لا يقل اهتمام المثقفين العرب المعاصرين بالأفكار التي عبر عنها في مؤلفاته، عن اهتمام القدماء، إن لم يزد عليه بفعل الإحساس بالظلم والتجني اللذين ألحقهما معظم القدماء به، حين أساؤوا فهمه. أبو العلاء المعري، شاعر وفيلسوف وأديب عربي من العصر العباسي، ولد وتوفي في معرة النعمان في الشمال السوري وإليها يُنسب، وتمر اليوم ذكرى وفاته، هو من لقب برهين المحبسين بعد أن اعتزل الناس لبعض الوقت، اشتهر بآرائه وفلسفته المثيرة للجدل في وقته. ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم كان أول قاضٍ في المدينة، وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر، فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري، بدأ في مسيرة الشعر في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب وأنطاكية، وغيرها من المدن السورية. درس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، وقرأ النحو في حلب على أصحاب ابن خالويه، ويدل شعره ونثره على أنه كان عالماً بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار، أخذ المعري النحو وشعر المتنبي عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي، وهو أحد رواة شعر المتنبي. وزاول مهنة الشاعر والفيلسوف والمفكر الحر، حيث سافر إلى وسط بغداد لفترة، حيث جمع عدداً كبيراً من التلاميذ الذكور والإناث للاستماع إلى محاضراته عن الشعر والنحو والعقلانية، وإحدى الموضوعات المتكررة في فلسفته كانت حقوق العقل (المنطق) ضد إدعاءات العادات والتقاليد والسلطة. كان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر، وسافر في أواخر سنة 398 ه إلى بغداد فزار دور كتبها وقابله علماءها، وعاد إلى معرة النعمان سنة 400 ه، وشرع في التأليف والتصنيف ملازماً بيته، وكان اسم كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم. عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان. في ذكرى وفاته تنشر «البديل» واحدة من أشهر قصادئده: «أَلَّا فِي سَبِيِل الْمَجْد ما أنا فَاعل: عفاف وَإِقدَام وَحزَم وَنائل أَعِندّي وَقد مارْست كل خَفية يصدَّق وَاش أَو يَخيب سائل؟ أَقل صدُوْدِي أَني لك مُبغض وَأَيِسر هَجرَّي أَني عَنك رَاحل إِذَا هبت الْنِكباء بِيني وَبِينكم فأَهوَن شئ ماتقوَل العوَاذَل تعد ذَنوّبي عند قوَم كثيرَّة وَلَا ذَنب لي إِلَا الْعلَا وَالَّفوَاضل كأَني إِذَا طلت الزَمان وَأَهله رَجعت وَعندِي للِأَنام طوَائل و إِني وَإِن كنت الْأَخير زِمانه لَآَت بما لم تَسْتطعه الأوَائل وَلِي مَنْطِق لَم يَرْض لِي كُنْه مَنْزِلِي عَلى أَنْني بِين السَّمَّاكين نازَل لدَى موَطن يَشْتاقة كل سيد وَيَقصر على إِدْرَاكه الْمُتناوَّل وَلَمَّا رَأَيْت الْجَهْل فِي الْنَّاس فَاشِيا تُجَاهلت حتى قيل أَني جاهل فَوَاعْجَبَا ! كَم يَدَّعِي الْفَضْل نَاقص وُوَأَسُّفا ! كَم يَظْهر الَنْقص فَاظل وَكَيف تَنام الَطير في وُكُنَاتها وَقد نَصَبت لِلْفَرْقدَين الْحُبائل؟ يُنَافس يَوْمي في أَمْسي تَشرَفا وَتُحِسد أَسِحارِي عَلى الْأَصائل وَطال إِعْتِرَافي بِالَّزَمان وَصَرَفه فَلْست أُبَالي من تغوَل الْغوَائل فَلَو بَان عَضْدِي مَا تَأْسف مَنْكِبي وَلو مات زِندَي مَابَكَته الْأَنامل إِذَا وَصف الْطَّائي بِالْبخل مارِد وَعير قسا بَالفهاهة باقل و قَال الْسُّهَى لِلْشَّمْس: انت ضَئِيّلَة وَقَال الْدُّجَى يا صَبح لُّوْنك حَائل وَطاوَّلت الْارْض السَماءْسفاهة وَفَاخَرْت الْشُّهُب الْحَصَى وَالْجَنَّادِل فِياموَت زِر! إِن الحياة ذَميمة وَيانْفس جدِي! إِن دَهرّك هازَل وَقْد اغَتدَي، وَالَّلُيل يَبْكي، تَاسفا عَلَى نَفْسِه وَالْنَّجْم فِي الْغَرْب مِائل كأَن الْصبا أُلقت إِلي عَنَانها تخب بَسرَجي، مرَّة، وَتناقل قَطعت به بحرَا، يعب عَبابه وَليس له، إِلَا الْتَّبلج، ساحل إِذَا أَنت أُعْطِيت الْسُعادِه لم تُبل وَان نَظَرَت، شزَرّا، إِلَيك الْقَبَائل تِقُتَك، عَلى أُكْتاف أَبْطَالِها ،الْقِنا وَهَابَتْك، فِي اغْمَادِهن، الْمَنَاصل وإِن سدّد الْأَعدَاء نَحوَك أُسِّهما نَكَصن، عَلى افَوَاقهن، الْمُعابل فَإِن كُنْت تَبْغِي الْعز، فَابغ تَوَسَّطا فَعند الَتَناهي يَقصر الْمّتطاوَّل تَوَقى الّبدَوْر الَنْقص وَهي أَهْله وَيُدْرِكَها الْنَقْصان وَهي كوَامل».