«نيوزويك» تكشف مسارات التهريب من مصر والعراق وسوريا إلى أمريكا عن طريق تركيا أثرياء إسرائيل يتولون العمليات لترسيم حدودها وتقديم مطالبات واسعة فى الفترة المقبلة أثارت مجلة النيوزويك الأمريكية الشهيرة فى عددها الصادر غدا الجمعة، عمليات سرقة وتهريب الآثار من منطقة الشرق الأوسط، ولكن فى إطار أكثر خطورة، وخاصة بالمسارات التى يتم بها نقل تلك القطع القديمة إلى الولاياتالمتحدة تحديدا، من مصر وسوريا ومناطق بالشرق الأوسط عن طريق تركيا ومنها إلى دول الغرب، الأحدث فى تلك الحلقة هو بناء متحف فى واشنطن بتمويل ملياردير يهودى صهيونى وسيتم افتتاحه العام المقبل يضم قطعًا دينية، خاصة فيما يتعلق بالكتب المقدسة والأناجيل القديمة والتوراة، فضلا عن أوراق البردى الذى يعود إلى القرن السادس والتى تحتوى على خطوط باللغة القبطية والتى أوصلها بائع تركى قبل عدة سنوات، وأشارت المجلة إلى أن هناك تبادلا لرسائل إلكترونية تؤكد عمليات الوساطة والسماسرة لتهريب القطع من مصر. وورق البردى الذى تم تهريبه حصل عليه الملياردير ستيف جرين الذى أنفق حوالى 800 مليون دولار ليجمع من القطع الأثرية القديمة ما يستطيع لبناء متحف للكتاب المقدس فى واشنطن العاصمة، وهو مصمم من ثمانية طوابق ويتم بناؤه على حوالى 430 ألف قدم مربع من المقرر افتتاحه العام المقبل بالقرب من مبنى الكابيتول بالولاياتالمتحدة وعلى بعد مبنيين من متاحف سميثسونيان، وسيكون واحدا من أكبر المتاحف فى العاصمة، هذا المتحف ليس جريئا فحسب ويكشف العمليات المشبوهة لتجميع تلك القطع من منطقة الشرق الأوسط، لكنه بحسب وصف النيوزويك يمثل جزءا صغيرا من مخطط صهيونى لضم البرديات والقطع الأثرية الدينية فى مكان واحد يمتلكه يهودي. حزب «هوبى لوبي» أيضا يقوم بعمليات الحصول على الآثار الدينية المتعلقة بالمسيح وموسى فى إطار توجيه دينى وترويج لإسرائيل وأرض الميعاد، الكثير من النقاد يؤكدون خطورة الأمر وأنهم يخشون من أن المتحف الجديد سيتجاهل النصوص المستخدمة من قبل المسيحيين والمسلمين، ويروج لما يسمى ب«علم الآثار التوراتي»، وهو الأمر الذى انتشر مؤخرا بشكل واسع وذلك لإثبات ما يدعيه اليهود والصهاينة للشعوب من جميع أنحاء العالم عندما يزورون تلك المتاحف، عن طريق وصول القصص اليهودية التاريخية التى يريدون إيصالها. المتحف سيفتتح بجملة اقتباسية للرئيس الأمريكى الأول جورج واشنطن يقول فيها «من المستحيل أن تحكم بحق العالم من دون الله والكتاب المقدس»، وهم يسعون لوضع الحقائق من وجهة نظرهم وللتأثير على علماء الآثار والسياح ورجال الأعمال، يضعون فيه قطعة من الصليب الحقيقي، والعظام المزعومة وأجزاء أخرى متبقية من الرسل، وحتى خاتم زواج مريم العذراء. ووفقا للتقرير فإن تجارة الآثار التوراتية الخاصة أصبحت شديدة الانتشار وتحويل المواقع الأثرية الرئيسية فى منطقة الشرق الأوسط التى تشبه التلال المنخفضة بالتكوينات الجيولوجية الطبيعية لتكون مناطق يستشهد بها اليهود، وهم يهتمون بالأحرى أيضا بالقطع القديمة من الفخار والجدران المهدمة والوصول لعقول المتدينين بشكل أكبر، وهو يندرج تحت مسمى أكثر بكثير من مجرد السجل العلمى لكنه للترويج لأيديولوجية ومفاهيم معينة. علماء الآثار الممولون من الصهاينة الآن يقومون بترسيم التاريخ، وقد اجتذب علم الآثار التوراتى العديد من الولايات فى أمريكا مثل «إنديانا» و«تكساس» و«تينيسي»، ويقوم عالم من تكساس يدعى فيندل جونز كان يقيم فى إسرائيل فى السبعينات بالترويج لهذا العلم، وحتى فى وجود اكتشافات جديدة يقومون بتفسيرها على حسب التوراة والإنجيل بما يدعم صدق رواياتهم. وتقول المجلة إن تفاصيل التحقيق الإسرائيلى وتزوير الحقائق والبدء فى سرقة الآثار الدينية من مصر وسوريا منذ 2008 حيث الانهيار الاقتصادى والذى اضطر بعض جامعى الآثار لتفريغ كنوزهم، فضلا عن أن الحرب الأمريكية فى العراق فى 2003 ساهمت فى تحويل 10 آلاف قطعة بابلية وسومرية وآشورية يرجع تاريخها إلى سنة 4000 قبل الميلاد، وتضاعفت تلك التجارة أضعافا مضاعفة خاصة بعد حرب الخليج، وبعد سقوط بغداد. وقد قام القس الراحل جونى شيبمان، بحسب صحيفة نيويورك تايمز، بجمع تلك القطع القديمة من الكتب المقدسة والبرديات المصرية التى تؤكد وجود موسى ورحلته فى مصر، وقد أنفق أكثر من 300 مليون دولار للحصول على الأناجيل والتوراة القديمة من الشرق الأوسط ونقلها إلى الولاياتالمتحدة، بل أيضا الحصول على الأقنعة المصرية القديمة وكسرها وجمع الشظايا الخاصة بها، وذلك لأنه يؤمن بأن تدمير أقنعة المومياء سيؤدى إلى انتشار الإيمان، وهو مثال على قيام علماء الآثار الدينيين بتحريف تراث دول الشرق الأوسط ومنها مصر والعراق لتصنيع أدلة على بعض الآيات المذكورة فى الكتب المقدسة مثل الإنجيل والتوراة. المتحف الجديد يستهدف السوق الإنجيلية المسيحية الصهيونية، وتكوين قدر أكبر من التعاطف بين المسيحيين واليهود، حيث كانت العلاقة سابقا متضمنة حالة من الصراع والانتقام المتبادل، رغم أن موقف الغرب والولاياتالمتحدة حيال اليهود قد تغير تماما، ومن هنا بدأت جذور الانحراف والضلال من تحريف التاريخ المبنى على الكتب المقدسة، وخاصة عملية الصلب والتثليث التى استغلها اليهود بشكل كبير. وأصبحت اللغة العبرية باعتبارها اللغة التى أوحى بها الله، واللسان المقدس الذى خاطب به شعبه المختار هى اللغة المعتمدة للدراسة الدينية، وأعجب المسيحيون بالعبرية التى اقترنت فى عقولهم وقلوبهم بالمبادئ والقيم اليهودية، لدرجة أنها تسربت إلى روحهم وشكلت العبرية العديد من الفنون والآداب فكان الفنانون يرسمون ويحفرون مناظر من الكتاب المقدس التى تدعم اليهود، وحلت قصص وتفسيرات العهد القديم محل المسرحيات التى كانت تمثل حياة القديسين. وبذلك تحولت أفكار المسيحيين فى الغرب والولاياتالمتحدة إلى اتجاهات ثابتة، منها أن اليهود هم شعب الله المختار وأنهم يكونون بذلك الأمة المفضلة على كل الأمم، وأيضا أن هناك ميثاقًا إلهيًا أعطى اليهود فلسطين وأنه ميثاق غليظ لا يحل، أيضا هناك فكرة خارقة وضعها اليهود فى عقول المسيحيين هى أن عودة المسيح للأرض لن تحدث إلا بعودة اليهود أو بنى إسرائيل إلى أرض الميعاد ولذلك ضمنوا دعمهم فى قضيتهم الزائفة والمزعومة. اللافت أن هناك من اليهود من ينفون تلك الأفكار التى يروجها الساسة والقادة والأحبار فى تل أبيب، منهم عالم الآثار زائيف هرتزوج عندما قال إن الاكتشافات الأثرية الحديثة تتناقض تماما مع القصص، حين علق على رأى التوراة فى أرض الميعاد، مضيفا أنه ليس لابد أن يتم مواصلة البحث عن دليل وأدلة كما يفعلون لشيء غير موجود أصلا. ويتضمن المتحف القطع الأثرية المصرية، والعراقية والسورية، ولكن نقطة الصفر فى جمع بقايا الكتاب المقدس هى إسرائيل، حيث علم الآثار هو مسألة ذات أهمية دينية وسياسية مكثفة للكيان الصهيوني، والمتحف يعد الأكثر نشاطا فى أمريكا ويؤكد على المسعى القومى الدينى حيث إن رجال الدين الإسرائيليين يؤسسون لمطالبات واسعة ومثيرة للجدل على أوصاف الكتاب المقدس وخاصة فيما يتعلق بالحدود القديمة، ويقوم المسيحيون الإنجيليون الأمريكان بدعم تلك المطالبات لأنهم يعتقدون أن فقط عندما يتم استعادة إسرائيل إلى حدودها التوراتية فإن المسيح سوف يعود إلى الأرض. المتحف أيضا سيقوم بتمويل أنشطة بالإضافة إلى حصوله على الآثار الدينية من منطقة الشرق الأوسط بطريقة مشبوهة، حيث سيؤسس برامج لإرسال الشباب الأمريكى فى جولات لإسرائيل، على غرار تلك التى عرضت منذ فترة طويلة مجانا من قبل الاتحادات اليهودية فى الولاياتالمتحدة. وكان بول سينجر واحدًا من الممولين الرئيسيين فى وقت مبكر لذلك المشروع الذى يهدف إلى تغيير التاريخ لصالح اليهود، وهو الملياردير اليهودى الشهير، ويعد من أكبر الجهات المانحة لسياسة الحزب الجمهوري، وهو الذى قام باستخدام أهم لصوص الآثار للحصول على أكبر مجموعات من الآثار التوراتية وتحويلها إلى الولاياتالمتحدة، أيضا الملياردير الإسرائيلى الراحل شلومو موساييف كان من أبرز المهتمين بذلك المشروع وكان يعد أكبر جامع للآثار الدينية لدعم إسرائيل، وكان يعمل من تل أبيب ولندن وتوفى فى عام 2015 بعد أن قام بتهريب 60 ألف قطعة أثرية من الشرق الأوسط. وبحسب تقرير النيوزويك فإن الجنرال موشيه دايان ووزير الدفاع الإسرائيلى الراحل هو أول من قام بنقل الآثار الحجرية القديمة، والفخار وغيرها من الكنوز الأثرية فى فترة الحروب مع مصر، وكان صاحب أكبر فضيحة جريمة سرقة آثار شهدتها البشرية، حيث نفذ عدة عمليات لسرقة الآثار المصرية فى سيناء بدأها بعد شهر واحد من العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 واستمرت حتى تحرير سيناء، منها لوحة من سرابيط الخادم التى سلمها إلى هيئة المتاحف والآثار بإسرائيل، وصلبان ورفات رهبان. والغريب أن وزارة العدل الأمريكية رفضت التعليق، وامتنعت عن الرد على أسئلة حول التحقيق عن تقارير عن الاتجار فى الآثار الدينية المسروقة ونقلها إلى المتحف الجديد فى الولاياتالمتحدة.