عند ذكر الشمولية أو القمع تقفز على الفور إلى الأذهان رواية "1984" للصحفي والروائي البريطاني جورج أوريل، الذي دومًا ما تحدث عن غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي، وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية، والذي تميزت كتاباته في الوقت نفسه بالبساطة، فاستطاعت الحصول على جماهيرية جارفة حتى الآن. هو إريك آرثر بلير كما تقول الأوراق الرسمية، المولود في 25 يونيو عام1903، في موتيهارب ولاية بيهار الهندية لأسرة من الطبقة المتوسطة، عمِل في البداية كشرطي، حتى أصيب في نهاية عام 1927 بحمى الضنك، حين تم نقله إلى مدينة كاثا في بورما العليا، وهو العام نفسه الذي استقال فيه من وظيفته كشرطي تابع للإمبراطورية ليتفرغ إلى الكتابة، وقد ظل فترة طويلة في حالة من الندم الشديد لعمله مع الإمبراطورية. نشر أورويل أول مقال له في مجلة "موند"، وهي مجلة سياسية أدبية يحررها هنري باربس، بعنوان "الرقابة في إنجلترا" والتي نشرت بتاريخ 6 أكتوبر 1928، ولكن مالبث أن عاد المرض ليشتد عليه في فبراير 1929، حيث أُخذ إلى مستشفى كوشين في المنطقة الرابعة عشر في باريس، وكانت تجربة قاسية ذكرها في مقاله "كيف يموت الفقراء" المنشور في 1964، رغم أنه قرر عدم ذكر اسم المستشفى وتعمد كذلك التضليل حول موقعها. سافر جورج في عدة رحلات إلى شمال بريطانيا، وكان نتاج رحلاته صدور كتابه "الطريق إلى ويجن بير"، والذي نشره عام 1937، حيث يتناول النصف الأول من الكتاب توثيق لتحقيقاته الاجتماعية في "لانكشاير ويورك شاير"، وهي تبدأ مع وصف مثير للمشاعر لحياة العمل في مناجم الفحم، والنصف الثاني هو مقال طويل عن بداية وتطوّر حسّه السياسي والذي يتضمن انتقادات لبعض الجماعات اليسارية؛ وقد كتب هذا الكتاب في كوخ صغير بُني منذ القرن السادس عشر الميلادي، في "والينجتون هيرتفوردشاير" وهي قرية صغيرة جدًا تقع على بعد خمس وثلاثون ميلًا من لندن. استمر أورويل في كتابة أعماله التي ركزت على انتقاد الأنظمة الشمولية، وخلّدته روايته "1984" التي وضع فيها سيناريو مرعب عن تغلغل هذه الأنظمة وسيطرتها على حياة وواقع الإنسان؛ ومن أشهر أعماله كذلك رواية "الديستوبي"، وروايته المجازية "مزرعة الحيوان"، كتابه "تحية لكتالونيا" والذي كان ضمن رصيد خبراته في الحرب الأهلية الإسبانية، والمشهود به على نطاق واسع على أنه مقاله الضخم في السياسية والأدب واللغة والثقافة. أنتهى الحال بالمؤلف البارع بعد تدهور حالته الصحية، إلى إعلان مرضه بالسل، حيث أقام فترة كبيرة بالمستشفى قبل وفاته، وقد أوصى بدفنه وفقًا لتقاليد الكنيسة الإنجيلية في أقرب كنيسة له في المكان الذي يموت فيه، وطلب في وصيته ألا تكتب أي سيرة ذاتية عنه - وحاولت زوجته سونيا برونيل جاهدة أن تصد جميع المحاولات بإقناعها من قبل المهتمين بكتابة سيرته الذاتية، وتم نشر العديد من المذكرات والتراجم عنه في الخمسينات والستينات - ليرحل عن عالمنا في 21 يناير عام 1950؛ وقد أثار عدم وجود مكان في مقابر لندن قلق أرملته، إضافة إلى الخوف من عمليات حرق قد تطال هذه المقابر، حيث ناشدت المعارف والأصدقاء بالبحث عن مساحة في المقابر لزوجها الراحل على أن تكون في محيط لندن، ثم تفاوضت مع أحد النواب من أجل دفنه في مقبرة القديسين مع أنه لا يملك صلة بأي شكل مع القرية. في عام 2008 وضعت صحيفة "التايمز" البريطانية أورويل في المرتبة الثانية في قائمة أعظم خمسين كاتب بريطاني منذ عام 1945، واستمر تأثير أعمال أوريل على الثقافة السياسية السائدة، وصار مصطلح أورويلية المنسوب إليه يصف ممارسات الحكم الاستبدادي والشمولي، والتي دخلت في الثقافة الشعبية مثل ألفاظ عديدة أخرى من ابتكاره مثل "الأخ الأكبر، التفكير المزدوج، الحرب الباردة وجريمة الفكر وشرطة الفكر".