لن تصدق أن نشيد ملحمة الدعوة، التي يقول ختامها عائد أنا من حيث أتيت.. عائد أنا لمسجدى، أو نشيد الله أكبر، والرعب يسبق الخطى، وغيرها من أغانى الجهاديين، التي أنشدها كبار منشدى سوريا ومصر، مثل أبو مازن، وأبو راتب، هي من تأليف مذيع عمل بماسبيرو فترة طويلة، قدم خلالها عددًا من البرامج، ثم تفرغ لإنشاء جماعة إسلامية مشهورة، اسمها جماعة التبليغ والدعوة، لتصبح إمبراطورية كبيرة، مركزها بمنطقة «طموة» التابعة لمركز أبوالنمرس، التابع لمحافظة الجيزة. مؤسس جماعة التبليغ بمصر هو الشيخ إبراهيم عزت، الذي كان مذيعًا بالتليفزيون المصرى، وقدم عددًا من البرامج، أشهرها برنامج «بيوت الله»، حتى استقال منه وتفرغ تمامًا لقيادة جماعة التبليغ، وكان الرجل سواء اتفقنا أو اختلفنا هو أيقونة للدعوة فترة السبعينيات والثمانينيات، وكانت خطبه الرقيقة ودروسه هي الطريق للكثيرين إلى الدخول للمساجد، حتى أصبحت الجماعة التي يقودها من أكبر الجماعات، ولها مركز كبير بالجيزة، على مساحة ثلاثة أفدنة تقريبًا، مقام عليها بناء ضخم مكون من ثلاثة طوابق، أحدها لاستقبال الوفود والجماعات، والآخر مسجد كبير، أما الثالث فيحتوى على عدد كبير من الغرف لمبيت أعضاء الجماعة، ويوجد مبنى آخر يحتوى على مخبز خاص لأفراد الجماعة، وأيضًا مطعم كبير للوجبات بأسعار زهيدة. وأنت بمراجعة سريعة وبسيطة، ستجد أن كل قيادات الجماعات الإسلامية تقريبًا مروا على مساجد التبليغ، وكلهم تخرجوا من تحت يد إبراهيم عزت، وتم جذبهم من الشوارع والنوادى والمقاهى إلى مساجد الجماعة، وبعد أن التزموا معها تفرقت بكثير منهم السبل إلى جماعات أخرى، مثل السلفية الحركية، أو الإخوان، أو الجهاديين، وعلى سبيل المثال لا الحصر، خالد الإسلامبولى، الذي كان دائم الحضور معه بمسجد الجمعية الشرعية بملوى، ومحمد عاطف، مخطط حادث 11 سبتمبر، الذي كان عضوًا بالجماعة. دعونا نتحدث عن الشيخ إبراهيم عزت أولًا قبل أن نتحدث عن جماعته. ولد إبراهيم عزت (اسم مركب) في مدينة «سوهاج» بصعيد مصر عام 1939م، وكان الولد الثانى لأبيه (محمد سليمان) بعد أخيه (أحمد)، الذي مات في المهد، وكان والده يعمل مدرسًا في التعليم الصناعى، ثم انتقل إلى «طنطا»، وألحق ابنه إبراهيم بإحدى مدارسها الابتدائية. اضطر والده إلى أن ينتقل مرة أخرى إلى «القاهرة»، فسكن بحى الزيتون، وحصل هناك على الثانوية، ثم التحق بكلية التجارة بجامعة «عين شمس»، بعد ذلك تم تجنيده ليخدم في الجيش، وفى تلك الأثناء تقدم لوظيفة مذيع في الإذاعة المصرية، ونجح في اجتياز الاختبارات التي أُجريت له، وتم تعيينه، فقدم العديد من البرامج الدينية والثقافية، مثل: بيوت الله، دنيا الأدب، وبعد ذلك عين في الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وبعد حين من الزمان حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة الأزهر. بدأ إبراهيم عزت وهو طالب في ممارسة الأنشطة الدينية ب«جمعية الشبان المسلمين»، ثم التحق من خلالها بجماعة «الإخوان المسلمين»، واعتقل معها مرتين آخرهما في صيف 1965م، حتى خرج في بداية السبعينيات. يروى أحمد رائف في كتابه: «البوابة السوداء» جانبًا من الذكريات في المعتقل مع إبراهيم عزت، فيقول: كنا في عنبر خمسة، في ذلك الوقت نحو سبعين، أذكر منهم: الأستاذ محمد ماضى، والأستاذ أحمد عادل كمال، والحاج حسن حافظ الفقى، الذي كان يملأ العنبر بجو من البهجة والمرح، فقد كان عصبيًا شديد التوتر طوال الوقت، على طيبة قلبه، وسلامة صدره، وكان كثيرًا ما يتشاجر مع المرحوم إبراهيم عزت حول الماء، فقد كان احتياطي الماء صفيحتين مكشوفتين في دورة المياه، وكان هذا الرصيد صيفًا وشتاءً للسبعين في قضاء حوائجهم، وكان المرحوم «إبراهيم عزت» يحب أن يسبغ الوضوء، وكان يبالغ في التطهر، فينتظره الحاج حسن حافظ على باب الدورة، ويتشاجر معه عندما يخرج ويقول له: ليس من المعقول أن تتطهر وحدك بنصف صفيحة، والباقى لهذا الجمع الغفير، هذا ليس من الإسلام في شيء، واسأل الحاج فريد عراقى، ويتدخلون لفض المشاجرة، وكانت دائمًا من طرف واحد، فقد كان إبراهيم عزت لا يسمع له صوت. خرج عزت من سجون ناصر في بداية عهد السادات، وأطلقت له الحرية للعمل، وكان ساعتها قد تأثر بالتصوف، وقرر تأسيس جماعة التبليغ بمصر، ولما استنكروا عليه ذلك قال: (أنا أجيب الناس للمساجد وانتوا خدوهم براحتكم). كان لإبراهيم عزت، طريقته في التحدث الخاصة، وأسلوبه في المشى، ومظهره في الملبس، إلا أنه أثر في كل أتباع التبليغ على مستوى الجمهورية، حتى إن طريقة كلامه، وأسلوبه في الخطاب، أصبح مثل (اللزمة) لدى كل عضو في الجماعة، مثل كلمة (يا أحباب) التي كان يبدأ بها كلامه دائمًا. كان لإبراهيم عزت طريقته الخاصة، التي عود عليها أتباعه، وهى أنه كان يفسر الجهاد على أنه الخروج في سبيل الله، وكان يقول الخروج لا بد منه مرة في العمر، وإلا فإن الإنسان سيموت ميتة جاهلية، لأنه لم يجاهد ولم يهتم بأمر المسلمين. كما كان الخروج الذي يقصده الشيخ عزت، إما أن يكون ساعة، أو يومًا أو أسبوعًا أو أربعين ليلة، يعتكف فيها الشخص بالمسجد، ثم يخرجون صفوفًا بعد صلاة المغرب، لدعوة الناس في الشوارع، والمقاهى، وإحضارهم للمسجد، فيجدون بعد عودتهم جزءًا من الجماعة يتدارسون كتاب رياض الصالحين للنووى، ثم يصلون العشاء، ويستمعون بعدها لدرس الشيخ، الذي كان لا يتكلم في السياسة مطلقًا ويعتبرها من المحرمات. يسير نظام الخروج وفق ما أطلق عليه إبراهيم عزت «الخدمة»، وهى تنقسم إلى «خدمة الأبواب» واستقبال الزوار، وخدمة المطبخ وتجهيز الطعام، وخدمة تنظيف المسجد ودورات المياه، و«خدمة الاختلاط»، والهدف منها الانتشار والتخفى بين أعضاء الجماعة ومعرفة العناصر المدسوسة وسط الصفوف من الأمن أو اللصوص، وخدمة التأمين والحراسة، وهناك غرفة تسمى «غرفة النصرة»، يتم فيها توزيع المهام ومتابعتها، والهدف من الخدمة بجانب توطين النفس على الانكسار والتواضع المحافظة على النظام. قسم الشيخ عزت الجماعة بمصر إلى 7 مناطق، تضم كل منطقة مجموعة حلقات، وكل حلقة تضم مجموعة مساجد، ومن كل مسجد يخرج مجموعة أشخاص يتجمعون في النهاية بمركز الدعوة في «طموه»، وهو مركز تجميع وتوزيع لأعضاء الجماعة إلى كل أنحاء الدولة، وبه يتم اختيار أمير لكل تشكيل أو مجموعة، ثم يتم توزيع التشكيلات على مناطق غير المناطق التي يسكنون فيها، فتذهب تشكيلات القاهرة مثلًا إلى الصعيد، وتذهب تشكيلات الصعيد إلى الوجه البحرى، وفى كل مرة يتم توزيع التشكيلات بشكل مختلف وعلى مناطق مختلفة من القطر. براعة عزت، أنه خلق الجو، والواقع، لكل من يدخل المسجد أو يعتكف، حتى ولو ليوم واحد، فهو سيتأثر بالمحيط، وبما يتلى ويقرأ عليه، أو يستمعه. أثرت جماعة (الإخوان) على الشيخ إبراهيم عزت، وظهر جليًا في مواعظه وخطبه، فهو إن فارق صفهم بجسده، فإن روحه وقلمه وفكره متشرب بأكثر مبادئهم، وكان له الكثير من الخطب والمحاضرات التي ألقاها على الآلاف بمسجد «أنس بن مالك» بالجيزة في مصر، حيث تولى فيه الخطابة، من السبعينيات، وحتى مات عام 1983. الدليل الأكبر على تأثر عزت بالإخوان، هو في أشعاره، حيث كانت له تجربة شعرية رائدة جدًا، لكنه لا يعرف له سوى ديوان واحد، طبع في بيروت عام 1970م بعنوان: «الله أكبر»، أنشدت الجماعات الجهادية العديد من قصائده، ومن أبرزها ما غنّاه المنشد السورى «أبو مازن»، والديوان يتناول قضايا الدعوة والوطن والحرية. ومنها: ماذا نقول لربى حين يسألُنا عن الشريعة لم نحم معاليها؟ ومن يجيب إذا قال الحبيب لنا أذهبتمو سنتى.. والله محييها؟ إن لم نردها لدين الله عاصفةً سيَذهب العرضُ بعدَ الأرض نعطيها سيذهب الدين والدنيا بلا ثمن إن لم نقدم دمانا.. كى نزكيها إنَّا على عهدنا لله.. نحفظه حتى نقدم أرواحًا.. ونَشريها وكان النشيد الأبرز له هو ملحمة الدعوة، الذي ألمح فيه إلى السجون والمعتقلات، ثم عودة الدعوة بعد الخروج من المحنة، ومنها: الهول يا لقسوته محافل تضم ألف سوط والموت قادم يدوس فوق موت في شهر رمضان عام 1404ه 1983م، وهو عازم على السفر إلى «مكة» للاعتمار والاعتكاف في المسجد الحرام، بصحبة بعض أقاربه، وقبل أن تصل الباخرة إلى ميناء جدة، وبعد إفطاره وصلاته المغرب استراح قليلًا، ولم يحن أذان العشاء، إلا وصعدت روحه إلى بارئها. تولى منصب أمير الجماعة بعده الآن الشيخ طه عبد الستار، فيما غضت الحكومة ولا تزال الطرف عنها، باعتبارها جماعة إصلاحية، حتى مختلف طبقات المجتمع المصرى من أغنياء وفقراء، وحتى الفنانين مثل مظهر أبوالنجا، أو السعد نجل رجل الأعمال الشهير أشرف السعد.