تأتي زيارة خادم الحرمين جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر، والتي بدأت الخميس، وتستمر خمسة أيام لتثبت للجميع قوة ومتانة العلاقات بين القاهرةوالرياض، وتخرس الألسنة التي تتشدق بتوتر تلك العلاقات. وعلى مدار التاريخ شهدت العلاقات المصرية – السعودية ثباتًا وقوة وتعاونًا في كلفة المجالات، حتي أصبحت المملكة الدولة العربية الأولي استثمارًا في مصر، والثانية عالميًا. وفي المجال العسكري والاستراتيجي، وصل التعاون المصري – السعودي لمستوى غير مسبوق من حيث التنسيق والتدريبات المشتركة والاشتراك في تحالفات من أجل الحافظ علي الأمن القومي العربي ، ولعل حضور الرئيس عبدالفتاح السيسي وخادم الحرمين التدريب المشترك "رعد الشمال" ، في مارس الماضي، كان خير دليل على ذلك. ومنذ أن وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رسالة قوية للرئيس الأمريكي، باراك أوباما قال فيها "نحن لسنا بحاجة لأحد"، كان لابد وأن يكون هناك درع عربي قوي، نتصدى به لمن حولنا، وما يدور في محيطنا، ويؤكد للجميع أن الدول العربية والإسلامية على قلب رجل واحد. وبعد التطورات التي شهدتها المنطقة العربية في الآونة الأخيرة، وفي ظل وجود العديد من التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة لها، والتي تفشت في معظم البلدان العربية، لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، ولتنشر الفوضى والفتنة بين الشعوب العربية، كان لا بد من أن تتفق جميع الدول العربية والإسلامية على هدف واحد ومبدأ واحد، وهو الاتحاد سويًا لمواجهة الإرهاب في جميع أشكاله وأنواعه، والتصدي له في مواطن تواجده، ومواجهة الدول الداعمة للإرهاب ومحاربتها بكل الوسائل الممكنة للحد من تماديها وتعديها على حقوق الشعوب العربية والإسلامية. وفي يوم الثلاثاء 15 -12 2015 أعلن ولي ولي العهد، ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان ، عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري تقوده المملكة العربية السعودية، على أن يكون مقره في مدينة الرياض، حيث سيتم تأسيس مركز للعمليات مشترك يعمل على تنسيق ودعم العمليات العسكرية التي تقام لمحاربة الإرهاب، وتطوير الآليات والبرامج المعدة خصيصًا لهذه المهمة مع الدول المشاركة في التحالف، وعلى الفور أعلنت مصر الاشتراك في التحالف العسكري الإسلامي. وقالت مصر في بيان إعلان مشاركتها: "إن التنسيق جار مع السعودية ودول خليجية بشأن ترتيبات المشاركة بقوة جوية وبحرية مصرية، وقوة برية إذا ما لزم الأمر، في إطار عمل الائتلاف، وذلك دفاعًا عن أمن واستقرار اليمن وحفاظًا على وحدة أراضيه وصيانة لأمن الدول العربية الشقيقة". وجاء البيان التأسيسي، ليعلن أهداف التحالف ، المتمثلة في حماية الأمن القومي العربي ومواجهة الإرهاب، والتصدي لتحديات أمن واستقرار المنطقة العربية، والاستعداد لتنفيذ مهام مشتركة، ورفع الجاهزية والكفاءة القتالية، واستخدام أحدث الآليات العسكرية، وتوحيد الصفوف والتعاون بين الدول وبذل أقصى الجهود لمكافحة الإرهاب بجميع صوره ومظاهره، والقضاء عليه وعلى مسبباته وأهدافه وفقًا لاتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب، ووفقًا للمواثيق الدولية الأخرى التي تهدف إلى القضاء على الإرهاب، وذلك من أجل حماية الأمة من الجماعات الإرهابية المسلحة أيًا كان تسميتها أو مذهبها، التي تحاول ترويع الأبرياء والآمنين الذين يريدون العيش بسلام بعيدًا عن المخططات الإرهابية وجرائمها. وفي يوم السبت، 27 من فبراير 2016، أعلنت المملكة العربية السعودية، انطلاق مناورات "رعد الشمال"، بمشاركة قوات عشرين دولة، كأحد أكبر التدريبات العسكرية، من حيث عدد القوات المشاركة واتساع منطقة المناورات. وركزت المناورات على تدريب القوات على كيفية التعامل مع القوات غير النظامية والجماعات الإرهابية، وفي نفس الوقت تدريب القوات على التحول من نمط العمليات التقليدية إلى ما تسمى العمليات منخفضة الشدة، كما يركز التمرين على تدريب القوات على العمل على عدة أنساق متباعدة الزمان والمكان. وشاركت في المناورات قوات من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والأردن والبحرين والسنغال والسودان والكويت والمالديف والمغرب وباكستان وتشاد وتركيا وتونس وجزر القمر وجيبوتي وسلطنة عمان وقطر وماليزيا وموريتانيا إضافة إلى قوات درع الجزيرة. وشهدت المناورات، التي شاركت فيها قوات برية وبحرية وجوية، استخدام عتاد عسكري نوعي من أسلحة ومعدات عسكرية متنوعة ومتطورة، منها طائرات مقاتلة، فضلًا عن مشاركة واسعة من أسلحة المدفعية والدبابات والمشاة ومنظومات الدفاع الجوي والقوات البحرية في محاكاة لأعلى درجات التأهب القصوى للجيوش المشاركة. كل هذا يؤكد على التعاون الوثيق بين مصر والسعودية، ويؤكد ما يشدد عليه دومًا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أن أمن المملكة العربية السعودية ودول الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر، وأن مصر لن تسمح أبدًا بتهديد الأمن القومي العربي فضلا عن عباراته الشهيرة التي قالها أثناء ترشحه للانتخابات المصرية عندما سئل عن أمن الخليج رد: "مسافة السكة". ووصلت العلاقات المصرية السعودية إلى أفضل حالاتها بعد الثالث من يوليو 2013 ، وسقوط نظام الإخوان وذلك بعد الدعم السياسي والاقتصادي الذي قدمه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز لمصر، وكذلك الدور الذي قام به عميد الدبلوماسية الراحل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي السابق لتوضيح حقيقة ما حدث في مصر من ثورة شعبية للعالم أجمع. وفي يناير الماضي، وافق مجلس الدفاع الوطني على تمديد مشاركة العناصر اللازمة من القوات المسلحة المصرية في مهمة قتالية خارج الحدود للدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر وباب المندب، وذلك لمدة عام إضافي أو لحين انتهاء مهمتها القتالية أيهما أقرب.