أستغرب جدا كلما قرأت لأحدهم يمدح قدرات صبرى فواز فى التمثيل.. حدث هذا فى العام الماضى عندما قدم دوره فى «بين السرايات». وفى العام الذى سبقه وهو يؤدى دور الشيخ البصباص الذى تغريه قدرات غادة عبدالرازق فى «كلمنى شكرا».. وعند مشاركته فى «دكان شحاتة».. ويحدث يوميًا منذ بدأت إذاعة حلقات «أفراح القبة». أستغرب وأندهش كلما أشار ناقد فنى أو زميل إعلامى لمؤهلات ممثل فى منتصف الخمسين من عمره، وكأنه وجه جديد ما حدش خد باله من إمكاناته طيلة عشر سنوات تراكمت فيها الأدوار المملة من مجرد فلاح صعيدى فى «مسألة مبدأ» أو ضابط شرطة فى فيلم كوميدى مع صلاح عبدالله وياسمين عبدالعزيز.. وكلما ضبطت نفسى فى هذه الحالة أسألها «هوه أنا ليه مش فرحان».. إيه مش ده صاحبك بتاع الأيام الصعبة؟ يمكن عشان هوه صاحبى.. ويمكن عشان كنت مستنى أن الناس تحبه وتشوف إمكاناته دى من بدرى حاسس أن المسألة على بعضها جاءت متأخرة.. وأن السنين اللى ضاعت من عمر «أبومروان» ماكنش لازم تضيع.. وأن البلد دى ماكنش لازم تعمل زى القطط اللى بتاكل عيالها.. يمكن.. أو يمكن لسه شايف أن نجاح صبري المستحق لم يأت بعد. آخر مرة شفته فيها يمكن كان من خمس سنين.. اتقابلنا صدفة قدام مرور فيصل.. مش عارف إذا كان صبرى بعد ما بقى نجم ساب شقته اللى فى الهرم واشترى فيلا بجنينة ولا لسه.. بس أنا شخصيا أشك.. لأن الفقرى فقرى.. وصاحبى فقرى يوم ما يفكر بينى بيت هيروح يبنى بيت «هلالة أحمد نصار» فى كفر الشيخ. المهم كان هو رايح يجدد رخصة عربيته.. مش مرسيدس ولا هامر.. وأنا كمان.. وعشان عملية الواسطة بتفرق معانا قوى.. هوه عمل فيها «محترم» واستنى دوره عادى زى أى مواطن.. ولقينا نفسنا قاعدين على القهوة لحد ما حد ينده علينا نستلم الرخص. كان قد مر وقت طويل لم أقابله.. لكننى أشعر أن وقتا لم يمر على الإطلاق.. قعدنا نتكلم عن صحابنا عادى.. وعن الشعر عادى.. وعن ديوان كان عايز يطبعه عند محمد هاشم بتاع ميريت عادى برضه.. وفى السياسة شويه.. وعن بلدياته وصاحبى اللى بقى مرشح رئاسى حمدين صباحى!! هوه صبرى فواز اللى بتربطنا علاقة ممتدة من ييجى 25 سنة وعيش وملح وبصل بالسمنة وبقايا العيش البلدى. صبرى فواز لم يتغير على الإطلاق.. ربما تغيرت عيون مشاهدى التليفزيون والسينما فشافت اللى ما عرفتش تشوفه قبل كده.. أما أنا وأصدقاء قلائل منهم خالد إسماعيل وأحمد قنديل ومؤمن المحمدى وأحمد عيد وعلى رجب.. زى ما إحنا لأننا طول عمرنا كنا شايفينه مخرج مسرحى كبير وممثل على قده.. والشوية اللى على قده دول أهم من كل اللى بيمثلوا.. باستثناء أحمد زكى ومحمود حميدة ويحيى الفخرانى.. آه والله إحنا كنا شايفين كده.. هو يعنى فيه حد يعرف يمثل أجدع من صاحبنا؟ ليس غرورًا أن نمنح ذلك الفلاح كل هذه الثقة.. ولا هى عنصرية لواحد نعتبره من أقربائنا.. بالمناسبة كان شقيق صبرى - «محمد» على ما أظن - يعيش ويدرس فى القاهرة ويعمل بعد الضهر فى أحد المحلات التجارية ويعود لمسكنه فوق سطوح إحدى العمارات بمصر الجديدة وكنا نزوره للحصول على خيرات كفر الشيخ القادمة من عند «الحاجة» التى فعلت فى هذا «الصابر فواز» ما لم يفعله أحد.. ولما كنا نتسامر كنت أقول له إننا من عائلة واحدة - عائلتى اسمها فواز - وإن فرعنا الفقرى فضل فى الصعيد.. وفرعهم «ركب البحر وشرخ».. لكننى أستعجب لماذا سكن البرارى ولم يذهب للإسكندرية؟ وكان صبرى يرد وكأنها حقيقة مؤكدة «عشان فقرى». ملح الأرض فى برارى كفر الشيخ هو من منح تلك السيدة التي تشبه «فضة المعداوى».. و«فاطمة تعلبة».. كل هذه الصلابة التى انتقلت إلى صبرى، ذلك الشاب المثقف الذى ذهب إلى الإسكندرية ليدرس المسرح.. ومنها جاء للقاهرة ليكمل فى نفس السكة بلا زاد ولا زوادة. هو مثلنا ناصرى الهوى يؤمن بالفلاحين - أهله - وبالعمال، ويقرأ لتولستوى وديستوفيسكى.. فمن هو المنتج أو المخرج العبيط اللى يشغل واحد مثقف؟ كانت تلك الفترة التى جئنا فيها للقاهرة هى فترة ازدهار أفلام المقاولات.. أى حد معاه قرشين يعمل فيلم أو مسلسل للخليج.. ولا عزاء لأمثال صبرى سوى فى بلدياته.. إسماعيل عبدالحافظ بالتحديد وأحمد خضر.. والأخير منح صبرى دورًا صغيرًا.. لكنه لم يلفت النظر.. لكن «العين الساحرة والسحرية» عم إسماعيل أعطاه تلك الفرصة التى كان ينتظرها.. لم يمنحه الفرصة وحده لأنه بلدياته.. ولا أنه يعشق عبدالناصر مثله.. لكنه منحها للعشرات من ذلك الجيل - جيل ليالى الحلمية - واتشعلق صبرى فى مشهد يتيم منحه له الرجل مع صفية العمرى.. كان عامل دور طالب رايح يأجر السطوح بتاع عمارة الحلمية والسيدة التي تحب الزواج فى آخر عمرها ويادوب إنه بيسلم عليها تلتقى العيون والرغبة وباقى الحاجات اللى أنتوا عارفينها. قبل أن نشاهد ذلك المشهد.. كان صبرى قد حكاه لنا.. لأننا قفشناه جايب لوحة فنية مدهشة غالية جدا.. وهو زى حالاتنا مش لاقى ياكل.. وفرحان بيها جدا ومحافظ عليها قوى،، وعرفنا أنه قرر أن يهديها لصفية العمرى التى يرى أنها بالمشهد الوحيد الذى مثلته أمامه قد منحته طاقة تمثيلية لا حدود لها.. وأقل واجب أن يهديها تلك اللوحة. أذيع المسلسل وانتبه البعض لهذا المشهد اليتيم.. وعرفوا أنهم أمام غول تمثيل جديد.. لكن أحدًا غير إسماعيل عبدالحافظ لم يمنحه الفرصة التالية.. وظلت معرفة المخرجين به عائقًا يمنعه عن الشهرة - ما حدش بيحب ممثل عامل فيها مثقف - حتى التقى خالد يوسف.. كان قد لمع قبلها بالطبع فى بعض الأدوار التليفزيونية مع خيرى بشارة.. وإنعام محمد على، التى قدمته فى دور بليغ حمدى فى مسلسلها «أم كلثوم»، وهو الدور الذى أعاد تقديمه فى فيلم «حليم».. لكن النصيب الأكبر من الأدوار كان مع عم إسماعيل الذى آمن بموهبته: «العائلة، امرأة من زمن الحب، الأصدقاء، حدائق الشيطان، المصراوية». وإلى جانب والدته «ملح البرارى» وعم إسماعيل كانت هناك سيدة أخرى مثقفة ومبدعة اسمها «عزة السيد» تؤمن هى الأخرى بقدرات هذا الصابر وتدفعه دفعًا إلى المقدمة.. تغنى أشعاره سرًا مثلنا، وتنتظر تلك الفرصة اللى هيه «بنت جميلة راكبة عجلة ببدال» ويحلم هو بنفس السيدة قمرًا تسكن داره فصارت له دارا. أم مروان الجميلة هى تلك السيدة التى منحها الله لصديقى صبرى فى زمن صعب فهونت عليه الطريق، وكانت زاده من الصبر والمحبة، خاصة فى تلك الفترة التى رحلت فيها والدته.. والتى انقطع بعدها صبرى عن زيارة كفر الشيخ. دعوات أم صبرى.. وصبر أم مروان.. وحكمة جدنا الفلاح فى تلك البرارى البعيدة.. هى أدوات هذا الممثل الذى صار نجمًا الآن.. لكنه فى عينى لا يزال مجرد صديق يكتب الشعر ويغنيه على مقاهى فيصل: عارف.. لما الضى يمد جدوره لسابع أرض.. لما الطمى يهم بطول السما من فوق لما الأرض السمرا تبك خضار.. ونهار وعيال رجالة حد بيغزل على توب الزرع الأخضر بالطوب النى بيوت.. وحكاوى.. حد بيبدأ يومه بكنس الهم ورش الميه ورش البهجة ورش القوت عارف حد يبات سهران الليل بيخمر صبح حنين.. ومرايل حلوة وإيدين طايلين فالعيل يقدر يكتب ع السبورة تاريخ اليوم عارف.. لما تجمع قصاقيص الناس وتدبق منها نهار مطمن.. وسنين مستوره وعرايس قطن بتضحك عارف.. ده شعر صبرى فواز.. اللى كاتبه عن أمه «هلالة أحمد نصار» متهيألى عرفتوا ليه دلوقتى أنا مش شايف إنه نجم.. وإنه بيعلم ناس كثير اسمهم نجوم «يعنى إيه تمثيل».