التشققات داخل جماعة «بيت المقدس» اتسعت، والتنظيم أصبح عدة جماعات، والصراع بين القيادات وصل إلى أقصاه، فبينما أعلنت أكثر من مجموعة عودتها إلى تنظيم القاعدة، انشقت أخرى وأعلنت عن فرع جديد ليس يخضع للقيادة التنظيمية الموجودة بسيناء، ولم تنخرط فى تلك الأعمال التى يقوم بها. وقد تبين وفق مصادر خاصة، أن الخلافات حدثت حول من يقود التنظيم، إذ رفض فرع التنظيم بالمحافظات، قبول أن يقودهم أحد السيناويين، أو من أى جنسية عربية، فضلًا عن أنهم رفضوا تكفير المنشقين عن التنظيم مثل هشام عشماوى، كما رفضوا الطريقة التى يتم بها توزيع الدعم والتمويل، وما أطلقوا عليه الغنائم. وأكدت المصادر أن هناك عددًا من الخلايا القريبة من جماعة الإخوان قد انضمت مؤخرًا إلى التنظيم، وهو ما رفضه قيادات القاهرة، معتبرين أن ذلك خطر على التنظيم، وأن اختراق المجموعات النوعية للإخوان للتنظيم سيؤدى إلى انهياره. وأضافت المصادر أن عددًا من قيادات السجون، ومنهم محمد حجازى طالبوا أتباعهم من الشبكات المسلحة القديمة بالانفصال عن الجماعة الموجودة بسيناء، والاتحاد فى كيان جديد، وذلك عقب مقتل القيادى أشرف الغرابلى، وأن الترتيبات تجرى على قدم وساق، وبسرعة، للتنسيق والإعلان عن كيان موازٍ وجديد، بقيادة القيادى الهارب محمد محمد أحمد نصر، قائد كتيبة الفرقان السابق. وقد تبنى التنظيم بالمحافظات أيديولوجية فكرية واستراتيجية تقبل عناصر تنظيم القاعدة، وتستوعبهم فى التنظيم. يشار إلى أن هوة الخلافات فى الآونة الأخيرة قد اتسعت، حيث اتضح وجود تنظيمين، أحدهما يطلق على نفسه «ولاية سيناء» فقط وليس «ولاية مصر»، والآخر يطلق على نفسه «تنظيم الدولة بأرض الكنانة»، أو ما يطلق عليه إعلاميًا «داعش بمحافظات الوادى والواحات»، وهو الامتداد الحقيقى للخلايا الكامنة، التى كانت تناضل من أجل العودة للمشهد، بعد أن خفتت فى نهاية التسعينيات، وتريد الآن تجاوز سيناء والهيمنة على الساحة الجهادية المصرية. ولا توجد خلافات فكرية كبيرة بين التنظيمين، إلا فى مسألة تكفير أعوان الحاكم، الذين يكفرهم عناصر سيناء، وفى بيعة البغدادى، على اعتبار أنه إمام متخفٍ، ما أدى فى النهية إلى تشقق التنظيم. ولم تكن هذه الخلافات وليدة اللحظة، إذ أن الجماعة الموجودة بسيناء هى الامتداد الحقيقى لجماعة التوحيد والجهاد، التى أسسها خالد مساعد بحرى، وخميس الملاخى، وكانت عملية طابا فى عام 2004، من أبرز عملياتها، والتى خطط لها الاثنان، ونفذها شاب فلسطينى بالعريش، يدعى إياد أبوصالح، وبعد اعتقالات طالت نحو 2000 شخص من سيناء، بقيادة العميد عصام عامر، تم اللقاء بينهما وبين قيادات جماعات التكفير والسلفية الجهادية بالسجون. تولى قيادة التنظيم خالد مساعد سالم بحرى، مواليد 5 سبتمبر 1973، الشرقية، يقيم بالعريش حى الصفا، شمال سيناء، طبيب أسنان، واعتنق الفكر المتطرف من خلال صهره المعتقل، سلمى سلامة سويلم الحمادين، مواليد 23 مايو 1950، الشيخ زويد، شمال سيناء، حى الترابين، عامل بناء، وبعدها اختلط المعتقلون بجماعة الشوقيين، وجماعة «الناجون من النار»، وزعيمها مجدى الصفتى، وهما جماعتان تكفران الأنظمة الحاكمة، وتؤمنان بالتوقف والتبين، ولما أفرج عن عدد كبير من المعتقلين، ومنهم توفيق فريج زيادة، زعيم الجماعة فيما بعد، تباينت جماعات سيناء بعدها وأصبح هناك مشهد مليء بالأفكار والتجمعات والكيانات المختلفة بلغت نحو 13 تنظيمًا، حول تكفير المجتمع، والتقاعس عن الجهاد، وقتال العدو البعيد أم القريب. أفرج عن عدد كبير من قيادات تنظيم طلائع الفتح، وبقايا تنظيم القاعدة، وجماعات التكفير عقب 25 يناير، وداخل الخيام المنصوبة فى الميدان، كان يقيم أحمد عشوش، ومحمد الظواهرى، ومحمد حجازى، العنصر الخطير الذى خطط فيما بعد لعمل أكثر من مجموعة فى محافظات وادى النيل والواحات، كان آخرها تلك المجموعة التى ألقى القبض عليها خلال الأيام الماضية فى كفر الشيخ، وكانت أغلب تلك العناصر، التى بايعت هؤلاء القيادات لها ولاء واضح لأيمن الظواهرى، الذى كان له تعليق مشهور على تفجير خط الغاز إلى إسرائيل، أثناء الثورة، أثنى فيه على من قام بالعملية فى سيناء، مؤكدًا ولاء التنظيم بشكل غير مباشر للقاعدة، حيث قال: «هؤلاء لن يقر لهم قرار حتى يتحرر بيت المقدس من أنجاس الصهاينة». ورغم أنه خلال كل عدة أسابيع كنا نسمع عن الإعلان عن جماعة جديدة، مثل «أنصار الجهاد»، «مجلس شورى المجاهدين»، «أنصار الإسلام» وغيرها من الكيانات الأخرى، كان أيمن الظواهرى حتى هذه اللحظة هو المرجعية النهائية للجماعات الجهادية، ولم يكن يجرؤ أحد على الخروج عليه رغم كل التباينات الفكرية، وساعتها شكلت جماعة «أنصار بيت المقدس» هيكلها الجديد مستغلة الفراغ الأمنى الذى خلفته ثورة ال25 من يناير ، واستحدثت جهازًا أمنيًا مهمته جمع التحريات والوصول للمعلومات، ثم القيام بعمليات مسلحة، عبر عدة مجموعات وهى «الانغماسين، والدعم اللوجستى والتدريب».. إلخ إلخ. فى هذه الأثناء أيضًا هرب كبار أعضاء السلفية الجهادية من غزة إلى الداخل السيناوى بسبب الصراع مع حماس، بعدما قامت حماس بالإجهاز على البقية من جماعة أنصار الله بعد قيامهم بالإعلان عن تأسيس إمارة إسلامية، ولم تكن هناك أى بوابة للهروب إلا عبور الأنفاق إلى سيناء، حيث حملوا معهم أفكارهم القريبة من أفكار داعش الذى لم يكن أعلن عن نفسه حتى هذه اللحظات بالشكل الحالى، بينما كان محمد الظواهرى وعشوش وغيرهما يسارعون فى التجنيد وإعادة بناء الخلايا التابعة للقاعدة. وداخل ميدان التحرير كان «محمد على عفيفي»، «محسن»، فى فترة أخرى أطلق على نفسه «أسامة»، قد التقى رفاقه القدامى وقرروا البدء فى تشكيل كيان جديد. «محمد على عفيفي» حاول فى عام 2004 الذهاب للعراق، ولما فشل ذهب لليمن لمدة 3 سنوات قبل ترحيله للقاهرة وسجنه حتى أفرج عنه عام 2011، حيث تواصل مع رفاق السجن القدامى «محمد بكرى هارون»، كان يطلق على نفسه اسمًا حركيًا، طارق، أو زياد، و«محمد السيد منصور الطوخى»، أبوعبيدة، وقرروا ساعتها الذهاب لسوريا، ولما فشلوا التقوا توفيق فريج زيادة، «تاجر عسل»، زميلهم القديم بالمعتقل، واتفقوا على توحيد الجهود بين جماعة زيادة فى سيناء، وتنظيمهم بمحافظات الوادى والدلتا. حصل محمد على عفيفى بدوى، على 220 ألف دولار نقدًا كتمويل للبداية فى العمل، من أحد السعوديين، كما حصل توفيق زيادة على 600 ألف جنيه من عضو استطاع الحصول عليها من بعض التبرعات فى القاهرة، إضافة إلى مهاجمتهم بعض سيارات نقل الأموال، وسيارات بعض المسيحيين. انضم إلى محمد على عفيفى بدوى، «محمد فتحى عبدالعزيز» الذى كان على عضوًا فى شبكة «محمد جمال» أو ما يسمى تنظيم مدينة نصر، والتى كانت تملك مزرعة بالشرقية تم تخزين الأسلحة بها، كما انضم حسن عبدالعال محمد، وأحمد السيد عبدالعزيز، ويحيى المنجى سعد، وعادل محمود البيلى، اسمه الحركى عماد، محبوس، وفؤاد إبراهيم فهمى، وإمام مرعى محفوظ. المسئول العسكرى للجماعة ساعتها كان هو «أبوعلى»، و«ياسر»، وكان مسئول التدريب هو محمد عبدالسلام عبدالله شامية «أبوهاجر»، ومسئول التسليح هو سلمى سلامة «أبوإسراء»، والمسئول الفكرى محمد خليل عبدالغنى محمد النخلاوى «أبوأسماء»، ومسئول التدريب هو هشام عشماوى. تشكلت فى هذه الآونة خلايا متعددة، الأولى بالمنصورة، وكان قائدها هو أحمد محمد السيد عبدالعزيز السجينى «مصعب»، ومعه يحيى المنجى سعد، وعادل محمود البيلى، ومحمد عادل شوقى على عجور، وعدد آخر تم تجنيدهم بمعرفة أنور صالح أنور صالح عمران «نور» فى غضون عام 2011، والمجموعة الثانية كانت بمحافظة كفر الشيخ وكان يتولى مسئوليتها مصطفى حسنى عبدالعزيز الكاشف «خالد»، ومعه معتز محمد الخالق زغلول «شوقي»، وعدد آخر جندوا عام 2011، والثالثة بالشرقية تولى إمارتها إبراهيم عبدالرحمن السيد عوض «الحاج حمدان»، وكان يشرف عليها أبو عبيدة محمد السيد منصور. فى عام 2012 تم تأسيس خلية فى مدينة السادس من أكتوبر، تلقى أعضاؤها تدريبات عسكرية بسيناء، ثم سافروا لسوريا لاستكمال باقى تدريباتهم، وعادوا ليكملوا تدريباتهم بمزرعة محافظة الشرقية. أما أشرف الغرابلى «أدهم» الذى تولى قيادة التنظيم بمحافظات الوادى والواحات، «قتل مؤخرًا»، فكان يشرف على مجموعة محافظة الجيزة، ومعه محمد عبدالغنى على عبدالقادر «رمزى»، وأشرف صلاح الدين عبدالهادى مصطفى عبدالرحمن، على مجموعة الفيوم، وتواصل محمد بدوى ناصف مع الجبهة السلفية، وانضم إليه عمر رفاعى سرور، الذى كان شيخًا لقيادات الجبهة السلفية، ومعه فهمى عبدالرءوف الذى توفى فى منطقة عرب شركس، وسمير عبدالحكيم «شادي» توفى بشركس أيضًا. مع إعلان تنظيم الدولة بالعراق والشام «الخلافة» وانفصاله عن القاعدة، حدث الزلزال، وبدأ التباين الفكرى يظهر من جديد، وفجأة فر عمر رفاعى سرور إلى ليبيا، وأصبح قاضيا شرعيًا لمجلس ثوار درنة، وأعلن هشام عشماوى عن تشكيل جماعة «المرابطون»، لتصبح كيانًا تابعًا للظواهرى، وتبين فيما بعد أنه رفض بيعة البغدادى، وفرّ هو ومعاونوه من سيناء، رغم أنه حتى وقوع حادث الفرافرة كان تابعًا لبيت المقدس، وهو من خطط وشارك بالعملية، وكان التنظيم سيعلن عن فيديو مصور للعملية الإرهابية، ولما انفصل العشماوى لم يعلن التنظيم مسئوليته عن الحادث، بينما أعلن داعش بليبيا عن جائزة لمن يدل بمعلومات عن عشماوى لأنه مرتد، وفق قولهم. فى يوم السبت الموافق 11 يوليو 2015، استيقظت القاهرة على انفجار ضخم، استهدف القنصلية الإيطالية، كان ذلك بعد مرور 12 يومًا فقط على عملية اغتيال النائب العام المصرى «هشام بركات» و10 أيام على الهجوم واسع النطاق على الشيخ زويد والذى تبنته «داعش سيناء»، وبدلًا من أن يوقع البيان باسم «ولاية سيناء» فقد نسب لتنظيم «داعش» بمصر. وفى يوم 20 أغسطس من نفس العام، تم استهداف مبنى لجهاز الأمن الوطنى، وأعلن التنظيم الذى أطلق على نفسه «الدولة الإسلامية» مسئوليته أيضًا عن الحادث. بيان جماعة «المرابطون» التى يقودها عشماوى، والذى صدر فى الفيديو الثانى للتنظيم، أكد أنه ليس كل الجهاديين فى سيناء تعهدوا بالولاء للبغدادى. كان أشرف الغرابلى إلى هذا الوقت يقود التنظيم بالقاهرة، وخطط لخطف عامل كرواتى، ولما تم قتله أعلن أيضًا التنظيم تصفيته، وبدا بالفعل أن هناك 3 تنظيمات، الأول هو ولاية سيناء، والثانى هو تنظيم الدولة بالقاهرة، والثالث هو التنظيم التابع لهشام عشماوى، وهى بقايا جماعة الجهاد القديمة، وتنظيم القاعدة. التنظيم بسيناء، أصبح بعد كل هذه الانقسامات جماعة متموضعة بشمال سيناء، وحوصرت تمامًا فى هذه المنطقة، أما تنظيم الدولة بالقاهرة والواحات فهو الذى انفصل وبدأ يشكل كيانًا جامعًا جديدًا داخل المحافظات المصرية.