يمرّ رمضان هذا العام بحالٍ حزين على أغلب الدولة العربية والإسلامية، في ظل تبعات الربيع العربي والأزمات المتنقّلة والتهديد الذي يلوح في الأفق حتى للدول الآمنة، ومن ضمن تلك الدول دولة العراق والتي ما زالت تعاني ومع تفاقم الوضع الضبابي والتخوفات حول تأثير تشكيل التحالف الاسلامي على الوضع في العراق، وما ترتب على ذلك من تدني الوضع الاقتصادي الراهن في بلاد بين النهرين، في ظل تلك الأجواء كيف تكون العراق في رمضان؟ يستعيد العراقيون نمط الحياة الرمضانية التي طالما افتقدوها خلال الأعوام الماضية، كان من المستحيل التجوّل في ساعات متأخرة في شوارع بغداد ومعظم المدن العراقية الأخرى باستثناء مناطق اقليم كردستان الذي ظل ينعم بالأمان الكبير نسبياً، أخذت الأعمال الكوميدية تطغى على الشاشة الصغيرة أملاً في إعطاء الناس المتعة والسعادة والتسلية على الرغم من الأوضاع الأمنية المتذبذبة في البلاد. في الفلوجة التي كانت مسرحًا لأكبر عملية عسكرية بين القوات الأميركية والمتمردين عام 2004، تعود وتيرة شهر رمضان إلى طبيعتها، عاد سكان المدينة يمارسون تقاليدهم مثل تبادل الزيارات مع الأقرباء لتناول وجبة الإفطار المميزة لدى المسلمين. يجتمع الشباب في جلسات سمر في الساحات العامة طوال الليل، وعاد المسحراتي الذي يقرع الطبل ليلا مناديًا: "يا نايم وحد الدايم" لإيقاظ الصائمين ليتناول وجبة السحور، لكن الحزن لم يترك البيوت ولا القلوب بعد سنوات طويلة من الدماء والحروب خلفت عشرات الآلاف. وفي شارع أبو نواس ببغداد، بدت الحدائق المنتشرة على ضفاف نهر دجلة، أقرب لدعوات إفطار جماعي حيث غصت بعشرات العائلات التي تتناول مأدبة الإفطار وتجتمع حولها، ووضعت شاشات تلفزيون كبيرة في الحديقة تعرض برامج رمضانية، في حين يجلس آخرون يدخنون النرجيلة وسط لعب الأطفال ومرحهم. وفي إقليم كردستان ونظرًا للأوضاع الأمنية الجيدة هناك، وللتحسن الكبير في توزيع الطاقة الكهربائية، باتت ليالي رمضان في أربيل تختلف عن المدن الأخرى حيث تشهد المطاعم الشعبية حركة كبيرة تستمر حتى السحور فجرًا، ويميز ليالي رمضان في أربيل (350 كلم شمال بغداد)، كبرى مدن الإقليم، الإقبال الكثيف للمواطنين على المطاعم الشعبية وتناول وجبات سريعة من المشاوي اعتبارًا من صلاة العشاء والتراويح، وأفضل الوجبات هي" المشاوي وخصوصًا الطحال وبيض الغنم، بالإضافة إلى الطيور البرية مثل الحمام والقبج". وأكثر المناطق ازدحامًا خلال رمضان حي التعجيل القديم الواقع جنوب قلعة أربيل الأثرية حيث المحلات والمنازل القديمة التي يعود معظمها إلى مطلع القرن العشرين وكان معروفًا بوجود اليهود الأكراد قبل رحيلهم إلى إسرائيل إبان الخمسينيات، كما يشهد شارع السلطان مظفر الواقع غرب القلعة زحامًا أيضًا. بينما تراجعت الطقوس الرمضانية التقليدية، وخاصة في مدن عراقية كبيرة مثل الموصل والرمادي ومدن أخرى تعيش تحت الراية السوداء لتنظيم داعش، بحسب مواطنين هربوا مؤخراً من مدينة الرمادي، حيث يجبر تنظيم داعش الشباب في الرمادي على أداء فريضة الصلاة في المساجد، ويمنع النساء من الخروج من المنازل خلال شهر رمضان، بالإضافة لحالة الرعب والفزع والتهديد لمن يشاهد البرامج والمسلسلات الرمضانية عبر المحطات الفضائية وحتمية تعرضهم لعقوبات قاسية تصل إلى الإعدام، بالإضافة لعرض داعش بالرمادي شاشات تلفاز كبيرة في ساحات المدينة تعرض عملياته الأمنية، ومشاهد القتل والذبح بهدف غسل أدمغة الشباب والأطفال، ومنع التنظيم كل الألعاب الشعبية التي كانت تمارس من قبل الشباب خلال شهر رمضان ومنها لعبة المحيبس وغيرها. أما بالموصل فقد اختفت الأجواء الروحانية لشهر الصيام بعد أن هجر المصلون المساجد، أكثر من 90% من المساجد والجوامع تدار من قبل أئمة وخطباء تابعين للتنظيم، وال 5% الباقية تدار من قبل رجال دين تابعين للحزب الإسلامي وتُثار حولهم التساؤلات والشكوك، أكثر من 95% من أهالي الموصل رافضين للدين الذي جاء به تنظيم داعش لأنه دين قتل وذبح ويمنع المصلون عن ممارسة طقوسهم الدينية والاجتماعية التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ قرون ، كما منع تنظيم داعش منذ بداية شهر رمضان المصلين من أداء صلاة التراويح كونها بدعة، لكن بعد غضب الشارع تراجع وحددها ب8 ركعات لا غير. تعاني المرأة كثيرًا في المدن التي توجد بها داعش حيث تمنع من الذهاب للأسواق أو الوقوف أمام الباب، ويتم فرض غرامة على زوجها لا تقل عن 250 ألف دينار، كما يتم منع الحوامل من الذهاب للطبيب وإجراء فحوصات السونار بدعوى أنه حرام، بالإضافة إلى "عضاضات" وهن نساء يعملن مع داعش، يقمن بعضّ كل امرأة لا تلتزم بالزي الشرعي وتعاليم التنظيم.