تناقل صور زفاف ابن أحد كبار مصر الأثرياء فى اليونان على عارضة أزياء أجنبية، فى فرح بلغت تكلفته خمسة ملايين يورو، خبر لم يكن ليستوقفنى لولا أن لحقه أمران: الأمر الأول أن الثرى الأعظم، حصل على مئات الألوف من الكيلومترات، من أراضى الدولة، من مرسى علم إلى مرسى مطروح بتراب الفلوس كالعادة، وأنه كان قد هرب بعد يناير، ثم عاد وتصالح مع الدولة بعد أن دفع خمسة وعشرين مليون دولار فى تسوية جزئية، تتعلق بجزء من الأراضى فى الساحل. بالتأكيد أن أفراح الأثرياء وما ينشر عنها فى الدولة التى تفعل فيها قوانين وسنن ضرائبية واضحة، لا تثير نفس ردود الأفعال، لسبب بسيط أن الناس هناك تكون على يقين أن حقوق الدولة وصلت قبل أن تقوم الاحتفالات والليالى الملاح، ولا أحد بعد ذلك من حقه أن يعلق إلا من باب اللطائف والطرائف. أفراح الأثرياء فى كل الدنيا محل تعليق، الاختلاف فى الظروف.. يعنى لما ملياردير مصرى يقيم فرحا لابنه ويكلفه خمسة ملايين دولار فى اليونان، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو هل سدد هذا الملياردير ما عليه من ضرائب؟ هل أوضاعه قانونية إجمالا؟ تستطيع أن تتلمس الأعذار لو جرت بعض التعليقات التى فى عرف آخرين تعد تدخلا فى الحياة الشخصية.. لماذا؟ لأن الناس ترى قبضة الحكومة حازمة وحاسمة، عندما يتعلق الأمر برفع الدعم عن الكهرباء ومنتجات البترول، تترك الحكومة الناس لحركة سوق يشوبها فساد الاحتكارات فى سلع رئيسية، وحتى عندما نحاول الاستكفاء من سلعة كالقمح، تعجز الحكومة عن حماية الناس، ويظهر فساد الصوامع.. لكن نفس الحكومة التى لا تجد وسيلة لسد عجز الموازنة غير رفع الدعم وزيادة الضرائب على الموظفين، الخاوية جيوبهم أصلا، فشلت فى تحديد حد أقصى للأجور، وتشعر بأن قبضتها تتراخى تماما فى مواجهة من يسمون رجال الأعمال، وأنا أميز هنا بين أى رجل أعمال أضاف أى قيمة للدخل العام، وبين السماسرة الذين تكونت أغلب ثرواتهم من أراضى الدولة التى يستولون عليها ثم يسقعونها ويتاجرون فيها.. وضع ليس جديدا، والكتابة فيه أصبحت عبثية، لثبات الأوضاع، مع أن المعروف أن المهندس محلب تحت يده ملف التسويات، ومع أنه بدون حتى أن يكون هناك ملف جديد، القانون الحالى على سبيل المثال يعطى الدولة الحق فى تحصيل فروق تغيير النشاط، يعنى الذى حصل على أرض ليستصلحها زراعيا وبنى كومباوند وكسب المليارات، الحل معه موجود وبالقانون.. المشهد العام لا ترى فيه سياسات ضريبية عادلة تجعل الناس تطمئن، مع أن هذه السياسات موجودة فى أشرس بلدان الرسمالية، وعندما تطبق، فليقيم الأثرياء أفراح أولادهم ولو على القمر، و«يفنجروا من جيوبهم».. فلوس المتهربين من الضرائب والمحتكرين الذين لم تفكك «رُبّطيتهم» الحكومة، لا بد أن تستفز الناس، لأنها ليست حلالا لهم، ولأنها فلوس أتت بظلم اجتماعى بيّن، ومن وضعيات حكومية غير نزيهة وبائسة، واستمرار هذه الأوضاع مع أحوال الناس العادية غير القادرة على استكمال الشهر بدخول غير منطقية بالنسبة للأسعار، أمر فى منتهى الحساسية والخطورة. ومن الطبيعى مع نشر صور فرح ابن ملياردير مصرى، تكلف خمسة ملايين دولار، أى ما يقارب خمسة وخمسين مليون جنيه، أن يتساءل واحد كل دخله ألفا جنيه بعد ربع قرن من الشقاء، أو واحد معاشه 900 جنيه: هو الملياردير ده ثروته قد إيه؟ ودفع للدولة ضرايب قد إيه؟ ولما تصالح بعد الهروب فى يناير، عاد على أساس تسوية شكلها إيه؟ إنما كله فى «الدرى» أى الخفاء على رأى الفلاحين، لا تعرف منين ولا إمتى فقط تقرأ عن أفراح فى القبة.. السماوية طبعا.