إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت.. إنها قضية الباقين".. تستعيد الأذهان هذه المقولة الأشهر للمُناضل والأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، الذي كان واحدًا ممن قضوا عمرهم في خدمة القضية الفلسطينية، والتي تمر هذه الأيام الذكرى السابعة والستين على نكبتها الكبرى وإعلان دولة الكيان الصهيوني؛ لتمضي الأعوام التي اقتربت من السبعين تتخللها الحروب والانتفاضات لإحياء القضية التي يصرف العالم أنظاره بعيدًا عنها خوفًا من ابتزاز الصهاينة؛ ولكن دائمًا ما كان الأدب هو البوق الذي يتجاوز قيود الاحتلال، فتبقى القضية حية بينما يتساقط أصحابها كل يوم برصاص الصهاينة، وهنا نسلط الضوء على أبرز الكتابات التي تناولت القضية الفلسطينية من مختلف الزوايا وناقشتها بعمق من خلال كلمات جسدت ملحمة دفاع حقيقية، وعرضت لمعاناة الشعب الفلسطيني إثر وقوعه تحت نير الإحتلال الإسرائيلي. ومن أبرز هؤلاء الكتاب غسان كنفاني الذي جسّد أيقونة في نضال المرأة، وخاصة المرأة الفلسطينية في روايته "أم سعد" التي تمثل حياة كل أم فلسطينية، والابن سعد الذي يرمز بدوره إلى كل طفل فلسطيني كبر على عجل من أجل قضية تنتظره، وسلاح يشتهي أن تحمله أكتافه، بعد أن عانى مع أمه من ظلم الاحتلال، حتى انتهى كأغلب رفاقه إلى السجن في نهاية الأمر. كتابات النكبة.. من وكذا في رائعته "رأيت رام الله" يُجسّد مريد البرغوثي ثلاثون عامًا من الغربة بحقيقتها المؤلمة، ساردًا تفاصيل صغيرة تجعل من صفحات الكتاب فيلم وثائقي عن مدينة رام الله يتناول التفاصيل اليومية في حياة الفلسطينيين، بلهجتهم المميزة ونقاط الحدود والتفتيش المُهين الذي تقوم به وجوه إسرائيلية كريهة، حيث يقف الفلسطيني بالساعات على الحدود بانتظار الموافقة على العبور، وهو يُعلّق عيناه على بندقية المحتل، خشية أن تأتيه رصاصة بغتة وهو ينظر بعيدًا؛ وتبرز في رواية البرغوثي السماء وهي تُمطر رصاص الاحتلال، وأشجار الزيتون التي يعتدون عليها كما يعتدون على أصحابها؛ وتنتقل الصفحات مع حياة الفلسطيني الذي يحيا نازحًا مرة، وأسير مرة أخرى منتظرًا اليوم الذي يتحول فيه إلى شهيد. كذلك في "ولدت هناك.. ولدت هنا" أعاد البرغوثي للقارئ رؤية فلسطين المُحتلة من خلال رحلته مع ابنه تميم الذي كان يزور البلاد فلسطين للمرة الأولى، ليرى من جديد مصاعبها ومباهجها، مُنتقيًا التفاصيل الصغيرة، التي يقوم تحليلها بأسلوبه المميز. كتابات النكبة.. من وفي روايته "أعراس آمنة" لم يتجاهل إبراهيم نصر الله الواقع الفلسطيني من المنظور السياسي، ولكنه آثر أن يتناول الوضع الاجتماعي، ليُركز على جانب مختلف في القضية الفلسطينية، فأظهر في سطوره مدى قوة الشعب الفلسطيني، وكيفية تحمله لكل هذه المآسي بصبر وجلد لا يفنيان، فكانت هذه الأعراس جزء جديد من ملحمته "الملهاة الفلسطينية" التي بدأها عام 1985؛ وكان منها كذلك "زمن الخيول البيضاء" التي تصّور النكبة وبداية الشتات الفلسطيني، بداية من عصر الدولة العثمانية، وحتى إنهاء الانتداب البريطاني وتسليم فلسطين إلى الصهاينة، ساردًا العديد من المعلومات والأحداث، ما جعل البعض يراها أقرب إلى كتاب تاريخي لتركيزها على الجانب التوثيقي في سرد الأحداث، والذي طغى على الجانب الإبداعي والفني في الرواية، التي كانت محاولة من نصر الله لفهم ما حدث، وكيف انقلبت الآية بهذا الشكل المروع حتى يُقتلع أصحاب الأرض من أرضهم، عارضًا كذلك حالة المجتمع الفلسطيني قبل النكبة، وكيف بدأ اليهود شراء الأراضي، ما آل بالفلسطينيين في النهاية إلى أن يجدوا أنفسهم في عربات التهجير في طريقهم خارج وطنهم. كتابات النكبة.. من كما جمع إلياس خوري في روايته "باب الشمس" أكثر من خمس وثلاثين حكاية فلسطينية جاءت من مخيمات برج البراجنة وشاتيلا ومار إلياس وعين الحلوة، والذين فتحوا لخوري أبواب حكاياتهم، فأخذوه بذاكرتهم في رحلة طويلة عرض من خلالها المأساة الفلسطينيّة بكل ما فيها من معاناة أصحاب الأرض على أيدي الاحتلال، فعرض السجن والتعذيب، وتجرؤ الصهاينة على أصحاب الأرض، وتسلل المهجّرين إلى أرض فلسطين خفية، ومعاناة المرأة الفلسطينية، موّثقًا كل أنواع المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون كل يوم. أيضًا يأتي كتاب "ذاكرة اللوز" للكاتب يامن نوباني ليُبرز للعالم حقيقته المروعة في عبارته"الطفل الذي يمشي حافيًا في المخيم، لا يعري فقط قدميه، يعري العالم أجمع من إنسانيته"، لتحتل فلسطين أوراقه وتنال الجزء الأكبر من العمل؛الذي تنوّع بين النصوص والخواطر الشعرية بصبغة روائية غلبت عليها في أحيان عديدة.