صنع من «المدهون» روائيًا رغم أنه شوه القضية الفلسطينية وانتصر للإسرائيليات.. نسب للكاتب أشياء لم تقلها روايته وأوهم القارئ بأن ما قاله نبع مما كتبه فيها.. لم يعبأ بأى شكل من أشكال الدقة في كل ما كتبه وهو ما أوقعه في كثير من المغالطات غير المتعمدة إذا ما تأملنا ما يكتبه صلاح فضل في جلّ مقالاته، التي يستهويه وصفها بأنها نقدية، سنلاحظ أن معظم ما يكتبه مجرد حشو لا طائل من ورائه، بمعنى أنه لا يفعل أكثر من تلخيص الأعمال التي يكتب عنها تلخيصًا جيدًا إلى حد ما، ثم يرفق هذا التلخيص بإطلاق مجموعة من الأحكام الانطباعية، وربما الانفعالية، من دون التعرّض للنقد الأدبى والعلمى الذي نعرفه ونفهم آلياته! أي أن صلاح فضل في النهاية مجرد كاتب «عروض» (Review) محترف للأعمال الأدبية، ويُطلق على هذه العروض نقدًا. كما أننا لم نره لمرة واحدة يُدلل على صدق ما يذهب إليه بشكل نقدى عند إطلاقه لأحكامه الانطباعية هنا وهناك، بل يكفيه أن يطلق حكمه في الهواء، وعلى القارئ المسكين - الخاضع لسلطوية فضل كما يظن - أن يصدق أو يأخذ ما قاله الناقد الحكيم كأنه كلام مقدس لا يمكن الشك فيه، لأنه إله النقد المصرى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. مأساة الناقد في مقاله - غير النقدي - الذي كتبه في جريدة «المصرى اليوم» بتاريخ 12 يونيو 2016 بعنوان «مصائر الشتات الفلسطينى في رواية المدهون» يصول ويجول الناقد مُدلسًا على القارئ حتى إنه يوهمه بأن رواية ربعى المدهون هي أهم رواية صدرت في الوطن العربى كله في الآونة الأخيرة، وبالتالى فلا بد لنا أن نسجد للمدهون الذي كتب هذا العمل البديع مُتحدثًا عن المأساة الفلسطينية ومعاناتها، بينما الحقيقة الأدبية التي يعرفها معظم من قرأ الرواية أن المدهون لم يكتب رواية، بل كتب لغوًا لا علاقة له بالأدب ولا اللغة ولا الجماليات. كما حرص من خلال هذا اللغو على تشويه التاريخ الفلسطينى والانتصار ل«القضية الإسرائيلية»، إذا جاز لنا استعارة وصف القضية الفلسطينية وإسباغها على إسرائيل تماشيًا مع النزعة الصهيونية للمدهون في روايته. يقول الناقد الكبير - في السن -: مريرة وموجعة، معقدة ومزمنة، تلك حيوات الشعب الفلسطينى الشريد، موزع بين من يتوق لعودة مستحيلة، وآخر «باق هناك» يحاول ترميم جذوره وترسيخ هويته المخلوعة، موضوع رواية ربعى المدهون التي ظفرت بجائزة البوكر هذا العام بعنوان «مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة». خلال قراءة الفقرة الأولى في مقال الناقد صلاح فضل يتوهم القارئ بأن هذه الرواية إنما تدور حول المأساة الفلسطينية والألم الفلسطينى، ولعل الجملة الأولى التي بدأ بها فضل مقاله وهى جملة شعرية تعمل على دغدغة مشاعر القارئ لا إعمال عقله ليتخذ بالتالى موقفًا شعوريًا من الرواية ويتقبّل كل ما سيجود به الناقد عليه. لقد كان فضل ذكيًا في افتتاحية مقاله من حيث اللعب على مشاعر القارئ المتعاطف بفطرته مع القضية الفلسطينية، وبذلك فهو يؤهل القارئ غير الحصيف لتقبّل مادته ويعمل على اجتذابه إلى صفه حينما يقول: «مريرة وموجعة، معقدة ومزمنة، تلك حيوات الشعب الفلسطينى الشريد»، ثم سرعان ما ينسب هذه المشاعر الفضفاضة إلى الرواية التي يتحدث عنها، باعتبار أن الروائى كان يقصد ذلك من وراء روايته الزائفة لا النازفة. يؤكد الناقد القدير: «مريرة وموجعة، معقدة ومزمنة، تلك حيوات الشعب الفلسطينى الشريد» في حين أن المدهون في روايته أبرز المأساة اليهودية فقط، وما عاناه اليهود سيكولوجيًا من جرّاء محرقة الهولوكوست، ولم نر حقيقةً أية مأساة فلسطينية كما ذهب فضل، فنحن نرى باسم زوج جنين في الرواية متعاطفًا مع جارته اليهودية «بات- تسيون» التي يعنى اسمها في العربية «بنت صهيون» فيقول الروائى على لسان جنين: «كانت تعرف أن باسم يرتاح حين يطل برأسه من النافذة، ويرى جارتهم اليهودية، بات- تسيون، يغفو على راحته كأنه في قيلولة بعد ظهيرة يوم حار، يتابع بات- تسيون منشغلة في إنجاز لوحة جديدة»، إذًا فباسم الثائر والمستاء من الوضع الفلسطينى والراغب في العودة إلى أمريكا وترك الوطن، والذي يرى أن من يقيمون في الداخل الإسرائيلى ليسوا بفلسطينيين كاملين (بوصفه لهم «فلسطينيين نص نص»)، لا يرتاح سيكولوجيا إلا من خلال تأمل جارته اليهودية «بنت صهيون»! وبما أنه يرتاح لها نفسيًا كثيرًا فهو يُفضل أن يُطلق عليها اسمًا آخر وهو «بنت السلام»، وأحيانًا كان يُدللها مطلقا عليها اسم «بات» فقط، فنرى في الرواية: «نفذ باسم رغبته واستمتع بها، صار ينادى جارته «بت- شالوم»، أُعجبت العجوز بالتسمية كثيرا، حتى إنها صارت تنتظر مرور باسم من الحارة، أو ظهوره قرب النافذة، وتتظاهر بالانشغال كى ينادى عليها، وتسمع اسمها الجديد منه»، هنا أحب أن أسأل الناقد: أين هي المأساة المريرة والموجعة التي تتحدث أنت والمدهون عنها؟ أنا لا أرى سوى مجتمع بديع يسوده السلام والحب بين أبناء الوطن الواحد من اليهود والفلسطينيين الذين يعيشون مع بعضهما البعض في سعادة ووفاق، بل ويُدلل الفلسطينيون منهم اليهود وينادونهم بأسماء التحبب والتقرّب. حينما يتحدث الناقد في مقاله العجيب عن اللغة الروائية الأكثر عجائبية لربعى المدهون يقول واثقًا ثقة لا مبرر لها: «لكن ما يفتن القارئ في أسلوب الرواية هو قدرة المبدع على تجسيد روح المكان ورنين الزمان في اللهجة المهجنة المغتربة، للمقيمين أو الزوار المتواطئين معهم، كما تتجلى في الحوارات الشائعة، في هذه اللهجة التي تسرى في العمل كله تبرز المفارقات المسنونة والتناقضات المثيرة في أوضاع المتحاورين وعوالمهم المتضاربة، مما يصل في أحيان كثيرة إلى منطقة الفكاهة الدامعة، هذه اللغة التي يعجنها ربعى المدهون ويخبزها في طابونه الروائى بمهارة فائقة هي الأقدر على تمثيل عذابات الشتات الفلسطينى الموزع على الأمكنة والأجيال والثقافات برهافة شعرية فائقة»، هل يعتقد فضل أن هذه الفقرة المصوغة بهذه العبارات اللزجة هي فقرة نقدية حقًا؟! وبغض النظر عن أن هذا يسمى دهنًا لا نقدًا، فإن كل من يوافق فضل فيما ذهب إليه لا بد أن يطمر رأسه بالرمال خجلًا ومهانة كلما قفزت أمامه جملة من الجمل المدهونية في الرواية، فأى قارئ متوسط الثقافة يدرك في أي صفحة يفتحها من الرواية بأن ما يدعيه فضل يسمى مغالطة وزيفًا نقديًا، فالكارثة الحقيقية والأولى في رواية المدهون هي اللغة يا سيادة الناقد الفذ، والمشكلة أن المدهون ليس لديه حس لغوى أصلًا، وبالتالى فهو عاجز عن كتابة رواية، فكيف تأتى أنت بعد ذلك لتتغزل باللغة التي سيخبرك أي مراهق في المرحلة الثانوية إذا ما قرأها: «هذه لغة طالب فاشل يحاول تلمس خطواته الأولى في الكتابة، ومازال أمامه الكثير كى يتذوق اللغة». يبدو أن ذائقة الناقد اللغوية هنا فاسدة، الأمر الذي جعله يطلق حكما نقديًا مجانيًا في حديثه عن لغة عقيمة وجوفاء من دون الاستشهاد بأى اقتباس من الرواية للتدليل على هذه اللغة ذات الرهافة الشعرية الفائقة من وجهة نظره! هل هناك من يقول في مقال نقدى: «برهافة شعرية فائقة»، وإذا ما سلمنا بالرهافة الشعرية التي تتحدث عنها، فأين موضع مفردة «فائقة» مما تقوله؟! أين التفوّق الذي رأيته ولم تره عند غيره في هذا اللغو الذي أحاق بالرواية من أولها إلى آخرها، هل هو في قول المدهون: «صُدمت عمتى، وأخذت عن أمى بقية انفعالاتها وانفعلت بها»؟ هل تعتقد أن هذه الجملة هي جملة روائية وشعرية فائقة؟ ومنذ متى كان تشيئ المشاعر مقبولًا بمثل هذا الشكل الفج في عمل أدبى أو في الحياة عامةً؟ وهل من الممكن أخذ بقية الانفعالات من شخص ما ثم الانفعال فيما بعد ببقية هذه الانفعالات التي تخص الآخرين؟! أوصاف المدهون غير منطقية كى تكون أدبية، وهو عاجز عن توظيف اللغة والتعبير عنها بشكلٍ سليم ومفهوم حتى تنهال عليه بكل هذه الإطراءات الزائفة، هل هناك من يصف شخصًا ما بقوله: «نحيف إلى حافة السمنة»؟ وهل ترى في هذا الوصف المتناقض أية شعرية؟ رغم أن الناقد صلاح فضل له باع طويل - أشك فيه اليوم - في النقد الأدبى، ورغم أن الناقد لا بد أن يتحلّى بحاسة البحث الدءوب والتدقيق في كل ما يذهب إليه، إلا أننا نرى فضل حينما يكتب ما يدعوه نقدًا لا يبذل أدنى قدر من الجهد بما يتفضّل به علينا وكأنه يمارسه بلون من ألوان الكسل والإرغام والضجر - باعتباره مجرد أكل عيش - لا بد من فعله. فحينما ندقق النظر في مقاله الذي كتبه عن رواية المدهون سيتبيّن لنا أنه لم يعبأ بأى شكل من أشكال الدقة في كل ما كتبه، الأمر الذي أوقعه في الكثير من المغالطات غير المتعمدة التي يمكن إضافتها إلى مغالطاته التي تعمدها من أجل تجميل الرواية ومجاملة كاتبها. يقول فضل في مقاله: «يجترح المؤلف فيها تقنية مبتكرة، تتمثل في «توليف النص في قالب الكونشرتو المكون من أربع حركات، تشغل كل منها حكاية تنهض على بطلين اثنين: يتحركان في فضائهما الخاص، قبل أن يتحولا إلى شخصيتين ثانويتين في الحركة التالية، حيث يظهر بطلان رئيسيان آخران لحكاية أخرى، ثم يذوبان في الحركة الثالثة في حضور أقربائهما وأصدقائهما من الأبطال الجدد، وينتهى الجميع في الحركة الرابعة والأخيرة إلى نقطة البداية ليصبح محور العمل كله هو العودة المستحيلة والأرض المغتربة وأشباح حروب الإبادة اليهودية والفلسطينية الماحقة»، بغض النظر عن استخدام مفردة «اجترح» التي أرادها الناقد هنا بمعنى «الاختيار بعناية»، فإن استخدام المفردة «اجترح» تُعزى معجميا إلى اكتساب الذنوب والخطايا، وأنت هنا وُفقت كثيرًا في اختيارك لهذه المفردة، لأن هذه الرواية فعلًا خطيئة. إن هذه الفقرة تُدلل لنا بشكل واضح أن فضل مجرد ناقد كسول يرتكن إلى كسله ولا يرغب في نفضه عنه، فهو هنا يُقر بأن رواية المدهون جاءت على شكل الكونشرتو المكون من أربع حركات، وهو لا بدّ استقى معلوماته هنا من المقدمة الهزيلة التي كتبها المدهون وشرح لنا فيها أن الرواية كُتبت بمثل هذا الشكل الذي يتوهمه، في حين أن الكونشرتو في حقيقية الأمر يتكوّن من ثلاث حركات فقط لا غير! وهنا يتبين لنا أن فضل اعتمد على ما قاله المؤلف في مقدمته ولم يحاول تحميل نفسه عناء البحث كى يتأكد من هذه المعلومة التي تفضح جهله، ليقرّ بما قاله المدهون في مقدمته منساقًا إليه كثور في ساقية. وإذا ما كان الناقد متكاسلًا عن البحث والتدقيق في معلوماته التي يؤسس عليها نقدًا سيشهد عليه التاريخ، فمن الأجدى به ألا يكتب نقدًا مرة أخرى، لكن صلاح فضل سرعان ما يدهشنا حينما يعود في فقرة أخرى من مقاله ويقول: «فإن استعارة شكل الكونشرتو الموسيقى المكون في الأغلب من ثلاثة أجزاء تلعب فيها آلتا الكمان والفلوت الدور الرئيسى بجانب الفرقة الموسيقية، وتتراوح أجزاؤه بين السرعة الأولىة ثم الهدوء الناعم قبل العودة للإيقاع اللاهث، هذا الشكل يلائم الرواية التي تلعب فيها النماذج البشرية والأصوات المتعددة دور الآلات الموسيقية في جوقة الحياة»، إن الرجل هنا يتناقض مع نفسه بشكلٍ غير مبرر، وهذه الفقرة تتناقض مع الفقرة التي سبقتها كذلك بشكلٍ مدهش، وهذا يعود إلى ما يلى: إما أن فضل نسى الفقرة التي سبق أن أكد فيها رباعية الكونشرتو الموسيقى، أو أنه يدرك ثلاثية الكونشرتو ولكنه يرغب في التواطؤ مع رباعيات المدهون، ولأنه لا يريد أن يغالطه على الملأ فقد كتب فقرة حول رباعية الكونشرتو ثم ألحقها بفقرة حول ثلاثيتها، ليسوق فيها التعريف الصحيح متأخرًا من دون تخطيئ الروائى. من الجمل النقدية التي وردت في مقال فضل والتي تدل على عدم اهتمامه بما يلقيه على القارئ من استنتاجات، وعدم تدقيقه وأمانته في التحليل بموضوعية، الأمر الذي أوقعه في الكثير من الأخطاء التي لا بد سيصدقها القارئ باعتبار أنها جاءت على لسان الناقد الكبير قوله: «في آخر اجتماع تعقده إيفانا وأسرتها ومحاميها كى توصيهم بحرق جثتها بعد وفاتها وذرو قدر من رمادها على نهر التايمز حيث عاشت عمرها الطويل، ووضع الجزء الآخر من رمادها في قنينة خزفية تسد أيقونتها الأنيقة لإيداعها فيما عساه أن يكون قد تبقى من منزل الجد في عكا وفى أحد بيوت القدس القديمة»، في الجملة الأخيرة من هذه الفقرة يتحدث الناقد بثقة وتعالٍ قائلًا: «لإيداعها فيما عساه أن يكون قد تبقى من منزل الجد في عكا وفى أحد بيوت القدس القديمة»، في الوقت الذي ذكر فيه الروائى داخل روايته أنها أرادت أن يكون رمادها في بيتها القديم في عكا، وإذا لم يستطع وليد وابنتها فعل ذلك فعليهما العمل على وضع الرماد في أحد البيوت الفلسطينية في القدس، أي إما هذا أو ذاك، وليس كما ذهب فضل برغبتها في وضع الرماد هنا وهناك، أي في عكا والقدس معًا، فنصّ ما قالته إيفانا في الرواية هو: «خذوا بعضى وكل روحى إلى عكا يعتذران لها حارة حارة [...]»، قطعته بعدها لتوجه كلاما آخر لجولى ووليد: «إن تعذر الأمر لسبب ما، أكون سعيدة لو أخذتما هذا النصف من بقاياى، إلى القدس القديمة، أعرف أن لوليد أصدقاء هناك»، لذلك توجّب عليك يا فضل أن تميّز بين وأوآتك وأوأواتك على شاكلة الصياغة المدهونية. غياب الدقة عدم التدقيق في تناول صلاح فضل للرواية في مقاله يتضح في غير موضع من هذا المقال مثل قوله: «فالراوى يحكى قصة لقائه في مطار القاهرة براكب تصحبه زوجته الأنيقة دائمًا، يقرأ في صحيفة القدس العربى مقالًا لربعى المدهون بعنوان «لا تصدقوهم، لم ينسونى بعد أربعين عامًا»، فيستنتج أنه هو الكاتب، ولعل هذه الفقرة وحدها من مقال فضل تُدلل على أن فضل لا يقرأ، وإن قرأ فهو يقرأ بعدم اهتمام وتركيز، الأمر الذي يجعله يخلط الأمور ببعضها ويترتب على ذلك مقال - غير نقدي - فيه الكثير من المغالطات والتناقضات التي تنزاح عن العمل الذي يتناوله النقد انزياحًا حادًا، فالراوى حكى فعلًا عن لقائه براكب تصحبه زوجته الأنيقة دائمًا، يقرأ في صحيفة القدس العربى بالفعل، لكن هذا الحدث لم يكن في مطار القاهرة كما ذهبت يا فضل، بل كان في مطار «بن جوريون»، لذلك أرجو منك أن تتفضل علينا بشيء من اسمك ولا تتحدث مرة أخرى في النقد الذي لا تتوخى فيه أبسط قواعد الأمانة في النقل، فقد ذكر المدهون في مشهد تحت عنوان «رجل واضح غامض» (وهو يقصد نفسه بهذا الرجل الواضح الغامض): «قادتنى وزوجتى إلى غرفة تحقيق في مطار «بن جوريون» في اللد، شرطية أمن أبطأت مؤخرتها الثقيلة من خطواتنا المنتظمة خلفها»، مؤكدًا بذلك على بن جوريونية المطار لا قاهريته! كما أن إقحام المدهون نفسه كروائى داخل متن العمل لم يكن من التجريب في شيء يا سيدى القدير كما ذهبت أنت في قولك: «من الطريف أن يتجول الكاتب في روايته بشخصيته وذكرياته على سبيل التجريب السردى»، فأين التجريب في وجود المدهون بنفسه داخل روايته؟ هذا الأمر رأيناه في العديد من الروايات وهو ليس من الجدة بشيء، كما أود أن أطرح على حضرتك سؤالًا: ما الضرورة الفنية التي جعلت المدهون يتحدث عن نفسه ووضع نفسه كشخصية روائية في الرواية اللهم إلا مجرد الحديث عن نفسه فقط من دون أي طائل أو هدف؟ هل كان وجود شخصية المدهون في الرواية محركًا للعالم السردي؟ هل اعتمدت عليه الأحداث في أي شيء؟ هل قدم شيئًا جديدًا بتواجده داخل الرواية؟! كل هذه الأمور لم نرها، وبالتالى فوجود المدهون كان ثقلًا وثرثرة داخل الرواية زادها ضعفًا على ضعفها. الثقافة المزعومة يحاول الناقد صلاح فضل التثاقف على القارئ، أي أنه يريد أن يظهر أمامه باعتباره ناقدًا مثقفًا عظيمًا يعرف الكثير من الأمور التي استعصت على مداركنا كقراء لذلك يتفضل بها علينا ويجود، فيقول في مقاله: «بيت عروس» آخر البيوت الخاصة في حارة دهمان، يعد نموذجًا للبيوت العربية المميزة، وقد بنى بحيث تتوسطه ساحة تسمى «الحوش» (في العرف الأندلسى تسمى البابتو)»، أظن أن الناقد المثقف هنا حينما كتب «البابتو» كان يقصد في حقيقة الأمر «الباتيو» (Patio) بمعنى البهو أو الفناء أو الحوش، لكن يبدو أنه لم يسمعها من أصدقائه جيدًا ليرددها بشكلٍ مغلوط كأنه لا سبيل للقراء إلى الإسبانية ووحده يحتكر الثقافة، فما الذي استفدته من سوق هذا التوضيح بالإسبانية؟ ها أنت تقع بالخطأ لرغبتك بالتفاصح، ثم ما الفائدة منه؟ هل الرواية إسبانية أم القراء إسبان؟ لقد جاء هذا التوضيح في الأساس في غير سياقه، ومقال فضل المهترئ في رواية المدهون لم يكن يحتاج «الباتيو» ليزيد من عوراته سوءة. في مقاله يقول فضل يقول: «أعتقد أن ظلال الواقع التوثيقى تتراءى في هذا المشهد مع شخصية المؤلف نفسه، كما أحسب أنه يتعين عليه في أحد مشاهد رواياته المقبلة أن يسجل أيضًا احتضان مطار القاهرة له أخيرًا وترحيبه به عند حضوره منذ فترة وجيزة مؤتمر تجديد الخطاب الثقافى»، لا بد هنا من تأمل هذه الفقرة بخشوع، فهنا يطلب الناقد من الروائى أن يُسجل في رواية قادمة احتفاء السلطات المصرية به في مطار القاهرة مؤخرًا حينما زار القاهرة في مؤتمر تجديد الخطاب الثقافى مع ما في هذا الطلب من سماجة لا يمكن احتمالها، فهل يظن الناقد الكبير أن الأدب قد بات يُفصّل على المقاس من أجل التحية والشكر والدعاية والاحتفاء وتبادل دعوات الزيارة واقتراح موضوعات الروايات القادمة إذا رضى عن أحدهم، بينما يسب الآخرين ويلعنهم في حال لم يكن راضيًا عنهم؟! ما كل هذه السماجة والتساهل في التعامل مع الأدب؟ وكيف تجرأت في مثل هذا الطلب من المدهون في سياق مقال نقدي؟! هل فعلًا تمازحه؟ وهل تعتقد أن السلطات المصرية لو كانت قد قابلت المدهون بشكل سيئ أو منعته من الدخول مرة أخرى مثلما فعلت معه من قبل، من الأجدى به ساعتها أن يكتب رواية يسب فيها مصر والمصريين وسلطاتهم التي منعته من الدخول كما فعل في روايته «مصائر»، وهل كنت ستطلب منه ذلك؟! إن فن الرواية ليس فنًا على المقاس والمجاملات الشائهة التي نراها في نقدك أيها الناقد الكبير، بل هو فن عفوى وحقيقى يخضع لآليات الفن، وليس لآليات المصالح والشلليات وأكل العيش. في مقال الناقد صلاح فضل ما يؤكد لنا أن الزيف النقدى قد بات شعار المرحلة، مؤكدًا على تساقط القامات النقدية الذين تربّى القرّاء على الثقة العمياء فيهم، ولكن حين حاول هؤلاء النقاد تزييف الواقع الثقافى بمحاباة المدهون وكتبوا فيه شعرًا أفلاطونيًا كان انهيارهم العظيم وسقوطهم من أعيننا، ومن أبراجهم العاجية العالية، ليستقروا تحت قدمى المدهون الذي نجح بالفعل في خلع قداستهم عنهم بكتابتهم عن روايته، لتقضى رواية «مصائر» بسوء مصائرهم.