أرون بريجمان اسم أثار الكثير من الجدل ولا يزال، خاصة بعد كتابه «تاريخ إسرائيل» في نوفمبر عام 2002، عن دار النشر الشهيرة بلجراف ماكميلان، والذي جعل شرف ووطنية أشرف مروان رجل الأعمال المصرى وزوج ابنة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر موضع تشكيك من وقتها، والذي قام فيه بالتأكيد على أن مروان كان جاسوسا للموساد الإسرائيلى وأنه هو الذي ذهب بنفسه للسفارة الإسرائيلية في لندن ليعرض خدماته في 1968، ليكون رجل الموساد في منزل الرئيس، والذي كان يحصل في المقابلة الواحدة على 100 ألف جنيه إسترلينى، حتى إنه وصل به الأمر إلى أن يقول إن مروان أيضا أطلع الموساد على موعد حرب السادس من أكتوبر 1973، قبلها بيومين، وقام بريجمان بإصدار كتاب جديد العام الجارى تحت عنوان صريح «الجاسوس الذي سقط على الأرض.. علاقتى بالعميل السرى الذي هز الشرق الأوسط» والتساؤل هنا لماذا يصر بريجمان على إثبات وجهة نظره ولماذا تدور معظم كتبه عن أشرف مروان والذي حلت ذكرى وفاته التاسعة الأسبوعين الماضيين؟ من هو "بريجمان"؟ أرون بريجمان ولد في 1958 في إسرائيل، حيث خدم في الجيش، ووصل إلى رتبة نقيب، وشارك بريجمان كضابط مدفعية في حملة الليطانى عام 1978 وفى حرب 1982 في لبنان، وفى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى غادر إسرائيل واستقر نهائيا في إنجلترا حيث أكمل درجة الدكتوراه في دراسات الحرب عام 1994، وهو أستاذ العلوم السياسية في كلية كينجز كوليدج في لندن وتخصص في الصراع العربى الإسرائيلي، ولديه ثلاثة أطفال: دانيال، ومايا وآدم. له العديد من الكتب وخاصة عن الجاسوسية بين مصر وإسرائيل والحروب التي خاضتها تل أبيب مع العرب، ومن أبرز كتبه حروب إسرائيل، إسرائيل والعرب: رواية شاهد عيان على الحرب والسلام في الشرق الأوسط، وإسرائيل والعرب: حرب الخمسين عاما والذي شاركته جيهان الطاهرى فيه، وتاريخ إسرائيل، والسلام بعيد المنال، والحرب في الشرق الأوسط منذ عام 1945، والنصر الملعون: تاريخ إسرائيل والأراضى المحتلة، وفى عام 2016، نشر بريجمان آخر أعماله بعنوان «الجاسوس الذي سقط إلى الأرض»، عن علاقته مع مروان، والذي يتضمن وثائق وأشرطة تتعلق بمروان. المشهد المعلن عن بريجمان أنه غادر إسرائيل لأنه اعتراض على سياسة الاستيطان، وبذلك يبدو بريجمان إسرائيليًا معتدلا ومن السهل بعد ذلك أن تقرأ كتبه وأنت تعتقد أنه يكره ممارسات الكيان الصهيونى، وبالتالى فإن ما يكتبه يستحق القراءة والتصديق، كتابه الأحدث عن علاقته بأشرف مروان يدعونا للتفكر لماذا يصر بريجمان على أن يكون أشرف مروان هو المحور الرئيسى لمؤلفاته؟، الأمر هنا له أكثر من تفسير: الأول أنه مصر على إثبات وجهة نظره وأنه يدافع عن شرفه المهنى والثانى أنه يريد أن ينفى أي ذرة تشكيك حول ما أثاره عن خيانة أشرف مروان لمصر. وأيا كانت دوافع بريجمان حول إصداره لكتابه الجديد عن علاقته بأشرف مروان إلا أن كتابه الجديد ربما كان يبرئ مروان مما أثاره حول بريجمان، الإصرار على إثبات وجهة نظرك ربما يكون مثيرا للجدل وكما يقول المثل نفى النفى إثبات، فإن إثبات الإثبات نفي. شهادة براءة يبدأ بريجمان كتابه الجديد الذي صدر في فبراير المنقضى في 136 صفحة لدار النشر « CreateSpace» بحالة من الندم الشديد على أنه هو المتسبب في قتل أشرف مروان رميا من شرفة منزله بلندن من الدور الخامس في 27 يونيو 2007، وأنه كان في انتظاره في نفس اليوم الذي سقط فيه، حتى يقوم بكتابة مذكراته لماذا يستعين مروان ببريجمان لكتابة مذكراته. بعد أن وصفه بالخيانة في كتابه عام 2002 أي قبل خمس سنوات من الاتفاق على اللقاء المزعوم؟، وهل يستعين أشرف مروان ببريجمان كمؤرخ يهودى إسرائيلى لكتابة سيرته وليضيف مزيدا من التأكيد حول قصته عن الخيانة والتي سبق أن وصفها مروان بأنها قصة خيالية بعد كتاب بريجمان تاريخ إسرائيل عام 2002؟. بريجمان في كتابه الجديد أكثر جرأة حيث أكد على صداقته بمروان وعلاقاته القوية معه والغريب أنه حدد مدة صداقته معه خمس سنوات أي منذ صدور كتابه تاريخ إسرائيل عام 2002، يؤكد من جديد بريجمان على أن مروان الذي توفى عن عمر يناهز ال63 عاما، كان يعرف للبريطانيين منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضى على أنه مليونير ورجل أعمال مصري، وقال في كتابه الذي يحمل عنوان طريقة وفاة مروان بالسقوط على الأرض، فإنه كان خطأه حيث قام بفضحه كجاسوس لإسرائيل وأن ذلك ما تسبب في قتله، وماذا لو كان بريجمان قصد أن ينشر وجهة نظره عن خيانة مروان لكى تتم تصفيته بهذا الشكل، حيث وصف بريجمان في كتابه الجديد أن وفاة أشرف مروان، في تلك الظروف كان تتويجا لملحمة كانت قد بدأت منذ ما يقرب من 40 عاما. معركة بريجمان وربما كانت في الأساس معركة مروان حول الولاءات والهوية ما زالت مسار جدل كبير وتداعيات، ويقول بريجمان إنه بدأ الشك في مروان منذ أواخر التسعينيات وقام بمراسلته أكثر من مرة لمدة ثلاث سنوات من أجل التحدث إليه وإثبات وجهة نظره التي كانت تدور بداخله حول أن مروان كان عميلا سريا خالصا للموساد، ولكن مروان لم يرد عليه ولم يستجب لمطالبته بالحديث معه، وبعد تجاهل مراسلاته في 1999 وعكف على كتابه والذي أصدره تحت عنوان تاريخ إسرائيل في 2002 دون كتابة اسمه بشكل مباشر حيث قال إن «الجاسوس السوبر» كان أحد أقرباء الرئيس عبدالناصر. آخر لقاء مع مروان وقال بريجمان إنه كان يشعر بأنه بطل عندما كشف حقيقة أشرف مروان وكان فخورا به كعميل للموساد ولكن بعد وفاته بتلك الطريقة شعر بأنه صغير جدا وأنه مذنب، وأضاف بريجمان أنه كان مشروعه الرئيسى لمدة ثلاث سنوات أن يكشف الجاسوس الأكثر أهمية في الشرق الأوسط. ووصف بريجمان مروان في كتابه بأنه كان ضعيفا عندما قام بنفى قصته عنه في كتابه تاريخ إسرائيل لكنه لم يقم باتهامه أو حتى بالتهديد للدخول في إجراءات قانونية ضده بسبب التشهير به أو أنه عملية قذف ولكن مروان لم يقم بذلك، وهو الأمر الذي أغرى بريجمان أنه دون أي تهديد قانوني، فإن إغراء اسم مروان لا يقاوم وهو ما جعله يقوم بالكتابة عنه أكثر من مرة فقد كان هو الجاسوس الأكثر أهمية الذي يتحدث عنه الجميع موشيه ديان وجولدا مائير، وهنرى كيسنجر، وبريجمان يرفض في كتابه تحمل عبء الذنب وحده، ويتهم رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالتسبب في وفاة مروان. في كتابه يقول بريجمان إن سبب استدعائه لبريجمان يوم وفاته أنه شعر أن الإسرائيليين تخلوا عنه، وقال إنه كان يرى أيضا أنه بقى على اتصال معه من أجل التنفيس عن غضبه على إسرائيل، وقال إنه لا يمكن أن يتحدث عن هذا الأمر مع أي شخص، ليس مع زوجته أو الأطفال، وكان الشخص الوحيد الذي كان يمكن التعبير عن غضبه إزاء تل أبيب كان معه. هل يكذب "بريجمان"؟ المؤرخ والكاتب الصحفى اليهودى دونالد هاريسون، يرى أن كتاب بريجمان الجديد محاولة لإثبات موثوقية وجهة نظره وما قاله عن مروان، والسؤال الذي تمت مناقشته هو ما إذا كان مروان كان يأخذ موافقة أنور السادات لإطعام الإسرائيليين بمعلومات جيدة وصحيحة بشأن الوضع في مصر وتحديدا إلى كسب ثقة الإسرائيليين، وتساءل هاريسون هل كان مروان بصدق جاسوسا لإسرائيل؟. ويقول هاريسون عن بريجمان هل من الممكن أن يكذب مؤرخ عمدا وتتم كتابة وجهة نظره في كتب التاريخ المدرسية لغرض خفي؟، وتساءل هاريسون بشكل مباشر هل المعركة هنا على نزاهة مروان أم نزاهة بريجمان من يخسر الحرب يخسر المصداقية؟