فى كل صباح أتطلع إلى تعاريجه ومنحنياته المشكلة لهضبته العتيدة من شرفة منزلى، وأتساءل عن هذا السر الكامن فيه الذى جعل له خصوصية وتفردا فى التراث الدينى لدى المسلمين والأقباط على حد سواء ...تلك الكينونة التى جعلت كهوفه قبلة للزهاد وكعبة للمتصوفة، وجعلت من سفحه مرقدا لأولياء الله الصالحين ..هل هى تلك الرواية التى تقول إنه جاد من أجل الله بشجره وثمره فوعده الله تعالى بأن يجعل فى سفحه غراس أهل الجنة ؟ ربما ..لكن المؤكد أن هذا «المقطم» سيظل محتفظا بسره إلى أن تحين الساعة . فالحكايات كثيرة والروايات حول أسراره عديدة ،فيروى أن السيدة مريم العذراء سألت ابنها عيسى عليه السلام وهما على جبل المقطم : يا بنى مررنا بجبال كثيرة ما رأينا أكثر أنوارا من هذا الجبل ، فقال : يا أماه يدفن هنا أناس من أمة أخى أحمد ، فهذا الجبل غراس أهل الجنة ورياضها وبالإضافة إلى رواية المقوقس التي ذكرها الإمام الليث بن سعد، يذكر ابن الزيات في كتابه « الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة « أن جبل المقطم كان أكثر الجبال أنهارا وأشجارا ونباتا فلما كانت الليلة التي كلم فيها الله عز وجل موسى عليه السلام ، أوحى إلى الجبال أنى مكلم نبيا من أنبيائي على جبل منكم فتطاول كل جبل إلا جبل طور سيناء تواضع وتصاغر فسأله عز وجل لم فعلت ذلك ، وهو به أعلم ،قال : إجلالا لك يا رب ، فأوحى الله تعالى إلى الجبال أن يجود كل منها بشيء مما عليه . أما المقطم فقد جاد بجميع ما عليه من الشجر والنبات والمياه .فقال له عز وجل : لأعو ضنك عما كان على ظهرك ولأجعلن في سفحك غراس أهل الجنة .
معجزة نقل المقطم ويظل لجبل المقطم فى التراث المسيحى مكانة متفردة عنوانها « معجزة نقل جبل المقطم» التى تقول الروايات إنها وقعت فى عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمى ..تقول الرواية التى تناقلتها العديد من كتب التراث إن الخليفة كان ذات مرة فى مجلسه ومعه وزيره اليهودى يعقوب بن كلس وصديق يهودى آخر ..إلى جانب بطريرك الأقباط الأنبا إبرام السريانى حين حاول اليهوديان بن كلس وصديقه الوقيعة بين الخليفة والبطريرك فقالا له : «فى إنجيل النصارى أن من له إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيئا غير ممكن ، وبالتالى فعليك بصفتك الحاكم أن تطلب من البابا البطريرك أن ينقل الجبل الجاثم شرق القاهرة وإن لم يستطع يكون دينهم باطلا ويجب إبادتهم « فطلب الخليفة من البطريرك أثبات صحة الآيه فطلب الانبا إبرام مهلة ثلاثة أيام ..وذهب البطريرك ليأمر شعب الكنيسة بالصلاة والصوم وفى فجر اليوم الثالث ظهرت العذراء للبابا أثناء غفوته وأخبرته أن يذهب إلى الشارع حيث سيجد رجلا بجرة ماء وبعين واحدة وأن هذا الرجل ستحدث على يده معجزة نقل الجبل ..هذا الرجل هو سمعان الخراز. وبالفعل ذهب البطريرك ومعه سمعان إلى الجبل ومعه الصلبان والشموع وأخذ يصلى فى حضور الخليفة ويطلب من الأقباط الصلاة معه وأن يرددوا كلمة «كيريالسيون» بالغة القبطية وتعنى يا رب ارحم 400 مرة بواقع 100 مرة فى كل جهة من الجهات الأصلية وبعدها سجد البابا مع الاقباط 3 مرات وفى كل سجدة تحرك الجبل واختفى بعدها سمعان الخراز.
سر المقطم فى التراث الإسلامى أما تلك الخصوصية التى يحتلها جبل المقطم فى التراث الإسلامى ،فترجع إلى رواية المقوقس الذي طلب من عمرو بن العاص أن يبيعه سفح جبل المقطم بسبعين ألف دينار،فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ،الذي طلب أن يعرف سر طلب المقوقس وكتب بذلك إلى عمرو بن العاص، فكان رد المقوقس : إن الكتب القديمة تقول إن في سفح المقطم غراس الجنة، ولما علم الخطاب ذلك قال : أنا لا أعرف من غراس الجنة إلا المؤمنين ، فاجعلها مقبرة لمن مات قبلك من المسلمين . ولهذا حرص الزهاد والمتصوفة أنيدفنوا في سفح جبل المقطم .خصوصا وأن الصحابة الذين فتحوا مصر دفنوا بها وفي مقدمتهم عمرو بن العاص أول حكام مصر الإسلامية . وهو ما جعل بعض العامة يعتقدون أن من دفن في سفح المقطم ذهب إلى الجنة دون حساب .
مسجد السادات الوفائية في مسجد السادات الو فائية عدد من أضرحة عائلة السادة الوفائية من الأقطاب والعلماء المتصوفة ، وبجواره مجموعة من المخازن وأمتعة الوقف وقاعة تقام فيها أسمطة الموالد . كان الشيخ محمد النجم جد الأسرة الوفائية مغربي الأصل ونزح إلى ثغر الإسكندرية في شبابه والتقى القطب إبراهيم الدسوقي وبالمدينة ولد محمد وفا ونشأ ورعا تقيا ، وتذكر كتب التراجم أنه سمى وفا لأن النيل توقف فعزم أهل مصر على الرحيل فجاء محمد وفا إلى النيل وقال : « اطلع بإذن الله تعالى « فطلع ذلك اليوم سبعة عشر ذراعا وأوفى فسموه وفا أما عن تسمية أولاده وأحفاده بالسادات فذلك لأن نسبهم ينتهي إلى الأدارسة سكان المغرب أولاد سيدنا الحسن ، وقد توجه محمد وفا إلي إخميم فتزوج بها ثم سار إلى القاهرة وأقام بالروضة عاكفا على العبادة وتوفى 765ه ودفن بالقرافة بين ضريح الشيخ أبى السعود بن أبى العشائر والشيخ تاج الدين بن عطاء الله السكندري كما أوصى ،وفى عام 1191ه تم بناء المسجد مكان الزاوية ليحمل اسم الساداتية وذلك وفق الفرمان الذي أصدره السلطان عبد الحميد .
سيد فقهاء مصر أمام قبة الشافعي توقفنا ، ها هنا يرقد الفقيه العربي القرشي الذي يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف ، ولد بغزة في أرض فلسطين 150ه ونشأ في أسرة فلسطينية فقيرة ومات أبوه وهو صغير فانتقلت به أمه إلى مكة لتحافظ على نسبه فاضطر وهو يطلب العلم إلى الكتابة على قطع الخزف والجلود وسعف النخيل وعظام الحيوانات لضيق ذات يده وعدم قدرته على شراء الورق ، وقد حفظ الشافعي القرآن صغيرا وحفظ الأحاديث النبوية ونبغ في الفقه ثم سافر إلى المدينةالمنورة قاصدا الإمام مالك ليتعلم منه وقد لازمه حتى وفاته وقد سعى لطلب الرزق في اليمن ثم تفرغ لدراسة العلم والفقه في الحجاز والعراق وقد ألف كتاب « الرسالة » الذي وضع به الأساس لعلم الفقه وفى عام198ه كان موعد مصر مع الشافعي وموعدها معه وكان آنذاك في الرابعة والخمسين من عمره وقد قال في اشتياقه لمصر : لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ومن دونها قطع المهامة والفقر فوالله لا أدرى أللفوز والغنى أساق إليها أم أساق إلى القبر من العجب أن الشافعي لم يجد قبولا لأنه كان يحمل أفكارا مخالفة لأفكار مالك التي كان أهل مصر يعتنقونها إلا أن حجته القوية فرضت نفسها وأضحت حلقات درسه عامرة ،حتى توفى الشافعي في مصر 204ه ،ودفن في القرافة الصغرى وبنوا على قبره قبة جددها صلاح الدين وبني بجوارها المدرسة الصلاحية التي كانت معقلا للمذهب الشافعي ، وقبة الشافعي عظيمة في زخرفتها ويعد ضريحه أكبر أضرحة مصر على الإطلاق وبه أربع مقابر أولها للإمام الشافعي وعليها التابوت الخشبي الذي أمر صلاح الدين بصنعه ويحيط به مقصورة ترجع إلى القرن العشرين ،والثاني لأم السلطان الكامل أما التابوتان الآخران فأحدهما للسلطان الكامل حوله مقصورة مطعمة بالصدف والآخر للسيد محمد بن عبد الحكم ، وقد جذبت قبة الشافعي وهي أول قبة في عمارة مصر الإسلامية ،مصنوعة من الخشب ثم كسيت بالرصاص العديد من الرحالة والشعراء وعنها قال الإمام البوصيرى : بقبة قبر الشافعي سفينة رست في بناء محكم فوق جلمود وقد غاض طوفان العلو بقبره استوى الفلك من ذاك الضريح على الجلمود
سلطان العاشقين في وادي المستضعفين بجبل المقطم يشار بالبنان إلى ضريح سيدي عمر بن الفارض سلطان العاشقين وأشهر شعراء الصوفية الذي ابتغى الوصول إلى مقام الحب الإلهي الذي بلغته رابعة العدوية التي لم تعبد الله خوفا من النار أو رغبة في الجنة بل حبا فيه وكان ابن الفارض يتبع الصيام طوال عمره وكان يقول : في هواكم رمضان عمره ينقضي مابين إحياء ولظى وينتهي نسب بن الفارض إلى قبيلة عربية هي قبيلة بني سعد التي انتسبت إليها حليمة السعدية مرضعة الرسول . جاء والده من حماة بسوريا إلى مصر واستقر بها وعمل بها فارضا وهو الذي يثبت فروضا للنساء على الرجال فعرف بالفارض ثم تولى نيابة الحكم وعرض عليه أن يشغل وظيفة قاضى القضاة إلا أنه اعتذر لينقطع إلى الله تعالى بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر إلى أن توفى وقد عاش ابن الفارض في كنف الدولة الأيوبية وكان عصره حافلا بالعلماء والصوفية فاتصل بالقنائى والصباغ القوصى والإمام العز بن عبد السلام وقد دفعه ذلك إلى التصوف ورحل إلى الحجاز وظل بها 15 عاما عاد بعدها إلى القاهرة حيث أقام بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر وقصده الخاص والعام حتى وافته المنية632ه ودفن بالقرافة بسفح المقطم وضريحه يرجع إلى عهد السلطان برقوق ويحيط به مقصورة من الحديد والخشب أما المسجد فيرجع تاريخه إلى القرن الثامن عشر.
هشام الخلوتى في أحضان جبل المقطم اختار الصوفي الإيراني هشام الخلوتى خلوته ليتعبد فيها وهو الذي أتى مصر في عهد السلطان الأشرف قايتباى ، وقد انتظم في جنده إلا أن حياة الجندية لم ترق له فأعتقه السلطان فعاد إلى بلاد فارس وتتلمذ على يدي الشيخ العارف بالله عمر روشنى بمدينة تبريز ثم رجع إلى مصر وصاحب محمد الدمرداش بالعباسية لذا عرف باسم شاهين الدمرداش المحمدي فلما مات الدمرداش ترك العباسية وسكن جبل المقطم وبني له فيه معبدا وحفر له فيه قبرا وكان الزهاد يلجئون إلى جبل المقطم يتخذون من سفحه مقاما ومن أوديته مناما ولم يزل الشيخ شاهين مقيما في خلوته لاينزل إلى القاهرة نحو ثلاثين سنة ، واشتهر أمره فتردد عليه الأمراء للتبرك به وكان قليل الكلام كثير السهر حتى توفى 901ه . أما مسجده الموجود بسفح المقطم فقد أنشأه نجله جمال الدين مكان الخلوة التي كان يقوم بها والده ، ويوجد أسفل المسجد جملة من الخلاوى الصوفية وميضأة ومرافق .
ابن عطاء الله السكندري في البحر الأحمر يوجد ضريح الشاذلي ، وفى الإسكندرية ضريح تلميذه المرسى أبو العباس, وفى سفح المقطم يرقد تلميذهما أحمد بن عطاء الله السكندري ليمثل التصوف المصري في تلك الحقبة التاريخية، وينتمي ابن عطاء إلي قبيلة كعلان التي ينتهي نسبها إلى بني يعرب بني قحطان من العرب الذين وفدوا مصر واستوطنوا مدينة الإسكندرية بعد الفتح الإسلامي وقد ترك أحمد بن عطاء الإسكندرية إلى القاهرة حيث اشتغل بالوعظ والتدريس بالجامع الأزهر وفى المدرسة المنصورية التي أنشأها المنصور قلاوون في حي الصاغة ، وقد كان ابن عطاء معاصرا لابن تيمية الذي هاجم الصوفية فصنف عدة رسائل في الرد عليه. وأهم مؤلفات ابن عطاء « الحكم العطائية « .
خلوة نفيسة العلم على بعد خطوات من مسجد ابن عطاء توجد خلوة السيدة الطاهرة سليلة بيت النبوة ، السيدة نفيسة هنا كانت تتبتل وتتعبد بعيدا عن العالمين .خلوة صغيرة تلجأ إليها دهنها الأهالي باللون الأخضر وأغلقوا مدخلها ، يجاورها قبة حجرية متواضعة تعلو مقام عبد الله بن أبى جمرة الأندلسى صاحب مختصر « صحيح البخاري « مررنا بهما والسيدات قد التففن حول خلوة السيدة نفيسة يكثرن من الدعاء . ومشينا إلى ضريح العز بن عبد السلام شيخ الإسلام وقاضى القضاة الذي أقام بمصر نحو عشرين عاما ينشر العلم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، جاء إلى مصر بعد أن منعه الصالح إسماعيل من الخطابة بعد أن أفتى العز بتحريم بيع السلاح من أهالي دمشق إلى الفرنجة ، وقد استقبله الصالح نجم الدين أيوب في مصر وأكرم وفادته وولاه قضاء مصر وكان في منصبه هذا حريصا على الحق ومن المواقف المشرفة التي يذكرها له التاريخ كرمز للعدل المطلق والدقة في تطبيق أحكام الشريعة هو بيعه لأمراء المماليك إذا لم يمتلك الواحد منهم صك حريته على أن تكون الأموال المدفوعة لصالح الشعب ، ولم تزل بقايا ضريحه شاهدة على عمارة القباب في العصر المملوكي.
ذو النون المصري بقايا شاهد قبر هي كل ماتبقى من مقبرة ذو النون المصري الذي سبقت أفكاره ظهور الطرق الصوفية بأربعة قرون نشأ ذو النون في ظل الحكم العباسي حيث تكونت الدولة الإسلامية من الأمم المختلفة التي تسكن تلك المساحة الشاسعة الممتدة من بلاد المغرب إلى بلاد الصين ونشأ التزاوج بين تلك العناصر المختلفة وبرز جيل جديد يحمل خصائص الجنسين من مميزات وعيوب ففي الوقت التي تلاقت فيه الأفكار والتقت ثمرات العقول بما كان له فضله على اللغة العربية والحضارة الإسلامية كان لسيادة العنصر الفارسي في الدولة العباسية وتغلغله في قصور الأمراء أن ظهرت عادات فارسية من اللهو واللعب وكثرة أنواع الجواري في قصور الأمراء والأغنياء فسادت الخلاعة في الوقت الذي لم تكن نزعة العنجهية القبلية قد اختفت من قلوب العرب فنشأ صراع بينهم وبين مواليهم من جانب وبينهم وبين الفرس الذين أفزعهم أن يتغلب العرب عليهم مع ما كان لهم منجاة وسلطان وكان هذا من عوامل الإسراع بسقوط الدولة العباسية وظهر في هذا العصر القرامطة وثورة الزنج وزادت الفوارق المادية بين طبقات المجتمع كما انتشرت طائفة الزنادقة ممن يدعون للمجون والخلاعة وشرب الخمر ويسخرون من العبث والحساب ، وطائفة أخرى تدين بالإسلام ظاهرا والتدين بدين الفرس القديم في الخفاء. وفى ظل ذلك الجو المضطرب برز تأثير كتب الإسرائيليات على الإسلام وظهرت مشكلة خلق القرآن والأحاديث الملفقة. وأسفرت هذه الحياة عن اتجاهين : الأول سلبي ومثله الزهاد والعباد الذين انقطعوا للصلاة، والآخر إيجابي تصدى أصحابه للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفى ظل هذا كله عرفت مصر واحدا من الرواد هو « أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم « أو ذو النون المصري والذي وصفه العلامة البريطاني نيكلسون بأنه أحق رجال الصوفية أن يطلق عليه واضع أسس علم التصوف وقد زار ذو النون مصر وبيت المقدس والحجاز والشام واليمن والمغرب لتلقى العلم وإرشاد الناس وكانت نقطة الارتكاز في مذهبه المعرفة والمحبة والولاية فالله هو الفاعل لكل شيء والقادر والمعطى ، والصوفية مرادون لهذا الطريق ومختارون له على أن يتمسكوا بالشرع ويطلبوا مرضاة الله، والمعرفة عنده تنقسم ثلاثة أنواع : أولها معرفة عامة المسلمين ومعرفة خاصة بالمتكلمين والحكماء ومعرفة خاصة بأولياء الله ، وكان يرى أن توبة العوام تكون من الذنوب وتوبة الخواص تكون من الغفلة وقد سار أهل مصر في تشييع جنازته وليلة وفاته شاهد سبعون رجلا الرسول – صلى الله عليه وسلم- في المنام وهو يقول : « جئت لألقى ذا النون خليل الله كما شاهدوا طيورا تحلق وتقع على نعشه ».
مقام السلطان «المغاورى» فى كهف السودان فى قلب المقطم كهف شهير معروف الآن بكهف البكتاشية نسبة إلى الطريقة الصوفية التركية التى تنسب إلى «حاجى بكتاش» التى اسسها فى القرن التاسع عشر الميلادى...لم أجد خيرا من الوصف الذي قدمه لها الفنان التشكيلى عصمت داوستاشى فى كتاب سيرته الذاتية حين كتب يقول «كانت زيارتي للمغارة بطرقها الملتوية والسجاد الإيراني الذي يغطى أرضياتها والغزال الهائم فى حديقته أشبه برحلة إلى عالم ألف ليلة وليلة وكنت دائما أشعر بهيبة أحمد سري بابا دادا شيخ الطريقة الذي كان يريدنى أن أنضم درويشا للتكية إلا أننى لم أفعل وكنت أقضي كل عام عدة أيام إبان احتفالات عاشوراء حيث تذبح الذبائح وتصنع البليلة بالقرفة وظلت التكية عالم له أثر فى نفسي رغم أنها انتهت تماما بعد وفاة البابا ورحيل آخر دراويش التكية ». وفى سفح جبل المقطم يوجد هذا الكهف الذي أقامه- كما ذكر المقريزى - مجموعة من السودانيين كانوا يشتهرون بالتقوى والصلاح .وسكن هذا الكهف بعدهم عددا من العلماء ومن أشهرهم الشيخ» قايغوسز»المشهور باسم سيدى عبد الله المغاورى وقد دفن بالكهف ، وقد اتخذت طائفة المولوية من هذا الكهف مقرا لها قبل أن ينتقلوا إلى مدرسة سنقر السعدى التى توجد الآن بالسيوفية بجوار قصر الأمير طاز ثم آل الكهف بعد ذلك إلى الطائفة البكتاشية الذين حولوا الكهف إلى قطعة فنية رائعة . ففى عام 1859 صدرت أوامر ملكية فى مصر بتخصيص المغارة التى دفن فيها المغورى مقرا للبكتاشية وازدهرت التكية خصوصا فى عهد أحمد سرى دده باشا فقد اضاء التكية بالكهرباء وأدخل إليها الماء .وعندما توفى 1963 تاركا التكية البكتاشية بلا دروايش اذ كان آخرهم الشيخ رجب الذى هاجر إلى أمريكا وافتتح هناك تكية . ومازالت قبة ضريح المغاورى بالتكية تحمل لوحتين من الرخام كتب عليهما بالفارسية، على إحداهما تقرأالنص التأسيس لتجديد الضريح على يد الأمير كمال الدين نجل السلطان حسين كمال . وعلى اللوحة الثانية « إن السلطان المغاورى المدفون فى هذا الكهف وهذا القبرالطاهر يعد مركزا للأرواح الطاهرة ..جدد عمرانه الحاج محمد لطفى بابا عندما كان شيخا لهذه التكية فأصبح مطافا للزائرين فزره بقلب مخلص وتزود بالفيض فهو المكان الذي يتجلى فيه أخيار الدراويش إن غار أهل الله هذا مأوى لأهل الطريقة فادخله بشوق واحترام لأنه مكان السالكين «. ويوجد بالتكية فيه ضريحية بها تابوتين للأميرتين روحية ونافية ابنتا أحمد زوغو ملك ألبانيا سابقا حيث طلبت كلا الأميرتين أن يدفنا بمصر وكان يوجد أيضا بالتكية ضريح الأمير كمال الدين حسين وعائلته إلا أنه نقل إلى مقابر العائلة العلوية بالبساتين . فرض أرباب الطريقة على المريد أن يغتسل قبل زيارة التكية وأن يأخذ معه هدية فإذا وصل الباب سمى ولا يجوز له أن يطأ العتبة برجله لأنها مقدسة ثم يلتحق بالخدمة التى تطلب منه . وللطريقة البكتاشية قانونها الخاص كما وضعه أحمد سري دده بابا ومنها عدم اشتغال دراويش الطريقة بالسياسة وعدم التعصب الدينى .