أعتقد أن المرحلة الثانية كانت هى الأخطر على مستوى أحداث العنف، وكذلك كيفية بناء التنظيم بشكل يصعب من مهمة الأمن فى تفكيكه، وهى التى يقودها توفيق. هل تصدقون أن توفيق فريج زيادة كان حاصلًا على دبلوم تجارة، وفشل فى الحصول على عمل، ففتح محلًا لبيع العسل فى العريش؟ وأنه حينما اعتقل عقب أحداث شرم الشيخ فى عام 2006، أفرج عنه جهاز أمن الدولة قبل الثورة، لأنه كان شخصًا عاديًا فى التنظيم، وكان انعزاليًا عن عناصر الجماعة بالسجن، ودائم السكوت، ولم يكن يبدو عليه أى إمكانات تؤهله حتى لقيادة مجموعة، لكنه أذهل الداخلية كلها حينما ثبت فيما بعد أنه أصبح قائدًا للتنظيم. كان نصر خميس محمد نصر سالم الملاحى، قد تولى قيادة تنظيم التوحيد والجهاد عقب مقتل خالد بحرى، واضطلع بإعادة هيكلته، وكلف كلا من: عيد سلامة حماد الطراوى، وأحمد هادى سالم أبوقبال، وسليمان سلمى سعيد محمود الحمادين، وسليم عطا الله سليم حسين الزيود، ومحمد عبدالله عليان أبوجرير، وسلمان محمد سليم حسين الزيود، ومحمد هادى سالم أبوقبال، بتشكيل مجموعات جديدة، وبالفعل نجحوا فى ذلك، فالتزم على أيديهم عدد كبير، منهم: أحمد مصلح نصير سلمى القرم، وعطوان عيد حمدان سليمان القرم، وإبراهيم أحميد فريج زيادة، وسامح أحميد فريج زيادة، من عائلة توفيق، والأخيران هما من أقنعاه بالانضمام للتوحيد والجهاد. قام التنظيم بتفجيرات شرم الشيخ، و3 تفجيرات أخرى بدهب، فتم القبض على أغلب العناصر، ومنهم توفيق فريج، وقتل خميس الملاحى، ونائبه سالم الشنوب. أفرج عن توفيق فريج فى عام 2009م، وظل عنصرًا كامنًا فى سيناء، يخرج من محل إقامته بمنطقة مزارع العريش، دائرة قسم أول العريش. تزوج توفيق فى هذه الفترة من شقيقة الشيخ فيصل الحمادين، وهو أحد رجال السلفية المشهورين فى شمال سيناء «معتقل الآن». قرر توفيق إعادة بناء التنظيم، وكان فى هذه الفترة يبلغ 48 عامًا، وتحول من تاجر إلى إرهابى، ومن مقيم فى مزرعته إلى شخص متحرك على مستوى الجمهورية. الغريب أن توفيق الذى كان ينظر له على أنه لا قيمة له، خطط لبناء التنظيم بشكل يصّعب من تفكيكه بسهولة، حيث جعل على قمته مجلس شورى، ثم أسفل المجلس مجموعات التنفيذ، ومجموعة التجنيد، وأخرى للدعم اللوجستى، ورابعة للتدريب وكان يقودها الضابط عماد وهشام عشماوى، وأخرى للإعلام.. إلخ من التشكيل الكبير الذى قام بتنظيمه. كان توفيق يقول للمجموعات إن المرحلة الأولى فى تنظيم بيت المقدس هى صراع فكرى، ثم تأتى بعدها العمليات النوعية من مهاجمة أو تدمير منشآت أو اغتيالات، ليبدأ الإسلاميون فى التعرف على نتائج عمل المجاهدين، وفق قوله، وأما المرحلة الثانية، فهى المرحلة الخاصة بالشرطة، وهى مرحلة استثمار غضب الثوار وتحويلها إلى قوة سيطرة على الأرض، تتحرك لقتل ضباط وجنود الشرطة عمومًا، وتبدأ المرحلة الثالثة وهى الخاصة بالقوات المسلحة، وهى أصعب مرحلة، حيث سينتهى الصراع الفكرى وتبدأ السيطرة على مخازن سلاح الجيش، لتبدأ مرحلة التمكين، وإنشاء إمارة. قال بعض أتباعه عقب القبض عليهم، إن توفيق كان يدرس لهم بنفسه بحثًا بعنوان «كيف تواجه القوات الخاصة»، وألقى عليهم دورة بعنوان «صناعة الإرهاب»، تتضمن كيفية الاختراق للأجهزة الأمنية، وأمن الاجتماعات، ومبادئ الأمن، والاستدراج، وعلم الطبوغرافيا، وكيفية قراءة الخرائط، وكيفية رفع اللياقة البدنية، وشرح أنواع القاذفات وكيفية استخدامها، وأوضاع الرماية والتسديد للسلاح «اتضح أن التقييم الأمنى لتوفيق فريج كان خاطئًا ألفًا بالمائة». قامت الثورة، وفى ميدان التحرير، الذى كان يحرص توفيق على الانتظام فى الحضور إليه، التقى رفقاء السجن، من السلفية القاهرية، المنسوبة فى الأغلب إلى تيار الحركيين، أو أتباع رفاعى سرور، الذين انبثقت منهم فيما بعد ما يسمى ب«الجبهة السلفية»، و«حازمون»، وحركة «طلاب الشريعة»، وغيرها من المجموعات الأخرى. قابل توفيق «محمد على عفيفى بدوى ناصف»، «صاحب مطعم» فى حلمية الزيتون، و«محمد بكرى هارون»، والأول حاول أن يذهب للجهاد فى العراق إلا أنه فشل، فبقى باليمن لمدة 3 أعوام حتى تم ترحيله، وسجنه، مع رفقائه فيما بعد توفيق، وبكرى هارون، وأبو عبيدة، ومحمد السيد منصور الطوخى. لم تكن هناك أمور أيديولوجية يمكن الاختلاف عليها، ونجح توفيق فى إقناعهم بالانضمام لجماعة التوحيد والجهاد التى أطلق عليها «بيت المقدس»، وكلفهم بعمل فرع بالمحافظات لتخفيف الضغط عن سيناء، وتشكيل تنظيم يواجه الجيش المصرى، مستفيدين من الفرصة العظيمة للتجنيد، وغياب الجهاز الأمنى وانهياره. كلف توفيق زميله بالسجن محمد على عفيفى بدوى ناصف، بقيادة التنظيم فى المحافظات البعيدة عن سيناء، وكلف أبو عبيدة محمد السيد منصور الطوخى، بقيادة المنطقة المركزية المقصود بها «القاهرة». اعترف بدوى ناصف، «تم تنفيذ حكم الإعدام عليه فى قضية خلية عرب شركس» فى التحقيق معه فيما بعد: بأنه «اعتقل عقب عودته من اليمن بعد أن تلقى تدريبات على يد تنظيم القاعدة باليمن، وأفرج عنه فى عام 2011م من المعتقل، الذى التقى فيه بالقيادى محمد بكرى محمد هارون عبدالعزيز، الذى كان يطلق على نفسه اسمًا حركيًا، طارق، أو زياد، كما التقى بالقيادى محمد السيد منصور حسن إبراهيم الطوخى، المكنى ب«أبو عبيدة» داخل السجن «توفى بجسر السويس حينما تبادل إطلاق النيران مع كمين أمنى»، واتفقوا على التواصل مع توفيق فريج زيادة، زعيم أنصار بيت المقدس، عن طريق عناصر كان مقبوضًا عليهم من سيناء، وبالفعل التقوا فريج زيادة، وكان بصحبته شخص مجهول الهوية، مكنى بأبى عماد، وهو مسئول التواصل الخارجى والإعلام، وهو من قطاع غزة، واتفقوا خلال اللقاء على تأسيس فرع للتنظيم بالمحافظات، وبمدن القناة، وتشكيل خلايا عنقودية، تكون مهمتها تخفيف العبء عن المجموعات الموجودة بسيناء عن طريق عمليات مسلحة، وتقديم دعم لوجستى للمجموعات الموجودة مع توفيق فريج زيادة». كما قال: «إنه نجح فى تشكيل خلايا فى المطرية بالقاهرة، والقليوبية، والجيزة، وكفر الشيخ، والمنصورة، والسادس من أكتوبر، وقنا، وبنى سويف، والشرقية، وكان يرسل المجندين الجدد لتلقى التدريبات فى سيناء، وقدم لهم أحد السعوديين تمويلًا قدره 220 ألف دولار، كما جمع لهم أحد الأعضاء تبرعات داخلية زادت عن 200 ألف جنيه، وقاموا هم بالسطو على سيارات لمسيحيين، ومحلات صرافة، وشاحنات نقل أموال». كما أتاح ذهاب أعضاء من الجهاد الإسلامى وحازمون لسوريا، وتفكيك بعض المجموعات مثل مجموعة محمد جمال، إلى انضمام العناصر الهاربة، والعائدة إلى الجماعة المسلحة الوحيدة المنظمة، وهى بيت المقدس التى بدت مع وجود فرع لها بباقى المحافظات خطرة بشكل كبير. كانت البداية للجماعة أنبوب الغاز، وفى عام 2011 استهدف توفيق خط الغاز الموصل لإسرائيل، وساعتها ضج ميدان التحرير أيام الثورة بالتهليل والتكبير، وهم لا يعرفون أن العملية هى إعلان عن الجماعة الجديدة، التى أرادت فى البداية أن تنتشر دعائيًا، ووجدت أقصر الطرق هو ضرب بعض المصالح الإسرائيلية. كانت العملية الأولى التى خطط لها توفيق، هى «العملية شيكما» التى تم تنفيذها يوم 18 أغسطس 2011، حيث قام مسلحون يستقلون سيارة مدنية باعتراض حافلة سياحية تابعة لشركة «إيغد» الإسرائيلية، وأطلقوا النار عليها عند مفترق «شيكما» فى شارع 12 على بعد 28 كلم من مدينة إيلات، مما أدى إلى إصابة 5 إسرائيليين بجراح متفاوتة. فر منفذو الهجوم من المكان، وخلال عملية الفرار أطلق المسلحون قذيفة مضادة للدروع على حافلة أخرى كانت تقل جنودًا إسرائيليين على بعد 20 كم من الهجوم الأول، مما أدى إلى مقتل 5 جنود وإصابة نحو 11 آخرين. «جماعة بيت المقدس»، أصدرت شريطًا مصورًا فى 20 نوفمبر 2012، عقب وفاة قائدها «توفيق فريج زيادة»، شرحت فيه تفاصيل تلك العملية، ونقلت فيه بعض مشاهد لمنفذيها قبل تنفيذهم الهجوم، وتحدثت عن المنفذين لها، وهم: أبو عبيدة «إسلام أشرف طلبة طه» أبو سليمان «عبدالله محمد مختار العربي» وأبو هريرة «الطاهر الطيب» توفوا، والمجموعة الثانية: تكونت من أبى الوليد «أسامة على محمد علي» تمركز على جبل يشرف على مكان العملية مسلحا بمضاد للطائرات، مهمته صد الطيران فى حال دخوله أرض المعركة، وأما المجموعة الثالثة: الإسناد القريب تتمركز على بعد 300 متر من المجموعة الثانية، وفيها أبو على أحمد نصير القرم، قتل، وأبو جابر حسين التيهى، قتل، وأبو مصعب شادى المنيعى، وقالت: ساعتها أعطى الشيخ «أبو عبدالله توفيق فريج»، أوامره بالتقدم للهدف، وكانوا يلبسون زى الجيش المصرى، ومجموعته بادرت بالاشتباك، وإطلاق النيران تجاه حافلات وسيارات إسرائيلية عابرة للطريق، فقتلوا 20. لم يمض سوى شهر حتى جاء الرد الإسرائيلى على عملية إيلات، من خلال قتل إبراهيم عويضة، أحد عناصر المجموعة الثانية فى العملية، وأصدرت الجماعة يوم 26 -8- 2012 بيانًا نعت فيه إبراهيم عويضة ناصر بريكات «أبو يوسف» الذى قتل يوم الأحد 8 شوال 1433ه الموافق 26 أغسطس 2012م، فى العاشرة والنصف صباحًا عن طريق عبوة ناسفة زرعت له على طريق منزله. اتهمت الجماعة 3 من سيناء بالإبلاغ عن مكان عويضة، وحكمت على منيزل محمد سليمان سلامة بالقتل وقطع رقبته، أما سليمان سلامة حمدان فقد سلمته لقبيلته التى قتلته، وقام الثالث سلامة محمد سلامة العويدة، بالهرب للداخل الإسرائيلى. بدأ الخطر يتنامى، وبدأ التنظيم يتوغل فى المحافظات المصرية، وعن طريق محمد خليل عبدالغنى محمد النخلاوى «لا يزال هاربًا» حدثت الوساطة بين توفيق فريج الأستاذ بكلية العلوم جامعة قناة السويس ومحمد محمد أحمد نصر، «كان عضوًا فى جماعة الإخوان، وقام بتشكيل كتيبة الفرقان»، حيث التقيا معًا، وكان بصحبة توفيق «سلمى سلامة المكنى بأبى إسراء الذى كان هاربًا إلى فترة وجيزة واسمه الحركى يسرى»، حيث اتفقوا جميعًا على أن يتم اندماج الفرقان فى بيت المقدس، بعدة شروط أهمها، أن يكون محمد أحمد نصر عضوًا فى مجلس شورى الجماعتين، وأن تقوم «أنصار بيت المقدس» بشن عدة عمليات تنسبها إعلاميًا إلى «كتيبة الفرقان»، حتى يذيع صيت الأخيرة، ويغدو الإعلان عن اندماجهما فيما بعد ذا وقع إعلامى كبير. وأثناء جلسة الاندماج سلم هانى مصطفى عضو الفرقان لتوفيق فريج زيادة، وسلمى سلامة، جهازى حاسوب محمولين، عليهما مقاطع مصورة لموكب وزير الداخلية، بعد أن رصدته «كتيبة الفرقان»، وأعلم «هانى» القياديين أن لديه صواريخ كاتيوشا أخفاها بأرض زراعية بالشرقية، تمهيدًا لاستخدامها فى الاعتداء على قناة السويس، وساعتها قرر توفيق اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم. كلف توفيق العضو محمود سمرى، بإعطاء محمد فتحى عبدالفتاح 17 ألف دولار ليشترى بالمبلغ بطاقات ذاكرة، وجهاز تشويش على الاتصالات، وأدوات تصنيع دوائر كهربائية، استخدمت فى تصنيع العبوات المتفجرة، وآلات تصوير صغيرة الحجم، استخدماها فيما بعد فى تصوير أعمال الجماعة لنشرها على شبكة المعلومات الدولية. فى يوم 24 ديسمبر 2013، كلف توفيق كلًا من حسن عبدالعال محمد، «متوفى»، وأحمد السيد عبدالعزيز، ويحيى المنجى سعد، شريك بشركة إنجاز لتصميم المواقع، «محبوس»، وعادل محمود البيلى، اسمه الحركى عماد، «محبوس»، وفؤاد إبراهيم فهمى، وإمام مرعى محفوظ، بتفجير مديرية أمن الدقهلية، ويوم التنفيذ، وصل بنفسه إلى الدقهلية، قائدًا لسيارة نقل مجهزة داخل مزرعة فى الإسماعيلية، محملة بطن ونصف الطن من المتفجرات، وسلمها للانتحارى، الذى اصطحبه أحمد محمد السيد إلى مقربة منها قبل التنفيذ بدقائق، ليودى التفجير ب17 قتيلًا والعديد من المصابين. كلف توفيق أتباعه بتفجير مبنى مديرية أمن القاهرة، واستهداف مديرية أمن الإسماعيلية، واستهداف محطة القمر الصناعى بالمعادى، للحد من غلو الإعلام المصرى، على حد تعبيره، وساعتها سرقوا سيارة أحد المسيحيين، من مرتادى كنيسة مجاورة لنادى المنتزه بالإسماعيلية. استمرت عمليات التنظيم فى داخل سيناء، وكان أخطرها ذبح جنود الجيش برفح، واغتيال المقدم محمد مبروك، وغيرهما من العمليات، وفجأة أعلن التنظيم عن مقتل أبى عبدالله توفيق فريج، وأنه أثناء تركيبه لبعض القنابل انفجرت به إحداها، وقاموا بدفنه فى مكان مجهول، ثم نعيه فى شريط مصور على اليوتيوب. وفق بيان جماعة بيت المقدس فى نعيه، فإن «توفيق زيادة» هو صاحب فكرة تفجير خطوط الغاز الموصلة للكيان الصهيونى، وقاد أولى تلك العمليات وبعض العمليات التى تلتها، كان القائد الميدانى لعملية إيلات الكبيرة فى رمضان 1432 ه، كما شارك فى غزوة التأديب لمن تطاول على النبى الحبيب وكانت موكلة إليه مهمة إيصال الانغماسيين داخل حدود فلسطينالمحتلة، ودخل إلى القاهرة بداية عام 2013 واستقر بها وتولى الإشراف على فرع الجماعة هناك الذى قام فيما بعد بعمليات كثيرة، أهمها محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم. توفيق فريج.. دبلوم تجارة.. منعزل.. كثير الصمت.. أفرج عنه لعدم خطورته.. يبنى تنظيم بيت المقدس.. يقود ضباطاً منهم هشام عشماوى.. وأساتذة ومهندسين منهم محمد أحمد نصر.. ثم يموت ليكمل أتباعه المؤامرة على مصر.. توفيق ليس إرهابيًا استثنائيًا فقط بل هو جزء مهم من تاريخ جماعة بيت المقدس.