الإدارية العليا ترفع جلسة طعون انتخابات النواب للقرار    العملات الرقمية ترتفع نسبيا .. وبيتكوين تتجاوز 86 ألف دولار    وزير الإنتاج الحربي يؤكد ضرورة الالتزام بتعزيز التصنيع المحلي وتطبيق الحوكمة    البترول وهيئة قناة السويس توقعان مذكرة تفاهم حول إجراءات إنشاء محطة لإسالة وتموين الغاز الطبيعي المسال    رئيس جنوب إفريقيا: مجموعة العشرين يجب أن تتحرك بجرأة لدعم التنمية المستدامة    أردوغان: سأهاتف بوتين غدا لبحث إنهاء الحرب مع أوكرانيا وتفعيل ممر الحبوب    مصادر إسرائيلية تكشف الشخصية المستهدفة في الغارة على ضاحية بيروت الجنوبية    استبعاد دغموم نجم المصري البورسعيدي من قائمة الجزائر لكأس العرب    إبراهيم بن جبرين: برنامج شركاء الأندية بكأس الرياضات الإلكترونية حقق نموا حقيقيا لنادي تويستد مايندز    تعرف على غيابات الزمالك في مواجهة زيسكو الزامبي بالكونفدرالية الليلة    الأرصاد: درجات الحرارة حاليا أعلى من المعدلات الطبيعية بنحو 6 درجات    تأجيل محاكمة 80 متهما بقضية "خلية الهيكل الإدارى للإخوان" لجلسة 12 يناير    الداخلية تشارك الأطفال الاحتفال بيومهم العالمي بزيارة لقطاع إدارة النجدة النهرية    إسلام كابونجا باكيًا: بتحاسب على فيديوهات قديمة وآسف لو سمعتكم كلمة وحشة    نقابة الإعلاميين توقع بروتوكول تعاون مع مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    أغنية إيطالية عن "توت عنخ آمون" تشعل المنصات وتعيد وهج الحضارة المصرية للعالم    الفنانة التونسية عفاف بن محمود تحتفي بجائزة أحسن ممثلة بمهرجان القاهرة.. ماذا قالت؟    أوبرا القاهرة تقدم «الفلوت السحري» على المسرح الكبير يومي الثلاثاء والأربعاء    وزارة الصحة: لقاح الأنفلونزا هام لكبار السن لحمايتهم من العدوى    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة يستقبل سفير قطر لبحث تعزيز التعاون الصحي المشترك    فضيحة "مشروع الزئبق"| كيف أخفت "ميتا" أدلة ضرر منصاتها على الصحة العقلية؟    مواعيد الاجازات.. بالرابط تفاصيل التقييمات الأسبوعية للمرحلة الابتدائية لتعزيز مهارة الطلاب    أمين البحوث الإسلامية: دار الإفتاء حصن منيع للمجتمع في عصر الفتن وفتاوى المتفيهقين    وزير الخارجية يبحث مع رئيس وزراء قطر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    سباليتي يعترف بتأخره في الدفع بالتبديلات أمام فيورنتينا    تزايد القلق داخل ليفربول بعد السقوط أمام نوتنجهام فورست بثلاثية نظيفة    ازدحام غير مسبوق للشاحنات الإنسانية عند معبر رفح وسط استمرار الأزمة بغزة    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    قصف إسرائيلي يستهدف سيارة في عيتا الشعب جنوبي لبنان    تحصين 94,406 رأس ماشية عبر 1,288 فرقة بيطرية خلال 4 أسابيع بأسيوط    مصرع سائق توك توك بطلق ناري على يد عاطل بعد تدخله لفض مشاجرة في شبرا الخيمة    «المنوفية» تحصد 12 ميدالية في «بارلمبياد الجامعات المصرية»    محافظ الشرقية: المرأة شريك أساسي في بناء الوطن وحماية المجتمع    مسيرات أوكرانية تهاجم محطة رئيسية للتدفئة والكهرباء فى موسكو    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    جامعة بني سويف ال 8 محليا و 130 عالميا في تصنيف تايمز للعلوم البينية 2025    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    نصر: قيمة رعاية الزمالك لا تصل للربع بالنسبة للأهلي    «غرق في بنها».. العثور على جثة شاب أمام قناطر زفتي    القاهرة الإخبارية: الاحتلال ينفذ عمليات نسف وتفجير بمدرعات مفخخة شرق غزة    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أول لقاح لسرطان الرئة فى العالم يدخل مرحلة التجارب السريرية . اعرف التفاصيل    تشمل مارينا لليخوت.. مصر تطرح 9 فرص للاستثمار بمدينة الجلالة    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    «سويلم» يتابع منظومة الري والصرف بالفيوم.. ويوجه بإعداد خطة صيانة    أنواع الطعون على انتخابات النواب.. أستاذ قانون يوضح    بدء فعاليات التدريب المشترك «ميدوزا- 14» بجمهورية مصر العربية    "عيد الميلاد النووي".. حين قدّم الرئيس هديته إلى الوطن    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السراب .. قصة قصيرة لمحمد حسنين هيكل
نشر في البوابة يوم 13 - 12 - 2012

من الذي لا يعرف الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل؟
الإجابة: لا أحد.
من الذي يعرف أنه كتب القصة القصيرة في صدر شبابه؟.
ربما تكون الإجابة أيضًا: لا أحد!
القصة التي تنشرها “,”البوابة نيوز“,”، سبق نشرها في العدد رقم “,”457“,” من مجلة “,”آخر ساعة“,”، في الرابع من يوليو سنة 1943، ولم يكن هيكل قد وصل بعد إلى عامه العشرين. أهمية القصة لا تنبع من قيمتها الفنية، بل من تعبيرها عن ملامح جيل وطبيعة شخصية.
وإلى القصة..
كان يجب أن يكون مبتهجًا طروبًا؛ فاليوم يوم زفافه.. ولكنه لم يكن في الواقع كذلك! نعم إنه في أعماق قلبه كان سعيدًا، ولكنه لا يدري لم كان كذلك قلقًا عصبيًا. ولم يكن يدري سببًا لذلك القلق الذي خيم عليه وذلك الانقباض الذي أحسه طول ذلك اليوم، وهو الذي كانت الابتسامة لا تغيب عن شفتيه أبدًا..! كان يكثر من الصياح لأتفه الأسباب، ويثور بلا داع ولا مبرر، وكأنه هو أحس بذلك فانتحى ركنًا قصيًّا ليريح أعصابه المكدودة المتوترة.
جلس في ركنه يستعيد ذكرياته، ويستعرض شريط حياته، وإن ذاكرته القوية لتعود به القهقري ثمانية عشر عامًا إلى الوراء.. فهو يذكر نفسه طفلاً في الخامسة من عمره، ومع أنه ضرير فقد نعمة الإبصار منذ مولده فقد كان كذلك “,”عبقريًّا“,” كما كانوا يسمونه.
وإنه ليذكر أن طفولته كانت طفولة بائسة شقية، فكم قاسى فيها من متاعب وآلام!
إن أباه لم يكن يرحمه! كان يعاقبه لأتفه الذنوب، وكأنما كانت عاهته المؤلمة سببًا من أسباب قسوة أبيه، نعم إن أمه كانت تعطف عليه، وكانت تحبه وتدلله، وكان يجد الراحة بقربها، ولكن ذلك لم يكن كافيًا حتى للتخفيف من آلامه.
وكذلك كانت يعطف عليه أقاربه، ولكنه كان يكره هذا العطف المشوب بالازدراء.. وإن الذكريات لتتوالى في مخيلته سريعة متتالية، منها ما هو واضح جلي، ومنها ما هو غامض أشبه بالاحترام.
فهو مثلاً لا يذكر ذلك اليوم الذي مات فيه أبوه تاركًا أمه في بحر الحياة الخضم وحيدة بائسة بطفل ضرير، وإيراد لا يكفي نفقاتهما الضئيلة.
وإنه ليذكر يوم نصح الناصحون أمه أن ترسله إلى معهد للموسيقى، وهو يذكر أول يوم له في هذا المعهد، وأن سني دراسته بهذا المعهد لتكون أجمل ذكريات حياته، كانت واحة السعادة في صحراء حياته البائسة.. وإنه ليذكر الصعوبات التي لاقاها في بدء دراسته، ويذكر موجات اليأس التي طالما غمرته وكادت تقعده عن الدرس، ولكنه يشعر بالفخر كلما ذكر أن روحه القوية استطاعت التغلب على تلك المصاعب، وقامت بعمل المستحيلات؛ فإذا به أخيرًا يحمل دبلوم ذلك المعهد..
وإنه ليذكر يوم أذيعت نتيجة الامتحان، وأن ابتسامة هانئة لتطوف بشفتيه كلما تذكر سروره في ذلك اليوم، فكم كان فرحًا سعيدًا مبتهجًا، وكذلك كانت أمه..
وإنه بالطبع ليذكر ذلك اليوم الذي عين فيه مدرسًا للموسيقى بإحدى المدارس، وبذلك أوشكت حياته المضطربة على الاستقرار، واستطاع، بمرتبه الضئيل والإيراد الذي خلفه له أبوه، أن يضمن لنفسه ولأمه حياة بسيطة هادئة، وحينئذ بدأ يفكر في الزواج، وكذلك فكرت معه أمه.
وإنه ليذكر أحلامه في الزواج وأمانيه.. كان يريد زوجة جميلة وادعة، وكان يريدها متعلمة كذلك، وكثيرًا ما تخيل نفسه وفتاة أحلامه جالسين معًا وهي تقرأ له مقالاً في جريدة أو قصة في مجلة، وما أشد شغفه بالقصص والروايات! وكان الخيال يشط به لدرجة أنه كان يكاد يشعر بصوتها في أذنه، وإنه لصوت عذب جميل رائع الوقع كأنه أنغام مرسلة.. وسيذهب معها إلى السينما والمسرح، وإنه ليحب كثيرًا هاتين التسليتين، وستصف له زوجته بالطبع المناظر بدقة..
ولن يعود يمشي في الطريق حائرًا مترددًا، بل سيمشي قدمًا بلا إحجام؛ فذراعه ستكون في ذراعها، وستصف له ما بالطريق من مناظر..
نعم إنها ستكون له كل شيء.. كل شيء! ستكون عينيه اللتين يشق بهما حجب الظلام الكثيف الدائم المخيم عليه، وستكون نجمه الهادي الذي ينير أمامه الطريق ويرشده في ظلام الحياة.. نعم سيعرف لذة الحياة بقربها، وسيذوق النعيم معها، فهو ما عرفه حتى الآن.
وإنه ليذكر جيدًا، وأخيرًا، ذلك النبأ الذي حملته له أمه ذات يوم فتكهرب له دمه.. لقد وجدت له عروسًا.. وإنها لتقول إنها جميلة، وأنها رشيقة القد واسعة العينين، وأنها تجيد القراءة والكتابة كما تقول أمها، وهي إلى ذلك من عائلة طيبة على شيء من اليسار. إذن فقد تحقق كل شيء..
وتتوالى الذكريات وتتابع سريعة متلاحقة، فهو يذكر يوم خطبها، وإنه ليعجب كيف رضي به أبوها وهو ضعيف الأمل في ذلك، وعجب كذلك كيف رضيت به هي، ولكنه أقنع نفسه هائمة في أودية أخرى بعيدة! أودية الأحلام الذهبية، وكأنه كان يحمد الله أن خلق له ما أراد..
وأخيرًا انتبه من أحلامه وتأملاته فإذا به يسير مع عروسه جنبًا لجنب إلى شقتهما الصغيرة، ويجلسان إلى المائدة وحيدين، فيحاول أن يكلمها فلا تجيب، وإذا هو يسألها عن الوقت -مشيرًا إلى المنبة الذي وضع على المنضدة القريبة- فإذا هي متلعثمة لا تجيب، ثم إذا بها بعد ترددها الطويل تنبئه أنها لا تعرف كيف تقرأ الساعة..
وأنه ليعجب لذلك، ويرى فيه نقصًا يجب تداركه.. وينتهيان من الطعام، أو قل ينتهي هو من الطعام، فهي لم تذق منه شيئًا.. وهو ينهض داخلاً إلى حجرة النوم تتبعه هي..
وإنه لسمع صوتًا يدل على أنها اصطدمت بالحائط.. فيعزو ذلك إلى اضطرابها، ويطلب منها أن تترفق بنفسها.. ثم إذا به، ويا للعجب، يسمع صوت سقوطها على الأرض متعثرة في الكرسي الصغير الموضوع بجوار الباب.. وإنه ليقترب منها ليعينها على النهوض فإذا به يصطدم بيدها ممتدة في الفضاء تتحسس طريقها، فإذا شكوك قاتلة تملأ رأس الفتى، وإذا به يكاد يصعق، فهو يدفع إليها بجريدة طالبًا منها أن تقرأ له؛ فإذا هي تجيبه بصوت مخنوق بالتأثر بأنها لا تعرف القراءة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.