«الفنيون والمبرمجون والسوشيال.. أصبحوا المديرين الحقيقيين للمواقع الإخبارية».. حقيقة مؤلمة كشفت عنها الدكتورة سماح الشهاوي، المدرس المساعد بقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، عبر رسالة دكتوراه تقدمت بها تحمل عنوان: «العوامل المؤثرة على مستقبل الصحافة الإلكترونية في مصر في الفترة من 2015 حتى 2030». ومن هذه الحقيقة، تنطلق مقالاتنا القادمة، التي نهدف منها إلى تقديم رؤية متكاملة لتطوير العمل في المواقع الإخبارية، التي بدأناها بأربعة مقالات حملت عناوين: «مبادرة لإنقاذ الصحافة الإلكترونية؟»، و«لماذا جوجل منقذ الصحافة الإلكترونية؟»، و«لماذا تخسر المواقع الإخبارية مع جوجل؟»، و«كيف تربح المواقع الإخبارية؟»، ونستكمل في مقال اليوم الحديث عن كيفية إرساء المؤسسية في المواقع الإخبارية. رسالة الدكتوراه التي قدمتها الدكتورة سماح، وضعت يدها على بعض المشكلات التي تواجه الصحافة الإلكترونية، وفي نفس الوقت تهدم أي أمل في ترسيخ المؤسسية في الإدارة، أغلبها متعلقة بالقيادات، ومديري المواقع، وتشمل «عدم وضوح الرؤية لدى القائمين حول طبيعة العمل في الصحافة الإلكترونية». وأشارت «الرسالة»، إلى أن عدم وجود فريق عمل متخصص في المجال الإعلامي ضمن القائمين على إدارة المواقع، وعدم توافق مؤهلات بعضهم مع طبيعة العمل وضعف التدريب، يغلب عليهم التخصص الفني والتقني، في وقت تترك فيه معظم المؤسسات الإعلامية مسؤولية الإشراف لبعض الفنيين الذين يقتصر علمهم على وضع المواد المطبوعة على الإنترنت، دون إضافة أي مادة عليها أو التعامل معها بمنطق إعلامي، كما تنتشر ذهنية الصحافة الورقية في تعامل المؤسسات، ولا تراها سوى وعاء لنشر المضمون. ولفتت «الرسالة»، إلى أن معظم الصحف الورقية يتجه إلى تدشين مواقع إخبارية لها، مدفوعة بخوف يعتريها من استحواذ الإنترنت على الجمهور، ومن ثم تخرج تمامًا من الصورة الإعلامية، لذا لا توجد إرادة حقيقية من جانب صناع الصُحف، لاكتشاف طبيعة الوسيلة الجديدة، ولم تفكر أي مؤسسة في إنشاء مراكز بحثية تختص بتحليل الجمهور وميوله وخصائصه وتفضيلاته. وأضافت «الرسالة»، أن الاستعانة بالصحفيين في الصحف الورقية للقيام بمهام الموقع الإلكتروني، تؤثر بطبيعة الحال على مستوى العمل في الموقع، لأنه يدعم سيطرة ذهنية الصحافة المطبوعة على العاملين. وشددت «الرسالة»، على أن الجهل بالصحافة الإلكترونية دائمًا ما يدفع مديري المواقع الإخبارية إلى اتخاذ قرارات من شأنها تشويه صورة المؤسسة الإعلامية، خصوصًا فيما يتعلق بدورة النشر، أو السياسات التحريرية، وتوقيت إجراء تغيير على تصميم الموقع وديناميكية الترابط بين أقسامه المختلفة. واعتبرت «الدراسة»، أن الاعتماد على مراسلين من خارج المؤسسة أو صحفيين غير متفرغين للعمل، يعرقل عملية النشر الفوري، خصوصًا الانفرادات، والحصريات، ويخفض مستوى تجاوب الموقع مع رسائل القراء، فضلًا عن الظن الخاطئ من الإدارة بأن زيادة عدد الصحفيين يضمن لهم السبق. وسلطت «الرسالة»، الضوء على المشكلات المتعلقة بحقوق الصحفيين، خصوصًا التأمين الصحي والاجتماعي، والقانونية المتعلقة بمطالب انضمام الصحفيين الإلكترونيين إلى نقابة الصحفيين، بالإضافة إلى عدم وجود قانون ينظم عملية النشر الإلكتروني، وهو ما ساعد في إحداث فوضى إعلامية، وساهم في نشر الشائعات، وأثر كثيرًا على المصداقية، والالتزام بأخلاقيات المهنة المتعارف عليها، وتحويل المواقع الإخبارية، إلى كيانات تنشر الرذيلة والفضائح والأخبار الجنسية. وأكدت الرسالة، أن المشكلة الأكبر للصحفيين العاملين في المواقع الإخبارية، هي عدم وجود تقدير معنوي بشكل عام في مصر للمواقع الإلكترونية والعاملين فيها، وعدم حرص المؤسسات الإعلامية والثقافية في مصر على إعطاء جوائز للمواقع. الحقيقة أن ما تناولته الرسالة أظهر كثيرًا من المشكلات التي تعانيها المواقع الإخبارية، لكن إذا كنا نريد أن تكون في مصر صحافة قوية، فيجب علينا الإسراع لوقف تسلل أمراض الصحافة الورقية إلى منظومة النشر الإلكتروني، التي لا تعترف برئيس التحرير الإله، الديكتاتور، بل تعتمد في الأساس على توزيع المهام بين فريق متكامل، من الماهرين والمبدعين القادرين على القيادة. وبعيدا عن تجاهل الرسالة العديد من المشكلات المهمة، والجوهرية، وعدم طرحها رؤية واضحة لمستقبل الصحافة الإلكترونية، وقراءتها لواقع متغير، من منطلق ثابت، إلا أنها قدمت جهدًا مشكورًا يكشف حجم فجاجة المشهد الذي نعيشه. ماذا بعد نحن الآن أمام مشاكل تتعرض لها كافة الأطراف المشاركة في صناعة المواقع الإخبارية، فما بين جهل غير معترف بكيفية إدارة تلك المنظومة، وآفات الصحافة الورقية، التي قذفتها في وجه الوسيلة الجديدة، وأثرت كثيرًا في المسيرة، سنجد أنفسنا أمام مشاكل متعلقة بالأمان الوظيفي للصحفيين، وعراقيل أخرى متعلقة بالسلوك الإنساني الجزء الأصيل في أي معادلة إدارية، فلا ننكر نحن معشر صاحبة الجلالة، أننا نعتقد كذبا بمقولة «الصحافة نبع الحكمة»، فالصحفي المصري، يبدأ مشواره المهني بلقب الأستاذ و«خليفة التابعي، وهيكل». صحيح إن آفات السلوك الإنساني للصحفيين، أصبحت جزءًا أصيلًا في شخصياتهم، يتوارثونها، جيل بعد جيل، فأسهل شيء هو انتقاد ما يفعله الآخرين والتنظير العشوائي، وهو ما يؤدي إلى صعوبة في وضع نظام مؤسسي يحتوي كل تلك الأمراض الحميدة، في ظل وسيلة تتعامل مع الأحداث لحظيًا، لا مجال فيها لاستيعاب ذلك. الحقيقة التي نؤمن بها هي أن الكيان المؤسسي بات الفريضة الغائبة عن عالم النشر الإلكتروني، التي سنسعى لتوضيح آليات تنظيمها، وكيفية صنع المواقع الإخبارية، وفن التخطيط وكيفية قراءة السوق الصحفية، وأصول القيادة الرشيدة، والمشكلات التي تواجه المواقع الناشئة، وكيفية تجاوزها، والديناميكية المطلوبة، وكيفية وضع تكتيك مسبق لدورة العمل، وجلب الزوار والإعلانات، وكيفية توزيع المهام بين عناصر منظومة النشر الإلكترونية، بما يحفظ الاستقلالية لكل العناصر. وللحديث بقية.. مع فن صناعة المواقع الإخبارية. علي التركي مدير عام تحرير موقع «البوابة نيوز» [email protected] مقالات تهمك:- مبادرة لإنقاذ الصحافة الإلكترونية «1» لماذا «جوجل» منقذ الصحافة الإلكترونية؟ «2» لماذا تخسر المواقع الإخبارية مع «جوجل»؟ «3» كيف تربح المواقع الإخبارية؟ «4»