دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    سعر الذهب اليوم الأحد 4 مايو 2025 في مصر.. استقرار بعد الانخفاض    مختص بالقوانين الاقتصادية: أي قانون يلغي عقود الإيجار القديمة خلال 5 سنوات "غير دستوري"    الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة: أمطار وعودة الأجواء الباردة    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 148 مخالفة عدم غلق المحلات في مواعيدها    مينا مسعود يحضر العرض المسرحي في يوم وليلة ويشيد به    الإفتاء توضح: هذا هو التوقيت الصحيح لاحتساب منتصف الليل في مناسك الحج لضمان صحة الأعمال    عشان دعوتك تتقبل.. اعرف ساعة الاستجابة في يوم الجمعة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يؤكد فشله في اعتراض صاروخ اليمن وسقوطه بمحيط مطار تل أبيب    شاهد عيان على جسارة شعب يصون مقدراته بالسلاح والتنمية.. قناة السويس فى حماية المصريين    مد فعاليات مبادرة كلنا واحد لمدة شهر اعتبارا 1 مايو    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري الأحد 4-5- 2025    اللهم اجعله اختطافًا (خالدًا) وخطفة (سعد) على النقابة (2-3)    الكوابيس القديمة تعود بثياب جديدة! كيف صاغ ترامب ولايته الثانية على أنقاض الديمقراطية الأمريكية    هجوم كشمير أشعل الوضع الهند وباكستان الدولتان النوويتان صراع يتجه نحو نقطة الغليان    الوجهان اللذان يقفان وراء النظام العالمى المتغير هل ترامب هو جورباتشوف الجديد!    رئيس وزراء أستراليا المنتخب: الشعب صوت لصالح الوحدة بدلا من الانقسام    واصفًا الإمارات ب"الدويلة" الراعية للفوضى والمرتزقة"…التلفزيون الجزائري : "عيال زايد" أدوات رخيصة بيد الصهيونية العالمية يسوّقون الخراب    بغير أن تُسيل دمًا    درس هوليوودي في الإدارة الكروية    تمثال ل«صلاح» في ليفربول!!    وجه رسالة قوية لنتنياهو.. القسام تنشر فيديو لأسير إسرائيلي يكشف تعرضه للقصف مرتين    رابطة الأندية تعلن عقوبات الجولة الثالثة من مرحلة حسم الدوري    عاجل.. الزمالك يرفض عقوبات رابطة الأندية    لجنة حكماء لإنقاذ مهنة الحكيم    من لايك على «فيسبوك» ل«قرار مصيرى».. ال SNA بصمة رقمية تنتهك خصوصيتنا «المكشوفة»    إحالة الفنانة رندا البحيري للمحاكمة بتهمة السب والتشهير ب طليقها    بسبب وجبة «لبن رايب».. إصابة جدة وأحفادها ال 3 بحالة تسمم في الأقصر    والدتها سلمته للشرطة.. ضبط مُسن تحرش بفتاة 9 سنوات من ذوي الهمم داخل قطار «أشمون - رمسيس»    روز اليوسف تنشر فصولًا من «دعاة عصر مبارك» ل«وائل لطفى» يوسف البدرى وزير الحسبة ! "الحلقة 3"    بعد ختام الدورة الحادية عشرة: مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. وشعار «النضال من أجل الاستمرار»    سرقوا رائحة النعناع الطازج    أهرامات العالم!    عبدالناصر حين يصبح «تريند»!    في ظل فضائح وكوارث حكومة الانقلاب .. مجند يحاول الانتحار فى معبد فيله احتجاجا على طقوس عبادة الشمس    الرئيس السيسى ينتصر لعمال مصر    أول مايو يخلد ذكرى «ضحايا ساحة هيماركيت» عيد العمال احتفاء عالمى بنضال الشقيانين    أثارت الجدل.. فتاة ترفع الأذان من مسجد قلعة صلاح الدين    كلام ترامب    وزير الصحة يوقع مذكرة تفاهم مع نظريه السعودي للتعاون في عدد من المجالات الصحية الهامة لمواطني البلدين    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    الأهلي سيتعاقد مع جوميز ويعلن في هذا التوقيت.. نجم الزمالك السابق يكشف    إنتر ميلان يواصل مطاردة نابولي بالفوز على فيرونا بالكالتشيو    كامل الوزير: هجمة من المصانع الصينية والتركية على مصر.. وإنشاء مدينتين للنسيج في الفيوم والمنيا    حقيقة خروج المتهم في قضية ياسين من السجن بسبب حالته الصحية    الفريق كامل الوزير: فروع بلبن مفتوحة وشغالة بكل الدول العربية إحنا في مصر هنقفلها    كامل الوزير: البنية التحتية شرايين حياة الدولة.. والناس فهمت أهمية استثمار 2 تريليون جنيه    50 موسيقيًا يجتمعون في احتفالية اليوم العالمي للجاز على مسرح تياترو    كامل الوزير: 80% من مشروعات البنية التحتية انتهت.. والعالم كله ينظر لنا الآن    حزب الله يدين الاعتداء الإسرائيلي على سوريا    الشرطة الألمانية تلاحق مشاركي حفل زفاف رقصوا على الطريق السريع بتهمة تعطيل السير    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    " قلب سليم " ..شعر / منصور عياد    «إدمان السوشيال ميديا .. آفة العصر».. الأوقاف تصدر العدد السابع من مجلة وقاية    مصرع شخص وإصابة 6 في انقلاب سيارة على الطريق الصحراوي بأسوان    تمهيدا للرحيل.. نجم الأهلي يفاجئ الإدارة برسالة حاسمة    فحص 700 حالة ضمن قافلتين طبيتين بمركزي الدلنجات وأبو المطامير في البحيرة    الصحة: العقبة الأكبر لمنظومة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة ضعف الوعي ونقص عدد المتبرعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"البوابة" تكشف.. التحالف المشبوه بين "ساركوزي" وقطر في فرنسا
نشر في البوابة يوم 25 - 12 - 2015

"السيسي معه حق"، هكذا هتف الصديق الفرنسي، الجزائري الأصل، عندما التقيت به في باريس، لقد تغيرت وجهة نظره تماما، فيما يتعلق بالأحداث في مصر، فالرجل الذي كان يعارض ثورة المصريين على حكم الإخوان في 30 يونيو، تكشفت أمام عينيه الحقائق، بعدما عاصر أحداثا مرعبة في عاصمة النور، آخرها الإرهاب الذي جعل باريس تعيش ليلة من ليالي الجحيم.
الصديق عاش عمره تقريبا في فرنسا، ويتكلم العربية بصعوبة، ورغم ذلك فهو يتابع عن كثب الأحداث السياسية في الدول العربية، وهو مهتم بمصر، على الأخص، لأنه يعرف قدرها ودورها الهام في المنطقة، وقد كان فيما مضى يقول لي، إن ما حدث في مصر "انقلاب" وليس ثورة، هذا كان رأيه الخاص.. وكنت أعارضه بطبيعة الحال، وأحاول إقناعه بأنها ثورة، وأني شخصيا شاركت بها، بل ودعيت إليها كل من أعرفه.. كما أن المصريين، بعد رحيل الاخوان، عشقوا السيسي، فقد كان الجنرال المحبوب الذي أنقذهم من مصائب حكم الإخوان.. لكن الصديق الفرنسي ظل على رأيه.
وعلى الرغم من أن موقف الصديق ضد الإخوان، فإنه يعتقد أن ما أصابهم من حبس ومقاضاتهم، ووقوع ضحايا في فض رابعة به ظلم كبير، وكنت التمس له العذر، فهو يعيش بعيدا ويتأثر بالإعلام الغربي، الذي روج لذلك كثيرا .. خاصة أنه يعيش في فرنسا التي يوجد بها عدد لا بأس به من جماعة الاخوان، وتأثر ببكائهم ونواحهم ومظلوميتهم، التي يروجون لها طوال الوقت، وحين سألته عن سبب تبدل رأيه بشأن ثورة 30 يونيو، قال إن ذلك حدث بعد أن رأي ما فعله الارهابيون في "باريس" من قتل ودمار، وبعد أن فقد أعز أصدقائه في مسرح "باتاكلان"، الذي شهد إحدى الهجمات الإرهابية في الليلة الدامية، وتأكد أن "السيسي" هو الوحيد الذي يقف في وجه هؤلاء الإرهابيين، وأنه بالفعل كان عنده كل الحق حين قرر مواجهة خطر الإخوان، لأنهم الأصل في كل يحدث من دمار إرهابي حول العالم، وأن داعش وغيرها مجرد فروع من الأصل، الذي يجب القضاء عليه في أسرع وقت.
بعد سماعي رأيه ضحكت، صراحة، وقلت له "أخيرا" .. هل كان لابد أن تشاهدوا بأعينكم الدماء حتي تعرفوا أن ما نفعله مع الإخوان هو رد فعل.. وأن الشعب المصري يكرهم بشدة لأنهم ارهابيون قتلوا ابناءهم وأزهقوا أرواحهم بلا رحمة، باسم الدين، وعذبوا شبابهم المختلفين معهم، باسم الرب.. وهم بالفعل أصل كل الشرور، لذلك عزلهم المصريون بعد ثورة شعبية كبيرة.
الإخوان في جحورهم
ما حدث في باريس، من هجمات إرهابية حصدت 130 قتيلا، ومئات المصابين، في ليلة، كان قاسيا وترك أثرا سيئا في نفوس الشعب الفرنسي، قد يستمر طويلا.. وجعل الفرنسيين لا يتعاطفون نهائيا مع اي من تيارات الاسلام السياسي، ومن ثم اختفت مظاهرات الاخوان، التي كانت تنظم اسبوعيا في باريس تحت شعار "الصمت يقتل"، عن صمت العالم لما يحدث لهم في مصر، وتحت شعار آخر، هو "الرئيس محمد مرسي الرئيس الشرعي في مصر"، وبالطبع كان يرفع الاخوان صورا من فض اعتصام رابعة وصور "مرسي"، هذه المظاهرات اختفت تماما.. أولا لأن قانون الطوارئ المطبق في فرنسا الآن يمنع أي تجمعات، وثانيا لأنهم يقرأون المشهد جيدا ويعلمون أن الرياح ليست معهم حاليا، ولن يتعاطف معهم أحد كما كان يحدث من قبل.. فقد نظم عدد من الفرنسيين مظاهرة في قلب باريس، بالتزامن مع افتتاح مؤتمر المناخ، احتجاجا علي بعض الاوضاع في فرنسا.. وفضتها الشرطة الفرنسية بكل حزم وألقت القبض علي 38 شابا، ثم أفرجت عنهم في اليوم التالي، ذلك لأن التظاهر ممنوع.. في رسالة تعد مباشرة للجميع بأن المظاهرات ممنوعة طبقا لحالة الطوارئ السائدة في البلاد.
باريس المدينة التي كانت تعج بالسائحين، والسياحة مصدر رزق لقطاع كبير من السكان، صارت خاوية الآن، فقد اختفي السياح من المدينة الجميلة تماما، ففي جولة بالحي اللاتيني، الذي يضم مناطق "سان ميشيل وسان جيرمان"، وهي احياء قديمة وجميلة تضم العديد من المقاهي والمطاعم، ومن ثم كانت قبلة للسياح، صارت الآن هادئة والمطاعم والمقاهي فارغة من الزوار إلا قليلا .. في الماضي لم أكن أجد مكانا في مطاعمهما، والآن لا يوجد بها زبون واحد، فيما يقف الطهاة بالخارج لأنهم لا يوجدون ما يفعلونه.
وعلمت من موظفين في الفنادق أن نسبة الاشغال انخفضت بنسبة 80% وان العشرين في المائة الباقية، موجودون لأنهم ضيوف مؤتمر المناخ، الذي كان قبلة الحياة لباريس بعد أن هجرها السياح.
مؤتمر المناخ، أدى إلى رواج لبعض الشيء في المدينة، لأن هجرة السياح أحدثت كسادا هائلا في المحال التجارية والمزارات السياحية، التي كانت مزدحمة في كل أوقات من السنة .. الأمر ذاته حدث مع شارع الشانزليزيه الشهير، الذي اختفي منه العرب، خاصة الخليجين، لقد كانوا سمة من سمات هذا الشارع من قبل.. برج إيفيل نفسه كان مظلما، إلا من بعض الأنوار الخافتة، وعرفنا أنه لن يضاء إلا في أبريل المقبل.. صحيح أن خلو برج إيفيل والمنطقة حوله، من السياح هو أمر مؤقت، إلا أنه مؤشر خطير بالنسبة للشعب الفرنسي، الذي يشعر غالبيته أن الارهاب في طريقة للقضاء علي الحياة تماما في باريس، وحتي الفرنسيين أنفسهم فمازال قطاع كبير منهم يخشي من التجول والخروج في شوارع باريس.. فما حدث كان مرعبا لدرجة جعلتهم يتجنبون السهر في أيام الاجازات الاسبوعية باستثناء بعض الشباب المغامر الذي يتحدى الخوف والارهاب.
عاصمة النور بلا كريسماس
من المظاهر القاتمة في عاصمة النور هو أن الاحتفال بأعياد الكريسماس ورأس السنة ستكون ممنوعة هذا العام، بسبب حالة الطوارئ، التي تمنع التجمعات نهائيا، وهو أمر شديد القسوة للشعب الفرنسي، الذي تعد هذه الاحتفالات عنده من أهم المظاهر في باريس، كما أن هذا الامر يعود بالسلب الشديد علي الحالة الاقتصادية للبلاد، والتي كانت تشهد كثافة سياحية كبيرة بسبب هذه الاحتفالات وخاصة ليلية الاحتفال برأس السنة.. التي تضاء فيها باريس بالكامل وتكون المنطقة المحيطة ببرج إيفيل مزدحمة للغاية بسبب الاحتفالات والالعاب النارية التي تطلق من البرج ومن بنايات باريس، وفي هذه الليلة تكتظ باريس بجحافل بشرية تحتل شوارعها وتفترشها حتي الصباح.
تذكرت مدينة شرم الشيخ وما يحل بها بعد كل عملية ارهابية، خاصة انها تشهد الظروف ذاتها حاليا، على خلفية سقوط الطائرة الروسية .. وبرغم أن ما حدث في باريس كان أشد قسوة، وهو ما أحزنني بالفعل، فإن تضاربا في المشاعر أصابني، فقد سعدت بأن العالم يعلم الآن، ولو بالتدريج، أن مصر على حق فيما تفعله مع جماعة الاخوان المسلمين، وأن العالم يربط بينهم وبين الجماعات الارهابية التي تقتل وتحرق وتذبح بلا هوادة.
أسرار مصر الغارقة
في باريس دخلت معرض "الآثار المصرية الغارقة" تحت عنوان "أوزوريس.. أسرار مصر الغارقة"، بمعهد العالم العربي، والذي افتتحه الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" في سبتمبر الماضي، ووجه الشكر خلال كلمته بالاحتفالية للرئيس السيسي لاختيار باريس لإقامة المعرض بها، وقال إن هذا القرار يدل علي عمق العلاقات بين البلدين علي جميع المستويات.
وانبهرت فعلا بحضارتنا الفرعونية التي كتب لها الخلود.. رغم أن المصريين لم يعودوا منشغلين بهذه الحضارة كثيرا، التي مازالت قادرة علي إبهار العالم .. ويوجد بالمعرض العديد من القطع والتماثيل الفرعونية، تصل الي 250 قطعة أثرية، هي نتاج أعمال التنقيب تحت الماء، في خليج أبو قير بالمدينتين الغارقتين "هيرا كليون، وكانبوس".. ونتاج عمل عشر سنوات متواصلة من التنقيب تحت مياه البحر، بالإضافة الي بعض القطع التي تم استعارتها من المتاحف المصرية، مثل المتحف المصري والمتحف اليوناني والروماني بالإسكندرية، وكذلك من متحف آثار مكتبة الاسكندرية.
ويضم المتحف شاشات عرض كبرى تعرض أعمال التنقيب تحت المياه واكتشاف الاثار وعمليات رفعها والمجهود الذي بذله العلماء والعمال علي حد سواء، حتي تخرج هذه الاثار للنور، وكذلك فرق الغطس. وتوجد سماعات خاصة لكل زائر، بلغات عديدة، منها اللغة العربية، ويحكي المعرض قصة الإله "اوزوريس" وأسراره الاسطورة الفرعونية الشهيرة، ومعها سرد لحضارة المصريين القدماء، وبراعتهم في حسابات الرياضيات والفلك وغيرها من العلوم، التي سبق الفراعنة العالم كله فيها، بل أن العالم استقي اساسيات هذه العلوم من الحضارة الفرعونية .. كنت فخورة جدا بأني مصرية وأنا في المعرض، وسعدت أكثر بوجوه الاجانب وزوار المعرض الفرنسيين، من حولي، وقد كانت الدهشة تعلوها وقد أصابهم نفس الانبهار مثلي تماما.
أعلى كباري باريس، التي تقطع نهر السين، لا تزال عمليات إزالة أقفال الحب مستمرة، والتي كانت من العلامات المميزة للعاصمة الفرنسية، خلال الاعوام السابقة، لكنها أصبحت خطرا علي أجسام الكباري، بعد أن كثرت واصبحت ثقيلة جدا وهو ما دفع الحكومة الفرنسية لإزالتها، وسط غضب الفرنسين، لكن القانون صارم هناك، فلم يتجاوز احد في غضبه واعتراضه، وتضع الحكومة ألواحا زجاجية علي جانبي الكباري حتي لا توضع الأقفال مرة أخرى.
الأمن قبل السياحة
الرحلة إلى باريس لم تعد مثلما كانت عليها في الماضي، ثمة تحولات جذرية، بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة التي حصدت 130 قتيلا ومئات المصابين في قلب باريس، وقد بدا أن فرنسا أصبحت هدفا للجماعات الإرهابية .. هدف قد يكون سهلا.. فقد ظهر للبعض أن الامن الفرنسي بعافية، وليس قويا كما يعتقد، ومن هنا سمعنا تحذيرات حول السفر إلى عاصمة النور، ومن ثم فإن الرحلة محاطه بالمخاطر، وتكشف لي الأمر عندما وصلت إلى مطار شارل ديجول رأيت كثافة أمنية وعسكرية لم أشاهدها من قبل، التفتيش هذه المرة يبدأ بمجرد الخروج من الطائرة، وليس عند الجوازات.. كأنهم يترقبون شخصا ما أو أنهم لديهم معلومات ضد أحدهم ويتأهبون للقبض عليه، لكنهم كانوا يعلمون أن أغلب الزوار قادمون من أجل مؤتمر التغيرات المناخية، لذلك لم تكن هناك أي مضايقات للعرب والمسلمين كما توقعنا.
في الطريق للفندق لفت نظري أعلام فرنسا، التي وضعت علي شرفات المنازل والمحلات التجارية.. وعلمت أن الفرنسيين فعلوا ذلك عقب الهجمات الارهابية .. كانت الشوارع خالية تماما من السيارات، الأجرة والملاكي، وعرفت وقتها أن كل مداخل ومخارج باريس مغلقة، وقد منعت المركبات من سير باستثناء تلك تحمل تصريحا من وزارة الداخلية، وعلي رأسها سيارات السفارات، التي تقل وفود وضيوف مؤتمر المناخ .. وفي مقابل ذلك اعلنت الحكومة الفرنسية ان المواصلات العامة، مثل مترو الأنفاق والاتوبيسات، ستكون مجانية في أول يومين للمؤتمر، بعد منع حتى سيارات "التاكسي" .. وعلي الرغم من ذلك، كانت محطات الراديو والتليفزيون تناشد المواطنين بتجنب الخروج من بيوتهم بسبب مؤتمر المناخ، الذي توجه الدولة كل أجهزتها لتأمينه وضيوفه، وكان في ذلك رسالة غير مباشرة بأن خروج الناس قد يكون خطرا عليهم، ومن الأفضل البقاء في المنازل.. المدهش في الامر ان غالبية المواطنين التزموا بالأمر، تقديرا منهم للحدث الهام الذي تشهده البلاد في ظل ظروف حرجة للغاية، كما أنهم يثقون في حكومتهم ويعلمون أنها لا تكذب عليهم وأنها تتمتع بالصدق والشفافية.. وهو ما نفتقده في مصر، التي يعاني شعبها من كذب الحكومات طوال الوقت، وبالتالي تنعدم الثقة بين المواطن والحكومة.
كواليس مؤتمر المناخ
مؤتمر المناخ، الذي اقيم الشهر الماضي في أرض المعارض في "لوبرجيه" شمال باريس، حفل بالعديد من الكواليس التي لم يلحظها كثيرون، لكن ما كان واضحا أنه كان مؤمنا بشكل كاف جدا، ولم يشعر أحد بالقلق أو الخوف، رغم ما تعرضت له فرنسا من إرهاب، وبرغم أن عدد الحضور كان كثيفا، فقد شارك به 150 رئيس دولة، إضافة إلى الوفود المصاحبة لهم، بخلاف شهد حضور 3000 صحفي واعلامي من كل انحاء العالم للتغطية، وقد أعلن الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" ان فرنسا لم يسبق لها أن استقبلت مثل هذا العدد الكبير من الضيوف علي أراضيها، فيما كانت أفراد الجيش والشرطة منتشرين في كل مكان، بشكل لافت، لكن مطمئن الي حد كبير من أنه لا يجرؤ أحد على الاقتراب.
ومن بين الكواليس، أنه قد أعلن أن افتتاح المؤتمر سيكون في الواحدة ظهرا.. لكن الافتتاح حدث الحادية عشرة، علمنا أن ذلك كان للتمويه لدواع أمنية.. وقد كان محددا للرؤساء والملوك ثلاث دقائق لإلقاء كلمتهم، لكن هناك من تجاوز هذا الوقت بكثير، ومنهم المستشارة الألمانية ورئيس المجر، وهو ما جعل الرئيس الفرنسي يوجه الشكر للرئيسين المصري والروسي لأنهما الوحيدان اللذان التزاما بالدقائق الثلاث، لكن تعديل وقت الافتتاح وتجاوز البعض للوقت المخصص لكلماتهم، تسبب في تأخر بعض الرؤساء والملوك عن الميعاد المحدد لإلقاء كلمتهم، وكان مقررا أن يلقي الرئيس السيسي كلمة أخرى أمام لجنة رفيعة المستوى، تضم رؤساء أفريقيا، و"بان كي مون" أمين عام الأمم المتحدة، لكن كان هذا الاجتماع سببا في غضب الرئيس، فقد حدث أن تأخر "كي مون" عن موعد اللجنة لعشرة دقائق، بعد أن تأخر موعد كلمته في الافتتاح، وانتظر رؤساء افريقيا حضوره بالقاعة رقم "6"، وبعد بدء أعمال اللجنة ألقى السيسي كلمته، ومن بعده أمين عام الأمم المتحدة، ثم باقي رؤساء الدول الأفريقية، ثم أعلن منظم اللجنة أن "بان كي مون" سوف يغادر بعد عشر دقائق، أي قبل انتهاء اجتماع اللجنة، وهنا ظهر الضيق علي وجه الرئيس، ونظر الي وزير الخارجية "سامح شكري" والذي تحدث بدوره مع أحد الحراس الخاصين للرئيس السيسي، والذي ذهب إليه علي الفور، ثم قام الرئيس وغادر القاعة فورا، ومن خلفه الوفد المصاحب له، وبالتالي فإن الرئيس غادر قبل أن يغادر "بان كي مون".
شائعات واستثمارات قطرية
في أيام المؤتمر نشرت بعض المواقع الالكترونية المصرية والفرنسية والقطرية علي السواء، أن جلسة جمعت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وأمير دولة قطر تميم بن حمد، استمرت لساعتين، وتبادلا خلالها أطراف الحديث، وهو ما أغضب المصريين، خاصة أن الرئيس الروسي بوتين رفض الجلوس مع "أردوغان" .. لكن مصادر نفت ما تم ترويجه على المواقع، مؤكدة أنه لم يحدث أن جلس السيسي مع تميم، لكن ما حدث هو أنهما التقيا مصادفة أمام قاعة الافتتاح وسلم عليه الرئيس باليد، ثم دخل إلى القاعة علي الفور، ولم يجر بينهما أي حديث علي الإطلاق.. وأضافت المصادر أن شائعة جلوس السيسي مع تميم مصدرها صحف ومواقع قطرية واخري فرنسية بتمويل قطري.
وقد علمت في باريس أن حجم الاستثمارات القطرية في فرنسا في ارتفاع مستمر، حيث تشتري قطر غالبية الفنادق الكبري، وهي الفنادق التي تستقبل الزعماء والرؤساء والملوك، ويقيمون فيها أثناء الزيارات الرسمية وغير الرسمية.. وهو ما يتسبب في العديد من المشاكل، لأن بعضهم يتحفظ علي الاقامة في فندق قطري، ممن لهم مشاكل وعداءات مع قطر، خاصة علي المستوي الرسمي.. مثل مصر وبعض الدول العربية.
وقد اشتري "تميم" نادي "باريس سان جيرمان"، الرياضي والأول في كرة القدم في فرنسا، الذي له الكثير من المعجبين والمشجعين في فرنسا، ويحظي بالشعبية الاكبر بين النوادي الرياضية هناك.. وهو الأمر الذي أغضب العديد من الفرنسيين، خاصة إذا اضطر أحدهم للانحناء أمام أمير قطري، وخاصة أن لقطر الحق في التدخل في شئون النادي واختيار اللاعبين والمدربين. وما يغضب الفرنسيون أيضا التقارب الشديد بين الرئيس السابق المرشح القادم للرئاسة "نيكولا ساركوزي" وحكام قطر.. كما أن هناك كاتبا فرنسيا نشر كتابا عن علاقة "ساركوز" "بحمد بن خليفة" أمير دولة قطر السابق، والد "تميم"، ومنها قصة دفع "حمد" 3 مليارات يورو لساركوزي عندما انفصل عن زوجته، وحكمت لها المحكمة بالحصول علي هذا المبلغ ولم يكن "ساركوزي" يمتلك المبلغ، فطلب من أمير قطر ان يتدخل وبالفعل أعطاه المبلغ.. كما أن "ساركوزي" حتي الآن يذهب إلى قطر شهريا ليلقي محاضرة مدتها ساعة ونصف ويحصل مقابلها علي 150 ألف دولار، وهو مبلغ كبير جدا.
وللأسف فإن هجمات باريس الأخيرة دعمت فرص ساركوزي من الاقتراب من كرسي الرئاسة من جديد، في الانتخابات الرئاسية المحدد لها منتصف 2017، وهو ما يثير القلق في نفوس بعض المسؤولين المصريين، تجاه علاقة مصر بفرنسا، التي شهدت، ومازالت، أعلى درجات التقارب والتعاون في عهد "هولاند"، الذي يدعم مصر بقوة وتربطه علاقات صداقة بالرئيس السيسي، وبعض المسؤولين المصريين، لكن الأمر قد يختلف تماما إذا تولي "ساركوزي" الحكم بسبب علاقته القوية بقطر.. وقد يؤثر ذلك بالسلب علي العلاقات المصرية الفرنسية وصفقات السلاح ومنها الطائرات وحاملات الطائرات، إضافة إلى التدريبات المشتركة الأمنية والعسكرية بين البلدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.