من أهم المظاهر التي تميّز معبد “,”أبو سمبل“,” عن غيره من معابد المصريين القدماء، دخول أشعة الشمس في الصباح المبكر إلى مكان داخله يسمّى “,”قدس الأقداس“,”، ووصولها إلى التماثيل الأربعة التي تحتل بهو قدس الأقداس، لتضيء هذا المكان العميق في الصخر، والذي يبعد عن المدخل حوالي ستين متراً. ففي الساعة السادسة وخمس وعشرين دقيقة من صباح 21 فبراير، أو الساعة الخامسة وخمس وخمسين دقيقة من صباح 21 أكتوبر من كل عام، يتسلل شعاع الشمس ليهبط فوق وجه الملك “,”رمسيس الثاني“,”، فيضاً من نور يملأ قسمات وجه الفرعون داخل حجرته، في قدس الأقداس، ثم يتكاثر شعاع الشمس بسرعة، مكوناً حزمة من الضوء تضيء وجوه التماثيل الأربعة داخل قدس الأقداس. وجدير بالذكر، أن حدوث تعامد الشمس على تمثال “,”رمسيس الثاني“,” كان يحدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير قبل عام 1964، إلا أنه بعد نقل معبد “,”أبو سمبل“,” بعد تقطيعه، لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالي في بداية الستينيات، من موقعه القديم الذي تم نحته داخل الجبل إلى موقعه الحالي، أصبحت هذه الظاهرة تتكرر يومي 22 أكتوبر و22 فبراير، وذلك لتغيّر خطوط العرض والطول بعد نقل المعبد 120 متراً غرباً، وبارتفاع 60 متراً عن موقعه القديم، حيث تدخل الشمس من واجهة المعبد، لتقطع مسافة 200 متر قبل أن تصل إلى “,”قدس الأقداس“,” لتضيء ثلاثة تماثيل من الأربعة الموجودة داخله، وهي: تمثال “,”رع حور“,”، أخت إله الشمس، تمثال “,”رمسيس الثاني“,”، الذي يتساوى مع الإله، وتمثال “,”آمون“,”، إله مدينة “,”طيبة“,” في تلك الحقبة، أما التمثال الرابع فهو للإله “,”بتاح“,”، رب مدينة “,”منف“,”، وراعي الفن والفنانين، وإله العالم السفلي، فلا تصله أشعة الشمس، لأنه لابد أن يبقى في ظلام دامس مثل حالته في العالم السفلي، ثم تقطع أشعة الشمس 60 متراً أخرى، لتتعامد على تمثال الملك رمسيس الثاني، وتمثال “,”آمون رع“,”، إله “,”طيبة“,”، صانعة إطاراً حول التمثالين بطول 355 سنتيمترا، وعرض 185 سنتيمترا. التفسير الفلكي للظاهرة إن تقدم قدماء المصريين في علوم الفلك، يؤكد استفادتهم الكاملة بظواهرها في حياتهم العامة، وأنهم كانوا يعرفون خصائص شروق الشمس وغروبها، ومواقيتها ومواقعها، وطول السنة الشمسية بدقّة. فتعامد الشمس على معبد “,”أبو سمبل“,” مرتين في العام، يستند إلى حقيقة علمية اكتشفها قدماء المصريين، وهي أن شروق الشمس من نقطة الشرق تماماً، وغروبها من نقطة الغرب تماماً، في يوم الحادي والعشرين من شهر مارس، ثم تتغير نقطة الشروق بمقدار ربع درجة تقريباً، كل يوم، إلى ناحية الشمال، حيث تصل في شروقها إلى نقطة تبعد بمقدار 23 درجة و27 دقيقة شمال الشرق، في الثاني والعشرين من شهر يونيو. وأن الشمس تعود مرة أخرى لتشرق من نقطة الشرق تماماً، بنفس معدل تحركها تجاه الشمال، لتصل إلى نقطة الشرق تماماً في الحادي والعشرين من شهر سبتمبر، ثم تتغير نقطة شروق الشمس بمعدل ربع درجة تقريباً ناحية الجنوب، لتصبح على بعد 23 درجة و27 دقيقة جنوب الشرق، في الثاني والعشرين من شهر ديسمبر من كل عام، ثم تعود بنفس المعدل لتصل إلى نقطة الشرق تماماً في الحادي والعشرين من شهر مارس. واستند قدماء المصريين في اكتشافهم، إلى أن الشمس تمرّ على كل نقطة، في أثناء شروقها وغروبها، مرتين في كل عام، وأن المسافة الزمنية بينهما تختلف تبعاً لبعد كل نقطة عن نقطة الشرق تماما، وأن تعامد الشمس على وجه “,”رمسيس الثاني“,” مرتين في العام، يومي الثاني والعشرين من شهر أكتوبر، والثاني والعشرين من شهر فبراير، جاء نتيجة لاختيار قدماء المصريين نقطة في مسار شروق الشمس، تبعد عن نقطتي مسارها، زمنا قدره أربعة أشهر، لتتوافق مع يومي 22 أكتوبر و22 فبراير من كل عام، ثم قاموا ببناء المعبد بحيث يكون اتجاه المسار الذي تدخل منها الشمس على وجه “,”رمسيس الثاني“,” من فتحة ضيّقة ناحية الشرق، وأن قدماء المصريين جعلوا هذه الفتحة ضيقة، بحيث إذا دخلت أشعة الشمس في يوم وسقطت على وجه التمثال، فإنها في اليوم التالي تنحرف انحرافاً صغيراً قدره ربع درجة، وبهذا تسقط الأشعة في اليوم التالي على جدار الفتحة، ولا تسقط على وجه التمثال. مكتشف الظاهرة اكتشفت هذه الظاهرة عام 1874، حيث قامت المستكشفة “,”إميليا إدواردز“,”، والفريق المرافق لها، برصد هذه الظاهرة وتسجيلها في كتابها المنشور عام 1899، “,”ألف ميل فوق النيل“,”، والذي جاء فيه: “,”تصبح تماثيل قدس الأقداس ذات تأثير كبير، وتحاط بهالة جميلة من الهيبة والوقار، عند شروق الشمس وسقوط أشعّتها عليها“,”، واستطردت قائلة، إن أي مشاهد لم يراقب سقوط أشعة الشمس هذه، يساوره شك في أثرها القوي، المحسوب بدقة حسب علمي الفلك والحساب عند قدماء المصريين، حيث حُسب بدقة، ووجِّه نحو زاوية معينة، حتى يتسنى سقوط هذه الأشعة على وجوه التماثيل الأربعة.