إعداد: أحمد صوان إشراف: سامح قاسم ما بين أعمالها الإبداعية وقصة حبها الأسطورية، أكدت الكاتبة الراحلة رضوى عاشور على مكانتها، التي صقلتها الموهبة والمشاعر الإنسانية والعلم الغزير؛ وظهر همّها العام في مشروعها الأدبي، الذي تميز بتيمات التحرر الوطني والإنساني، إضافة إلى إتقانها الرواية التاريخية. "عقل الإنسان صندوق عجيب صغير ما دام محمولاً في الرأس، ويحتفظ رغم ذلك بما لا يحصى أو يعد".. ولدت رضوى في القاهرة في 26 مايو 1946، ودرست اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وبعد حصولها على شهادة الماجستير في الأدب المقارن من نفس الجامعة، انتقلت إلى الولاياتالمتحدة، حيث نالت شهادة الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس، بأطروحة حول الأدب الإفريقي الأمريكي؛ وخاضت مجال النقد لعدة سنوات، ففي عام 1977، نشرت أول أعمالها النقدية "الطريق إلى الخيمة الأخرى"، حول التجربة الأدبية للروائي الفلسطيني غسان كنفاني، وفي العام التالي صدر لها بالإنجليزية كتاب "جبران وبليك"، وهي الدراسة النقدية التي شكلت أطروحتها لنيل شهادة الماجستير سنة 1972؛ إلا أنها في نوفمبر 1979، وتحت حكم الرئيس أنور السادات، تم منع زوجها الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي من الإقامة في مصر، مما أدى لتشتيت أسرتها؛ ولكنها أصدرت عام 1980 آخر عمل نقدي لها، قبل أن تلج مجالي الرواية والقصة، وهو "التابع ينهض"، حول التجارب الأدبية لغرب إفريقيا. "الدقة شرط من شروط الكتابة.. واختزال الحياة إلى مأساة خالصة، منزلق إلى الكذب".. كانت أولى الأعمال الإبداعية لرضوى هي "أيام طالبة مصرية في أمريكا" عام 1983، والتي أتبعتها بإصدار ثلاث روايات هي "حجر دافئ، خديجة وسوسن، وسراج" والمجموعة قصصية "رأيت النخل" عام 1989؛ ثُم توجت هذه المرحلة بإصدارها لروايتها التاريخية "ثلاثية غرناطة" عام 1994، والتي حازت بها جائزة أفضل كتاب على هامش معرض القاهرة الدولي؛ ونشرت في الفترة بين 1999 و2012 أربع روايات ومجموعة قصصية واحدة، من أهمها رواية "الطنطورية" 2011، ومجموعة" تقارير السيدة راء" القصصية، وكان عملها الأخير هو "أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية" الصادر عام 2013، وقبلها أصدرت ترجمة إلى الإنجليزية لمختارات شعرية لمريد البرغوثي بعنوان "منتصف الليل وقصائد أخرى"؛ فيما شغلت في الوقت ذاته رئاسة قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وظلت حتى وفاتها التدريس الجامعي والإشراف على الأبحاث والأطروحات الخاصة بدرجتي الدكتوراه والماجستير. "وعدم المعرفة لا يشفع فى الذنب بل يكرسه".. مع بداية الألفية الثالثة، عادت عاشور لمجال النقد الأدبي، حيث أصدرت مجموعة من الأعمال تتناول مجال النقد التطبيقي، وساهمت في موسوعة الكاتبة العربية عام 2004، وأشرفت على ترجمة الجزء التاسع من موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي في العام الذي يليه؛ إضافة إلى ذلك ساهمت في العديد من الأنشطة الاجتماعية، فكانت عضوة فاعلة في لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، اللجنة الوطنية لمقاومة الصهيونية في الجامعات المصرية، مجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعات، إضافة إلى عضويتها في مجموعة من اللجان التحكيمية المرتبطة بالمجالين الثقافي والأكاديمي، فكانت عضوًا بلجنة جائزة الدولة التشجيعية، ولجنة التفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة، ولجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة. "الأموات يحتاجوننا كما نحتاجهم، إن لم نوافهم بالسؤال يثقلهم الحزن وتركبهم الوحشة".. شاركت عاشور في العديد من المؤتمرات، وساهمت في لقاءات أكاديمية عبر العالم العربي في بيروت، وصيدا، ودمشق، وعمان، والدوحة، والبحرين، وتونس، والقيروان، والدار البيضاء، وكذلك في العديد من الجامعات منها غرناطة وبرشلونة وسرقسطة في إسبانيا، وهارفرد وكولومبيا في الولاياتالمتحدة، وكمبريدج وإسكس في إنجلترا، ومعهد العالم العربي في باريس، والمكتبة المركزية في لاهاي، ومعرض فرانكفورت الدولي للكتاب وغيرها. "الحكايات التي تنتهي، لا تنتهي ما دامت قابلة لأن تروى".. تم تكريم عاشور في العديد من المحافل، وحصلت على العديد من الجوائز منها جائزة أفضل كتاب لعام 1994 عن الجزء الأول من "ثلاثية غرناطة"، الجائزة الأولى من المعرض الأول لكتاب المرأة العربية عن "ثلاثية غرناطة"، جائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان، جائزة تركوينيا كارداريللي في النقد الأدبي في إيطاليا، جائزة بسكارا بروزو عن الترجمة الإيطالية لرواية "أطياف" في إيطاليا، جائزة سلطان العويس للرواية والقصة؛ كما كانت ضمن مجموعة من 12 أديبًا عربيا تم تكريمهم، على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ وتوفت في القاهرة عن عمر ناهز 68 عاما، في 30 نوفمبر عام 2014. "تفزعني وأحبها، ليس فقط لأنني نشأت على حبها ولكني أحبها لأني أحبها".. كانت قصة الحب التي جمعت بين الأديبة المصرية والشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي، هي حكاية أخرى تستحق أن تروى في كتاب منفصل، وكانت الحكاية كما روت رضوى أن أول مرة تلتقي فيها البرغوثي كانت على سلم جامعة القاهرة، حيث كان يُلقى على أصدقائه أحد قصائده، فانتبهت له وشعرت بكلماته تخترقها، وكانت تكتب الشعر أيامها، ولكن بعد أن سمعت قصائد مريد، تركت الشعر؛ "لأن الشعر أحق بأهله وذويه" على حد تعبيرها؛ وكانت هي بدورها قصيدة كتبها مريد ونشرت في أوائل السبعينات على ثلاثة أجزاء في مجلة "الكاتب"، وكتبت لطيفة الزيات في ذلك الوقت مقدمة القصيدة قائلة: "إننا قرأنا في الشعر القديم قصائد غزل لكننا لم نقرأ قصائد حب". وكتب البرغوثي تعليقا قال فيه: "الناس تظن أن الكلام العسلي اللطيف المعسول يساوي شاعر حب، الكلام الحلو لوحدوا ما يعملش ما نسميه الشعر". "احنا اتفرقنا وعلى الله الرجوع والمفرّق والمجمّع ربنا".. بدأت العقبات تواجه الحبيبين عندما رفض أهل رضوى ارتباطها بالشاب الفلسطيني، ويدوي الرفض من والدها المحافظ حينما التقى بالشاب ووجد بداخله كل هذا الحب والمسئولية تجاه ابنته الصغيرة؛ وقال مريد في ذلك: "طوال عمري منذ أن تعرفنا وإلى الأبد لم أشعر بأي لوم أو عتب على موقفهم تجاهي". وكتب عن علاقتهما الفريدة ابنهما الشاعر تميم البرغوثي قائلًا: "أمي وأبويا التقوا، والحر للحرة، شاعر من الضفة برغوثي واسمه مريد، قالوا لها ده أجنبي، ما يجوزش بالمرة، قالت لهم يا عبيد اللي ملوكها عبيد، من امتى كانت رام الله من بلاد برة يا ناس يا أهل البلد شارياه وشاريني، من يعترض ع المحبة لما ربّي يريد". "الأمهات يمتن مبكراً ..حتى إن امتد بهم العمر إلى الثمانين".. مرت علاقة رضوى ومريد بعدد من المراحل والمواقف المهمة، لعل كان أبرزها وأصعبها على كلاهما حينما صدر قرار بإبعاد البرغوثي عن مصر في فترة حكم الرئيس السادات بسبب اعتراضه على زيارته إلى إسرائيل؛ ليظل الفلسطيني الثائر ممنوعًا من دخول مصر لمدة 17 عامًا وهو ما أحدث تشتتًا كبيرًا لأسرتها؛ وكان آخرها وأقواها عندما مرضت بورم في الدماغ، فكان زوجها دومًا يقول: "عودي يا ضحكاتها عودي"، ورغم المرض والعمليات كانت رضوى تشعر بالخجل دائمًا في حال الحديث عن حبها لمريد، فكانت حسبما يروي تميم تتورد وجنتاها وتعجز عن الكلام، وتحاول أن تخفي خجلها الواضح بابتسامة رقيقة كأنها مازالت تلك الفتاة العشرينية التي وقعت في حب زميلها في الجامعة.