"الدهر كالدهر والأيام واحدة.. والناس كالناس والدنيا لمن غلبا" إحدى مقولات الأديب والفيلسوف أبو العلاء المعري، الذي أفنى عمره في سبيل العلم والمعرفة، وإبراز الشخصية العربية ومدى تأثيرها فيما وصل له العالم أجمع حتى الآن، له العديد من العلوم التي أفاد بها المجتمع العربي والعالم، منها علم الطبيعة، والفلسفة والعلوم التطبيقية، وكان بارزاً جداً بين أقرانه، حتى سُميَ بالشاعر الفذ، استطاع من خلال شعره أن يغزو قلوب وعقول أجيال عدة أستقوا من حلاوة كلماته، وعزوبة موضوعاته، ورزانة ووقار إلقائه، أما عن حكمته، فكل سطر في أشعاره كان ينم عن حكمة بارزة في مجال الشعر، والحياة بصفة عامة. تحدث العديد من المؤرخين عن أشعار أبو العلاء المعري، الذي استطاع أن يتناول الأفكار والمقترحات التي قدمت بشكل رائع، هو الشاعر والفليسوف والمؤرخ والحكيم والأديب أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري، التي تحل اليوم ذكري وفاته. كان يوم السابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 363 ه، وكانت الشمس تهوي إلى الطرف الآخر من السماء، وتجري فوق قطع الغيوم لتنحدر وراء الجبال فلم تعد تظهر للناظر إليها من مدينة معرة النعمان، وذلك اليوم كان يوم الجمعة، كان هناك شخصٌ يذهب إلى عبد الله بن سليمان أبي العلاء التنوخي المعري ويزف إليه البشرى بولادة طفلٍ ذكر له، ففرح به وأسماه أحمد. ولد في بيت كان فيه القضاة والأئمة، والعلماء، والأدباء، والحكماء، يقول ابن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار: "وأما بيته فساده لهم في الفضل رسوخ غير منسوخ، منهم قضاة الأمة، والفضلاء، والأئمة، والحكماء أصحاب العلوم الجمة، والأدباء الناطقون بالحكمة، والشعراء الذين اغتصبوا البحر درّه، والفلك نجمه، والخطباء أهل الورع والاثبات الذين أحيوا السنة، وأماتوا البدع، مما لا يتسع التأليف لإحصائهم". عاش أبو العلاء مع أبيه سنواته الأولى في طيب وهناء حتى كان عام 376 ه. وله من العمر سنوات ثلاث فقط، فأصيب بالجدري التي ذهبت بعينه اليسرى. وغشى عينه اليمنى بياض، ولم يعد يرى من الألوان سوى الأحمر، وهو يذكر أنه أثناء مرضه ألبسوه ثوباً مصبوغاً بالعصفر، أما ما يذكره في نثره وشعره من الألوان؛ فليس إلا تقليداً لغيره واستعارة منه، أو ربما لا يزال متأثراً بتلك الآثار الباقية من تلك الألوان عندما كان صغيراً، ويقال إنه ذات مرة طلب من جماعة حضروا عنده أن يعدوا له الألوان؛ فعددوها جميعها، حتى قالوا: الأحمر، فقال: هذا هو ملكها، ونُسب ذلك إلى ذكائه المفرط؛ اذ أنه كان قد بلغ فقط السنة الرابعة وشهراً واحداً، حين ألبس ذلك الثوب الأحمر، وهذا على غير ما يقوله البعض من أنه ولد أعمى، وفي سنته السادسة، أو أوائل السابعة ذهب بصره جملة وكان يحمد الله على حرمانه نعمة البصر، فلا يرى الحياة، وأشياءها المقيتة. تلقى أبو العلاء علومه الأولى في المعرة، فتعلم العربية من أهل بلدته، وتعلم مبادئ النحو واللغة على يد أبيه، ثم رحل إلى حلب يطلب المزيد من العلم الذي عشقه، على يد محمد بن عبد الله بن سعد النحوي، ثم لم يلبث أن رحل إلى بغداد، وبقي فيها ما يقرب السنة وسبعة أشهر، يطّلع على ما وجد في خزائن بغداد من الكتب، والآثار الأدبية، حتى أحصى اللغة العربية واستعملها، كما لم يحصلها أو يستعملها أحد قبله أو بعده، وتعلم الحديث الشريف من أبيه وجده سليمان بن محمد، وأخيه أبي المجد، وجدته أم سلمة، وقد سمعه أيضاً من أبي زكريا يحيى التنوخي، حتى صار يلزم منزله ليتسنى له سماعه. لقد أحب أبو العلاء التنقل والتجوال لطلب العلم منذ صغره، وكانت أولى رحلاته كما أسلفنا إلى حلب وهو لا يزال حدثاً ليقرأ الأدب والنحو، ورجع منها سنة 384 ه - 994 م، لينصرف إلى المطالعة ونظم الشعر، ولم يكن ينبغي كسب مال أو جاه من شعره، حيث كان يعتمد على ثروة والديه؛ لكن تلك الثروة سرعان ما نفذت، وتوفي والده، فألحت عليه الحاجة، وكان في الثانية والثلاثين، وقال بعضهم إن ذلك هو السبب الذي دفعه إلى الرحيل عن مسقط رأسه بلدة المعرة. نادراً ما كانت تمر ليلة إلا وتعقد المناظرات بين علماء اللغة والشعراء في المساجد، أو في بيت أحد المتناظرين، وأثر ذلك في انقلاب حياته الأدبية انقلاباً يكاد يكون حاسماً، فنراه يتحول عن الخط الذي كان يتبعه شعراء عصره. ويبتعد عن التفكير بشعرٍ ليس همه سوى المدح والهجاء أو اللهو، فقد تحول إلى شاعر متفلسف يضع الحكمة في أشعاره، وكمثل الفلاسفة بات يضمِّن الشك والإرتياب بين أسطره، فحسده البعض لمعرفته، وراح البعض الآخر يتهكمه ويكفره سراً، وبعضهم راح يتهكمه ويسخر منه علانية، فبات يتعجل الرحيل عن بغداد. كان المعري من المشككين في معتقداته، وندد بالخرافات في الأديان. وبالتالي فقد وصف بأنه مفكر متشائم، وقد يكون أفضل وصف له هو كونه يؤمن بالربوبية. حيث كان يؤمن بأن الدين "خرافة ابتدعها القدماء" لا قيمة لها إلا لأولئك الذين يستغلون السذج من الجماهير، وخلال حياة المعري ظهر الكثير من الخلفاء في مصر وبغداد وحلب الذين كانوا يستغلون الدين كأداة لتبرير وتدعيم سلطتهم وقد رفض المعري إدعاءات الإسلام وغيره من الأديان الأخر. تتلمذ على يد المعري العديد منا لعلماء الذي أثروا العالم بعلمهم في جميع المجالات ومنهم، أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي،أبو الخطاب العلاء بن حزم الأندلسي،أبو الطاهر محمد بن أبي الصقر الأنباري،أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي. ومن أهم مؤلفاته جاء، ديوان "سقط الزند" وقد لاقي شعبية كبيرة، وهو من أسس شعبيته كشاعر، كتاب "رسالة الغفران" الذي هو أحد الكتب الأكثر فاعلية وتأثيراً في التراث العربي، كتاب "الكوميديا الإلهية". لُقب أبو العلاء المعري ب"برهين المحبسين"؛ أي محبس العمى، ومحبس البيت؛ وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته.