نقابة المعلمين تحذر من التعامل مع أشخاص غير مسؤولين بصندوق الزمالة    صور.. تفاصيل زيارة رئيس الأركان إلى تركيا لبحث التعاون العسكري    جامعة القاهرة تبدأ استعداداتها لاستقبال مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد    مدبولي: "البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات" ركيزة رئيسية لتوطين الصناعة في مصر    إيران: سلطنة عمان ستتولى تنسيق الجولة القادمة من المحادثات مع واشنطن    الدفاع الهندية: الضربات الباكستانية كانت عشوائية واستهدفت مراكز دينية ومدنيين    6 أهداف تنُهي الشوط الأول بين برشلونة وريال مدريد في الكلاسيكو (فيديو)    الرياضية: النصر يقترب من الموافقة على رحيل لابورت    الوجه الآخر.. مانشستر يونايتد وتوتنهام يواصلان السقوط في الدوري الإنجليزي    مصدر مقرب من اللاعب ل في الجول: عمر فايد يرغب باستمرار مشواره الاحترافي    "توصيات لجنة التخطيط".. تفاصيل زيارة بيوليس للزمالك ومنصبه المحتمل وحضور مباراة بيراميدز    جنى يسري تتألق وتحرز برونزية بطولة العالم للتايكوندو للناشئين تحت 14 سنة    إحالة متهم بقتل 3 من أبناء عمومته في سوهاج إلى المفتي    طرح 3 شواطئ بالإسكندرية للإيجار في مزاد علني| التفاصيل والمواعيد    بدء ماراثون الامتحانات..موعد اختبارات الترم الثاني 2025 لصفوف النقل    الليلة.. انطلاق حفل افتتاح مهرجان المسرح العالمي    ترقية في العمل ومكافأة.. توقعات برج الثور في النصف الثاني من مايو 2025    حين رفض صنع الله إبراهيم جائزة ملتقى الرواية.. جدل لا ينتهى حول موقف المثقف من جوائز الدولة    الصور الأولى من فيلم هيبتا: المناظرة الأخيرة    تسوس وتصبغ الأسنان- ما الفرق بينهما؟    القاصد يشهد حفل ختام الأنشطة الطلابية بجامعة المنوفية الأهلية ويكرم المتميزين    "ليسيه الحرية" يشهد حفل افتتاح الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العالمي    نائبة التنسيقية: قانون تنظيم الفتوى يضع حدًا لفوضى الفتاوى    مياه البحر الأحمر: العمل على مدار الساعة لسرعة الانتهاء من إصلاح خط الكريمات    وزير الصحة يؤكد دعم الدولة المصرية لمهنة التمريض: ذراع أساسي للمنظومة الطبية    ضمن الموجة 26 بقنا.. إزالة 8 حالات تعدٍ على الأراضي الزراعية بمركز الوقف    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع سير منظومة العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي في الواسطى    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    خلف الزناتي: تنظيم دورات تدريبية للمعلمين العرب في مصر    التصريح بدفن شاب لقى مصرعه غرقا في مياه نهر النيل بأطفيح    هشام أصلان يرصد تجربة صنع الله إبراهيم ومحطات من مشروعه الأدبي    ضبط طالب تعدى على آخر بسلاح أبيض بسبب مشادة كلامية في الزاوية الحمراء    وزير الخارجية الإسرائيلي: حرب غزة مستمرة للأبد إذا بقيت المساعدات بأيدي الفصائل الفلسطينية    محافظ الأقصر يتفقد أعمال فتح أكبر شارع بمنطقة حوض 18 بحى جنوب    محافظ الشرقية يشهد حفل قسم لأعضاء جدد بنقابة الأطباء بالزقازيق    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    وفاة سيدة أثناء ولادة قيصرية بعيادة خاصة فى سوهاج    نجم نيوكاسل ينافس محمد صلاح بقائمة "ملوك الأسيست" في الدوري الإنجليزي    مدرب منتخب غانا قبل مباراة مصر: جاهزون لمواجهة التاريخ    تأجيل محاكمة 41 متهم ب "لجان العمليات النوعية بالنزهة" استهدفوا محكمة مصر الجديدة    جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي في القليوبية 2025    وزير الخارجية يؤكد على موقف مصر الداعي لضرورة إصلاح مجلس الأمن    القاهرة الإخبارية: الاحتلال الإسرائيلى يواصل قصف الأحياء السكنية فى غزة    ارتفاع أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 14.2% على أساس سنوي خلال إبريل الماضي.. و4.1% على أساس شهري    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    مرشح حزب سلطة الشعب بكوريا الجنوبية يسجل ترشحه للانتخابات الرئاسية    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    استئناف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في جنيف    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    1500 فلسطيني فقدوا البصر و4000 مهددون بفقدانه جراء حرب غزة    ضبط 103 مخالفات تموينية في حملات مكثفة لضبط الأسواق بالفيوم    كندا وجرينلاند ضمن قائمة أهدافه.. سر ولع ترامب بتغيير خريطة العالم    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    هل للعصر سنة؟.. داعية يفاجئ الجميع    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"البوابة" تقدم رؤية نقدية لأولويات التحرك المصري سياسيًا وعسكريًا
نشر في البوابة يوم 09 - 04 - 2016

القاهرة مطالبة بقيادة مشروع عربى للتنمية يرتكز على أهداف واضحة فى مواجهة التقسيم والتبعية للخارج
علينا التمييز بين إسرائيل كعدو استراتيجى تاريخى للأمة وبين صراع نفوذ مع إيران وتركيا قد يتحول إلى علاقات تعاون
التحديات تفرض على مصر تطوير علاقاتها مع الكتل الإقليمية ومنها الاتحاد الأوروبى و«رابطة شنغهاى» و«بريكس»
دراسات «المركز العربى للبحوث»
استمرارا لسياسة التعاون بين جريدة «البوابة» والمركز العربي للبحوث والدراسات ننشر اليوم دراسة للدكتور يسرى العزباوى الخبير المشارك بالمركز هى بالأساس عرض لكتاب يصدره المركز قريبا حول المشكلات التى تمر بها الدولة المصرية.
لم تعد عملية صنع القرار فى الدول مهمة فردية يقوم بها شخص دفعت به الانتخابات إلى رأس السلطة، وبات معروفًا أن الدول المحترمة تشارك فى عملية صنع القرار فيها مجموعات من الباحثين والمفكرين يطلق عليها بيوت التفكير أو «think tanks» وتقوم هذه المراكز ليس فقط بدراسة وتحديد الإشكاليات والقضايا المجتمعية الملحة ولكن تقديم رؤى ومقترحات للنخبة الحاكمة ولمؤسسات الدولة (التنفيذية والتشريعية والقضائية) عن كيفية التعامل مع تلك الإشكاليات عن طريق وضع تصورات وسيناريوهات متعددة يمكن لصناع القرار تبنيها فى تعاملهم من تلك القضايا.
منذ ما يقرب من العام، وضع المركز العربى للبحوث والدراسات على عاتقه دراسة أهم المشكلات التى تمر بها الدولة المصرية، وإصدارها فى كتاب، سوف يرى النور قريبًا، ويشارك فيه عدد كبير من الباحثين من مختلف التخصصات العلمية، ويتبع فى ذلك منهجًا محددًا فى دراسته لتلك القضايا التى يتناولها، من خلال التوصيف المباشر للمشكلات بالأرقام، ثم تقييم للسياسات المتبعة حاليًا، وأخيرًا وضع سياسات بديلة عل متخذى القرار يتبعونها فى المرحلة المقبلة، أو على الأقل، يضعونها فى الاعتبار عند اتخاذ القرار.
تجلت الملامح الأولى للمشروع حينما كتب الأستاذ السيد ياسين، مدير المركز العربى، سلسلة مقالات مهمة فى جريدة الأهرام حول «مفهوم الدولة التنموية» أصل فيها للمفهوم وتناول الأطروحات والمقولات الرئيسة للدولة التنموية ثم عاود بسرعة، وبجسارة مشهودة له، بممارسة فضيلة «النقد الذاتى»، حينما كتب فى الأهرام فى 3 سبتمبر 2015 مقالًا بعنوان «تحديات الدولة التنموية» وبدأه ب«لا بد لى أن أبدأ مقالى بنقد ذاتى، لأننى ظننت وهمًا أننى صغت من واقع تأملاتى فى تاريخ مصر المعاصر «مفهوم الدولة التنموية». وسبب ممارستى للنقد الذاتى أننى اكتشفت - عبر رحلة بحث علمية عميقة - أن مفهوم «الدولة التنموية» مستقر فى التراث العلمى الاجتماعى منذ أن نشر عالم السياسة الأمريكى المعروف «كالمرز جونسون» كتابه عن «الميتى MIIT» - وهو اختصار اسم وزارة يابانية متخصصة فى التنمية الاقتصادية والتجارة الدولية - والمعجزة اليابانية وذلك عام 1982 عن مطبعة جامعة كاليفورنيا.
منذ أكتوبر 2015 عقد المركز سلسلة اجتماعات أسبوعيًا للنقاش حول الدور التنموى للدولة، وفى هذا الإطار تمت استضافة عدد كبير من العلماء والخبراء من مختلف التخصصات، وخضعت المشروعات القومية التى يقوم بتنفيذها الرئيس عبدالفتاح السيسى للدراسة، خاصة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، التى نالت حظًا كبيرًا من الجدل والنقاش، وانقسم مجلس الخبراء للمركز بين مؤيد ومعارض على طريقة ووقت تنفيذ.
تبلورت فكرة المشروع أكثر واكتملت مع فوز رئيس المركز عبدالرحيم على فى الانتخابات التشريعية، حيث طالب الهيئة العلمية للمركز بأن تتولى مسئوليتها التاريخية فى مساعد مجلس النواب الجديد من خلال تقديم رؤى وأفكار جديدة يمكن تبنيها داخل المجلس تساعد على إدارة عملية التحول الديمقراطى، ونعرض فيما يلى لفصول الكتاب.
« الدولة الإنمائية» أو « الدولة التنموية»
يشير مصطلح «الدولة التنموية» إلى الدولة التى تتدخل وتوجه مسار التنمية الاقتصادية. وهى ترتبط بالأساس بنمط السياسات الاقتصادية التى اتبعتها حكومات شرق آسيا فى النصف الثانى من القرن العشرين، وتتمثل بالتحديد فى نموذج الاقتصاد اليابانى بعد الحرب العالمية الثانية، وفى أوج الحرب الباردة، كان الصراع على أشده بين مؤيدى الليبرالية الذين ينادون بدور أقل للدولة، وبين مؤيدى الاشتراكية الذين يدعون إلى دور مركزى للدولة، ومع انتهاء الحرب الباردة بانتصار المعسكر الغربى الليبرالى، انتهى هذا الصراع وحسم - بصفة مؤقتة - إلى المعسكر الغربى والنظرية الليبرالية، ولكن إذا بالأزمة المالية العالمية الأخيرة التى بدأت تتضح معالمها منذ نهاية عام 2008، واشتدت وطأتها خلال عام 2009، وما زالت تلقى بظلالها حتى الآن على العديد من دول العالم، مما يدفع المفكرين إلى ضرورة إعادة النظر فى الدور الإنمائى للدولة الذى اعتبروه محسومًا لصالح الرؤية الليبرالية.
من جانبه حدد «شالمر جونسون» المعالم الرئيسية للدولة التنموية، أولًا، توفر بيروقراطية من نخبة الدولة صغيرة العدد، وغير مكلفة من أصحاب المواهب الإدارية المتميزة. وتتمثل مهامها فى تحديد واختيارات الصناعات التى تحتاج للتطوير، أى وضع سياسة صناعية، وتحديد واختيار أنجع الطرق لتطوير هذه الصناعات فى أسرع وقت، أى سياسة الترشيد الصناعى، والإشراف على القطاعات الاستراتيجية المحددة لضمان جودة وتأثير عملها الاقتصادى. هذه المهام الثلاث يتم تنفيذها فى ضوء تدخل الدولة باستيعاب قوى السوق ثانيًا، استخدام آليات الجمع بين آليات السوق وتدخل الدولة فى الاقتصاد، وقد قدمت اليابان نموذجًا على ذلك تمثل فى بناء مؤسسات مالية حكومية ذات نفوذ كبير، وصلاحيات واسعة، وأهداف محددة، وتقوم بالمراجعة للحوافز الضريبية، وتضع الخطط التى تحدد أهداف الاقتصاد، ولها أن تنشئ منتديات رسمية عديدة ومستمرة لتبادل الآراء ومراجعة السياسات والاستفادة منها فى حل الخلافات، كما تعمل على منح بعض وظائف الحكومة لمنظمات خاصة وشبه خاصة.
وثالثًا، وأخيرًا، وجود تنظيم ريادى مثل وزارة الصناعة والتجارة اليابانية هذه الهيئة المنظمة التى تضبط السياسة الصناعية تحتاج أن تتحكم فى التخطيط وصناعة الطاقة والإنتاج المحلى والتجارة الدولية والتمويل (سياسة توفير رأس المال وتحديد الضريبة)، وأهم مميزات هذه الهيئة الضابطة هى صغر الحجم، وتحكمها غير المباشر فى ميزانيات الحكومة، وامتلاكها مركزًا بحثيًا، ولها مكاتب لتنفيذ السياسة الصناعية، وتمتاز بطابعها الديمقراطى، وليس لها نظير فى النظم الديمقراطية الصناعية المتقدمة.
الاشتباك الإيجابي مع العالم
رغم أن مصر تعتبر واحدًا من البلدان النامية متوسطة الدخل إلا أن ما يقرب من نصف المصريين يعيشون فى حدود خط الفقر، حسب المعايير الدولية.
كما يعانى المصريون من الأمية وانتشار الأمراض خصوصًا أمراض الكبد والكلى والقلب والرئة، وهو ما يترجم نفسه فى صورة انخفاض القدرة البدنية على العمل والإنتاج.
وتزيد الأمور سوءًا إذا ما أخذنا فى الاعتبار المتغيرات المحيطة بالبشر مثل البنية الأساسية وتدهورها المستمر، وهو ما جعل مصر تنحدر سنة بعد أخرى على مؤشرات التنافسية العالمية حتى أصبحت تقبع فى الربع الأخير من جدول المؤشرات على مستوى العالم.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك وإنما تعانى مصر من تأثير مؤشرات الفقر المركب (فقر الدخل المادى، وفقر موارد المياه، وفقر الطاقة، وفقر الأراضى الصالحة للزراعة...). وإلى جانب كل ذلك تواجه مصر تحديات إقليمية وعالمية غير مسبوقة تهدد مصالحها على كل المستويات، وإذا ما استمر الحال هكذا بدون تطوير قدرة مصر على المنافسة والاشتباك، فإن مكانة مصر التاريخية ستصبح محل شك.
ولهذه الأسباب جميعًا فإن مصر كأمة (شعبًا وحكومة) أصبحت فى أشد الحاجة إلى إعادة التفكير فى المستقبل، وأن تحمل على كاهلها مسئولية بناء هذا المستقبل بطريقة صحيحة. وفى هذا السياق فإن المصريين يواجهون منذ ثورتى 25 يناير و30 يونيو عشرات الأسئلة المصيرية. مثل: هل نحن بحاجة إلى رؤية جديدة لمستقبلنا الاقتصادي؟ هل نحن بحاجة إلى استراتيجية للتنمية الاقتصادية؟ هل نرى أنفسنا جزءًا من العالم أم نفضل الانعزال عنه وبناء «طريقنا الخاص» إلى المستقبل؟ إلى أى قيم إنسانية ننتمي؟ إلى أى ثقافة ننتمي؟ إلى أى نظام سياسى ننتمي؟ إلى أى نظام اقتصادى ننتمي؟ إلى أى نظام دفاعى ننتمي؟
هذه فترة تاريخية تفيض بالأسئلة التى تصرخ فينا طالبة الإجابة. مصر فى مفترق طرق. أمامنا خيارات كثيرة بعضها يقود إلى فضاء رحب خصيب، وبعضها يؤدى إلى سراديب مظلمة. الكلمة لنا.. مصر اليوم عليها أن تختار.
1- حال الاقتصاد المصرى
أقصد باقتصاد الأمة: اقتصاد الناس واقتصاد الحكومة، أى الاقتصاد الحى والاقتصاد المكتوب فى التقارير والإحصاءات الرسمية معًا وليس كل واحد منهما بمعزل عن الآخر.
2- الاختبارات المصيرية
ومن أجل تغيير هذه الملامح يحتاج الاقتصاد إلى النجاح فى عدد من الاختبارات الرئيسية من أهمها: السيولة النقدية وتصحيح العجز المالى، التشغيل وتوفير ما يقرب من مليون فرصة عمل سنويًا، التنافسية على المستوى المحلى والإقليمى والعالمى، تحقيق العدالة والقضاء على الفقر، المحافظة على البيئة (المياه والتربة والهواء)، تحقيق الأمان الاجتماعى بعيدا عن الوظيفة الحكومية، اجتثاث الفساد المالى والإدارى، إزالة العشوائيات، كفاية البنية الأساسية، أمان الطرق، أولويات السياسة الاقتصادية. سوف يتعين على السياسة الاقتصادية أن تعمل على مستويات متعددة فى وقت واحد، على أن تأخذ فى الاعتبار أن تخصيص الموارد لا يجب أن يتم بطريقة حسابية خطية أو عشوائية، وإنما يجب أن يخضع تخصيص الموارد لحسابات عقلانية وطبقًا لخريطة تحدد الأولويات الاجتماعية والاقتصادية، وذلك للحد من ظاهرة هدر الموارد فى أعمال غير ضرورية أو ثانوية أو قابلة للتأجيل.
وفى هذا السياق فإن الأوضاع المباشرة تحتاج بسرعة إلى إنجاز تشريعات فى قضايا عاجلة تتمثل فى: غلاء الأسعار والارتفاع الصارخ فى تكاليف المعيشة، الفساد الإدارى، البطالة، خصوصًا بين الشباب، تلوث البيئة.
أما فى المديين المتوسط والطويل فستكون مصر فى حاجة إلى تنفيذ برامج للتغيير والإصلاحات الهيكلية بما يحقق النجاح فى الاختبارات المصيرية التى تفرض نفسها على الأمة مثل اختبار القضاء على العجز المالى والتجارى واجتثاث الفساد واختبارات تحقيق العدالة الاجتماعية والتخلص من الفقر وتحقيق الأمان الاجتماعى وبناء التنافسية على أساس المعايير العالمية. وإذا جاز للمصريين أن يطمحوا إلى مكانة متقدمة بين دول العالم فإن هناك عددًا من موضوعات المنافسة المستقبلية يجب أن نعمل من أجل المضى فيها إلى الأمام. ومن أهم هذه الموضوعات: سباق الفضاء وصناعة المحركات فائقة السرعة، الطاقة الجديدة والمتجددة، العلاج الجينى وعلوم الهندسة الوراثية، إنتاج أجهزة الذكاء الاصطناعى، ثورة فى وسائل الاتصال والمواصلات باستخدام الليزر ومحاكاة سرعة الضوء، إن مصر تستحق أفضل مما هى فيه وهى تملك الكثير من الإمكانات.
دور وسياسة مصر الخارجية
أثبتت الدولة الوطنية العربية، سواء كانت جمهورية أو ملكية، ديمقراطية أو مستبدة، أنها ليست فقط عاجزة عن تحقيق التقدم وفرض نفسها ضمن معادلات النظام العالمى كشريك فى الإنتاج ومن ثم كشريك فى القرار، بل أضحت غير قادرة على حماية وجودها والتصدى لمحاولات إعادة تقسيمها.
هذه الدولة الوطنية بتحالفاتها الدولية سواء كانت مع الغرب بقيادته الأمريكية، أو كانت مع الشرق بقيادته السوفيتية فى سنوات الحرب الباردة، أو حظيت برعاية القوى العظمى الأمريكية فى سنوات ما بعد انتهاء الثنائية القطبية أم جرى تهميشها، أو بتحالفاتها الإقليمية مع تركيا أو مع إيران أو مع باكستان، لم تستطع أن تحقق أهداف الاستقرار والتماسك السياسى أو تحقيق التقدم الاقتصادى والاجتماعى والمكانة الإقليمية والدولية.
من الحقائق المهمة فى هذا الشان أيضا أن مشروع «الإسلام السياسى» بشتى تبايناته، سواء كان إخوانيًا، أم سلفيًا جهاديًا، تحول إلى التكفير والتآمر على أوطانه وأمته (داعش والقاعدة وأخواتهما)، أو كان شيعيًا طائفيًا امتد بولائه نحو طهران واعتقد فى ولاية الفقيه واستبدل الولاء الطائفى بالولاء الوطنى والقومى، لم يحفظ للدولة الوطنية تماسكها السياسى والاجتماعى والثقافى، بل كان أداة تمزيق هذا التماسك، والطريق نحو فرض وتنفيذ مخططات إعادة تقسيم ما سبق تقسيمه من الأقطار العربية وتفكيك روابطها وتهديد الهوية الحضارية عندما أشعل حروب إسقاط الدول والمجتمعات لصالح فرض مشروعات الخلافة متباينة الرؤى.
إن المشروع القومى العربى هو الضمان الأهم، وربما الوحيد للحفاظ على بقاء وجود الدول الوطنية العربية، لكن الدعوة العروبية وحتى امتلاك مشروع قومى عربى لن يستطيعا تحقيق ذلك دون ربط شرط الوحدة العربية كأساس جوهرى لهذا المشروع بشروط التقدم الحضارى والديمقراطى جنبًا إلى جنب مع التحرر الوطنى وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهى ذاتها الأهداف التى انطلقت من أجلها الثورة الوطنية فى مصر فى 25 يناير 2011، والتى ناضل الشعب من أجلها مرة ثانية فى 30 يونيو 2013.
بناء على هذا كله اهتمت الدراسة بتحديد ثلاثة أبعاد للدور المصرى من خلالها يمكن تطوير وتفعيل سياسة مصر الخارجية، هى البُعد العربى والبُعد الإقليمي والبُعد الدولى على النحو التالى:
أ- البُعد العربى للدور المصري
يعتبر الدور المصرى على المستوى العربى هو ركيزة الدور المصرى كله. فالوطن العربى هو المجال الحيوي - الأمنى والاقتصادى - لتعظيم مصالح مصر الوطنية وحماية أمنها القومى، ولذلك فإن أمام مصر حزمة من الأدوار التى ينبغى أن تقوم بها.
أن تخرج قوية متماسكة متمتعة بعافيتها من تداعيات ثورتها، وأن تكون قادرة على تقديم النموذج الأجدر بالقيادة، نموذج الكفاءة والاقتدار وحسن إدارة الموارد، والنظام السياسى الديمقراطى القادر على حماية الحريات والحقوق وتحقيق العدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادى والعلمى والثقافى، والقادر أيضًا على الإبهار، فى التجديد الحضارى والثقافى والفكرى، وإعادة طرح مشروع قومى عربى بروح حضارية ديمقراطية.
الإسراع بتقديم مبادرات مشتركة لتأسيس نواة للقوة السياسية والعسكرية العربية تكون قادرة على أن تكون قيادة للنظام العربى تحمى الدولة العربية من السقوط وإعادة التقسيم، وتنهى ما يموج داخل الدول العربية من صراعات وأزمات، وأن تبلور مشروعًا عربيًا جديدًا للتكامل والاتحاد، يجدد حيوية وفعالية النظام العربى ويجعله أكثر كفاءة والأهم أكثر شعبية وديمقراطية.
العودة بالقضية الفلسطينية مجددًا كقضية مركزية عربية، وصياغة مشروع عربى قادر على استعادة حقوق الشعب الفلسطينى وفى مقدمتها حقه فى الاستقلال الوطنى وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرضه المحتلة فى الخامس من يونيو 1967، والتصدى للمشروع الاستيطانى الصهيونى الذى أخذ يتغلغل فى أنحاء الجسد السياسى العربى.
القيام بدور فاعل فى الأمن الخليجى يربط هذا الأمن بالأمن القومى العربى وجعل مصر طرفًا أساسيًا فى معادلة الأمن الخليجى لمواجهة الأطماع الإيرانية من ناحية وتعويض الانسحاب الأمريكى من مسئولياته السابقة فى الخليج، بحيث يكون الأمن العربى أو الدور العربى هو وحده المعنى ب«ملء الفراغ» الذى سوف ينتج عن الانسحاب الأمريكى، وهو دور يمكن أن يكون قادرًا على موازنة الدور الإيرانى من ناحية، والحد من اندفاع الأشقاء فى الخليج نحو «موازن إقليمى» بديل قادر على مواجهة تحديات إيران سواء كان هذا الموازن هو تركيا أم باكستان.
ب - البُعد الإقليمى للدور المصري
تكشف قراءة المشهد الإقليمى عن وجود ثلاثة مشاريع إقليمية كبرى تتصارع أحيانًا، وتتنافس فى أحيان أخرى، لكنها، وفى ظروف جديدة قد تتعاون وهى: المشروع الاستيطانى الصهيونى، والمشروع «الإمبراطورى» الإيرانى الطائفى المذهبى، والمشروع التركى المتلبس بعثمانية جديدة.
إذا كانت الحرب العالمية الأولى قد مكنت هذه القوى الثلاث من احتلال أرض عربية (إيران احتلت الأحواز، وتركيا احتلت الأسكندرونة، وإسرائيل احتلت فلسطين)، فإن الحرب العالمية الثانية وما تلاها من تطورات أطلقت صراعات من أجل الهيمنة والنفوذ بين إسرائيل التى تطرح نفسها قوة إقليمية مهيمنة مسنودة من الغرب ضمن دور مغزاه الحيلولة دون وحدة العرب والإمعان فى تقسيمهم وتمزيق تماسكهم ومسخ هويتهم، وبين إيران التى تحالفت مع الغرب والكيان الصهيونى فى عهد الشاه ضد العرب وحركة التحرر العربية التى قادتها مصر.
مصر مطالبة بطرح وقيادة رؤية استراتيجية عربية للتعامل مع هذه القوى الثلاث جنبًا إلى جنب مع القوة الإفريقية الأخرى البازغة ونعنى إثيوبيا، والبداية أن تسعى مصر إلى فرض نفسها مجددًا قوة إقليمية بعمق استراتيجى عربى قادر على المنافسة مع هذه القوى الثلاث، وأن تفرض إطار توازنات قوى بديل قادر على حماية مصالح العرب وأمنهم، والتمييز بين هذه القوى وفق «بوصلة» قادرة على فرز المصالح ومصادر التهديد بين هذه القوى، ولن يتحقق هذا كله إلا بقيادة مصر لمشروع عربى للنهضة يرتكز على أهداف عربية للتحرر والنهوض فى مواجهة التقسيم، والتبعية للخارج، والاستبداد والتسلط.
هذه البوصلة فى حال اعتمادها سوف تميز بين إسرائيل كعدو استراتيجى تاريخى للأمة هدفه أن يفرض عليها التقسيم وعرقلة توحدها والإبقاء على تخلفها، وبين صراعات ونفوذ مع إيران وتركيا قد يتحول إلى علاقات تعاون فى ظروف أخرى، ومن ثم يمكن اعتماد سياسة توازن المصالح بدلًا من «صراع القوى» مع هاتين القوتين على العكس من الكيان الصهيونى الذى يجب أن يبقى دائمًا ضمن إطار الصراع الاستراتيجى التاريخى الممتد.
ج- البُعد الدولى للدور المصري
إذا كان تحليل توازن القوى الدولى يكشف الآن عنه تحولات فى هيكلية القوة بتراجع أو أفول عهد القطب الأوحد الأمريكى وظهور نظام دولى يعتمد ضمن مستويين: القيادة التى تتجه إلى أن تكون متعددة الأقطاب والقيادة الوسطية التى تلعب فيها النظم الإقليمية والقوى الدولية أدوارًا أساسية فإن مصر يجب أن تسعى للعمل ضمن مسارين، أولهما، المسار الأحادى للدولة المصرية، وثانيهما، مسار النظام العربى فى تفاعلاته مع القيادة العالمية للنظام العالمى من ناحية، والنظم الإقليمية العالمية بما تمثله من كتل اقتصادية - سياسية من ناحية أخرى.
كما أن مصر مطالبة بتحقيق التوازن فى علاقاتها مع القوى القيادية العالمية بالحفاظ على المصالح مع الولايات المتحدة والحيلولة دون الصدام معها، مع تطوير لعلاقات مميزة مع كل من روسيا والصين جنبًا إلى جنب مع اليابان والهند، وهى مجالات سوف تشهد تنافسًا مصرياً - إسرائيليًا ضاريًا بينهما.
فى الوقت نفسه فإن مصر مطالبة بتطوير علاقاتها مع الكتل الإقليمية الدولية وفى مقدمتها الاتحاد الأوروبى والتنظيمات الإقليمية المتعددة فى آسيا، خاصة منظمة الأسيان و«رابطة شنغهاى» وفى أمريكا اللاتينية، والمنظمات العابرة للقارات مثل رابطة «بريكس» إضافة إلى أولوية القارة الأفريقية بكافة جبهاتها فى شرق القارة وغربها، فى جنوبها وأوسطها، حيث وادى النيل التاريخى فى تفاعلات شديدة الحيوية مع مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.