«هل الذهاب إلى الضفة الغربية من مصر عن طريق الأردن يعتبر تطبيعا؟» طرح الروائى إبراهيم عبدالمجيد هذا التساؤل قبل أيام عن طريق صفحته على موقع الفيس بوك، وأضاف عبدالمجيد: «تلقيت رسالة من الأصدقاء فى فلسطين تدعونى إلى لقاء خاص فى متحف الشاعر الكبير محمود درويش ويكون السفر عن طريق الأردن، ويقومون هم بكل الإجراءات الخاصة بدخول الضفة، وأنا أعرف أن كثيرا من الكتاب العرب فعلوا ذلك ويفعلونه لكن لم أسمع نقدا ولا هجوما على أى منهم. وهنا فى مصر أعرف من ينتظرون شيئا من ذلك ليبدأوا الهجوم، وليس لدى طاقة لو ذهبت أن أرد على أحد، وأنا هنا أسأل هل سنظل نقاطع أشقاءنا الفلسطينيين فى الضفة ونتركهم وحدهم أمام إسرائيل؟ أليست المقاطعة للفلسطينيين تعنى انفراد إسرائيل بهم؟ أنا لم أرد على الدعوة حتى الآن. لم أرسل لهم صورة الباسبور ليقوموا بالدعوة رسميا. وأحب أن تتحدثوا معى ومع بعضكم هنا فى هذا الأمر. شخصيا لا أرى مشكلة لكن لا أحب الضجيج. الأمر متروك لكم وأرجو أن أسمع أيضا رأيا لمن هم فى مجلس إدارة اتحاد الكتاب. هذه قضية تستحق المناقشة وأرجو مناقشتها بعيدًا عن شخصى. مناقشة القضية أهم». أثار التساؤل الذى طرحه عبدالمجيد على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى«فيس بوك» حالة من الجدل بين أوساط المثقفين بين معارض ومؤيد، وتوالت الردود حول ما طرحه عبدالمجيد والتى تراوحت ما بين التأييد والمعارضة، وكان من اللافت أن تجىء معارضة الفكرة من بين الفلسطينيين أنفسهم فقد علق الكاتب الفلسطينى «وليد أبوبكر قائلا: «متحف محمود درويش، الذى يوجه الدعوة، مجرد منتدى لنهج محدد يروج توجها محددا، معظم رواده بعض شباب يدعى أنه يكتب، لا من يكتبون بالفعل، كثير من أدباء فلسطين لم يدخل المتحف، لأنه مجيّر بالكامل. الدعوات لا تنطلق من معرفة، وإنما تستند إلى العلاقات الشخصية والتوجه، والشهرة على وجه الخصوص. الذين وجهوا الدعوة لك، يا صديقى إبراهيم، لم يقرأوا لك شيئا، لأنهم لا يقرأون شيئا من الأصل. سمعوا أنك حصلت على جائزة مثلا، أو أنك اخترت للجنة انتهت جوائزها بفضيحة، مثل كل جوائز فلسطين، (مع أن رئيسها لم يزر فلسطين، ولم يدع إلى المتحف، أو دُعى ورفض) وذلك ما فعلوه مع كثيرين. الذين وضعوا اللايكات لا أدرى ما الذى يريدون قوله. تفرّست فيهم: بعضهم له مصلحة فى الترويج للمتحف، لأنه جزء منه، أو مستفيد منه، وبعضهم لا يعرف إلا اسم فلسطين ودرويش، ولا يعرف أن هناك من يتاجر بكليهما. محبتى يا صديقى». أما وجهات النظر المؤيدة لتلبية الزيارة فكان على رأسها الروائية «أهداف سويف» قائلة: «ليس تطبيعا.. الفلسطينيون بحاجة لنا، بمعنى: مقاومتهم الحقيقية، اللى مخلياهم موجودين إلى الآن، هى مقاومة «حياتية»، يعنى أنهم قادرون - فى ظل ظرف رهيب الصعوبة - يفضلوا عايشين فى المكان، ومتمسكين به، وبهويتهم وطريقتهم فى الحياة. لغتهم، أدبهم، طبيخهم، عاداتهم. وجودنا معاهم - جسديا فى المكان - بيغذى ده ويرسخه. مساندة على استمرار حياتهم، بمشاركتهم فيها، إلى أن يأتى يوم الحل السياسى. التطبيع هو أن نذهب إلى هناك ثم نتعامل - بأى شكل من الأشكال العادية - مع الإسرائيليين. بمعنى: انت مضطر أن تتعامل مع الجندى الإسرائيلى لكى تمر من الحاجز - لكنك تتعامل معه فقط بصفته جندى احتلال وأنت مواطن فى هذه اللحظة واقع عليك الاحتلال. لكنك لا تتعامل مع الإسرائيلى بصفته «مثقفا» أو «أكاديميا» أو «كاتبا»، فقط «محتل». ولا تقيم فى فندق غير عربى، ولا تأكل فى مطعم غير عربى - هذا فى القدس طبعا. لا أُغَلِّط أبدا من يرفضون الذهاب فى ظل الاحتلال. ولكن - عن نفسى - أنا أتعامل مع الاحتلال - بصفته محتلا وشريرا وظالما - لكى أزور أحبائى فى فلسطين. توكل على الله يا صديقى، وأملنا ألا يزايد عليك أحد، ولو حدث ستجدنا إلى جانبك». من جانبه قال الكاتب السودانى «طارق الطيب»: «إبراهيم، اكتب أنت رأيك ومسوغاتك قبل سفرك من ضميرك. اكتب قبل السفر ولا ترد بعد السفر أبدا، واذهب ونحن نعرف لمن تذهب ومن تدعم. مدينون كلنا للفلسطينيات والفلسطينيين بزيارات متكررة تؤازرهم. أقل وأوهن واجب! حين تزور سجينا يا إبراهيم؛ فأنت لا تزور وزير الداخلية ولا إدارة السجون. أقف إلى جوارك: اذهب وسلم لنا على كل الفلسطينيات والفلسطينيين الرائعين!» أما القاصة «صفاء النجار» فعلقت بجملة مختصرة قائلة: «اذهب.. دعك من المتنطعين». أما وجهات النظر المؤيدة من الكتاب الفلسطينيين فقد ترجمتها ما كتبته الروائية «بديعة زيدان» قائلة: «يا ريت توافق يا استاذ إبراهيم إحنا فى فلسطين محتاجين لإخوتنا العرب ومحتاجين تكسروا الحصار وتزورونا، زيارة السجين لا تعنى التطبيع مع السجان، إحنا فى سجن ومحتاجين دعمكم وزيارتكم». وفى تصريحات خاصة ل «البوابة» قال الدكتور «سيد البحراوى» أستاذ الأدب العربى الحديث والنقد بجامعة القاهرة: «هذه الدعوة قديمة موجودة أصلا من أول ما وقعت اتفاقية كامب ديفيد، بعض المثقفين الفلسطينيين، وبعض أساتذة الجامعة كانوا طوال الوقت يوجهون لنا الدعوات للذهاب للتدريس هناك، أو أن نرسل إليهم كتبا وأشكال تعاون مختلفة، ورغم أنه بالطبع شىء مهم ونفذنا بعضا مما طلبه منا المثقفون الفلسطينيون وأرسلنا لهم ما طلبوه من الكتب إلى الجامعات لكن رفضنا فكرة الذهاب إلى الضفة الغربية أو غزة، باعتبار أنه مهما حاولنا هناك تأشيرة إسرائيلية فى النهاية، لا بد من تأشيرة دخول من إسرائيل، حتى ولو كانت فى ورقة مستقلة عن جواز السفر، كنا نعتبر وما زلنا أو أنا ما زلت أعتبره نوعا من الاعتراف بشرعية وجود إسرائيل، أما موافقة أهداف سويف وتأييدها لفكرة مؤازرة الفلسطينيين والسفر إلى الضفة الغربية لتلبية الزيارة التى تحدث عنها عبدالمجيد فليس لديها مشكلة لأنها إنجليزية، لكننى أتحدث عنا كمصريين فأى تعامل مع الكيان الصهيونى يعتبر نوعا من الاعتراف بوجود هذا الكيان، مع الأخذ فى الاعتبار أنه كيان موجود بالفعل شئنا أم أبينا، الفكرة المهمة هنا هى رفض وجود هذا الكيان وهو ما يسبب مشكلة حقيقية لإسرائيل طوال الوقت ولا يستطيعون حلها. نحن أو أنا شخصيا مصر على أن نظل غير معترفين بوجودهم فى هذا المكان من العالم، وبالنسبة لى التصور الأمثل هو إنشاء دولة ديمقراطية يعيش فيها العرب واليهود، المسيحيون والمسلمون وأى ديانات أخري، والإسرائيليون لا يتحملون هذا ويرفضونه بالتالى نحن مكملون فى طريقنا». من جهته طرح الروائى رؤوف مسعد عددا من التساؤلات حول طبيعة الدعوة التى وجهت إلى إبراهيم عبدالمجيد ومن وجهها تحديدا ولماذا لا ينشر عبدالمجيد تلك الرسالة التى تحدث عنها قائلا: «عبدالمجيد يريد أخذ موافقة من مين؟ منا، من المثقفين لازم يكتب والناس ترد، يعنى أيه تطبيع ثقافى وشكله أيه. أنا لى وجهة نظر ومحمد له وجهة نظر وعلى له وجهة نظر.. إلخ لو الأغلبية قالت كذا يبقى أوكي، آخرون رأوا أنه تطبيع ثقافى ممكن، أنا شخصيا كرؤوف مسعد أرى أنى كفرد لا أقوم بتطبيع ثقافى إلا مع الكتاب الإسرائيليين المؤيدين للقضية الفلسطينية، وأضرب مثالا بأهداف سويف حينما كانت تعمل بالجارديان، واللقاءات التى أجرتها مع الجانبين ونشرت فى أخبار الأدب ولم تعتبر أن هذا تطبيع. السؤال هنا ما رأى عبدالمجيد فى التطبيع؟ هو بيلعب خصوصا وهو حاصل على جوائز عديدة ولديه اتصالات ثقافية مع مجمل المنطقة العربية وهل يظن أنه سيخسرها إذا سافر أم لن يخسرها، لكن كيف يرى هو التطبيع؟». وأوضح مسعد: «لدىّ وثائق كتبها محمود درويش وإميل حبيبى يقولان فيها: يا جماعة «إلحقونا» تعالوا نحن محاصرون، فهل الرسالة التى يقول عنها عبدالمجيد موجهة إليه فقط، أم موجهة لمجمل المثقفين المصريين، بمعنى هل خصصوا الخطاب لعبدالمجيد أم قالوا تعال وهات معك وفدا من المثقفين المصريين؟ لا أعرف فلينشر عبدالمجيد الرسالة حتى لا نتكلم فى حديث «عنعنة» فلان عن فلان، ما يقوله عبدالمجيد حديث آحاد، أريد معرفة من وجه الرسالة وهل هى من اتحاد كتاب فلسطين فى الداخل أو الخارج، اتحاد كتاب مرتبط بالحزب الشيوعى أم مرتبط بحماس، عاوزين نعرف لأن الموضوع شائك. أنا أتحمل مسئولية نفسى وعارف ده من الأول وكتبت مقالات وكتابا عن ذهابى لإسرائيل، فهل يستطيع عبدالمجيد أن يكتب كتابا عن رحلته ولا ميقدرش، واشمعنى دلوقتى بعد أن أخذ أكبر جائزة عربية «كتارا» إيه الحكاية؟!!».