أصبحت مصر بلد المفارقات الغريبة والعجيبة، فلا تكاد تتفاءل بأى خطوة نخطوها للأمام في أي مجال حتى تفاجأ أننا تراجعنا مئات الخطوات للخلف، كأن قدرنا أن نظل في تلك الحالة العبثية إلى مالا نهاية، وما يدعونى لتلك النظرة المتشائمة هو ما حدث من إعلامنا وإعلاميينا حول موضوع المخرج خالد يوسف، والذي حوله الإعلام كالعادة لحدث هام يستوجب المتابعة والتحليل بل وعرض صور خاصة ولا هم هنا إذا كانت مفبركة أو غير مفبركة، المهم هو الحصول على الشو، وما استوقفنى أن ما حدث في تلك القضية جاء بعد يوم واحد فقط من الفرح الذي أقامته غرفة صناعة الإعلام ومن ورائها الفضائيات الخاصة بعد توقيع ما يسمى مدونة السلوك المهنى للأداء الصحفى والإعلامي، والتي كانت من بين بنودها التي وقع عليها أصحاب الفضائيات الالتزام بعدم الدخول في ملاسنات أو مشاحنات إعلامية وبعدم استخدام مساحات النشر أو أوقات العرض في طرح خلافات شخصية أو معارك ومصالح خاصة، والامتناع عن الممارسات التي يجرمها القانون وترفضها مواثيق الشرف وعلى رأسها السب والقذف وانتهاك خصوصية الأفراد وحرماتهم تحت أي ظرف من الظروف. والالتزام بقيم المجتمع وأخلاقه وأعرافه في الحوار والخطاب الصحفى والإعلامي، وعدم استخدام أو السماح باستخدام اللغة والإيماءات المسيئة أو التدنى اللفظى أو الترخص في القول والفعل. وبعد أن تفاءلنا خيرا بتلك المسودة، لطمنا الخدود في اليوم التالى بعد أن تجاهل مذيعو الفضائيات تلك البنود وعادوا لأصلهم، لأن الأصل غلاب، ولا يستطيع صاحب قناة أن يقف في وجه مقدمى البرامج، لأنهم يفرضون سطوتهم بدعم المعلنين، ولتذهب قضايا الوطن للجحيم طالما لا يوجد قانون يردع الجميع وليس مدونة سلوك، ويا ليت مجلس الوزراء ينتهى سريعا من قانون الصحافة والإعلام الذي عرض عليه في جلسة الأمس وسيستكمل مناقشته الأسبوع القادم ليقره مجلس النواب في أولى جلساته، ولكن تبقى العبرة بقدرة الدولة على ضبط الأداء في القنوات الخاصة التي تحولت إلى مصدر للأزمات المتتالية ولم تعد مكانا لحل مشاكل المواطنين كما يفترض لدورها، خاصة بعد أن أثبتت التجارب السابقة أن الكل يقف عاجزا أمام التجاوزات ولنا في نقابة الصحفيين نموذجًا لهذا العجز حيث التي لم تسارع ولو مرة واحدة لإعلان أي عقوبة على أعضائها المخالفين لميثاق الشرف الصحفى وهم كثر، رغم ما يصدعنا به أعضاء مجلس النقابة عن القيم والأخلاق وما يجب أن يكون عليه الحال الإعلامي بينما الحال الصحفى أسوأ حالًا. وكم كان غريبا أن يتصدر نقيب الصحفيين مشهد توقيع مدونة السلوك المزعومة، بينما هناك أعضاء في نقابته لا يجيدون سوى السب والقذف ومخالفة أبسط مواثيق النقابة. لذا فالعبرة يا سادة ليست بالقوانين ولا بالمواثيق بل هي أخلاق مجتمع انحدرت فانحدرنا جميعا إلى الدرك الأسفل ولا نعرف متى نعود إلى حالتنا الأولى حين كنا نقيم اعتبارًا للأخلاق والقيم الأصيلة.