الاعتداء الذي تعرض له الأديب المتميز الدكتور علاء الأسواني أمس الأربعاء في فرنسا يكشف المدى الذي بلغه ضيق الأفق الإخواني من ناحية، ويؤكد أنها جماعة لا تعبأ بقوانين وأعراف البلد الذي يأويهم من ناحية أخرى، الأمر الذي يزيد من عداوة الغرب للإسلام الحنيف بكل أسف! وفقاً للأخبار الواردة من باريس، فإن الأسواني كان يلقي محاضرة في معهد العالم العربي هناك، وما إن ذكر في كلامه أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي يعد قائدًا وطنيًا حتى اشتعلت صدور الحاضرين من أعضاء الجماعة وأنصارها بالغضب، وقاموا بالاعتداء على صاحب (عمارة يعقوبيان) وتحطيم القاعة. ولأنهم لا يعرفون فضيلة قبول الأفكار المغايرة، فإن الدم تفجر في شرايينهم عند ذكر الجيش الوطني لمصر وقائده، بوصفهم جماعة لا تؤمن بفكرة الوطن فحسب، بل تعده فكرة عفنة كما قال سيد قطب مرة! اللافت للانتباه أن الذين فقدوا رشدهم من كلام علاء لم يمسكوا أعصابهم لحظة ليدركوا أنهم في باريس، لا في أسيوط، وأن فرنسا هي بلد الاستنارة والآراء الحرة بامتياز، وأن باريس لقبت بمدينة النور لأنها تشع على العالم بأضواء الابتكار والإبداع منذ قرون، وأنها تفتح أبواب جامعاتها ومعاهدها لمناقشة كل الأفكار والآراء في العالم بروح تنشد البحث عن المعرفة واكتشاف الحقائق، ولولا ذلك ما استطاعت الجماعة نفسها ولا أعضاؤها أن تجد في بلد سارتر مأوى أو ملاذاًّ، ولكن ماذا تقول عن أناس اشتروا التعصب بالتسامح، وابتاعوا التشدد بالانفتاح، وحسناً فعلت الشرطة الفرنسية حين قبضت على هؤلاء الجهلة لتقدمهم إلى المحاكمة ليناولوا ما يستحوقنه من عقاب بسبب رعونتهم وضيق صدورهم (أفتح هذا القوس لأذكرك بأنهم قتلوا فرج فودة واعتدوا على نجيب محفوظ)! من المحزن أنهم لا يعرفون القيمة الكبرى التي يتبوأها الروائي المتفرد علاء الأسواني في حياة المصريين والعرب، ولا يدركون مواقفه الشجاعة والصلبة ضد نظام مبارك، ولا يعلمون بطبيعة الحال أن إحدى فضائل علاء تتمثل في استعادة نعمة القراءة لدى الشباب بعد أن أهدرت كثيرًا في عهد مبارك بكل أسف، إذ أقبل العديد من أولئك الشباب على اقتناء وقراءة رواياته نظرًا لما تحتويه من جسارة في الرأي وبراعة في تجسيد الشخصيات وحصافة في التشويق والإثارة. إن علاء الأسواني قيمة كبرى في حياتنا الثقافية والسياسية، ويجب على كافة المنظمات والهيئات الثقافية الحكومية والأهلية أن تدين الجريمة التي نفذها الإخوان فيما وراء البحار ضد كاتب مصري شجاع يعشق وطنه، ويرفع رايته عاليًا في سماوات العالم! ويا صديقي دكتور علاء.. لا تحزن ولا تبتئس، فالمستقبل للحرية وللإبداع الجميل، واعلم أن ما تعرضت له في باريس لن يمر سدى بإذن الله.