زيارة على جانب كبير من أهمية يقوم بها وزير الخارجية سامح شكرى إلى ألمانيا قاطرة الاتحاد الأوروبى الاقتصادية والمالية ومركز الثقل السياسى الأساسى بين أقطابه . وإذا كانت الزيارة تكتسب أهمية خاصة للجانب المصرى سواء من حيث الملفات المطروحة خلالها أو من حيث التوقيت فإن اهتمام الجانب الألمانى بها لا يقل أهمية عن أهميتها للجانب المصرى ، ولم يكن مستغربا فى هذا الإطار حرص مستشار الأمن القومى الألمانى على لقاء الوزير سامح شكرى فور وصوله الليلة الماضية الى برلين. ويشير المحرر الدبلوماسى لوكالة أنباء الشرق الأوسط وموفدها إلى برلين خلال زيارة الوزير الحالية إلى أن العلاقات بين مصر وألمانيا شهدت نقلة نوعية وبصفة خاصة بعد زيارة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى لبرلين فى يونيو الماضى، والتقاء السيد الرئيس بالمستشارة ميركل ثلاث مرات عام 2015، فضلاً عن اللقاءات بين الوزير ونظيره الألمانى وغيرها من اللقاءات والزيارات. كما قام الوزير زيجمار جابريال بزيارتين للقاهرة عام 2015 بصفته نائباً عن المستشارة ميركل، للمشاركة علي رأس وفد عال المستوي في كل من مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، ومراسم افتتاح قناة السويس الجديدة. وقد انعقدت اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين ومنتدى رجال الأعمال، علي هامش زيارة الرئيس السيسي لبرلين في يونيو 2015، و كان لألمانيا موقف إيجابى بدعم مطلب مصر التحول لدولة عمليات فى بنك إعادة الإعمار والتنمية الأوروبى ####EBRD####، وعدم تغيير إرشادات السفر للغردقة ومرسى علم، باعتبارهما المقصدين الرئيسيين للسياحة الألمانية. تعمل مصر وألمانيا حاليا على تقنين أوضاع المؤسسات الألمانية فى مصر، من خلال وضعها ضمن بروتوكول خاص يلحق باتفاق التعاون الثقافى بين البلدين لعام 1959 ، يتضمن نطاق عمل هذه المؤسسات وإجراءات متابعة أنشطتها ، بما يضمن سلاسة عملها فى مصر ، كما أن هناك سعيا للتوصل إلى حل لقضية مؤسسة كونراد أديناور فى إطار القانون واحترام أحكام القضاء فى أقرب وقت. ثانيا: العلاقات الاقتصادية والتنموية والتجارية: أعلن الجانب الألمانى فى ديسمبر 2014 عن تخصيص 102,5 مليون يورو كمساعدات تنموية لمصر خلال الفترة 2015-2016، فيما كان حجم المنصرف الفعلي من المعونات الألمانية المالية والفنية لمصر عام 2012/2013 ما قيمته 350 مليون يورو (وهو ذات المخصص للعامين الحاليين من دون القروض المُيسرة المقدمة من بنك التعمير الألماني####KfW،#### وقيمتها أكثر من 250 مليون يورو، والتي توقفت بسبب تراجع التصنيف الائتمانى لمصر)، مقابل 87,5 مليون عام 2007، و182,8 لعامي 2008/2009 و202,138 عام 2010، و114,5 عام 2011 قام الوزير جيرد مولر بزيارة القاهرة في 13 و14 ديسمبر 2015، والتقى مع الرئيس، وتم الاتفاق على عقد اجتماعين سنويا لمراجعة برامج التعاون الانمائي علي مستوي الخبراء والمستوي الوزاري برئاسة وزيري التعاون الدولي من الجانبين. قدم الوزير خلال زيارته مبادرة للشراكة في مجال التعليم الفني والتدريب المهني كما أعلن عن مخصصات إضافية أقرتها وزارته للتعاون الفني مع مصر في مجالي تنمية استخدام الطاقة المتجددة والتعليم الفني والتدريب المهني بقيمة 54 مليون يورو. بلغ حجم الاستثمارات الألمانية فى مصر نحو 2.5 مليار يورو، وذلك من خلال 948 شركة ألمانيا عاملة في مصر، في حين تبلغ الاستثمارات المصرية في ألمانيا 46,1 مليون يورو. وتحتل ألمانيا المرتبة العشرين لأهم الدول المستثمرة في مصر، وتتركز استثماراتها في المواد الكيماوية وصناعة السيارات وقطاع الاتصالات والحديد والصلب والبترول والغاز والأدوات الصحية ومكونات السيارات، وأهمها شركات ####Bavaria, Daimler, Henkel, Siemens, RWE, RKW,Thyssen Krupp, Duravit:،#### في أن الاستثمارات المصرية في ألمانيا مُمثلة في 102 شركة، وتتركز في قطاع البنوك والسياحة والفنادق والصناعات الدوائية والخدمات الاستشارية. أبرمت خلال العام الماضي عقود تجارية مع شركات ألمانية تبلغ حوالى (11,5) مليار يورو، وذلك مع شركات سيمنز بقيمة (8,5) مليار يورو لبناء ثلاث محطات طاقة بنظام الدورة المزدوجة فضلاً عن محطة لطاقة الرياح ومصنع لإنتاج مكونات مزارع الرياح، و شركة Linde بقيمة (2) مليار يورو لإنشاء مصنع للبتروكيماويات فى العين السخنة، وشركة #### Herrenknecht #### بقيمة (1) مليار يورو لحفر ستة أنفاق تحت قناة السويس. وقد حقق حجم التبادل التجارى بين الجانبين رقما قياسيا فى عام 2014 وهو 4,4 مليار يورو، كما بلغ إجمالي حجم الميزان التجاري بين البلدين خلال الأشهر الثمانية الأولي من العام2015 نحو 3397,84 مليون يورو بزيادة قدرها 13,8% عن نفس الفترة من العام السابق.وسجلت الصادرات المصرية 1189,38 مليون يورو بزيادة قدرها 1,8%، وبلغت الصادرات غير البترولية 475,42 مليون يورو، بزيادة قدرها 5,7% عن العام السابق. في حين استوردت مصر من ألمانيا ما قيمته 2208,46 مليون يورو، مسجلةً أيضاً زيادة في الواردات المصرية قدرها 21.6%، وبهذا يبلغ العجز فى الميزان التجارى عن ذات الفترة من العام الماضى 1019.08 مليون يورو بنسبة 57.3 %. العلاقات الأمنية هناك إدراك متنام في ألمانيا بأن أمن واستقرار مصر هو أمن واستقرار للشرق الأوسط ولألمانيا وأوروبا برمتها، مما يستلزم دعم مصر كركيزة رئيسية للاستقرار فى المنطقة، ومساعدتها أمنياً وسياسياً واقتصادياً وتنموياً، وتنسيق وتعزيز الجهود المشتركة لمواجهة التحديات والمخاطر المحيطة وأبرزها الإرهاب الدولى. كما أن هناك اهتماماً مشتركاً بالعمل على إيجاد أرضية مشتركة لتعزيز التعاون بينهما فى مجال مكافحة الإرهاب، خاصةً مع تزايد المخاوف الألمانية من التعرض لهجمات إرهابية شبيهة بهجمات باريس الأخيرة، بعد تزايد انخراط ألمانيا سياسياً وأمنياً عسكرياً فى منطقة الشرق الأوسط فى إطار التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب. وفى هذا الإطار تبدي ألمانيا اهتماما بدور مصر الرائد فى مجال مكافحة الفكر المتطرف، ودعوة الرئيس السيسي فى يناير 2015 لثورة دينية لتصحيح الخطاب الدينى وفضح الرسائل المضللة للتنظيمات الإرهابية، سواء من خلال إيفاد دعاة مصريين أو من خلال الاستفادة من قواعد بيانات الأزهر الشريف ودار الإفتاء، (تعاني ألمانيا حالياً من تزايد التيارات السلفية والجهادية بعدما فتحت أبوابها أمام هذه العناصر خلال العقود الماضية، حتى أصبح لدى ألمانيا حوالى 7000 سلفى وحوالى 700 مقاتل أجنبى ألمانى الجنسية). وعلى صعيد التعاون العسكرى بين البلدين ، شهدت هذه العلاقات ، خلال الفترة الأخيرة ، عدة تطورات إيجابية من أبرزها مراسم تسمية الغواصة الأولى من طراز U209 من إنتاج شركة تيسن كروب الألمانية فى 10 ديسمبر الماضي، تمهيداً لتسلم الغواصة فى ديسمبر 2016، وهى الغواصة التى طالما تطلعت البحرية المصرية للحصول عليها. ألمانيا وقضايا الشرق الأوسط والأزمات الخارجية وفى مجال السياسة الألمانية واهتمامها بقضايا الشرق الأوسط والدول العربية فى ظل التطورات التى تشهدها المنطقة حاليا ، كانت قضية اللاجئين هي القضية الأبرز على الساحة خلال العام المنقضي في ألمانيا، مع زيادة أعداد طالبي اللجوء الوافدين إلى ألمانيا حوالي 1,1 مليون شخص، دون وجود أفق واضح ومتفق عليه بعد بشأن كيفية التعامل مع القضية، أو التحكم في أعداد اللاجئين. وقد جاء قرار المستشارة ميركل بفتح الباب أمام استقبال اللاجئين في ألمانيا مدفوعا باعتبارات إنسانية ورغبة في تحسين صورة ألمانيا خارجيا، وليس لعوامل اقتصادية مرتبطة بتقدم عمر المجتمع أو الحاجة لأيد عاملة جديدة، خصوصا وأن غالبية القادمين غير مؤهلين للدمج في سوق العمل. إلا أن قرار ميركل سرعان ما تعالت الانتقادات ضده باعتبار أنها أخذته بدون تشاور موسع سواء في ألمانيا أو داخل الاتحاد الأوروبي، ولأنه لم يتوقع كل هذه الأعداد التي باتت تتدفق على ألمانيا. ورغم أن شعبية ميركل تظل مرتفعة بين قواعد حزبها، إلا أن الصورة الذهنية للقيادة القوية المسيطرة على مقاليد الأمور اهتزت نسبيا خلال الأشهر الماضية، مما قد يكون له تبعات في المستقبل خصوصا مع استمرار تدفق اللاجئين واحتمال وقوع حادث إرهابي على غرار هجوم باريس. وشهد عام 2015 ترسيخا لعملية تعزيز انخراط ألمانيا في الأزمات الخارجية، واستخدام الأدوات العسكرية لتحقيق ذلك، بعد عقود من الاكتفاء بالأدوات الدبلوماسية ارتباطا بعقدة التاريخ النازي، وهي المسألة التي بدأ الجدل بشأنها طوال العامين الماضيين، وشهدت خطوات تدريجية في هذا الاتجاه، أبرزها قرار تزويد البشمركة الكردية بالسلاحوزيادة القوات الألمانية في البعثة الأممية في مالي لنحو 650 جندي، مع تغيير مهامها ونطاق عملها، وأخيرا الانخراط في الحرب ضد داعش تضامنا مع فرنسا. وأتى هذا التطور التدريجي نتيجة تنامي الشعور الألماني بضرورة تحويل "القوة الاقتصادية" التي تكاد تكون مهيمنة داخل الاتحاد الأوروبي إلى دور أكبر يتخلص من العقدة التاريخية، فضلا عن الشعور المتزايد باقتراب التهديدات الإرهابية من أوروبا، وبث رسالة للداخل الألماني بأن ألمانيا "تسلك جميع الدروب" للسيطرة على أزمة تدفق اللاجئين. في الوقت نفسه يظل هذا التطور مقيدا بالعوامل النفسية لدى كلٍ من الرأي العام الألماني والساسة الألمان بما يجعله يتقدم بمعدل "أبطأ" من غيره. وقد أدت أزمتا اليورو واللاجئين لشعور متزايد داخل ألمانيا بأنها تقف وحدها داخل الاتحاد الأوروبي، وأن إحساس الالتزام بالتضامن الأوروبي لا يشاطرها فيه الكثير من الدول الأوروبية، والذين لا يرغبون في تقاسم المسئولية أو يضجون بالسياسات التقشفية أو الإملائية لألمانيا. كما أن انشغال دول رئيسية داخل الاتحاد مثل فرنسا (الإرهاب وضعف الاقتصاد) وبريطانيا (استفتاء البقاء داخل الاتحاد) زاد من إحساس ألمانيا بالعزلة. في الوقت نفسه، هناك قناعة ألمانية بأن مصدر قوة برلين هو الاتحاد الأوروبي نفسه، لذا تظل الحكومة الألمانية حريصة قدر المستطاع على إبقاء التضامن الأوروبي والاستفادة من الأزمات الحالية و"تحويلها إلى فرص" على غرار المقترح الأخير بتشكيل قوة خفر حدود مشتركة، وتصدير بروكسل لدى معالجة الأزمات الحالية.