لغز «الوطنية للتغيير» لا يمكن أن نبدأ حديثًا عن 25 يناير وما حدث في مصر وعدد من الدول العربية بعد ذلك دون أن نتطرق إلى الحديث عن الأجندة الغربية تجاه الشرق الأوسط، والحديث هنا ليس حديثًا ثانويًا يمكن تجاهله أو تناوله بمعزل عما حدث ويحدث في المنطقة منذ سنوات، خاصة تلك التحولات والأحداث التي رسمت خرائط ما عرف ب«الربيع العربى»، فأمريكا ودول الغرب تعلن صراحة عن رغبتها في مزيد من التفتيت للأمة العربية في ضوء اعتبارين: الأول: يتعلق بإدراكها لقدرات الجيوش العربية وقوتها، ومدى الخطر الذي يحيط بإسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973 والموقف العربى الموحد إبانها.. خاصة قوة الجيش المصرى التي ظهرت بوضوح أثناء الحرب. والثانى: هو قيام الدول العربية بتوظيف سلاح النفط للضغط على أمريكا في موقفها تجاه إسرائيل، الأمر الذي مثل دافعًا مهمًا للسيطرة على تلك الثروات. تفاصيل الاجتماعات الغامضة بين «الإخوان» و«البرادعي» التحولات والمُصادمات بين نظام مبارك وجماعة الإخوان عملت على إحداث نوع من المُجابهة المبكرة والمفاجئة، نظرا لعدم إقدام النظام على تقديم تنازلات من قِبله للجماعة. وفى ضوء اضطلاع الأخيرة بدور جديد، مع قدوم الدكتور محمد البرادعى للبلاد واتساع آفاق التوقعات والأهداف، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير، التي اعتمدت على الزخم الدولى والمحلى الذي صاحب عودة البرادعى من جهة، وشعبية الجماعة وقدرتها التنظيمية على الأرض من جهة أخرى. تأسست الجمعية الوطنية للتغيير في أواخر فبراير 2010 عقب عودة البرادعى إلى مصر، وحرصت جماعة الإخوان على الوجود داخل هيكل الجمعية منذ تأسيسها، عن طريق النائبين سعد الكتاتنى ومحمد البلتاجى، ولكن قِيلَ وقتها إن وجودهما داخل الجمعية هو وجود فردى لا يعبر عن الجماعة، وهو ما بدا واضحا من تجاهل الجماعة التام لأى فعاليات أو تصريحات للجمعية، ثم جاءت انتخابات مجلس الشورى التي كان يعول عليها الإخوان في نجاح بعض مرشحيهم، ولكن حدث ما حدث ولم ينجح أي من مرشحيهم في الشورى. وهو ما دفع الجماعة عقب انتهاء انتخابات الشورى مباشرة لإعلان دعمها للبرادعى ومطالبه السبعة، وأعلنت أنها ستدخل بكل ثقلها في حملة جمع التوقيعات، بعد ذلك مباشرة ذهب الدكتور البرادعى إلى مقر الإخوان ليعلن من هناك رؤيته للجماعة باعتبارهم -وفق وجهة نظره- أكبر فصيل سياسي في مصر، لا يمكن أن تتم عملية التغيير بدونه، وهى المرة الأولى التي يتحرك فيها البرادعى لزيارة أي فصيل أو تجمع سياسي آنذاك، (إذ كانت العادة هي أن يأتى الجميع لمنزله). حدثت بعد ذلك خلافات بين البرادعى ورموز الجمعية الوطنية للتغيير، وهو ما أدى في النهاية إلى استقالته من الجمعية، وإعلان قيامه بالعمل مُنفردا وسط الجماهير دون الالتزام بأى إطار هيكلى أو مؤسسي. بعد الاستقالة أعلنت الجماعة أنها تؤيد مطالب التغيير السبعة دون النظر للأشخاص، وشهدت الجمعية -لأول مرة- الخميس 10-06-2010، أول حضور فاعل لمُمثلى الجماعة، وفى مقدمتهم عصام العريان عضو مكتب الإرشاد، رغم أنه ليس عضوا بالجمعية الوطنية، ومحمد سعد الكتاتنى رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يشارك فيها الاثنان في اجتماعات الأمانة العامة للجمعية، بعد استقالة البرادعى، تأكيدا من الجماعة على أنها تؤيد مطالب التغيير وتدعم الجمعية. وبات من الواضح، منذ تلك اللحظة أن الجمعية الوطنية والجماعة يتعاونان معا تحت اسم التغيير، ولكن وفق أهداف مختلفة لكل منهما، فالجماعة تحاول القفز على الجمعية الوطنية للوصول إلى هدفها في الانتخابات المقبلة عن طريق الضغط على النظام، للوصول معه إلى اتفاق مشابه للاتفاق الذي حدث في انتخابات مجلس الشعب 2005، التي انتهت بفوز 88 مرشحا إخوانيا، فيما تريد الجمعية الوطنية استغلال الجماعة وقوتها المتمثلة في عدد أعضائها، وقدرتها على الحشد والتنظيم والتمويل، من أجل جمع أكبر عدد ممكن من التوقيعات، وهو ما ذكره د. حسن نافعة في أكثر من تصريح، مؤكدا أن «الإخوان أكثر تنظيما من أي حزب، ولهم احتكاك قوى بالجمهور، وإن أخلصوا النية سينجحون بالفعل في جمع أكثر من مليون توقيع»، كان من الواضح أن حسن نافعة المتحدث باسم الجمعية الوطنية لا يرى في الإخوان إلا قدرتهم على الحشد والتنظيم، ولا ينظر إلى برنامجهم السياسي أو مطالبهم التي قد لا تتفق أصلا مع أي دعوة يحملها هو أو الجمعية الوطنية للتغيير. بعد الاتفاق بين الجمعية الوطنية والإخوان ظلت الجماعة لما يقرب من شهر لا تفعل أكثر من حضور المؤتمرات الخاصة بالجمعية، والمشاركة بفعالياتها دون أي فعل حقيقى على الأرض، ولكن بعد أن تأكدوا أن النظام لم يتأثر جراء تحركاتهم قرروا الانتقال إلى مرحلة تالية. في اليوم السادس من يوليو، دشَّن المرشد العام للإخوان موقعا خاصا بالجماعة للتوقيع على بيان التغيير، وبالفعل بعد دخول الجماعة لجمع التوقيعات قفز معدل زيادة التوقيع اليومى على موقع الجماعة إلى 5 آلاف توقيع في الأسبوع الأول، ثم إلى 10 آلاف في الأسبوع الثانى والثالث، ووصل إلى 15 ألف توقيع يوميا منذ بداية شهر أغسطس 2010. وهو ما جعل أرقام التوقيعات على بيان التغيير تصل إلى أكثر من نصف مليون توقيع في غضون شهر واحد، بينما كان عدد التوقيعات التي جمعتها جمعية التغيير قبل انضمام الإخوان للحملة لا يزيد عن 70 ألف توقيع، تم جمعهما على مدى ثلاثة أشهر، الملاحظ لأداء الجماعة من خلال النقاط السابقة يرى أن أداءها اتخذ اتجاها تصعيديا مع مرور الوقت، مع استمرار تجاهل النظام للإخوان وعدم التفاوض معهم. لكن هل ما حدث من لقاءات واجتماعات يمثل حقيقة تغيُّر في الموقف الفكرى للجماعة؟ للأسف الإجابة بالنفى، لم تتغير المواقف الفكرية للجماعة على الإطلاق، فما حدث هو أن الجماعة استفادت من حملة الدعاية، وفى المقابل لم تقدم أي دعم حقيقى للعملية السياسية في مصر، وكعادة الجماعة في تحالفاتها فإنها لا تقبل إلا بالسيطرة، وبأن تكون الكلمة العليا لها، وهو ما حدث داخل الجمعية الوطنية للتغيير التي استطاع الإخوان السيطرة علها فعليا، وأصبحت حتى توصياتها لا تخرج إلا بموافقة المرشد، وظهرت واضحة سيطرة الجماعة على الجمعية من خلال تصريحات حسن نافعة الذي أصبح أشبه بمُتحدث رسمى باسم الجماعة، ومن أشد المدافعين عنها ضد أي هجوم، سواء من داخل الجمعية أو من خارجها. وكان ما فعلته الجماعة بمؤتمر التغيير بالمنصورة وموقفها من ممثلى حزب الوسط برفض إعطائهم الكلمة في المؤتمر خير شاهد على سيطرة الجماعة بشكل كامل على فعاليات الجمعية، وعلى أن كل ما يحدث من تحركات وانفتاح على القوى الأخرى ما هو إلا ديكور فقط، وأنه مظهر خارجى وليس انعكاسا لتغير حقيقى في الفكر لدى قيادات الجماعة. فالجماعة وإن كانت تملك إمكانيات للحراك والنشاط داخل المشهد السياسي في مصر وهو ما لا يختلف عليه اثنان، لكن أيضا هي أكبر معوق للإصلاح داخل البلاد، بسبب أسلوبها الذي يُفسد أي عمل وطنى مشترك، فهى لا تقبل إلا بأمر من اثنين، إما أن تشارك وتكون لها الكلمة والسيطرة، وإما أن تقاطع تماما، وهو ما يعكس قصورا لدى الجماعة في فهم معنى العمل المشترك وتقدير أهميته، إذا كان الإخوان ينادون بالتغيير فهم لم يغيروا أنفسهم، ولم يكونوا قادرين على قبول الآخر أيا كان فكره أو جنسه أو دينه، وهذه هي أساسيات المواطنة التي كان ينادى بها الجميع في مصر. اجتماعات الكتلة البرلمانية للجماعة عقدت الجماعة في مقر هيئتها البرلمانية بجسر السويس عددا من الاجتماعات، حضرها العديد من القوى السياسية والأحزاب والشخصيات العامة، هدفت إلى تقديم الجماعة للرأى العام الغربى والأمريكيين، باعتبارها مفتاح الحل في مصر والبديل الحقيقى على الأرض، وبدا لنا في تلك الآونة، عددا من الملاحظات على تلك الاجتماعات: أولًا: بدا واضحا من استعراض أسماء الحاضرين عدم التجانس الفكرى، وانتفاء وجود أرضية لتشكيل جبهة وطنية واحدة تؤسس لبديل واضح المعالم ينقل مصر -إذا جاز التعبير- نقلة حضارية مختلفة في المستقبل، فقد جاء البعض من أرضيات ليبرالية ويسارية، بينما مَثَّل البعض مجموعة من الشخصيات التي تعيش -ما يمكن تسميته- مرحلة المراهقة السياسية المتأخرة، فلا تاريخ لهم في المعارضة، ولا جذور فكرية أو تاريخية تشير إلى هذا الانتماء من قريب أو بعيد، بل إن البعض منهم كان لوقت قريب أقرب ما يكون إلى النظام من صفوف المعارضة، فقد كانت اجتماعات تركز على التجهيز لاعتصامات ومواجهات دموية تحتاج إلى تقديم شهداء، وصولا إلى تشخيص المرحلة الحالية بأنها مرحلة استعمار يتوجب على القوى السياسية فيها الحديث عن تحرير الوطن أولا قبل الحديث عن أي إصلاح، وبالطبع والحال كذلك.. فنحن أمام «هايد بارك» تطرح فيه أحلام العصافير من حلفاء الإخوان، هذا، بينما راح قادة الجماعة يعدون كلماتهم بعناية فائقة بداية بالترحيب، وانتهاء بمداعبة أحلام الحاضرين عبر الإعلان عن وقوف الجماعة معهم جميعا لتحقيق أحلامهم، حتى إن جاءت كأحلام العصافير. ثانيًا: كان السؤال المحورى يدور حول الهدف الرئيسى من تلك اللقاءات، أو بالأحرى الهدف الذي تسعى إليه الجماعة من وراء عقد واستضافة مثل هذا النوع من اللقاءات، وهل هدفت الجماعة بالفعل إلى تشكيل جبهة وطنية حقيقية للتغيير؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب -وهى غير ذلك بالطبع- فهل تعى الجماعة حجم ما هي مقدمة عليه؟ وحجم حلفائها؟ ومن سيكون له حق قيادة قاطرة التغيير تلك؟ خاصة أن البعض -أيمن نور تحديدا- تحدث عن شرعية لقوى ثلاث هي: «الكرامة والوسط والإخوان»، اثنان منها تحت التأسيس وجماعة محظورة قانونا، وهل يُفهم من كلامه أن المجتمعين ضربوا عرض الحائط بالدستور والقانون، وانتزعوا شرعية قانونية ذات آليات من قبيل ما أعرب عنه نور «بالاستشهاد»؟ وهل سكوت الجماعة على كلامه من قبيل الموافقة المستترة؟ والسؤال الأخطر: هل تعى الجماعة أي باب من الجحيم تفتحه عندما توافق على مثل هذا النوع من الشرعية؟ وتدعم مثل هذا النوع من أساليب التغيير؟ كل تلك الأسئلة بالطبع وجدنا إجابات جلية وواضحة لها بعدما رأينا تصرف الإخوان بداية من 25 يناير 2011 وحتى وصولهم إلى السلطة. ثالثًا: الوحيدون الذين كانوا يعرفون ماذا يفعلون جيدا، وبأى أوراق يلعبون في هذا الاجتماع كان قادة الإخوان، كانوا يعرفون جيدا حجم كل شخص حضر الاجتماع، كانوا يعلمون جيدا أن هذا اللقاء هو إحدى أدواتهم في الضغط على النظام، وتقديم أنفسهم للغرب والأمريكان بوصفهم حصان طروادة، مثلها مثل كل الخطوات السابقة التي بدأت بالحوار مع الأحزاب، ثم الانضمام إلى الجمعية المصرية للتغيير، وأخيرا جمع التوقيعات حول المطالب السبعة، ولكن هل يعلمون أنهم في طريقهم إلى مخططاتهم تلك يمكن أن يحرقوا الأخضر واليابس في مصر؟ ثم يقفون كما وقف مؤسسهم قبل ستين عاما ليقولوا: «لو استدبرت ما استقدمت من عمرى ما عملت بالسياسة واكتفيت بالدعوة»، وهو ما حدث بعد 30 يونيو بالتمام والكمال. رابعا: كان هدف الإخوان النهائى واضحا ومعلنا.. السعى إلى صفقة كبرى مع النظام تتيح لهم التوغل في مؤسسات المجتمع المدنى تنفيذا لأولى خطوات خطة التمكين، متحالفين في سبيل ذلك مع الشيطان، طالما يوافق على أهدافهم المرحلية، دأبوا على فعل هذا منذ ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، تنفيذا لأجندتهم السياسية، وتحقيقا لأهدافهم المرحلية، وخدمة لاستراتيجيتهم التي تتمثل في الاستيلاء على السلطة، وتحقيق ما يعتقدون أنه مشروع الدولة الإسلامية(1). ولكن في تلك المرة كان قد دخل عامل جديد حلبة المعادلة، وهو العامل الدولى ممثلا في أمريكا والغرب، ذلك العامل الذي قلب كل المعادلات لصالح الإخوان، ولكن كان ذلك إلى حين! انتخابات 2010 وبالونة الاختبار بعد فشل جلسات الحوار بين الجماعة والأحزاب والقوى السياسية، قرر الإخوان إطلاق بالونة اختبار أخرى، ولكن هذه المرة كان الاختبار له هدف مزدوج، رشحت الجماعة ثلاثة من أعضائها في مجلس الشعب لانتخابات مجلس الشورى التي جرت في يونيو 2010، كان أول أهدافها من هذا الترشيح قياس مدى قبول النظام لإجراء أي صفقة معها، في إطار محاولات منعها من الارتماء في أحضان الجمعية الوطنية للتغيير، التي أعلنت الجماعة قبيل الانتخابات أنها تدرس إمكانية الانضمام إليها، والهدف الثانى تمثل في اختبار مدى شعبية نوابها بعد خمس سنوات من الوجود في مجلس الشعب. وجاءت النتيجة مخيبة لآمال الجماعة بعد فشل مرشحيها الثلاثة في الفوز بأى مقعد، على الرغم من وجودهم كنواب داخل مجلس الشعب لمدة خمس سنوات متتالية، ومثل ذلك يعد مؤشرا جديدا على ضعف شعبية الجماعة ونوابها في الشارع المصري. شعرت الجماعة بأزمتها الكبرى، وفى محاولة يائسة لدفع النظام لإجراء حوار معها ينقذها من تلك الأزمة، قامت الجماعة بتغيير عاجل في استراتيجيتها، واندفعت باتجاه ركوب موجة البرادعى التي التفت حولها الكثير من القوى السياسية. البرادعي والإخوان كانت البداية مع دعوة الدكتور محمد البرادعي خلال زيارته في 5 يونيو2010 لمقر الكتلة البرلمانية، إلى انضمام الجماعة للجمعية الوطنية للتغيير، وذلك خلال لقائه النائب سعد الكتاتنى رئيس الكتلة البرلمانية للجماعة، قبل أن يفقد مقعده في برلمان 2010، وكان اللقاء استكمالا للقاء سابق جرى في مارس 2010، وتناولا فيه العديد من القضايا المتعلقة بالحريات، وموقف الإخوان من بعض القضايا، وكذا موقف الجمعية من قضايا الإصلاح. كما ناقشا سبل التحرك المشترك، في إطار جمع التوقيعات على بيان «معا سنغير»، والعمل على تحقيق المطالب السبعة التي ينادى بها البيان، وأهمها تعديل الدستور، وإلغاء حالة الطوارئ، وإجراء انتخابات نزيهة، والسماح للمستقلين بالترشح لرئاسة الجمهورية، وهو اللقاء الذي وصف فيه البرادعى الإخوان بأنهم «يمثلون أكبر حزب شرعى في مصر، باعتبارهم يملكون أكبر عدد من مقاعد المعارضة في البرلمان». ومع تأخر وصول أي رسالة من النظام، اندفعت الجماعة أكثر فأكثر باتجاه الجمعية الوطنية للتغيير، وفى أوائل سبتمبر2010 دعا محمد البرادعى إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية لأنها «ستُزوَّر»، واعتبر بأن «العصيان المدنى السلمي» سيكون الورقة الأخيرة إذا استمرت الدولة في تجاهل مطالبات الإصلاح، وأضاف البرادعى «الانتخابات البرلمانية على الأبواب، والنظام لم يستجب لمطالبنا، وأى شخص يشترك في الانتخابات سواء أكان مرشحا أم ناخبا يخالف ضميره القومى». بالطبع، وقفت الجماعة بجانبه، تؤازر هذا الطرح، وتدعو جميع القوى السياسية للاستجابة له، معلنة عن زيارات لمقار الأحزاب لإقناعها بالعدول عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. الأحزاب تقرر خوض الانتخابات استبقت أحزاب الوفد والتجمع والناصري الزيارات التي أعلنت الجمعية الوطنية للتغيير عن تنظيمها إلى مقارها لبحث الموقف من الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث جددت قيادات الأحزاب الثلاثة تمسكها بالمشاركة في الانتخابات، وعدم الالتفات إلى دعوة المقاطعة التي دعت إليها الجمعية، أما سامح عاشور النائب الأول لرئيس الحزب الناصري فأكد أن موقف الأحزاب من المشاركة في الانتخابات لن يتأثر بالزيارات التي قررت الجمعية الوطنية للتغيير إجراءها، مضيفا، أن الموقف الذي استقر عليه الحزب الناصرى هو المشاركة في الانتخابات. بعد تجاهل الدعوة للمقاطعة، أفل نجم البرادعى والجمعية الوطنية في ظل الخلافات الحادة التي عصفت بقيادتها، وانتهت باستقالة منسقها العام الدكتور حسن نافعة، وتولى الدكتور عبد الجليل مصطفى رئاستها، وهو الأمر الذي تسبب في تعرية الجماعة من آخر ورقة توت كانت تستتر بها. بعد اتخاذ مُجمَل أحزاب المعارضة قرار المشاركة في الانتخابات، وبعد أفل نجم الجمعية الوطنية للتغيير، وجدت الجماعة نفسها تقف وحدها في العراء السياسي، فكان قرارها المتعجل بالمشاركة في الانتخابات، بعد أن كانت هيأت كوادرها على أنها ستقاطع الانتخابات. وهو ما خلق شرخا داخليا، بسبب التعبئة التي قامت بها الجماعة لقواعدها واستنفارهم لمقاطعة الانتخابات. أعلنت الجماعة قرارها بالمشاركة رسميا يوم السبت 9 أكتوبر 2010، كما أعلنت عزمها التنافس على 30٪ من المقاعد وسط اعتراضات داخلية حادة. وبالطبع، كان القرار قد تأخر كثيرا قبل شهر فقط من فتح باب الترشح، وهو ما مثل أول خطأ إستراتيجي وقعت فيه الجماعة، حين اتخذت قرارها فجأة تحت ضغط الغضب من عدم تلبية الأحزاب رغبتها في المقاطعة. انطلقت الجماعة في قرارها من دعوات مغرورة، دفعت بأحد نوابها في دائرة مينا البصل لأن يقول: «لو رشح الإخوان كلبا لأنجحناه»، الأمر الذي أدى في النهاية -وبعيدا عن عمليات التزوير المنهجية للانتخابات- إلى تلك النتيجة المفجعة والصادمة للجماعة. ضعف إدارة المعركة الانتخابية بمراجعة تصريحات قادة الجماعة التي تصدرت المشهد الإخوانى في انتخابات برلمان 2010، بدءا من المرشد العام وحتى المرشحين في الدوائر المختلفة، سندرك حجم المأساة، فما بين الصمت الذي فرضه خيرت الشاطر ومحمد حبيب في انتخابات 2005، والتصريحات المتناسقة والموحدة التي ظهر بها مرشحو الإخوان، وما حدث في 2010، فرق هائل يدل على تغيير جوهرى لتنظيم يسعى للصدام ولا يسعى مطلقا للفوز، ففى 2005 كان خطاب الإخوان احتوائيا، ويحمل من الذكاء السياسي ما يكفى لكى يدهش المجتمع السياسي المصري، أما في 2010 فكنا أمام تصريحات أغلبها عنصرى وعصبى يجلب العداوة وينشر الفتنة، ويضع الجماعة في خانة «التهور السياسي»، على سبيل المثال في 2005 رفع خيرت الشاطر نائب المرشد العام، الذي كان يقود المعركة الانتخابية شعار الخدمات، ونزل إلى الشارع بشعارات تحمل تفصيلات للشعار العام. بينما في 2010 سعى محمد بديع لاستعداء المجتمع، حينما استعلى عليه وعلى أفراده بتصريحات من نوعية أن الإخوان هم ماء السماء الطهور الذي سيطهر المجتمع المصرى من النجاسات، هكذا ببساطة قسم المرشد المجتمع إلى أطهار هم الإخوان فقط، وأنجاس هم بقية المواطنين، دون أن يدرى فضيلته أن هؤلاء المواطنين الذين ألصق بهم صفة النجاسة هم أصحاب الأصوات الانتخابية التي تعلو بمرشح وتخسف بآخر، وفى الوقت الذي اجتهد فيه الإخوان خلال انتخابات 2005 لنفى صلتهم بالعنف، خرج علينا المرشح والقيادى الإخوانى صبحى صالح في 2010، ليقول إن «أي اعتداءات على الإخوان ستفتح أبواب جهنم على الأمن». لم نضع وقتها تلك التصريحات في خانة الأخطاء، ففى ساحة المعركة الانتخابية الأخطاء دائما ما تعطى مؤشرات، وهذه التصريحات كانت تؤكد أن الوضع الانتخابى الصعب الذي كانت تعيشه الجماعة، سيدفعها إلى خيار آخر، كانت تعد له جيدا، وهو ما تأكد ما بين 25 و28 يناير 2011.