اسمها ليس على مسمى، ولم تحظَ حتى بقليل منه، فقرية الشيخة خضراء التى تقع بمركز الخانكة بالقليوبية، من إحدى القرى المهجورة والمنسية، تقترب من سجن المرج العمومى، وقربها من السجن جعل البؤس والشقاء ينجذب إليها تارة مجبوراً، وتارة أخرى بفضل تجاهل المسئولين، حيث سقطت القرية من حساباتهم، واعتبر الأهالى أنفسهم يعيشون فى قرون العصور الوسطى أو الجاهلية، فالمسافات القريبة بينهم وبين العاصمة لم تعطهم الحق فى الحياة، ولم تجلب لهم سوى السخط والشقاء. فى البداية لا نعرف السبب الحقيقى وراء تسميتها بالشيخة خضراء، إلا أن بعض الروايات التى يتناقلها الأهالى عن وجود سيدة عجوز كانت تسكن بالقرية منذ زمن، وكان الناس يأتون إليها من كل حدب وصوب لأخذ البركة منها. ولكن واقع الحال يختلف شكلا ومضمونا، فانقطاع المياه الدائم بالقرية، واعتماد الأهالى على المياه الجوفية هو أساس الحياة داخل القرية، والقمامة أيضاً لم تعد مشكلة داخل المنازل فقط بسبب عدم وجود عمال لإزالتها، لكنها أصبحت سمة للقرية ذاتها، فكل منزل يتخلص من القمامة كما يحلو له، إما بالحرق أو إلقائها فى الشوارع وطرقات القرية، هذا بالإضافة إلى عدم وجود صرف صحى يؤمن للأهالى بيئة نظيفة وصحية. ولا تخلو القرية من الحيوانات الضالة، فبين الطرقات تجد تارة كلبا مسعورا أو آخر ينبح دون توقف، بالإضافة إلى القطط التى أصابها المرض مثل سكان القرية. وتزداد معاناة الأهالى فى البحث عن «لقمة العيش»، فالخبز فى القرية ممنوع، ولا يوجد فرن أو حتى كشك يبيعه للأهالى، ويلجأون للذهاب إلى المرج أو عين شمس يوميا حتى يشتروه، فحصة الأسرة جنيه واحد فقط وهى لا تكفى، وتخلو القرية من وجود مدارس، فأقرب مدرسة تبعد 2 كيلو على الأقل من القرية، ما يسبب التعب للأطفال حيث يمشون تلك المسافة يوميًا ذهابا وإياباً، بالإضافة إلى عدم وجود مواصلات عامة تربط بين القرية وما حولها من القرى أو المراكز، ما يجعلهم عرضة للاستغلال من سائقى «التوك توك» والميكروباص. وفى حديثنا مع الأهالى، تقول الحاجة خديجة، إحدى السيدات بالقرية، إنهم اعتمدوا فى شرب المياه على المياه الجوفية «الطرنبة»، والتى تسبب لهم العديد من الأمراض، حيث تعانى ابنتها من كثرة الأملاح والصديد على الكلى، ولا تجد ما يعالجها، حيث توفى زوجها منذ سنة، ولديها ثلاثة أطفال فى مراحل عمرية مختلفة، وليس لها مصدر دخل، لأن زوجها لم يكن عاملاً، وحاولت عبثا الحصول على معاش من وزارة التضامن، إلا أن الروتين أصابها بفقدان الأمل فيه. وتضيف الحاجة خديجة: «ندمت أننى جئت هذه القرية، فكنت أسكن من قبل فى شبرا فى غرفة واحدة فقط، وكنت أعتقد أن انتقالى هنا أفضل لى ولأسرتى، ولكن حدث العكس تماما، فالقرية لا يوجد بها أى مرافق تساعد على الحياة، كأننا نعيش فى أيام الجاهلية». أما السيدة ناهد سعيد، فهى تعيش فى القرية منذ 14 عاما، ولديها ثلاثة أبناء، وزوجها عامل باليومية، وتشكو من عدم وجود صرف صحى، كذلك انتشار التلوث من قمامة وحشرات، بالإضافة إلى الحيوانات الضالة من الكلاب والقطط، وعدم وجود رعاية صحية قريبة، قائلة: ابنتى عقرها كلب ولم نجد من يعالجها، ولا يهتم بنا أحد كأننا «مش بنى آدمين». أما سعدية عبداللطيف، التى تسكن هى وأبناؤها السبعة فى منزل واحد، فتشكو من عدم وجود وحدة صحية داخل قرية الشيخة الخضراء، يستطيع المواطنون تلقى العلاج والفحوصات من خلالها، كما أن إغاثة المرضى فى الحالات الحرجة مفقودة داخل القرية، ولكن من يمرض عليه أن يذهب إلى مستشفى الخانكة. وتضيف «سعدية»: «مفيش صرف صحى، وبنعتمد فى الأساس على الطرنشات، ودى بتكلفنا فى الأسبوع 50 جنيها، وده مبلغ كبير علينا، إحنا مصروف يومنا ما بيزيدش عن 30 جنيها بنقطع منه عشان نقدر نجيب حد يصرف لنا المجارى». وتشكو سعدية أيضا من عدم وجود سوق للخضار بالقرية، ومن يريد شراء الطعام والخضار عليه الذهاب إلى سوق العرب فى منطقة عرب العبايدة، وهى تبعد عنهم عشرات الكيلو مترات، ويضطرون للذهاب سيرا على الأقدام، فضلا عن غلو أسعار الخضروات. أما مها جمال، إحدى الساكنات بالقرية منذ 8 سنوات فتشكو من عدم وجود مدارس بالقرية أو بالقرب منها، فأقرب مدرسة تبعد حوالى 2 كيلو متر من القرية، ويصعب على الأطفال السير كل هذه المسافة، وعندما يذهبون للمدرسة يظهر عليهم التعب ولا يستطيعون تحصيل الدروس والاستيعاب، بالإضافة إلى وجود بعض أعمال البلطجة التى يخشى الأهالى على أطفالهم منها، خاصة أن أقرب قسم شرطة يقع فى مركز الخانكة. ويقول جمال عبدالدايم، البالغ من العمر 56 عاما، ويعمل نجارا، ويعيش فى الشيخة الخضراء منذ 17 عاما، إن الحالة المادية لأهالى القرية ضعيفة، مناشدا المسئولين الرفق بهم والعمل على إصلاح أحوالهم. ويؤكد على ذلك الحاج محمد بدوى، فهو على المعاش، ويسكن فى القرية منذ 1993، ولديه 3 أبناء، والمعاش لا يكفيه للإنفاق، ويقتطع جزءا كبيرا منه للعلاج شهريا، فعدم وجود تأمين صحى أصبح أمرا مرهقا على الطبقة الفقيرة من المواطنين، حسب قوله، مطالبا بضرورة توفير وحدة صحية لمتابعة المرضى بالقرية.