نقلت لنا كتب التواريخ والسير، وشروح كتب السنة المعتمدة أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يخلو بنفسه في غار حراء قبل البعثة للتعبد، كما روى ذلك البخاري في صحيحه، عن عائشة رضي الله عنها تُوحي أن تحبيب الخلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، التي كانت قبل البعثة بشهور قليلة، وبهذه الرؤيا أسست عليها طريقة صوفية، منذ أكثر من 500 عام، وأصبح لها مريدين كثر في البلاد العربية. ورغم انتشارها في دور الدول عربية بكثرة، إلا إنها غير مشهورة كطريقة الرفاعية أو الحامدية الشاذلية، ولعل حالة الجفاف من المعلومات حول هذه الطريقة كان سببًا دافعًا ل"البوابة نيوز"، أن تطرح تقريرًا شاملًا عن نشأة وتطور الجماعة، لاستكمال ما تقدمه لقرائها خلال شهر رمضان المبارك، من خلال سلسلة من الحلقات لكشف خلفيات وأفكار الطرق الصوفية والجماعات الدينية، في هذه الحلقة جاء الدور على الطريقة الدمرداشية الخلوتية، فهي طريقة صوفية مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله الكريم، تدعو إلى المحبة والتعاطف والتراحم والوفاء بالعهد والخلق العظيم، وأن العمل عبادة وأن الحياة جهاد، وهذه الطريقة تحيي ذكرى إحياء خلوة الرسول صلي الله عليه وسلم في الغار فأتباعها يختلون ثلاثة أيام بلياليها في حجراتهم الصغيرة. أسسها العارف بالله الشيخ محمد الكبير المحمدي، ولد في مدينة تبريز العجم، إحدى أهم وأبرز المدن في إيران وعاصمة مُحافظة أذربيجان الشرقيَّة، عام858 ه الموافق 1454م، من أبويين صالحين زاهدين، أرسله والده إلى الكتاب لحفظ القرآن الكريم، وكان تقيا ورعا لا ينام الليل إلا قليلا ولا يفتر لسانه عن ذكر الله وهو من أتباع الشيخ عمر الروشني، ولشيخ الطريقة قصة شهيرة ومثيرة فأثناء تواجده لعمارة المسجد النبوي الشريف جيء به إلى مصر أسيرًا فأتخذه السلطان قايتباي من جملة مماليك القصر بالقلعة ولما ظهر نبوغه قربه السلطان إليه وجعله مؤتمنا على خزائنه فحافظ عليها وكان مثالا للأمانة والإخلاص، ولذلك أعطاه السلطان حرية الخروج من القصر في أي وقت يشاء، وحج مع السلطان عام488 ه، ووهبه السلطان قرية الخندق العباسية والدمرداش الآن، ليستعين بها على الحياة، فبني فيها زاويته على شكل قبة تحتها المسجد، ودعا الدمرداش إلى الطريقة الدمرداشية الخلوتية، وألف كتبا صوفية وفقهية كثيرة تتناولها الأيدي للآن. واعتقد الشيخ أن الأرض والعزبة التي أهداها له السلطان قايتباي، لا تحق له أن يتملكها لذلك أوقفها وحرم على نفسه الأكل من ثمراتها وكان لا يأكل إلا من عمل يده، وزرع في أرضه ألف نخلة بطريقة الوفق التي كان ضليعا فيها ثم زرع الأرز تحت هذا النخل وهي إحدي كراماته فمن المعروف أن النخل يفسد لوجود الماء الكثير والأرز يفسد لقلة الماء ورغم أن الأرز والنخل متضادان في استهلاك الماء إلا أن المحصولين نجحا. توفي عام839 ه عن عمر يناهز الثمانون عاما، وحضر جنازته والي مصر سليمان باشا الخادم صاحب المسجد المعروف باسمه في بولاق، ودفن بضريحه الذي بناه لنفسه بمسجد الدمرداش المحمدي بالعباسية والشيخ الحالي للطريقة الدكتور محمد أحمد مصطفى مختار الحاصل على درجة الدكتوراة في الكيمياء من جامعة كمبريدج في بريطانيا والشهير بالدكتور محمد أحمد الدمرداش عن أخيه الدكتور عبدالرحيم الدمرداش عن جده عبدالرحيم الدمرداش باشا والذي تبرع بمستشفي الدمرداش أرضا وبناءً وأجهزة هو وزوجته زينب التودي وابنته السيدة قوت القلوب الدمرداشية والدة شيخ الطريقة الحالي. * شعائر الطريقة تقيم الطريقة مولد كل عام في النصف الأخير من شعبان ويقوم فيه تلاميذ الدمرداشية بالإختلاء داخل الخلاوي المخصصة لذلك، ويتلي القرآن آناء الليل والنهار من مساء الإثنين إلى مغرب الخميس، والمختلون صائمون الثلاثاء والأربعاء والخميس، ولا يخرجوا إلا للوضوء والصلاة جماعة. والخلوة عبارة غرفة صغيرة يدخل إليها الضوء عن طريق فتحة ضيقة بالباب الذي يغلقه عليه، ولا يقرأ المريد إلا الورد الخاص الذي لقنه إياه السيد نقيب النقباء، ولا يخرج إلا لأداء الصلاة جماعة مع زملائه في الخلوات الأخري ولا يتكلم مع أحد إطلاقا عملا بالآية الكريمة: "آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا" (سورة مريم)، ولا ينام المريد إلا بعد صلاة الفجر حتى وقت الضحي، وإفطاره مدة الخلوة يكون على ما يقدمه النقيب من أرز تم طهيه بزيت السمسم، حيث إنه سهل الهضم ولا يشرب إلا الماء الممزوج بالليمون. وفي يوم الخميس التالي تنتهي الخلوة ببداية المولد ويخرج المختلي من غرفته، وتقام الحضرة أو "المحيا"، ويتم إحياء ليالي المولد بتلاوة القرآن الكريم وختامه، وفي يوم الجمعة التي تسمي "الجمعة اليتيمة" يقوم الشيخ بزيارة خلوات الضيافة أعلي المسجد والتهنئة بانتهاء المولد. وعن أشهر من اختلي بالمسجد، قال الشيخ أحمد الدمرداش في تصريحات صحفية له، الشيخ على نورالدين البيومي، والشيخ مصلح وله مسجد كبير في المطرية، وفي العصر الحديث الشيخ صادق العدوي، كما أن أصل كلمة الدمرداش جاءت من لقب أطلقه السلطان قايتباي على الشيخ أبي عبدالله شمس الدين عندما وجده يتعبد في الخلاء في ليلة عاصفة شديدة البرودة، فقال له بالفارسية: أنت "دمير طاش" ومعناها أنت كالصخر والحديد في تحملك، ثم حرفت وصارت تنطق دمرداش، كما لقب بالمحمدي بعد عودته من بعثة ترميم المسجد النبوي بالمدينة المنورة، فقد حرص على ترميمه على أكمل وجه وأسرع وقت ممكن، بعد أن أصابته صاعقة تسببت في إحراق أجزاء كبيرة منه عدا القبة الشريفة، كما عرف عنه ورعه وحبه الشديد للمصطفى صلي الله عليه وسلم فأصبح يعرف بالشيخ الدمرداش المحمدي. وقد كتب عن الطريقة الدمرداشية الكثير من المستشرقون مثل، الجماعات الصوفية في الإسلام جي سبنسر ترمنجهام أوكفورد، الأولياء والمتصوفون في مصر الحديثة مايكل جلسنان، الموسوعة الإسلامية الطبعة الجديدة أي فان دونزي، ويقوم شيخ الطريقة بتقديم المساعدات المالية والعينية للفقراء والمحتاجين، كما أسس جمعية خيرية للمساعدة. * الطريقة والسياسة: "لا دخل للدين بالسياسة"، بهذه الجملة تم بناء الطرق الصوفية في العالم العربي، فهي كما يعلن القيادات الصوفية أنهم ليس لها علاقة بالسياسية فالزهد والعمل للأخرة، هو مطالبهم الأساسي، فمصر مر عليها في الخمس سنوات الماضية الكثير من الاحداث السياسية أبرزها ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ولكن لم تشارك هذه الطريقة بشكل مباشر في الأحداث السياسية أو المظاهرات، فحتى الآن لم تصدر "الدمرادشية الخلوتية" أي بيان في مصر أو خارجها، تعلن فيه عن دعوة للتظاهر أو التخريب، فهي طريقة مسالمة لدرجة كبيرة.