن منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسيف"، مساء أمس الجمعة، والذي كشف عن زيادة تجنيد الأطفال للقتال في الحرب الأهلية في جنوب السودان، حيث قال: "جستن فورسيث" نائب المدير التنفيذي لليونيسيف، إن "كل المجموعات المختلفة تجند" الأطفال، مضيفًا: "تجري حاليا عمليات تجنيد في عدد من المناطق النائية لضم الأشخاص إلى هذه الجماعات المسلحة لأن الناس يخشون من تصاعد العنف وهي (الجماعات) تستغل ذلك لتجنيد الصغار في السن"، وأشار إلى أن الجماعات المسلحة، وكذلك الجيش النظامي، جندت نحو 16 ألف طفل منذ اندلاع الحرب الأهلية في ديسمبر 2013. ويظل تنظيم "داعش" هو القائم بدور البطولة، في الجرائم المرتكبة في حق البشرية عامة وذلك لأنه التنظيم الوحيد الذي يتباهى بما يفعله من إرهاب، فلم يكتفي بأن يلوث أفكارهم فقط، ولكن وبشكل صريح حاول التنظيم أن يرسل رسالة لهم أنه يعتمد عليها من خلال إظهارهم في الإصدارات المرئية التي يصدرها التنظيم من الحين إلى الأخر إما ليقتل أو يفجر أو يذبح أو يهدد المواطنين العزل. وهذا ما ظهر واضحًا مع إحدى الإصدارات التي نشرها التنظيم في فبراير من العام الحالي، واعتمد الطفل على رصاصتين في العنق، أنهى حياة رجلين قيل إنهما كلفا بالتجسس على التنظيم من قبل الاستخبارات الروسية، ونشر التنظيم المتهم بتجنيد الأطفال في القتال على شبكة الإنترنت شريط الإعدام كوسيلة أخرى للدعاية، ويهتم بتصوير الفيديوهات لتدريبات الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ال7 وال13 في ساحة القتال، لدرجة إلحاقهم بفصيل خاص في مدينة الطبقة غرب الرقة. وعن كيفية التنجيد الأطفال داخل التنظيم، عرضت إحدى المواقع الإلكترونية السورية، شهادة أحد الأطفال وهو يروي عن كيفية انضمامه إلى التنظيم، والذي كشف عن الطرق المتبعة من قبل التنظيم وذلك من خلال استخدام الألعاب الإلكترونية والبلايستيشن للتواصل مع الأطفال والمراهقين، في محاولة لتجنيدهم في صفوفها، وسط تصاعد الدعوات إلى الحد من هذه الظاهرة والتحذير من مخاطرها. أما "القاعدة" من أكثر التنظيمات الإرهابية غموضًا في هذا الشأن، حتى ظهر فيديو مسرب يعرض تدريبات عسكرية لعدد من الأطفال وهم يتلقون التدريبات العسكرية تحت قيادة عسكريين داخل التنظيم، وشمل التدريب على حمل السلاح وكيفية النشان. وفي عام 2013، ذكر تقرير لوكالة أنباء المستقبل العراقية، عن قيام تنظيم القاعدة الإرهابي بزج الأطفال وتهيئتهم ليكونوا أمراء في القاعدة، وذلك نتيجة للخسائر التي تكبدها القاعدة بعد النجاحات التي حققتها القوات الأمنية العراقية، وجاء في التقرير الذي كتبه مندوب الوكالة في الأنبار: تشهد مدن محافظة الأنبار ترديًا أمنيًا كبيرًا خلال الفترة الحالية مع استغلال تنظيم القاعدة للظروف السياسية غير المستقرة لتجنيد الأطفال والفتية الصغار ليكونوا أمراء التنظيم مستقبلًا. وقال الشيخ "فارس الدليمي"، أحد قادة الصحوة الجديدة في الرمادي، إن القاعدة في الأنبار تعمل ومنذ شهرين تقريبًا على إعادة خلاياهم وعناصرهم مع تجنيد الأطفال والفتية في قتل المدنيين واغتيال الكفاءات العلمية والوطنية وتفجير العبوات والأحزمة الناسفة وتخريب المؤسسات بكافة الوسائل والطرق. وأضاف أن تنظيم القاعدة له نفوذ وأتباع وأنصار في مناطق مختلفة من أقضية ونواحي الأنبار بل أكثر من ذلك هناك قواعد تمركز وتدريب لهم تحمى من قبل العشائر والوجهاء وكتل سياسية دينية معروفة في الأنبار"، مبينًا أن "شريحة الأطفال والفتية من أهم الأهداف أمام القاعدة التي تجندهم لصناعة الإرهاب والتطرف في المستقبل ونشر الفكر الإجرامي في عقول الأطفال مما يعطي ديمومة لعقيدة القاعدة ومبادئها التخريبية. ونفس الوضع بالنسبة للميلشيات الشيعية "الحوثيين" الذين يقومون بدور البطل داخل التنظيمات الشيعية، خاصة بعد فقدانها لشرعية ما تقوم به، وسقوطها أخلاقيًا وسياسيًا في نظر الشعب اليمني والمجتمع الدولي زادها ضعفًا وقربها من السقوط الميداني، ما جعلها تتخذ أساليب وتتبع طرق خارجة عن الأخلاق والأعراف الدولية، وتتمسك بأي قشة خوفًا من الغرق. واستباحة لبراءة الأطفال، واستغلالهم بشعارات دينية، بدأت ميليشيات الحوثي تنشط في عملية تجنيد الأطفال بشكل كبير في الآونة الأخيرة في العاصمة صنعاء وباقي المناطق التي تسيطر عليها، لتجنيدهم وتدريبهم داخل معسكرات تحت مسميات دينية مثل مراكز التحفيظ والمسيرة القرآنية، لخداعهم واستغلالهم بأبشع الطرق. وذكرت مصادر حقوقية في صنعاء أن ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح جندت نحو 8 آلاف طفل منذ منتصف العام الماضي، وزجت بهم في معاركها ضد الشرعية، واستخدمتهم في كثير من المناطق كدروع بشرية، ما يعد انتهاكًا صارخًا للقوانين والأعراف الدولية. وفي تقرير سابق لها، اتهمت الأممالمتحدة جماعة الحوثي بممارسة تجنيد واسع للأطفال اليمنيين والدفع بهم لجبهات القتال، وأشارت إلى زيادة تجنيد الأطفال بنحو 5 أضعاف مقارنة بعام 2014، وأكدت تقارير صادرة عن منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسيف" أن جماعة الحوثي متورطة في جرائم خطيرة بحق الأطفال اليمنيين، أبرزها تجنيد الأطفال، وإدخالهم معسكرات التدريب، ومن ثم استخدامهم كدروع بشرية في الصفوف الأولى للقتال. وما جعل هذه الجماعات المتمردة تلجأ إلى تجنيد الأطفال هو خسائرها الكبيرة وهزائمها المتلاحقة والاستنزاف الكبير في عدد مقاتليها بجبهات تعز والبيضاء ومأرب والجوف ونهم وعلى الحدود اليمنية السعودية، وقد ساعدها في ذلك، تفشي الفقر والتشرد والتفكك الأسري والأمية والجهل، والتعبئة العقائدية والتحريض الطائفي، وكلها أسباب رئيسة تساعد في إقناع الأطفال وذويهم على الالتحاق بجبهات القتال. إن ما تقوم به جماعة الحوثي من عمليات تجنيد للأطفال باليمن، واستباحة براءتهم باستمالة عقولهم من منظور عقائدي أو إجبارهم بالقوة، ومن ثم الدفع بهم دون أدنى وازع ديني وأخلاقي إلى جبهات القتال، تعد واحدة من الجرائم التي ترتكبها هذه الجماعة الإرهابية في حق الشعب اليمني. من جانبه قال "هشام النجار"، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، إن هذه التنظيمات تقيم معسكرات نظامها أقرب للنظام الفاشي ونظام المعسكرات الفاشية القديمة باستعباد الأطفال والنساء منهجيًا وتنظيميًا وتصب في عقولهم أفكارًا دموية عدوانية وتقديس القادة والزعماء قداسة عمياء والأطفال بلبس موحد وأناشيد وشعارات موحدة كما كان يحدث تماما في المعسكرات الفاشية. وأضاف النجار، في تصريح خاص ل"البوابة نيوز"، أن النساء وظيفتها أن تلد كالأرانب وتقوم على خدمة أهداف التنظيم، وهم ينجحون كثيرًا في التجنيد بهذه الطريقة من خلال الإغراءات المالية وتبنى الأسر والأطفال ماليًا والإنفاق عليهم بمرتبات شهرية كما لو كانت دولة داخل الدولة والفقر والبطالة تلجئ الكثيرين للانضمام لتلك المعسكرات.