سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أيمن سلامة أستاذ القانون العام في حواره ل"البوابة": حكم "القضاء الإداري" ببطلان "ترسيم الحدود" بعيد عن القانون.. وأعمال السيادة "سلطة حكم" لا "سلطة إدارة" ولا تخضع ل"الرقابة القضائية"
قال الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، إن قبول محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة الدعاوى التى رفعت أمامها من أجل الحكم ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية هو خروج صارخ وانحراف ساطع عن مفهوم دولة القانون، والذى يعنى التزام الدولة بجميع مؤسساتها المختلفة بحكم الدستورية العليا، ويلزم الدستور الحالى بالخضوع للقانون. ■ ما مدى جواز قبول دعاوى بطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية أمام أى من المحاكم المصرية؟ - أعمال السيادة هى مجموعة معينة من الأعمال التى تمارسها السلطة التنفيذية تحديدا فى أى دولة، وتصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم، لا سلطة إدارة، تعد من الأعمال التى تنأى لطبيعتها ولأهدافها عن الرقابة القضائية، ويندرج فى أعمال السيادة الأعمال المتصلة بالعلاقات الدولية الخارجية، التى تضطلع بها السلطة التنفيذية، وفقا لدساتير وتشريعات جميع الدول، ويأتى فى الصدارة من هذه الأعمال المعاهدات والاتفاقيات الدولية التى تعقدها وتصدق عليها السلطة التنفيذية وفقا للمادة 151 من دستور جمهورية مصر العربية الحالى. ■ هل وضعت محكمة القضاء الإدارى قواعد بشأن الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول؟ - لقد وضعت محكمة القضاء الإدارى ذاتها بتاريخ 26 مايو 1949 قاعدة عامة تقول إن كل ما يتعلق بتفسير المعاهدات وتطبيقها على الدولة أو الأفراد، هو من الأمور السياسية التى لا تسأل عنها الحكومة، فالأعمال التى تتعلق بعقد المعاهدات الدولية، سواء ما اتصل منها بالمفاوضة أو التوقيع أو التصديق، أو التفسير تندرج فى قائمة أعمال السيادة، لأنها من الأعمال التى تخص علاقة الحكومة بالدول والهيئات الأجنبية، والاتفاقيات التى تقتضيها السياسة العليا للبلاد، وفى مسألة متصلة بعلاقاتها الدولية وتهدف للحفاظ على تأمين الدولة، وترتبط بأعمال سياسية بحتة، تعد من أعمال السيادة التى ينبغى أن تنحسر عنها الرقابة القضائية الدستورية، وهذا ما قضت به المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 21 يناير 1984 فى القضية رقم 48 لسنة 1948 قضاء دستوري. ■ إذًا اتفاقية تعيين الحدود بين مصر والسعودية تعتبر من أعمال السيادة للسلطة التنفيذية؟ - إن تطبيق المعاهدات الدولية بواسطة الدولة يتم فى المحيط الدولى، كما فى حالة اتفاقية تعيين الحدود البحرية المصرية السعودية، ومؤدى ذلك دخول مصر والسعودية فى علاقة دولية أصبحت إجراءات تطبيقها برمتها من أعمال السيادة، أما القرارات والإجراءات المتصلة بهذا التطبيق الداخلى فلا تعتبر فى هذه الحالة من أعمال السيادة، وإنما أعمال إدارية تخضع لاختصاص مجلس الدولة. ■ وما رأيك فى قبول محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة الدعاوى التى رفعت أمامها من أجل الحكم ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية؟ - يعد خروجا صارخا وانحرافا ساطعا عن مفهوم دولة القانون، الذى يعنى التزام الدولة بجميع سلطاتها ومؤسساتها المختلفة بقضاء المحكمة الدستورية العليا، ويلزم الدستور الحالى فى نصوص مختلفة الدولة بالخضوع للقانون، والقضائية الدستورية التى تجلت فى أبهى معانيها، وأكدت فى أحكام مختلفة تأسست على يقين قضائى دستورى لا يتزعزع أو يتشكك، بخروج أعمال السيادة من رقابة جميع الهيئات والمحاكم الدولية فى البلاد. ■ هل يستطيع البرلمان بوصفه ممثلا للشعب أن يراقب جميع أعمال السيادة التى تقوم بها السلطة التنفيذية والتى لا يستطيع القضاء مراقبتها؟ - معظم الممارسات من جانب واحد فى السياسة الخارجية للدولة تشكل جزءا من الاختصاص الحصري، وكذلك الاعتراف أو المقاطعة أو التصويت فى المنظمات الدولية، كما أن تصريحات الوزراء والمتحدث باسم الحكومة والمعلومات المعطاة من الحكومة تبقى خارج أى رقابة برلمانية، واستبعاد البرلمان من المفاوضات الدولية التى تجريها السلطة التنفيذية ناتج عن ممارسة النصوص الدستورية، ويكاد يكون الدستور الأمريكى هو الوحيد الذى ينص على استشارة مجلس الشيوخ مسبقا فى كل تفاوض دولي، لكن هذا النص لم يطبق إلا مرة واحدة من قبل أول رئيس أمريكى هو جورج واشنطن فى المعاهدة مع الهنود الحمر، ومنذ ذلك الحين لم يعط مجلس الشيوخ رأيه رسميًا فى مرحلة التفاوض على أى معاهدة. ■ ما الأساس القانونى لنزع يد البرلمان عن المفاوضات الدولية التى تجريها السلطة التنفيذية؟ - النشاط الدبلوماسى بطبيعته يتطلب أن يتم فى طى الكتمان، وهذا لا يتفق مع طبيعة العمل البرلمانى ذاته، والذى يتأسس على المداولات والمشاورات والتصويت على مشاريع القوانين والتشريعات، فضلا عن أن البرلمان لا يمكنه المشاركة فى المفاوضات الدولية، حيث إن كل دولة تتفاوض وتتصرف عن طريق ممثليها من أعضاء السلطة التنفيذية، وفى الغالب بواسطة وزارة الخارجية. ■ ما دور رئيس الدولة فى ميدان العلاقات الدولية وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية؟ - إن التفوق التقليدى للسلطة التنفيذية فى ميدان العلاقات الدولية أدى إلى منح رئيس الدولة دورًا مرجوًّا على الصعيد الدولى، فلكونه رأس السلطة التنفيذية يتمتع بصلاحية عقد الاتفاقيات الدولية والتمثيل والتكلم باسم الدولة فى المؤتمرات الدولية، وقيادة العلاقات الدبلوماسية للدولة، ويعد الدستور المصرى الحالى واحدا من الأمثلة والنماذج غير الحصرية لدساتير الدول، التى تمنح لرئيس الجمهورية تلك الصلاحية، وبالنسبة للتصديق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، فإن دور البرلمان ينحصر فقط فى تأييد أو رفض منح الترخيص على المعاهدة، كما أن إجازة البرلمان بالمصادقة ليست قانونا بالاسم، وهذه الإجازة يجب أن تتبع بقانون تنفيذ المعاهدة فى القانون الداخلى، بعد أن يكون رئيس الجمهورية قد صادق على الاتفاقية أو المعاهدة الدولية. ■ ما مدى التزام السلطة التنفيذية بالإحالة الفورية لاتفاقية تعيين الحدود البحرية وهو أحد الدفوع التى يتشدق بها المعارضون للاتفاقية؟ - توقيع ممثل السلطة التنفيذية لاتفاقية تعيين الحدود بين مصر والسعودية، وهو رئيس الوزراء لا يلزم الحكومة بإحالة نص المعاهدة إلى البرلمان للحصول على الترخيص بالتصديق، ولا يلزم البرلمان بإعطاء هذا الترخيص، وأخيرا هذا التوقيع لا يلزم رئيس الدولة بإعطاء المصادقة ولو تم الحصول على الترخيص البرلماني، وذلك حتى لو استعملت وثيقة التفويض الكامل لممثل السلطة التنفيذية الموقع على التصديق اللاحق. ■ هل هناك مهلة معينة للتصديق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية؟ - فى غياب بند خاص فى المعاهدة أو الاتفاقية الدولية يحدد تاريخ لتبادل التصديق، أو تاريخ أقصى لإيداع وثائق التصديق، يمكن التصديق فى أى وقت، وفى حالة لم تنص اتفاقية تعيين الحدود البحرية على أجل محدد للهيئات الداخلية فى الدولتين المنوط بهما التصديق على المعاهدات، فلا يمكن الزعم بوجود أى موجب زمنى على السلطة التنفيذية فى مصر فى إحالة الاتفاقية الموقع عليها إلى مجلس النواب، وذات المسألة تنطبق على المجلس ذاته، ولا يوجب عليه سواء بموجب الدستور أو اللائحة الداخلية للمجلس إعطاء الترخيص بالتصديق على الاتفاقية، ومجمل الأمر أن مجلس النواب فى نهاية الأمر إما أن يرخص بالتصديق أو لا يرخص، ولكن الأحوط فى ذات الشأن أن يقوم مجلس النواب بتبرير قراره الإيجابى أو السلبى. ■ هل يستطيع مجلس النواب الترخيص بالموافقة على الاتفاقية، لكن مع إبداء تحفظات عليه أو اقتراح تعديلات على النص الذى تم توقيعه من السلطة التنفيذية؟ - إن توقيع ممثلى الدول على المعاهدات والاتفاقيات الدولية يعنى التوثيق النهائى للمعاهدة أو الاتفاقية، ومحال حتى على السلطة التنفيذية ذاتها التى تفاوضت وعقدت ووقعت على الوثيقة سواء كانت معاهدات أو اتفاقيات دولية أن تقوم بالتعديل أو التحفظ على أى بند أو نص أو حتى فقرة على النص الذى تم توقيعه، حيث يعد ذلك هو النص النهائى الموثق من جانب أطراف المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وفى حالة التحفظ أو التعديل من جانب السلطة التنفيذية أو البرلمانية بعد التوقيع، فهذا لا يعنى فى القانون الدولى إلا معنى واحدًا وهو دعوة الطرف الآخر فى المعاهدة أو الاتفاقية لمعاودة التفاوض من جديد من نقطة البداية، وكأنه لا توجد ثمة معاهدة أو اتفاقية. ■ أليست الرقابة القضائية على المعاهدات والاتفاقيات الدولية ضمانة مهمة للتثبت من صحة المعاهدات والاتفاقيات الدولية؟ - إن السابقات القضائية فى جميع دول العالم وبموجب الدساتير ترخص للقضاء بممارسة رقابة ضيقة محدودة على الأفعال والأعمال التى تقوم بها السلطة التنفيذية فى مجال العلاقات الخارجية، ومنها إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية وفقا لدساتير الدول، وبالنسبة لأعمال السيادة التى تختص بها حصريًا السلطة التنفيذية، فتحظر على السلطة القضائية الولوج إلى هذه الحصون المنيعة التى لا تفتح مغاليقها إلا بواسطة السلطة التنفيذية، فهذه المناطق تخص السلطة التنفيذية، ليس لترقيتها أو تعليتها على سائر السلطات، ولكن مبدأ الفصل بين السلطات هو الكابح المانع لأى تغول من أى من السلطتين القضائية أو التشريعية على السلطة التنفيذية. ■ ما الأثر القانونى للاتفاقيات الدولية المختلفة المنعقدة بين مصر والسعودية منذ ديسمبر 1949 وحتى إبريل 2016؟ - إن المعاهدات والاتفاقيات الدولية تلغى أى تشريعات أو قوانين أو لوائح داخلية فى الدول أطراف المعاهدات، حين تكون هذه التشريعات مخالفة لنصوص المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية المبرمة بين الدول، سواء كانت هذه التشريعات الداخلية المخالفة سابقة أو لاحقة للمعاهدات أو الاتفاقيات المبرمة بين الدول، ومبادئ وقواعد القانون الدولى الراسخة تقرر أن الدول لا تملك أن تدفع بدساتيرها أو قوانينها حين تخالف تعهداتها الدولية، وحتى إذا كانت هذه التعهدات غير مكتوبة مثل اتفاقية الشرفاء بين الدول، فالزعم بأن التعديلات المصرية للسعودية فى ديسمبر 1949 لم تدون فى صكوك مكتوبة زعم باطل، حيث إن قواعد القانون الدولى للمعاهدات تسرى على اتفاق الشرفاء، وإن لم تنطبق عليها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية.