محمد أبو سمرة: الجماعة أصبحت بين فريق يكفِّر وآخر لا يكفِّر.. وطَرَقْنا السياسة لأن الواقع تغيَّر أسامة قاسم: لم نغيِّر قيد ذرة من أفكارنا القديمة لأنها أحكام شرعية.. وعشوش يتشدد في مسائل لم يُحِطْ بها علمًا لا تعرف أيٌّ من هؤلاء يمثِّل جماعة الجهاد، ولا تستطيع أن تتأكد أي جناح منهم يستحق أن يحوز التنظيم، هل هم أتباع نبيل نعيم الذى قاد التنظيم فترة طويلة، وقاد مراجعاته، أم سيد إمام الذى أطلق وثيقة ترشيد الفكر الجهادي لكنه لم يتنازل عن أفكار التكفير، أم أحمد عشوش الذى أسس الطليعة السلفية المجاهدة، واتهم الجميع بأنهم أتباع الأمن الوطني؟ المشكلة الآن، أن تنظيم الجهاد انقلب كله بعضه على بعض، بعد 30 يونيو وصار متعدد الوجوه والأفكار؛ إذ إن الظواهري، وقادة السلفية الجهادية، يرفضون أن يعتصموا مع المعتصمين في رابعة العدوية، ويعتبرون أن ذلك دفاعا عن ديمقراطية كافرة، وقال الظواهري إن الأيام أثبتت أن الجهاد وحده فقط هو من يوصل إلى الدولة الإسلامية، وليست الوسائل غير الشرعية، كالانتخابات. الأغرب، أن هناك فصائل أخرى متعددة، كمؤسسي تنظيم القاعدة الذين ألقي القبض عليهم وخرجوا بعد الثورة، في حالة كمون مرعب، كأحمد مبروك سلامة، وعصام جيد، وكجماعة أنصار الشريعة بقيادة سيد أبو خضرة، أو كالذين اختاروا العمل السياسي، مثل هشام أباظة، ومحمد أبو سمرة، أو الذين لم يرضوا عن الحزبيين كأسامة قاسم. السؤال مجددا : لماذا هم مختلفون ولماذا هم منشقون.. هو تكتيك وواقع، أم حقيقة ووهم.. ولماذا كل هذه الكيانات الجهادية؟! هذه أسئلة مباحة، لكنك إذا فكرت بروية ستجد أن الانشقاقات داخل جماعة الجهاد ليست وليدة اللحظة، إذ إنه منذ ظهور الجماعة فى أواخر الستينيات، فإن هناك جماعات جهادية متعددة كانت تحمل أفكارا جهادية، وتعمل في شكل منفرد، وحتى أواخر السبعينيات تقريبا في 1979 حصل تحالف بينها فتوحدت رغم اختلافاتها الفكرية . أيمن الظواهرى شكّل التنظيم ورأى توسيع العضوية فى الجيش ودخل القمري، ووسط هذه الأجواء كان فصيل من المؤمنين بالأفكار الجهادية يخطط لقلب النظام ويرى أن الأمور تسير في مصلحته، وفي تلك الأجواء تلاقت الإرادات بين الجماعات الجهادية، بعد ظهور محمد عبد السلام فرج الذى تعرف على كرم زهدي وطارق الزمر ونبيل المغربي (جماعة الجهاد في القاهرة)، وعرض فكرته لإقامة (الدولة الإسلامية)، وتلاقت أفكارهم لقتل السادات . اللافت أنه بعد إعدام فرج وخلال قضاء المتهمين فترة سجنهم برزت خلافات بينهم، حيث تناقشوا في قضيتين، الأولى قضية اغتيال السادات والاعتداء على مديرية الأمن في أسيوط واحتلالها، أما الثاني فكان على إمارة الشيخ عمر، ففريق كان يرى أن الشيخ عبود الزمر باعتباره رجلًا عسكريا ومُقدِّما في جهاز المخابرات ولديه صفات القائد هو الأوْلى، في أثناء هذا الخلاف فجر الرائد عصام القمري قضية أخرى وهي أنه لا تجوز ولاية الضرير في إشارة إلى الشيخ عمر عبد الرحمن، لكن حين واجهت الجماعة الإسلامية نظام حسني مبارك بالسلاح، أدى ذلك إلى مشكلة داخل جماعة الجهاد، وبالأخص بعد القبض على عدد منهم كانوا عائدين من أفغانستان، فقال بعض منهم، كيف يُعقل اعتقال كل هؤلاء الناس من دون أن تُطلقوا رصاصة واحدة؟ هنا فجر أحمد حسين عجيزة، المشاكل وانشق معه عبد الحميد ومكاوي وبدأت جذور الانشقاق في باكستان قبل نزولهم إلى اليمن ثم السودان. في هذه الأثناء ترك سيد إمام إمارة الجماعة، وأصبحت خيوطها في يد الظواهري، الذى كان مقيما في السودان مما أدى إلى تصدعها بشكل كبير، بعد أن أعلن أنه يكفِّر الأعوان، وفى طريقه لتكفير الإخوان . حلل القيادي الجهادي هشام أباظة، الحالة فقال ل“,”البوابة نيوز“,” السلفية الجهادية نشأت بعد ظهور القاعدة، وبدأ يخرج فكر القتال إلى التنظير الورقي، وعلى الإنترنت، وظهرت كتابات سيد إمام التكفيرية، ومنها تكفير الأعوان، والإخوان، وعدم العذر بالجهل، وهل يكون في المقدور عليه أم غير المقدور عليه . وأكد أن أول من انحرف بجماعة الجهاد هو سيد إمام، وأن وثيقة ترشيد الفكر الجهادي باطلة، لأنهم لم يفكروا فى رفع السلاح على الحكومة لعدم القدرة، وأنه هدم التنظيم بالكامل بسبب أفكاره، مشيرًا إلى أن مشكلة الجماعات الإسلامية هى أنه يسبق العمل التنظير، الذى يجيء ليدلل عليه . أسامة قاسم، قال “,”إن إمام مريض نفسيا، وأنا لم أطلع على ترشيده، ونحن لم نغير قيد ذرة من أفكارنا القديمة لأنها أحكام شرعية، وطالما ليس هناك عجز فلا ضرورة، والقواعد العامة تضبط الحركة“,”، مؤكدًا أن أحمد عشوش تأثر بتكفير سيد إمام، ويتشدد في مسائل لم يحط بها علمًا. وفي السودان أقامت جماعة الجهاد مشروعًا زراعيا وآخر تجاريا، ونزلت إليها بمشكلاتها وخلافاتها، لكنها أصبحت جماعتين، واحدة بقيادة الظواهري والأخرى بقيادة عجيزة. وكشف تفجير جماعة الجهاد للسفارة المصرية بإسلام آباد، عن انشقاق آخر، إذ إنها أرادت أن تخدع المخابرات المصرية فأعلنت أن أيمن الظواهري سيذهب إلى سويسرا، ووزّعوا الإعلان على وكالات الأنباء، وقبل يوم من التاريخ المحدد أصدرت بيان اعتذار قالت فيه إنه بلغها أن المخابرات المصرية تُحيط بالفندق، وصدّق العالم كله الرواية، لكنه كان طبعًا في السودان. الحكومة المصرية كانت الوحيدة التي تعرف أنه في السودان لكنها سارت في الخدعة واحتجّت لدى الحكومة السويسرية، ومشت في الحيلة لأنها كانت تُخطط لشيء آخر، ففي تلك الفترة كان ضابط مصري جنّد ولدًا من مشايخ الجماعة، ثم جندوا آخر اسمه مصعب، ابن أبو الفرج، من مصر، أحد قادة الجهاد، فى النهاية قبضت الجماعة على الولدين، قبل تفجيرهما للمكان، وأعدمتهما، بعد محاكمة قصيرة، وقالت إنها فجّرت السفارة في باكستان ردًّا على عملية الخرطوم، وعندما جاء أبو الفرج وعلِم بإعدام ابنه ذُهل، وانشقّ عن الجماعة ومعه بعض الأفراد . تسبّب إعدام الولدين في أزمة بين الجهاد والحكومة السودانية، فطردوا الجماعة، فانتقلت إلى أفغانستان في 1996، وهناك حصل تقارب كبير مع الشيخ أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، حتى دخل الظواهري في قاعدة أنصار الله، وجبهة محاربة اليهود والنصارى . ظلت جماعة الجهاد، على هذا الحال، حتى انتهى عصر تنظيمها الواحد الكبير، وبدأ عصر التنظيمات والكيانات الجديدة، التى عبر عنها البعض باسم “,”السلفية الجهادية“,” فظهر بعد الثورة المصرية، أحمد عشوش وجماعته “,”الطليعة السلفية المجاهدة“,” وهى المسئولة عن تسفير الشباب إلى سوريا، كما ظهرت “,”جماعة أنصار الشريعة“,”، بقيادة سيد أبو خضرة، فى وجه خدمي واجتماعي، وظهرت مجموعات سيناء، وأنصار الشريعة، والتوحيد والجهاد، ومجلس شورى المجاهدين. وبقيت تنظيمات فترة التسعينيات الصغيرة فى حالة كمون، وهى تنظيمات: الوعد، والأزهر، وشرم الشيخ، ودهب . القيادي الجهادي محمد أبو سمرة تحدث عن الكيانات المتعددة وقال “,”التكفير هو السبب، وقيادات الجماعة القدامى ليس عندهم تكفير، ولما جه العمل السياسي اشتغلوا، وحين طرقنا السياسة وجدنا معطيات فى الواقع تغيرت، أما السلفية الجهادية فشيء تاني، وظهر لنا أحمد عشوش وهو تكفيري، وأبو خضرة وهو عاقل ويعمل اجتماعيا، لكنه لا يؤمن بالعمل السياسي، وأصبحت الجماعة بين فريق يكفِّر وآخر لا يكفِّر“,” . تشرذمت جماعة الجهاد، وأصبحت بين حالتين، قديمة، وأخرى جديدة، ولا نستطيع أن نؤكد إن كان ذلك كغطاء أو تكتيك للهروب من مرحلة إلى مرحلة، أم هى تفكك تكتيكي، مدبَّر، هدفه خداع واستيعاب المواطنين، وتشتيت القوى الأمنية، وإخفاء القيادات الحقيقية، لكن كل ما هو مؤكد أن العنف والسلاح قادم بلا شك، فى مرحلة أشد ضراوة مما سبق، وساعتها ستسقط نظريات المراجعات الفضفاضة، وتبقى مئات النظريات لجماعات العنف المسلح.