المرأة لها طباعها وتصرفاتها الخاصة، ولها عالمها الذي يصعب على الرجل فهمه، فالنساء هن النساء سواء كن ملكات أو فقيرات أو زوجات للنبى محمد «صلى الله عليه وسلم»، فالتراث مليء بالحكايات عن دخول الغيرة لقلب زوجات النبى، ونزلت في إحدى وقائع الغيرة بينهن سورة «التحريم»، وحملت كتب التراث وقائع عديدة في غيرة نساء النبى، منها واقعة من تدبير السيدة عائشة والسيدة حفصة رضى الله عنهما، فدبرتا مكيدة لأسماء بنت النعمان الكندية، لما جاء أبوها النعمان، وهو من سلالة ملوك كندة، يعرض زواجها على الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: ألا أزوجك أجمل أيم في العرب؟ وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الزواج من ابنة النعمان، فزوجها له أبوها، وبعث محمد مع النعمان من يأتى بأسماء من نجد، فلما جيء بها إلى المدينة انزلت في بنى ساعدة حتى تهيأ لزفافها على الرسول صلى الله عليه وسلم. جاءت أسماء ورآها بعض نساء المدينة، فرحن يذعن ما رأين من حسنها وجمالها، وقالت عائشة لحفصة رضى الله عنهما: قد وضع يده في الغرائب يوشكن أن يصرفن وجهه عنا، ولم تستطع عائشة رضى الله عنها إلا أن تصطحب حفصة، وبعض نساء النبى صلى الله عليه وسلم فيذهبن ليرين هذه الوافدة الغريبة الجميلة، التي أوشكت أن تصرف وجه زوجهن عنهن. ولما رأت عائشة ومعها نساء النبى صلى الله عليه وسلم «أسماء الكندية» رأين ما ملأ قلوبهن غيرة، فأقبلن عليها يزينّها ويجمّلنها ويقدمن لها نصيحتهن قائلات لها: إذا أردت أن تكونى ذات حظوة عند النبى صلى الله عليه وسلم، فإذا دخل عليك فقولى: إنى أعوذ بالله منك، فإن ذلك يسرّه ويعجبه. وعملت أسماء بنصيحة نساء النبى صلى الله عليه وسلم، فلما دخل إليها محمد صلى الله عليه وسلم وأقبل عليها، ابتدرت قائلة «أعوذ بالله منك»، فوقف الرسول صلى الله عليه وسلم حيث هو، ثم استدار عنها وهو يقول «عذت بمعاذ....عذت بمعاذ»، ثم خرج إلى رسوله الذي أتى فقال له «متعها وردها إلى أهلها»، وعادت أسماء إلى أهلها تقص عليهم نصيحة النساء، نساء النبى صلى الله عليه وسلم التي خدعونها بها، وأرسل النعمان إلى محمد صلى الله عليه وسلم من يعرّفه بما كان من خديعة ابنته، وبما قال نساؤه لها، فقال محمد صلى الله عليه وسلم «إنهن صواحب يوسف، وكيدهن عظيم». وهكذا تخلصت عائشة بمصاحبة حفصة من منافسة كانت تعتقد أنها ستكون عليها وعلى سائر نساء النبى صلى الله عليه وسلم ذات خطر كبير، وهكذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يضرب صفحًا عن غيرة عائشة الضارية، ويقول فيما كانت تأتى بسببها من أفعال مثيرة للدهشة، كان يعلق على ذلك قائلا «ويحها، لو استطاعت ما فعلت». وروى أنس بن مالك رضى الله عنه قال: «كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، وكان لديه بعض الضيوف دعاهم إلى تناول الطعام، فسمعت زينب بنت جحش بذلك، فأرسلت مع خادمتها صحفة فيها ثريد عليه ضلع شاة، وهو الطعام الذي تعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفضله على سائر الأطعمة الأخرى. وما كادت عائشة ترى «الصحفة» في يد الخادمة، حتى اشتعلت نار الغيرة في قلبها الطاهر العفيف، وضربتها بيدها فوقعت «الصحفة» على الأرض، وتناثر منها ما كان بها من طعام وانفلقت الصحفة ودخلت عائشة تبكى في غرفتها، أما الرسول الكريم الحليم صلى الله عليه وسلم فابتسم وقال لمدعويه: «غارت أمكم...غارت أمكم». وذات ليلة انتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نامت عائشة ثم خرج في هدوء إلى البقيع كى لا يوقظها، أخذت عائشة الغيرة وظنته ذهب إلى غيرها، فتسللت وراءه فوجدته قد قصد البقيع ولمحها مسرعة أمامه بالعودة وعرفها. وكانت عائشة رضى الله عنها أيضا تغار من ذكر خديجة رضى الله عنها ولم ترها، وتصرح بذلك في صدق وطهارة بلا كبت ولا التواء وها هي الفطرة القوية الصريحة تعبر عن نفسها قائلة: «ما كنت أغار من زوجة مثلما كنت أغار من خديجة، مع أننى لم أدركها لكثرة ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكرها. وقالت مرة للرسول صلى الله عليه وسلم وقد رأته لا ينقطع عن ذكرها: «كأن لم تكن في الدنيا امرأة إلا خديجة»، وغضب النبى صلى الله عليه وسلم ذات مرة حين قالت له «ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، وقد أبدلك الله خيرا منها؟»، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم غاضبا: «والله ما أبدلنى الله خيرا منها، آمنت بى إذ كفر بى الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وآوتنى إذ رفضنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى منها الله الولد»، فقطعت عائشة رضى الله عنها وعدا على نفسها بألا تذكرها أبدًا. ولما انزل الرسول صلى الله عليه وسلم صفية ببيت حارثة بن النعمان ذهبت عائشة منتقبة لتنظر إليها، فلمحها الرسول صلى الله عليه وسلم فتبعها وهى خارجة وأخذ بثوبها، وسألها ضاحكا: «كيف رأيت يا حميراء؟» فأجفلت وهزت كتفها استخفافا قائلة: «رأيت يهودية»، فرد عليها النبى صلى الله عليه وسلم قائلا: «لا تقولى ذلك فإنها أسلمت وحسن إسلامها». وذات يوم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة ووجدها تشكو صداعا، وتتوجع قائلة «وارأساه»، فقال لها: «بل أنا والله يا عائشة وارأساه»، وداعبها قائلا: «ما ضرك لو مت قبلى، فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك»، فهاجت غيرتها وقالت: «ليكن ذلك حظ غيرى، والله لكأنى بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتى فأعرست فيه ببعض نسائك» فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفى إحدى المرات عندما أعلنت خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم على زينب بنت جحش غارت عائشة وقالت: «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك». ولما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة غارت عائشة أيضا لما علمت من جمالها تقول: «فتلطفت حتى رأيتها أضعاف مما وصفت به». وقامت السيدة عائشة رضى الله عنها بالتآمر مع سودة بنت زمعة ونساء أخريات على حفصة لغيرتها منها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان قد اعتاد أن يشرب عندها عسلًا، وسأترك الإمام البخارى رحمه الله هو الذي يروى لنا هذه القصة، وهذا الحديث الطريف كما ورد في كتاب «الحيل» من صحيحه عن عائشة رضى الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى ويحب العسل، وكان إذا صلى العصر أجاز على نسائه، فيدنو منهن فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك فقيل لى أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت أما والله لنحتالن له، فذكرتُ ذلك لسودة وقلت لها إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولى له يا رسول الله أكلت مغافير؟ «نوع من العسل له رائحة كريهة»، فإنه سيقول لا فقولى له ما هذه الريح؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن توجد منه الريح، فإنه سيقول سقتنى حفصة شربة عسل فقولى له جرست نحلة العرفط، وسأقول ذلك، وقوليه أنت يا صفية، فلما دخل على سودة قلت تقول سودة والذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لى وإنه لعلى الباب فرقا منك، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال: لا. قلت فما هذه الريح؟ قال: سقتنى حفصة شربة عسل. قلت: جرست نحلة العرفط، فلما دخل على قلت له مثل ذلك ودخل على صفية فقالت له مثل ذلك، فلما دخل على حفصة قالت له يا رسول الله ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لى به. قالت تقول سودة: سبحان الله لقد حرمناه، قالت قلتُ لها «اسكتى»، هذه بتلك وواحدة بواحدة.