في الخامس والعشرين من نوفمبر عام 1960 جرت عملية اغتيال وحشية ل"الأخوات ميرابال"، الناشطات السياسيات في جمهورية الدومنيكان، بأوامر من ديكتاتور الدومنيكان رافاييل تروخيلو، لتُعلن العديد من ناشطات الحركة النسوية هذا اليوم للقضاء على العنف ضد المرأة؛ وفي 17 ديسمبر 1999 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا التاريخ اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم أنشطة ترفع من وعي الناس حول مدى حجم المشكلة. في هذا اليوم نتحدث عن أديبات واجهن في حياتهن أشكالًا من العنف والاضطهاد، وصل بسببه بعضهن إلى حافة الجنون، وبالأخريات إلى الهرب، إلا أن هذا العنف أيضًا كان سببًا في أعمال صُنفت من روائع الأدب العالمي. هيرتا مولر.. طريدة تشاوشيسكو بدأت مُعاناة مولر مع الاضطهاد بسبب والدها الذي كان في الحرس الخاص النازي خلال الحرب العالمية الثانية، وفي أعقاب هزيمة ألمانيا قام الشيوعيون الرومانيون بترحيل والدتها إلى معسكر اعتقال في الاتحاد السوفيتي؛ كما أن مولر نفسها قد تم طردها من أول عمل لها كمترجمة، بعد أن رفضت العمل لحساب الشرطة الخاصة التابعة للديكتاتور السابق نيكولاي تشاوشيسكو، فقررت تكريس حياتها للأدب، ولكن منعت الرقابة في النظام الروماني مجموعتها القصصية القصيرة الأولى التي صدرت عام 1982 تحت اسم "نيدرونجين"، ولم تنشر بشكل كامل إلا بعد عامين في ألمانيا إثر تهريبها إلى خارج البلاد، لتفر بدورها إلى ألمانيا بعد ذلك بخمس سنوات. تحدثت "مولر" في الكثير من كتاباتها عن القمع الذي واجهته بلادها من تشاوشيسكو، وأسهبت في الحديث عن نفي الرومانيين الألمان إلى الاتحاد السوفيتي في روايتها الأخيرة "أرجوحة النفس" التي صدرت في 2009؛ وقبلها كانت قد تحدثت في روايتها "الموعد" التي نشرت العام 2001 لتصف القلق الذي تعيشه امرأة بعد أن استدعتها مديرية أمن الدولة؛ وكانت تكره ما آل إليه حال البلاد بسبب الديكتاتور الجاثم على صدر رومانيا، ووصفته في مقال نشرته صحيفة "فرانكفورتر روندشاو" عام 2007 بأنه "مُحدث نعمة يستخدم الصنابير وأدوات الطعام المصنوعة من الذهب كما أن لديه ضعفًا خاصًا تجاه القصور"، وقالت إن "سكان رومانيا يتظاهرون بأن ذلك الماضي اختفى، أن البلاد جميعها مصابة بفقدان الذاكرة الجماعي"، وأضافت أن رومانيا كانت مأوى لأعتى الطغاة في شرق أوروبا وأكثرهم شرًا بعد ستالين، خلق تشاوشيسكو لنفسه صور بطل توازي ما يحدث في كوريا الشمالية. فرجينيا وولف.. ضحية الخوف منذ طفولتها كانت وولف تُعاني من تلكؤ في التعلُم، ولم تفلح في الكلام إلا في الثالثة من عمرها، وكانت تُعاني من أخوين يصغرانها وتصفهما بأنهما "طُغاة العالم الطفولي"، وكانت تتلقى الصدمات واحدة تلو الأُخرى، أولها تحرش أخيها غير الشقيق بها جنسيًا؛ وبعد زواج أختها الشقيقة وانتقالها لمدينة أخرى بدأت تشعر بالوحدة لتجد متنفسها الوحيد في كتابة يومياتها، وصارت فريسة للانهيارات العصبية والاضطرابات النفسية، فترددت كثيرًا على المستشفيات للعلاج والمراقبة، وكانت بدايات انهيارها عام 1906، ما استدعى دخولها إلى مصحة عقلية، وهُناك انتُخبت ملكة جمال المرضى، وعقب خروجها ذهبت لتعيش في ضاحية كامبريدج فترة من الزمن عند عمتها، ولم تتركها إلا بعد أن سمح لها طبيبها. في سن الثلاثين تزوجت يهوديًا يُدعى ليونارد وولف، كان له دور مهم في تشجيعها على الكتابة والنشر، وكانت مرعوبة إبان الحرب العالمية الثانية من انتصار النازي والتنكيل بها وزوجها الذي يُدرك أنها بحاجة إلى زوج يمُكنها أن تحترم فيه عقله؛ فتحمّلها الرجل كثيرًا، ففي حين كانت تظن أن الناس يضحكون منها، كان زوجها يتوقع أن تُلقي بنفسها من القطار في أي لحظة، وكانت لها محاولة سابقة للانتحار بإلقاء نفسها من نافذة لم تُسبب لها أذى، وكررت محاولة الانتحار بتناول جرعة قاتلة من حبوب منومة، وبينما فكّر الأطباء بتسجيلها مجنونة، مضت تُعالج نفسها، بالانصراف إلى الكتابة. ساهمت تلك العوامل مجتمعة في زيادة تشويش عقل وولف التي عادت تشعر بالصداع الشديد، وراحت تتردد على الأطباء بكثرة، فبدأت تفكر في الرحيل عن هذه الدنيا، لذلك ودعت الحياة وأختها وزوجها برسالة كتبت فيها "أيها الأعز، أنا واثقة أنني سأجن مرة أخرى، وأشعر أننا لا نستطيع أن نعاني مجددًا شيئًا من تلك الأوقات الفظيعة، إني لن أشفى هذه المرة، بدأت أسمع الأصوات ولا أستطيع التركيز، لذا فأنا فاعلة ما يبدو لي أنه أفضل شيء أفعله". نادين جورديمير.. مكافحة العنصرية كانت ممن كرّسوا حياتهم لفضح خزي قانون العزل العنصري، وسعت لتفكيك التاريخ المظلم لعلاقة البيض بالسود، حين كانت علاقة الحب بين ملوّنين ضربًا من المحرّمات، وكانت هي الفتاة البيضاء الثرية التي ذهبت إلى الضفة الأخرى المعتمة، واختلطت بالسود في علاقات معقّدة، وأماطت اللثام عن العدالة المفقودة، في نظام الكولونيلات الوحشي الذي كان يمتص جنوب أفريقيا. كرهت "جورديمير" العنصرية منذ كانت طفلة في التاسعة من عمرها، عندما رأت خادمتها السوداء وهي تهان بطريقة لا تمت للإنسانية بصلة، وكانت تلك الصورة ببشاعتها دافعًا لأن تبدأ رحلة الكتابة التي جعلتها في خدمة محاربة عار الإنسان المتمثل في العنصرية، والذي عانت منه جنوب أفريقيا طويلًا، والمرأة التي قاومت التمييز العنصري وانتصرت عليه بعد أن جعلته قضيتها الأولى، وكانت عضوًا في المؤتمر الوطني الأفريقي الذي كان محظورًا في فترة التمييز، وصارت مقرّبة من الزعيم الأسطوري نيلسون مانديلا، والذي حرص على رؤيتها فور خروجه من السجن لكونها واحدة ممن ساهموا بفاعلية في الحملة الدولية لإطلاق سراحه؛ وكانت تعتبر نفسها دومًا أفريقية بيضاء، ورفضت بشدة أن توصف ب"كاتبة بيضاء من أفريقيا الجنوبية"، كما حاول البعض وضعها في هذا القالب؛ بل ورفضت كذلك تصنيفها ككاتبة ملتزمة بالمعنى الأيديولوجي للكلمة، وقالت "انخرطت بقوة في الكفاح ضد نظام الفصل العنصري، لكني أتحدى أيًا كان في أن يجد أثرًا للبروباجاندا في قصصي ورواياتي". كانت معايشة "جورديمير" لوقائع الاستعمار وعنصريته هي ما شكَّلت لها خيالًا واسعًا ومكثفًا أضفى أشياء متعددة في رصيدها القصصي والروائي، وتمحورت هذه الأعمال في مجملها حول التسامح والحرية وعناق الآخر بغبطة قصوى، تنطوي على أسى وغضب وحنان، وهتك عميق ل"همجية الخواء الإنساني"، وعند تسلمها جائزة نوبل للأدب عام 1991 قالت: "بعد سنوات أدركت أنني لو كنت سوداء، لما أصبحت كاتبة لأن المكتبات التي كنت أتردد عليها كانت محظورة عليهم"؛ كما جاءت آخر أعمالها وهي رواية "لا وقت مثل الحاضر" عام 2012 لتكون بمثابة مراجعة وأرشفة لتاريخ التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا. سيلفيا بلاث.. الانتحار هو الحل تزامن ظهور موهبة بلاث مع وفاة والدها وهي لا تزال في الثامنة من عمرها، ما أصابها بحالة من الوجع والفقد، ليأتي الشعر كمحاولة لتعويض الجزء المفقود من الحياة وملء الفراغ الذي خلّفه الأب، ولكن حياتها استمرت كومضة عابرة من الحزن والألم، فجاءت كتاباتها الشعرية أشبه بحالة من النزيف المتواصل على الأوراق، حتى أنها كانت تقول دومًا "الموت حرفة، وأنا أتقنها بشكل استثنائي". في بريطانيا تعرفت بلاث على زوجها شاعر البلاط الملكي تيد هيوز، الذي كان يؤلمها بخياناته المتكررة، لتحيا معه فترة شديدة الصعوبة والألم، حاولت فيها الانتحار ثلاث مرات، وما لبثت أن نجحت في المرة الأخيرة، لتُنهي حياتها في مطبخ منزلها، بعد أن حشرت رأسها في الفرن، ووضعت مناشف مبللة تحت الأبواب الخشبية حتى لا يتسرب الغاز إلى باقي أرجاء المنزل، لتموت مختنقة بغاز أول أكسيد الكربون؛ وكان انتحارها هو الفعل الذي حاولت من خلاله أن تنتصر على تعاستها، حيث كانت حياتها مع تيد هيوز وسيطرته على مجريات الأمور، وخياناته المتكررة، ما جعلها تكرر هذه المحاولات التي انتهت بالنجاح، كمحاولة لإعلان الانتصار والهزيمة معًا؛ وقد اتهمت الحركات النسوية الزوج هيوز بأنه حاول مرارًا السطو على حياة زوجته الراحلة والقضاء عليها، ما جعله يدخل في صراع دائم مع الاتهامات والانتقادات المتواصلة التي لم تقل إلا عندما نشر الأخير مجموعة من الرسائل الرائعة وقصائد الحب التي تشاركها مع سيلفيا، تحت عنوان "رسائل عيد الميلاد" في 1998. فدوى طوقان.. من القهر الاجتماعي إلى قهر الاحتلال عاشت الشاعرة الفلسطينية طفولتها وصباها في جو عنيف من القهر الاجتماعي، حيث منعها أهلها من الاستمرار في التعليم وأخرجوها من المدرسة الابتدائية وحكموا أن تكون سجينة البيت، بعد أن اكتشفوا أن هناك صبيًا من صبيان مدرستها نابلس يتابعها في ذهابها إلى المدرسة وأنه أرسل إليها زهرة فل، تعبيرًا عن عواطفه الصامتة نحوها، وهكذا أصبحت ممنوعة من التعليم والحب والخروج من البيت. وبعد أن كبرت فدوى وبدأت تكتب الشعر، كانت تخاف من نشر شعرها في الصحف بتوقيعها - ففي ذلك نوع من الفضيحة في نظر أهلها وبيئتها المحافظة - فنشرت قصائدها تحت اسم مستعار هو "دنانير"، واسم آخر هو "المطوقة"، وشيئًا فشيئًا أصبحت معروفة في الحياة الأدبية، فأعطاها النجاح نوعًا من الحرية والحصانة، وبدأت تنشر باسمها الحقيقي، ووجد أهلها ما يفخرون به خاصة تلك الأشعار الوطنية التي تعبر عن هموم الفلسطينيين؛ إلا أن مراسلاتها مع بعض الشعراء المصريين، والتي كانت أدبية خالصة، أعادت القهر العائلي إلى حياتها مرة أخرى، بعد أن منعها شقيقها من تلك المراسلات. ومن قهر العائلة إلى قهر الاحتلال، حيث عاشت فدوى وصورت بكلماتها ما عاناه شعبها مع احتلال العصابات الصهيونية للأراضي الفلسطينية، فكان ممنوعًا عليهم أن يغادروا الضفة الغربية لزيارة أهلهم في الضفة الشرقية التي صارت تتبع الأردن، إلى أن تبنى موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، مبادرة لتمكين الفلسطينيين من زيارة أهلهم، ولكن عبر المنافذ التي تُسيطر عليها قوات الاحتلال.