شوارع ضيقة.. ومنازل آيلة للسقوط.. وأناس يحلمون ب«رغيف العيش» «الحاجة سعدية» تطالب بمعاش للإنفاق على نجلها المصاب بإعاقة ذهنية «فايزة» مصابة بمرض مزمن فى المفاصل: «نفسي أقف على رجلي تاني.. ساعدوني» عندما يصبح حلم المواطن فى بلدنا «ثلاجة» أو قرصا مسكنا يخفف أوجاع يعانى منها منذ سنوات، فلا مجال للحديث عن الآدمية، الهم كل الهم يلبس أهالينا فى بيوتهم الواهنة، يدمر ضحكاتهم ويبدلها على وجوه ملت تجريب الأمل فى الحصول على وصفة ترحمهم من معاناة حقيقية بطلها الفقر وتجاهل الدولة. «البوابة»، بادرت بمحاولة من خلالها تعرفنا على معاناة أهالى «عزبة علام» الكائنة خلف وزارة الزراعة بمحافظة الجيزة، إذ تقع على مساحة 7 أفدنة يعيش عليها مئات الأسر، ورغم أن هذه العزبة المحرومة تقع بجوار نادى الصيد بحى الدقى وخلف وزارة الزراعة إلا أنها تعيش فقرا غير عاديا، يلمسه المارون على وجههم ومنازلهم. الأهالى هناك، قالوا إن ثمة صراعا بين وزارتى الزراعة والأوقاف على ملكية هذه الأرض والتى يرجع تاريخها إلى 107 أعوام، إلا أنه فى الأخير يدفعون إيجارات منازلهم القديمة لوزارة الأوقاف. فى شوارع العزبة الضيقة قابلنا الحاجة سعدية، 60 عاما، إذ قالت إنها تسكن فى غرفة واحدة هى وابنها الأكبر «تامر» 30 عاما، الأخير أصيب بإعاقة ذهنية بعد أن تعرض لحمى شوكية فى طفولته، مضيفة أنها تولت تربية أبنائها ال3 بعد وفاة زوجها مستعينة على ذلك بمعاش والدهم 300 جنيه، لافتة إلى أنها لا تتمنى من الدنيا إلا معاشا بسيطا لابنها المعاق أو مصدر رزق يمكنها من الإنفاق على نجلها الذى أصبحت عاجزة عن رعايته بسبب تقدم سنها. أما حكاية «إسلام» 10 سنوات وشقيقته «غادة» 8 سنوات، تشبه ما نشاهد الأعمال الدرامية، إذ تركهم الأب بعد أن أدمن المخدرات، ما اضطر الأم إلى العمل كخادمة لتتمكن من الإنفاق عليهم. منزل هذه الأسرة سقط بالكامل منذ فترة، وحتى الآن لا تقدر الأم على إعادة ترميمه، إذ تبقى منه غرف واحدة يعيشون فيها ثلاثتهم، وبسبب الظروف المادية قررت الأم أن تنهى علاقة أبنائها بالتعليم والمدارس، إذ بكوا بشدة بسبب قرار والدتهم: «كان نفسنا نكمل تعليم زى باقى أصحابنا». «انتصار» 35 عاما، ربة منزل مطلقة ولديها طفلان ولد وبنت، وتتولى هى الإنفاق عليهما بعد أن طلقها زوجها وتركهم دون أن يسأل أو ينفق عليهم، وتولت هى الإنفاق من معاش الشئون الاجتماعية «400 جنيه»، تدفع منها 150 جنيها، أجرة الغرفة التى تسكن فيها، تحت السلم بدون باب، والمجارى والفئران والثعابين يجلسون معهم، إذ طالبت بمصدر رزق لها ولأبنائها، أو سكن آدمى يصلح للحياة بدلا من العيش على المساعدات. والتقطت «أم محمود» 25 عاما، طرف الحديث لتقول: «أنا متزوجة وأعيش مع حماتى داخل غرفة واحدة، بعد أن تزوجت من نجلها ولديه طفل صغير، كما أن العقار آيل للسقوط، وجمعت أنا والجيران مبلغا لترميم المنزل، لكن دون جدوى، ففى الشتاء تتضاعف الشقوق وتداهمنا الأمطار والبرد، لأن الغرفة التى نسكن فيها مصنوعة من الخشب، وننتظر فى أى وقت أن يسقط العقار، وليس لدينا ما يمكننا من ترميمه أو يسمح بتركه والعيش فى منزل جديد، كما أن القمامة التى تحاوطنا جعلت بيوتنا ملجأ للفئران والثعابين والعقارب». ينادونها فى المنطقة ب«بوحة»، اسمها الحقيقى «صباح» أو قل «أم عمرو» نسبة لأبنها الأكبر، وعمرها 64 عاما، حلمها الحصول على معاش، إذ كانت تعمل فى النظافة منذ زمن بعيد، والآن لا تريد إلا حياة آدمية، تسمح بتوفير لقمة العيش والعلاج، خاصة أنها أم ل 10 أولاد، لذا تحلم ب«كشك» يحسن دخل الأسرة الكبيرة، بعد أن باعت كل ما تملك لكى تستطيع أن تساهم مع زوجها فى تربية الأبناء. ومن «بوحة» ل«فايزة»، عمرها 60 عاما، ليس لها مطلب سوى أن تقف على قدميها مجددا، إذ تعانى من ألم مزمن فى المفاصل، وقرر لها الأطباء أن تجرى عملية جراحية خطيرة، لتغيير مفصل بقدمها، مضيفة: «الصحة أهم من الأكل، ولو مفيش عملية، ياريت حد يساعدنى بالدواء». «عداد كهربائي»، هذا ما طلبته سامية، 40 عاما، إذ تسكن فى غرفة مظلمة هى وأبناؤها، ولا تملك ثمن العداد، بينما قال «حسين محمد أحمد» من أهالى العزبة، أن مطالب الفقراء بسيطة جدا، وتكمن فى خدمة واحدة من مرشح البرلمان المقبل، وهى تمليك المنازل للأهالى فى العزبة، كما أن نجلى مريض ب«الروماتيد»، من عامين، وكورس العلاج 3000 جنيه، وننتظر فرج ربنا». بينما كان حلم أمنية، 28 عاما، «ثلاجة».. نعم ثلاجة، لكى تضع فيها العصائر التى تبيعها، فيما قالت مدام رشا: أسكن بغرفة صغيرة ومعى ولد وبنت ومنفصلة من فترة عن زوجي، وكل ما أريده العلاج من الربو، لأن معاشى 400 جنيه ولا يكفى ثمن العلاج، وطلبت الحاجة سيدة زكي، مساهمة تساعدها فى تجهيز بناتها قبل الزواج، كما أن ابنى ضرير ويحتاج عملية كبيرة حتى يرى النور مجددا. أما «شيماء. ف»، أم لطفلين ومطلقة، فقالت إن هناك مجموعة من الأشجار الضخمة الموجودة بالقرب من ساحة وزارة الزراعة، تمثل عائقا كبيرا بالنسبة للمبانى المتواجدة بالقرب منها، إذ اخترق جزء منها عددا من بيوت المنطقة، وأدى ذلك إلى هدم أجزاء من المنازل فوق رؤوس الأطفال، بالإضافة إلى أنها تسهل دخول اللصوص إلى البيوت «كل يوم نلقى شخص غريب داخل علينا»، كما أنها مصدر للزواحف والثعابين، كل هذا أصبح مصدر خوف ورعب للأطفال ما جعلهم غير قادرين على النزول للشارع كباقى الأطفال، فمنذ فترة سقطت إحدى الأشجار على منزلنا، وعلى الفور قمنا باستدعاء الشرطة والإسعاف خشية أن تصيب أحدا، وبعدها تمت إزالتها، لكن مازال عدد كبيرة منها متواجد، وقدمنا شكوى للمسئولين فى وزارة الزراعة أكثر من مرة، لكن دون جدوى، وقالوا لنا: «هاتوا ناس على حاسبكوا تشيل الأشجار»، والتكلفة عالية قرابة ال 3000 جنيه لإزالتها، وفى نفس الوقت الموت يهدد أطفالنا، بالإضافة إلى أن الروائح الكريهة المنبعثة من أطنان القمامة المتواجدة بالقرب من المنازل، وهذا تسبب فى إصابتنا بأمراض مزمنة نعانى منها حتى الآن، بينما طالبت أم أيمن الحكومة بتوفير وظيفة عمل لنجلها لمساعدتها فى المعيشة.