الحق أننا بحاجة لان نعرف الوجهة التى نحن فى الطريق إليها اقتصاديا، ليس من وزير واحد، لكن من وزراء المجموعة الاقتصادية بزمرتها، والذين تجاوزنا مع «التباساتهم «، «وترددهم الدال»، مرحلة الحيرة، إلى منطقة يثير استشرافها خوفا وفزعا، ومع ذلك سوف نسأل، ببراءة: إلى أين تأخذوننا، وتأخذون معنا، بلدا لا يعيش أغلبيته، حياة حقيقية، لكنهم «يتفرجون»، يتفرجون على أقلية كانت، ويبدو انها سوف تستمر صاحبة الحظوة، المستأثرة بفرص الحياة وحدها. الأسبوع الماضى، فاجأتنا وزارة المهندس محلب بتأجيل العمل بالضريبة على الأرباح المتولدة من بيع أسهم البورصة، المتولدة من بيع الأسهم، لمدة سنتين، بعد إن أوقفت أيضا، وبشكل مفاجئ، العمل بتحصيل ضريبة على من يتجاوز دخله «مليون جنيه» فى العام، بعد عام واحد، بدلا من أعوام ثلاثة كانت مقترحة، وإذا أضفنا أيضا تخفيض الضرائب على الشركات من خمسة وعشرين بالمائة الى اثنين وعشرين بالمائة، يصبح السؤال أكثر من «مشروع»، ويكون الشعور بالالتباس فى غير محله، لان معالم الوجهة، التى تأخذنا إليها المجموعة الاقتصادية، تعلن عن نفسها. حديث الاقتصاد فى بلد له مثل ظروفنا ليس حديث أرقام بمعزل الواقع الاجتماعى، بلد خرج إلى الشوارع، مطالبا «بالعيش»، العيش والعيشة، بلد أوصلته سياسة الأرقام والزهو «بالنمو الرقمى»، الذى يصب فى ماعون أقلية ضامرة، إلى لحظة هددت «وجوده» ولا حاجة بنا إلى تفاصيل ندفع جميعا فواتيرها. لماذا نحس أن الكلام عن «العدالة الاجتماعية»، شىء، وسلوك الطريق إليها شىء آخر؟ أو لماذا لا نحس، ترجمة واضحة، جلية لسياسات العدالة الاجتماعية، التى عنوانها الأول هو السياسة الضريبية؟ فى بلد لا يملك بترولا ولا «اقتصاد ريع، من أين سوف تنفق حكومته على التعليم والصحة والمرافق و.. و؟ الفروق الاقتصادية والاجتماعية، فى مصر، أصبحت من الاتساع، لدرجة أنها تهدد فعلا لا قولا، أمننا الاجتماعى، بل والقومى، ومع ذلك لا نرى من الحكومة إلا ترددا وارتباكا، تحسمه فى نهاية الأمر مجموعات المصالح المهيمنة، نعم مجموعات المصالح المهيمنة، يكفى أن تقرأ على سبيل المثال إن جزءا من مستشارى الحكومة سماسرة فى البورصة، وأنهم كانوا وراء الإلغاء الأخير لضرائب البورصة، الوزارة ألغت أو أوقفت بعد عام واحد ضريبة على من يزيد دخله على «مليون جنيه» فى العام، مع أن مقترحى هذه الضريبة المحددة المدة، كانوا من أصحاب الأموال المدركين «أن أمنهم» مرهون بآلية تتجه نحو ولو شبهة العدل، فى مجتمع صار ترف الأقلية فيه متجاوزا حتى لما نراه فى طبقات ثراء أعتى الدول الرأسمالية. الحكومة أعلنت عن حد أقصى للأجور، توقفت شخصيا عند الفئات المستثناة من تطبيق هذا الحد، بعد أن اكتشفت أن سياسات النجاة الفئوية قد أفرغته من مضمونه، ولم يعد يطبق إلا على رئيس الجمهورية، و وقفت الحكومة تتفرج! أى سياسة اقتصاديه تسلكها مصر الآن، نوعها إيه؟ تستهدف ماذا ومن، وماهى آلياتها فى بلد فوارقه الطبقية أشبه «بالثقوب السوداء»؟ بصراحة الحكومة، تستأسد على الموظفين وشرائح العوام، وحين يأتى الأمر لأصحاب الحظوة ،تتردد، تأخد القرار وترجع فيه، تقدم رجلا وتؤخر أخرى، نحن لا نتكلم (والشر برة وبعيد، وأعوذ بالله!) عن عودة لسياسات ناصرية، ولا تأميم، ولا حتى انحياز للفقراء الذين هم الأغلبية العظمى، نحن نتكلم عن آليات إعادة توزيع دخل، عن سياسات رأسمالية بعد ان روضت الرأسمالية نفسها حيث، يعمل الناس من خلالها ويؤدون ما عليهم من ضرائب. حيث عدالة توزيع الأعباء. انت رفعت الدعم، عن الكهرباء والمياه والوقود، وانت تعلم انه لا يد لك فى تنظيم الاسواق التى يهيمن عليها» افراد»، ونحن قبلنا، «نحن» تعنى الاغلبية التى تصارع لكى تبقى على قيد الحياة، (بلدنا وماوانا وسترنا، فى ضيقة، رقابنا لها)، وفى المقابل لا نجد إلا مزيدا من التدليل غير المبرر، لنفس المجموعات التى «نحلت» البلد واخدت الفرص وحققت نموا فى دخولها التى اخرجتها او أخرجت معظمها خارج البلد، ولم تحقق تنمية شاملة.. نعم لم يحقق القطاع الخاص على مدى الاعوام والفرص السخية التى منحت له، غير نمو مالى اخرجه لبنوك اوروبا وامريكا، و فى المحصلة، تركتنا سياسات «النمو المالي» امام مجموعات احتكاريه، واخشى القول إننا بصدد إعادة إنتاج مجموعات احتكارية، لا تقبل بهامش ربح طبيعى ولا مقبول، (وفقا لآليات السوق لماذا تم فرض رسوم حماية على استيراد الحديد، ولماذا الإصرار على حماية المحتكرين لتلك الصناعة وحرمان المستهلك من اسعار افضل، مع ان الحكومة تستورد من علبة الكبريت وانت طالع) نحن ما زلنا نتعامل مع الاستثمار، دون تمييز بين استثمار القيمة المضافة والسمسرة، لا نميز بين المضاربة فى البورصة، وبين الإنتاج ، نحن إزاء سياسات، تعاقب المنتج، وتشجع المستورد، إلا فى حالة اصحاب التاثير والنفوذ كما فى حالة الحديد. الحكومة تتعامل باستحياء وحرج حين تتعامل مع فكرة فرض ضرائب على الاغنياء (مع ان هذا هو السبيل الوحيد لأمن هؤلاء الاغنياء انفسهم، وهو حق اصيل للمجتمع)، وهذا «عوار» اقتصادى، عوار تتبرأ منه اعتى الانظمة الرأسمالية، وحتى المؤسسات التى ندعى انحيازها للاغنياء، ويكفى الاشارة الى انتقاد، صندوق النقد الدولى، لقرار حكومة محلب بشان تاجيل ضريبة الارباح الرسمالية على البورصة من خلال تصريح، كريس جارفى رئيس بعثة الصندوق الذى قال وفقا لوكالة بلوم برج (نشعر بخيبة امل مع تأجيل ضريبة الارباح الرأسمالية والتى كنا نراها عادلة ومطلوبة لزيادة الإيرادات). تردد الحكومة فى سياساتها الاقتصادية، وتراجعاتها عن الحق الاصيل، للأغلبية فى عدالة اجتماعية ذات سياسات واضحة، وطبطبتها على اصحاب الفلوس، يعنى اننا مازلنا على نفس السكة، سكة الاقلية التى تسكن منتجعات الجولف، والأغلبية التى تشرب مجاري، وهى نفسها السكة التى اخرجت الناس الى الشوارع هاتفة» للعيش»، الذى اختزلت فيه رمزا لأحقيتها فى الحياة وليس خدمة أقلية تستحوذ على الحياة. لمزيد من مقالات ماجدة الجندى