في مرحلة حرجة كشر الإرهاب فيها عن أنيابه مفصحا بلا مواربة عن دور العميل والخادم للقوى الراغبة في فرض مشاريع جيوسياسية جديدة على مصر وأمتها العربية باتت الحاجة ملحة "لاستنفار ثقافة الصمود" والاصطفاف الوطني والتصدي لمخطط الشر وانفجارات الجغرافيا السياسية وإرادة ميلشيات الظلام بثقافتها الفاشية وإعلامها السوداء. وثقافة الصمود جزء أصيل من الثقافة الوطنية المصرية، هي حاضنة الهوية المصرية ونتاجها في الوقت ذاته ولا تعرف بتسامحها التاريخي وانفتاحها الفطري تلك الصراعات الدموية التي جرت في مناطق أخرى باسم الدين للتطهير العرقي أو القتل الطائفي. والثقافة الوطنية المصرية تتمسك دوما بالدولة الحرة المدنية والديمقراطية وتدعو لترسيخ حقوق المواطنة للجميع كما أنها "ترحب بالتنوع في إطار الوحدة الوطنية" وترفض أي نوع من التمييز بين المواطنين ومن ثم فهي قوة مضادة دوما للتطرف والإرهاب والإقصاء والتلاعب بالدين العظيم في مناورات سياسية رخيصة لتحقيق أطماع ومآرب في الوثوب للسلطة. إنها الثقافة التي تعزز سيادة الدولة بقدر ما تكرس حقوق المواطن وحرياته وارتباطه بترابه الوطني الذي لا يعرف الإرهاب العميل معناه ومغزاه تماما كما لا يعرف قيمة الاختلاف والتعايش البناء في نسيج وطني غني بتنوعه الثقافي. ومن الطبيعي أن ينظر الإرهاب العميل لهذه الثقافة الوطنية المصرية بعين العداء لأنها "حامية التعدد والاختلاف بقدر ماهي حاضنة الدولة الوطنية الحرة والمدنية والديمقراطية مع إدراك أصيل لأهمية العقيدة واللغة في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع". ولاريب أن الثقافة الوطنية المصرية تناهض دوما "ثقافة الخضوع والتسلط معا" التي تهيمن على ذهنية جماعات الإرهاب كما أنها ترفض الطائفية والعصبيات والمفاهيم الإقصائية التي تخلق أجواء غير مواتية بأي حال من الأحوال للتحديث المنشود والتحولات الإيجابية في مشروع وطني نهضوي يستحقه شعب مصر العظيم. والثقافة الظلامية المضادة للثقافة الوطنية المصرية هي ثقافة تفرقة وانقسام بقدر ما تروج لمفاهيم تصنف المواطنين وتفاضل بينهم على أسس تمييزية تنتهك قيمة العدل التي يعليها الدين الحنيف وغني عن القول إن هذه الثقافة الظلامية لاتقبل النقد وهي دوما "سكونية الطابع غير أنها في حراك دموي على أرض الواقع. وفيما يكاد لسان حال مصر ينطق بحقيقة أن "عقارب الساعة لايمكن أن تعود للوراء" فإن ثقافتها الوطنية مدعوة لمزيد من إعلاء قيمة المساواة في الحقوق والواجبات وتشجيع طرق التفكير الحديثة العقلانية والعلمية في النظر للإنسان والواقع ومشكلاته. وهكذا فإن أي مثقف مصري حقيقي لابد وأن يكون في طليعة الحرب النبيلة ضد الإرهاب الذي يخدم كل القوى المعادية للتطور الثقافي المصري ويناويء الرسالة الحضارية لمصر ويسعى لإجهاض أي إمكانات فعلية للنهضة المرجوة. وفي إعلان يعبر عن ضمير مصر حذر أحد مثقفيها الكبار وهو في الوقت ذاته الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب في مؤتمر عالمي حول حوار الأديان في فرنسا من أن "البشرية ستدفع ثمن الإرهاب خرابا ودمارا أكثر من الحربين العالميتين". وفي جريمة جديدة أعلن ما يسمى بتنظيم داعش مسؤوليته عن سلسلة التفجيرات التي هزت امس الأول "الإثنين" مدينتي طرطوس وجبلة الساحليتين في سوريا وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحي من السكان الأبرياء. وإذ يرى المفكر المصري الدكتور مراد وهبة أن "الكشف عن البعد الفكري للإرهاب رسالة المثقفين في القرن الحادي والعشرين" فإنها اعتبر في الوقت ذاته أن هذه المهمة تشكل تحديا للمثقفين. وقال الكاتب الصحفي المرموق ونقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد:"أنه مالم يدخل في يقين المصريين بعد حادث سقوط طائرة مصر للطيران القادمة من باريس انهم مرصودون بخطة شيطانية تستهدف تركيعهم وتخريب اقتصادهم الوطني وتدمير مؤسساتهم الفاعلة وافشال جهودهم لعودة السياحة وان المؤامرة مستمرة وسوف تشهد فصولا قادمة أكثر قبحا وشرا هدفها تمزيق الجبهة الداخلية فسوف يصعب عليهم مواجهة التحدي الضخم الذي يفرضه تحالف قوى شريرة". وفي تأكيد على أهمية الاصطفاف الوطني في تلك المرحلة الحرجة شدد مكرم محمد أحمد على أنه "مامن خيار آخر سوى أن ينهض المصريون لمواجهة هذا الخطر امة واحدة على قلب رجل واحد وكتلة صمود كالبنيان المرصوص". وتلاحظ الكاتبة والأديبة سكينة فؤاد أنه كلما خطت مصر خطوات للاستقرار "جن جنون الحاقدين والكارهين والراغبين في إلحاقها بما حدث من تدمير وتشريد لأشقاء أعزاء ولدول شقيقة" لكن "مصر بمشيئة الله منتصرة وماضية في تحقيق أشواق أبنائها للأمان والتحرر من اوجاع عشرات السنين وستظل صامدة وشامخة". ووسط تداعيات حادث الطائرة المصرية تساءلت سكينة فؤاد:"هل يستطيع إعلام وطن أمين التبصير الرشيد بما يمتليء به المشهد من مخاطر ومهددات واستدعاء اعلى قدراتنا على الصلابة والثقة والثبات النفسي والوطني فيما يواصل معلقون ومحللون في مصر والعالم العربي تناول ذكرى مرور قرن كامل على اتفاق سايكس بيكو التقسيمي بنظرة تتفق على أن العالم العربي الآن يتعرض لمخطط استعماري جديد لاعادة رسم خريطة المنطقة لتحقيق المزيد من مصالح قوى الهيمنة العالمية. اما الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة فاستنكر اكاذيب الإعلام الغربي تجاه مصر والأخبار الملفقة التي تفتقد الأمانة والمصداقية وسط ضحايا احزان حادث الطائرة المصرية معيدا للأذهان التشابه في التلفيق بين ماتبثه بعض وسائل الإعلام الغربية حول هذا الحادث ومافعلته من قبل عندما سقطت طائرة ركاب مصرية قبالة نيويورك. ومن الواضح - كما يضيف جويدة - أن مصر مازالت تخوض معركتها ضد الإرهاب وتحارب على أكثر من جبهة وتخوض معركة شرسة ضد مؤامرات لاتريد أن نقوم مرة أخرى ولكن "علينا أن نستوعب دروس الماضي". ومصر تمتلك مخزونا ثريا من ثقافة الصمود ورغم اقتراب 49 عاما على ملحمة التاسع والعاشر من يونيو 1967 فان أسئلة هذا الحدث الجلل مازال حاضرا بقوة في الثقافة العربية فيما يدور الزمان دورته فاذا بالذكرى الجليلة تأتي وشعب مصر العظيم يثبت مجددا تمسكه بثقافة الصمود ورفض الهزيمة. ففي هذين اليومين الخالدين في تاريخ مصر خرج شعب مصر العظيم عن بكرة ابيه رافضا الهزيمة واجمع على استدعاء جديد وتفويض أصيل للزعيم جمال عبد الناصر لبدء الاستعداد لمعركة تحرير الأرض السليبة مؤكدا في الوقت ذاته على ثقته بجيشه الذي لم يمنح الفرصة الحقيقية ليحارب في الخامس من يونيو 1967 على الرغم من بطولات مطمورة لشهداء ومقاتلين مصريين في هذه الحرب. وإن صحت مقولة "أن من يفقد السؤال يفقد الجواب" فان أسئلة ثقافة الصمود تنطوي على أهمية كبيرة لأنها تتعلق في المقام الأول بالمستقبل المنشود ولئن قال الكاتب الروائي الأمريكي ارنست هيمنجواي قي رائعة "العجوز والبحر": "قد يهزم الرجل دون أن ينكسر فان هذه المقولة قد تنطبق على المصريين بعد خسارة جولة الخامس من يونيو 1967 فقد يكونوا قد هزموا في حرب كحالة مؤقتة وعابرة بحسابات التاريخ لكنهم لم ينكسروا ابدا ثم انهم رفضوا الهزيمة وشرعوا فورا في الاستعداد لجولة جديدة وحرب قادمة لتحرير ترابهم الوطني من دنس الاحتلال. والآن يبرهن شعب مصر العظيم مجددا أنه قادر دوما على الصمود في مواجهة التحدي وان استجابته في الحرب التي يشنها الإرهاب ومن يقف خلفه لن تكون إلا على مستوى التحديات التاريخية وان الأجيال الجديدة تحمل جينات المقاتلين البواسل في هاتيك الأيام الخالدة في تاريخ مصر عندما سطعت ثقافة الصمود ورفض الهزيمة في العديد من إبداعات وكتابات المثقفين المصريين. إنها لحظات تضييء النص العام للحياة في وطن الأحرار الذي لايقبل الهزيمة والاستسلام للإرهاب أو الفساد اوالانحدار لدولة فاشلة أو رخوة سياسيا واقتصاديا..أنه شعب مصر العظيم وجيشها الباسل الذي يزود الآن عن امته في أدق اللحظات ووسط بحار من الأهوال والتحديات الجسام والعواصف العاتية ومؤامرات تقسيم الدول وتفتيت الأوطان.. شعب من الأحرار يمضي على خاصرة المستقبل بذاكرة النصر ويمنح الغد املا طليقا.