أحلام طفل بالدويقة: عاوز أحبس الحكومة.. وأزور “,”جنينة الحيوانات“,” أطفال بعمر الزهور يحيون وسط المخاطر ويتسابقون في تسلق الجبال، أحيانًا يخافون الموت وأحيانًا أخرى لا يخشون غير الظلام، أحلامهم لا تتعدى أحلام طفل عادي بأن يلعب ويلهو ويمرح كباقي الأطفال هؤلاء هم أطفال الشهبة بالدويقة. سيف فتحي طفل يبلغ من العمل ست سنوات بالصف الأول الابتدائي يذهب إلي مدرسته بصحبة أخته البالغة من العمر اثني عشر عامًا يسيرون وسط الجبال بين القمامة والحيوانات الضالة، حتى يصلوا إلى مكان مدرستهم وكغيره من أطفال الدويقة لا يريد لأصدقائه أن يعلموا بمكان سكنه. يعود سيف من مدرسته ينهي واجباته المدرسية ويبدأ بمشاهدة أفلام الكرتون من خلال التلفاز الخاص بهم وبعدها يخرج للعب مع باقي جيرانه من الأطفال. وأغرب ما يلعبونه هو ركوب “,”التوك توك“,” ولكنه يتمنى الذهاب لحديقة الحيوان وما يحلم به أن يمتلك دراجة يمرح بها أمام المنزل. سيف يرى الثعابين والعقارب بكل مكان من حوله ومع الوقت أصبح لا يخشى منها وقد يكون ذلك لصغر سنه أو لعدم لدغها له أو لأحد أقربائه “,”حتى الآن“,” كما أنه بإحدى المرات حين قام جيرانه بالإمساك بثعبان قاموا بلفه حول رقبته كنوع من المرح ولتشجيعه حتى لا يرهب العيش بالجبل. المفارقة أن سيف لا يخشى الثعابين والعقارب وإنما يخشى الجبل الذي يتوقع أن ينهار فوقه بأي وقت ويهاب الظلام نظرًا لانقطاع التيار باستمرار لديهم، كما أن سيف يحب تناول الكبدة والمحشيات أكثر من باقي المأكولات الأخرى ولكن والدته لا تعدها له كثيرًا نظرًا لضيق الحال وغلاء الأسعار. سيف رأى الثورة في التلفاز وتكونت لديه فكرة بأنها عبارة عن فريقين يهاجم كل منهما الآخر، والحكومة تمثل له الأفراد المسلحين الذين يقومون باحتجاز المواطنين وحبسهم. يأمل سيف أن يكبر ويصبح ضابط شرطة ليقوم بحبس الحكومة التي يراها تظلم الشعب ويحتجز كل مخطئ، فهو تربى بمنطقة يرى فيها أهلها يتقاتلون من أجل قطرة الماء ويصيبون بعضهم بعضًا للحصول على حصة أكبر من مياه تصلح للشرب. إذا استمر سيف بالدويقة فلن يستطيع تحقيق حلمه بأن يكون ضابط شرطة فسيرفض لأنه غير لائق اجتماعيًا وقد يؤدي ذلك إلى كرهه للحكومة أو المجتمع اللذين تركاه في مثل هذه الظروف غير الآدمية.. فهل ستحقق الثورة العدالة الاجتماعية وننحقق لسيف أحلامه؟! إيمان.. تحلم بعيشة آدمية.. وتتساءل أين حقوق الطفل بالدويقة؟ جبل متصدع وثعابين وحشرات سامة وصراعات من أجل نقطة ماء ليس هذا سيناريو لفيلم سينمائي من أفلام خالد يوسف، بل واقع أقسى مرارة من فيلمه “,”حين ميسرة“,” نحن نتحدث عن منطقة الشهبة بالدويقة. رغم هذا الواقع المؤلم إلا أن أحلام أطفالها لا تموت رغم الخوف من وحشة الجبل أو أن يقتل الجهل أحلامهم وهي في ريعان شبابها أو يباغتهم الموت فجأة. إيمان هاني محمد واحدة من هؤلاء الأطفال، طفلة عمرها سبع سنوات تدرس بالصف الثاني الابتدائي تذهب صباحًا إلي المدرسة برفقة قريناتها سيرًا على الرغم من ابتعاد المدرسة عن مقر سكنها وتعود بعد اليوم المدرسي تصلي ثم تؤدي واجباتها المدرسية ثم تخرج للعب مع قريناتها أمام المنزل. تصلي إيمان لأنها ترى أن الله وهب الإنسان كل شيء وتنتظر أن تدخل الجنة التي تحوي كل ما هو جميل وتنتشر بها أشجار الفاكهة التي تحبها والكثير من اللحوم والدجاج والتي يمنعها ضيق الحال من تناولها بشكل مستمر. تعيش إيمان لحظات خوف حين تندلع المشاجرات بين أهالي المنطقة ويرجع سببها لنزاع على حصة الماء وأحيانًا لا تعرف سببها، ولكنها تسرع لاصطحاب أخوتها بعيدًا وتمنعهم من النزول إلي الشارع حتى لا يصابوا بالطوب أو من الزجاج المتناثر نتيجة الاشتباكات. إيمان ككثير من أطفال الدويقة يرون الثعابين والعقارب بشكل مستمر حتى أصبحت جزءًا من روتين حياتهم فهي بإحدى المرات شاهدت ثعبانًا يسقط من سطح المنزل، ووقع على رأس والدها لتخرج مسرعة مع إخوتها ويتركوا والدهم يحاول قتل الثعبان السام. وليس ذلك فقط ما تراه إيمان من مشاهد مخيفة وغير آدمية إنما أيضًا أثناء جلوسها بغرفتها رأت داخل منزلها فأرًا يجري أثناء حمله حيوانًا آخر بفمه! ما تتمناه إيمان هو الخروج من الدويقة والذهاب لأي مكان بعيد عنها لأنها تخاف أن يباغتها الجبل بتصدعاته ويسقط فجأة على رأسها أو تخرج منه الثعابين والحشرات السامة. إيمان تخيفها الحيوانات والكلاب المسعورة التي تتجول في الدويقة، فحياتها صراع وهروب من الثعابين والاختباء من مشاجرات الأهالي من أجل أن تبقى على قيد الحياة. الحياة في الدويقة بعيدة عما يعرف بحقوق الطفل والإنسان فبدلاً من أن يحلم الأطفال بمستقبل باهر تتلخص أمانيهم في البقاء أحياء والابتعاد عن جبل يوشك على السقوط، يخرج من بين شقوقه ثعابين تطارد الأطفال قبل الراشدين وتزرع الرعب في نفوس الأهالي على أرواحهم وأرواح أطفالهم. “,”حبيبة“,” طفلة الدويقة.. صراع من أجل البقاء على قيد الحياة أحلام أطفال الدويقة تختلف عن أقرانهم في مناطق أخرى، يحلمون بتحقيق مستقبل مليء بالشهرة والنجاح والبطولات، هذه الأحلام بعيدة تمامًا عن عقول وأحلام أطفال الدويقة الذين كل أمانيهم وأحلامهم تنحصر في الأمان حيث يخيّم الخوف على المكان وتصبح أقصى أمنية لهم الرغبة في البقاء على قيد الحياة. حبيبة طفلة بالصف الثاني الابتدائي عمرها لا يتجاوز سبعة أعوام وكغيرها من أطفال الدويقة لديها أصدقاء من جيرانها وكذلك بمدرستها تحبهم جميعا، ولكن ككثير من أبناء الدويقة لا يعلم قرناؤها بالمدرسة مكان سكنها. تتمثل أمنيات حبيبة في خروجها للتنزه بحديقة ألعاب، فهي لا تخرج من الدويقه إلا لمدرستها أو إلى حديقة بجوار الدويقة وكغيرها من الأطفال تتخبط بين الغربة في البقاء بالدويقة من أجل أصدقائها وجيرانها وبين الرغبة في الرحيل خوفاً من الجبل الموحش. تهاب حبيبة الجبل المتصدع لظلمته وخروج الثعابين والعقارب منه والتي تراها بالطرقات، مما يصيبها بالخوف الشديد فتتمنى الخروج من الدويقة والسكن بشقة يسهل بها أن تلعب مع إخوتها وأصدقائها دون الخوف من الحشرات السامة التي تجوب الطرقات. ترى حبيبة على الدوام المشاجرات التي تقع بين أهالي الدويقة وتشاهد فيها استخدامهم للأسلحة البيضاء والنارية، كما علمت بخطف عدد من الأطفال يبحث عنهم الأهالي وأحيانا تتدخل الشرطة ولكن لا يتم العثور عليهم إلا جثثًا هامدة. يرى أطفال الدويقة ما لا براه من هم في مثل أعمارهم من ثعابين ومشاجرات وصولاً إلا حوادث اختطاف وقتل، وذلك وسط الخوف من انهيار صخري لا ينفع معه الفرار ولا يجدي الهروب فيصبح آخر ما يسمعونه صوت الصراخ والارتطام. منى: لا لدستور يبيح زواج الأطفال ولا يوفر لهم الأمان الأحلام لا تتطلب قصورًا لتولد فيها ولكنها تحتاج إلى أرض خصبة لتنمو وتتحقق، فأحيانًا تخرج الأحلام من باطن الجبل وتصل لعنان السماء وتخرج صاحبها من واقعه المرير وبالدويقة يصبح الخوف من أن يحاصر الواقع الأطفال فينسيهم أحلامهم. منى أحمد طفلة عمرها تسع سنوات تدرس بالصف الرابع الابتدائي تحب مدرستها وتفضل أصدقاء الدراسة عن أصدقائها بالدويقة تفضل مادة الدين وتصلي لأنها تدرك أن الصلاة فرض من الله على المسلمين فتؤديها. ترى منى أن الحكومة تعني الأمن ولذلك فهي لا تخاف منهم وترفض الدستور الذي تراه ظالمًا لها فهو يسمح بزواج الفتيات من سن عشر سنوات كما تراه يفرض غرامات على إلقاء القمامة بالشوارع وهو ما تجده ظالمًا، فأهالي الدويقة يلقون مخلفاتهم بالشارع القريب منها، فهي لم تر صندوق مهملات. حين تخرج منى للتنزه تذهب لحديقة الأزهر أو حديقة الحيوان – على عكس كثير من أطفال الدويقة – حيث تصطحبها أختها الكبرى ولكن ما تحلم به حقًا هو الخروج من الدويقة والذهاب إلى أي مكان آخر يكون أكثر أمانًا وآدمية ويكون على الأقل نظيفًا تتوفر به المياه والكهرباء. منى كباقي الأطفال تخشى الظلام ولكن أكبر مخاوفها من الجبل وثعابينه وحشراته فتخشى لدغاتها وتهاب الجبل وتصدعاته، الذي يهددهم باستمرار بدفنهم تحته فأصابها الرعب حين رأت التشققات بالجبل تزاد يومًا بعد يوم. مطلب منى من الحكومة أن تحقق لها الأمن فهي لا تشعر به بالدويقة وسط المشاجرات المستمرة والتي يشهر فيها الطرفان الأسلحة النارية والبيضاء وزجاجات المولوتوف يصاب ويقتل بها الكثيرون في ظل غياب الأمن عن المنطقة. منى أثناء حديثها عن المشاجرات بدأت بالارتجاف فقد تذكرت ما تراه باستمرار من عراك وتعالي أصوات تليها دماء تسيل على الأرض وعويل سيدات على مفقود أو مصاب، ما يزرع الرعب بقلب الكبار قبل الصغار ويبقى الخوف وسؤال لم يفارق الأذهان مَن التالي؟ صخرة الدويقة قتلت الأحلام في قلب آلاء بالدويقة أطفال بأعمار تجعل أحلامهم تصل إلي عنان السماء دون سقف يمنعها ولا خوف يحجمها ولكن بعضهم قتلت ظلمة الجبل قدرتهم على الحلم فتمسكوا بابتسامتهم وتعلقوا بحب أصدقائهم وجيرانهم ليتمكنوا من الاستمرار في الحياة في هذا المكان الموحش. “,”آلاء حسين“,” طفلة عمرها تسع سنوات تدرس بالصف الثالث الابتدائي تعيش كباقي أطفال الدويقة وسط الثعابين التي تطوف الشوارع والحيوانات الضالة التي تنام بالطرقات وأمام المنازل أحلامها أن تصبح أي شيء وتلتحق بكلية ولا يهم ما هي. تذهب “,”آلاء“,” لمدرستها سيرًا وحيدة فأصدقائها بالدويقة ليسوا بنفس المدرسة وكباقي الأطفال لديها أصدقاء بصفها وآخرون جيرانها بالدويقة ولكنها تفضل الجيران على الزملاء لأنهم يعيشون معها في نفس ظروفها ويتعايشون مع نفس مخاوفها. “,”آلاء“,” كانت أغرب فتاة بالدويقة قابلناها فهي تحب المكان وتحب الجبل ولا تريد الخروج من الدويقة والسبب الوحيد لرفضها الرحيل هو خوفها من الابتعاد عن أصدقائها الذين عاشت معهم منذ مولدها فرغم وحشة المكان إلا أنه يجمعها بأصدقاء تكتفي بتواجدها معهم. وكباقي الأطفال ترى “,”آلاء“,” الثعابين والحشرات السامة بالطرقات وتهرب خوفًا منها كسائر أهل الدويقة ولكن رغم هذا فهي تحب الجبل الذي يمثل لها البيت والمأوى. “,”آلاء“,” لا تعرف ماذا تعني الحكومة فهي تسمع من حولها يرددونها ولكنها لا تعلم عما يتحدثون ومعلوماتها عن ثورة يناير هي أنها ترى الاشتباكات على شاشة التلفاز ولا تعي عن ماذا يتعاركون. أما مصر فهي بالنسبة إليها وطنها الذي تتمنى له الخير والسلامة مما هو فيه. هناك نماذج عديدة ك“,”آلاء“,” لا ينظرون إلى المستقبل قد تكون ظلمة الجبل قد منعتهم من أن يحلموا وربما يخافون من تحطم أحلامهم تحت شعار “,”غير لائق اجتماعيًا“,”، ومن الممكن أن يكونوا قد صدموا جراء ما يرونه من إهمال وتهميش لهم من قبل الدولة وما عليه حال آبائهم ولكن المؤكد بأن الثورة القادمة ستخرج من تلك المناطق. على مدار سنوات رآها المحللون المناطق العشوائية قنبلة موقوته ستنفجر بوجه المجتمع ولكن لم تحاول الدولة حل تلك المشكلات التي تؤرق مستقبل البلاد ومن بينهم أهالي الدويقة الذين اختاروا الحياة هناك فلا يوجد من يقبل العيش بين الحيوانات تحت سفح الجبل ينتظر الموت له ولأبنائه على المجتمع أن يعيد حساباته ويتراجع عن تهميشه لهم فمصر لن ترتقي بتهميش الملايين بها.