لا حلول فى الأفق للازمة والصراع الدائر فى سوريا، المستمر منذ قرابة الأعوام الخمسة إلا إذا «توحد السوريون».. حقيقة يدركها كافة السوريين، سواء من كانوا فى الداخل من النظام أو المعارضة أو فى الخارج من قبل ائتلافات المعارضة السورية أو اللاجئين والمهجرين على أطراف «دول الجوار» أو فى الشتات. ما يتردد عن حلول سياسية برعاية أممية ودولية، ما زالت محل خلافات وصراعات مصالح إقليمية ودولية وإهدارا للوقت فى تهجير المزيد من الضحايا السوريين واللاجئين الفارين من نار الحروب.. إلا أن هناك إصرارا على تنفيذ العديد من المخططات القديمة الجديدة.. بدءا من «الشرق الأوسط الجديد» مرورا «بمشروع الهلال الإيرانى الشيعى» ومشروع «الدويلة» القادمة من مستنقع الدماء لتمزيق الجسد السورى بالحديث عن «دويلة علوية» فى الشمال.. وانتهاء بمشروع «التوطين» لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين فى دول الجوار والهاربين إلى الأراضى الأوروبية فى مؤشر خطير يؤكد أنه لا توجد حلول راهنة للأزمة السورية.. وهو ما أكد عليه رئيس الوزراء البريطانى «ديفيد كاميرون» بأنه لا حل فى سوريا قبل خمس سنوات على أقل تقدير ما يؤكد استمرار الأزمة بإحداث تغيير فى الديموجغرافيا السكانية للدولة السورية التى عاشت على مر مئات السنين، رغم تنوعها الاجتماعى والثقافى والطائفى والمذهبى، إلا أنها كانت نموذجا للعيش المشترك بين مختلف طوائف المجتمع السورى. لم أكن أتصور يوما كما لم يتصور معى كثير من السوريين، سواء كانوا أصدقاء أو زملاء فى المهنة أو حتى من المعارف من مختلف الشرائح والطوائف الاجتماعية، أو حتى من كانوا على خلاف مع النظام السورى أو وصفوا بأنهم من الفئات المعارضة له، أن تصل بلادهم إلى ما وصلت إليه من دمار وخراب.. طالت أدوات الحرب المجنونة خلالها كل شبر من الأراضى السورية لتأكل الحرب الأخضر واليابس من أبنائها وبأيدى أبنائها، حيث بلغ عدد ضحاياها وفق أفضل التقديرات فى ظل غياب أى إحصاء رسمى سواء على المستوى الإقليمى أو الدولى أكثر من نصف المليون مواطن وفق هيئات التنسيق السورية المختلفة علاوة على المفقودين والسجناء، إضافة إلى ما أصاب البلاد من خراب عظيم فى البنية التحتية والسكانية ما ساهم وساعد من استغلوا تلك الأوضاع وتسللوا لنشر بذور الفتنة والفوضى والخراب والموت والدماء على وجوه الجميع دون استثناء سواء فى الداخل أو الخارج السورى. كما لم يكن فى مخيلة أحد على الإطلاق مهما كانت لديه من قدرات ذهنية فائقة وحتى العالمون ببواطن الأمور «من مراكز الأبحاث العربية أو الإقليمية أو الدولية» أن الوضع السورى على المستوى الإنسانى يمكن أن يصل إلى ما وصل إليه من أوضاع أقل ما توصف بالكارثية.. علما بأن هناك من كان يسعى إلى دفع الأزمة إلى منتهاها آملا منها أن تشكل عوامل ضغط لسرعة إنهائها، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن.. ووقع الجميع فى ورطة كيفية الخلاص من تلك الكارثة، وذلك الكابوس الذى حول حياة السوريين الآمنين إلى جحيم.. نعم.. كان هناك خوف وتخوف وقلق وارتباك يعصر الجميع انتظارا لأمل ضعيف فى الانتهاء سريعا مما يجرى حول كيفية تناول الأزمة وحلها سواء إقليميا أو دوليا أو حتى على المستوى المحلى سواء من قبل النظام أو المعارضة المسلحة الأمر الذى وصل فيه المواطن السورى إلى قناعة بأنه لا حلول الآن ولا غدا. كما لم يسبق أيضا أن دفع شعب على مدى تاريخه ثمناً لإزالة نظام يراه مرفوضا على هذا النحو البائس، كما ولم يسبق أن تمسك واحتفظ نظام بموقعه طوال قرابة الخمسة أعوام بكل هذا الحجم من العنف والأنانية والأساليب الأمنية الشرسة بالإيغال فى الحلول العسكرية والأمنية منذ بداية الأزمة، ورغم ذلك ظلت الحرب مستمرة والصراع الإقليمى والدولى على سوريا يسير على قدم وساق وقوده المواطن السورى الذى يتآكل يوما بعد يوم بكل الوسائل والطرق حتى أصبح.. بين مطرقة النظام.. وسندان جماعات الإرهاب والتطرف من تنظيم داعش وجبهة النصرة وكافة الميلشيات المسلحة. وفى الوقت الذى تدور فيها الحرب سجالا ما بين القوات النظامية الحكومية - رغم الدعم الإيرانى والروسى - وميليشيات حزب الله فقد فقدت عنصر السيطرة على معظم الأراضى السورية حتى وصل الأمر إلى سيطرة النظام على قرابة 20٪ من مساحة الأراضى السورية.. وذلك وفقا لتقارير دولية وإقليمية وداخلية أيضا يستشعرها المقيمون حاليا فى سوريا.. حتى باتت السيطرة على مناطق ومدن محدودة سواء فى دمشق أو طرطوس أو اللاذقية أو فى بعض المناطق المتفرقة وهى الأخرى مصدر للقلق عليها بعد استيلاء الفصائل الإرهابية المتطرفة من تنظيم داعش وجبهة النصرة على محافظات فى شمال سوريا «الرقة.. إدلب.. دير الزور.. الحسكة» وصولا إلى محافظة حلب واتصالا مع محافظة حماه «بوسط سوريا» واستيلاء الفصائل والتنظيمات الأخرى على مناطق متفرقة من المدن والقرى سواء فى ريف دمشق الشرقى أو الغربى.. اختلط فيها الحابل بالنابل.. بين من أطلقوا على أنفسهم «الجيش السورى الحر، وأحرار الشام وجيش الفتح وجيش الإسلام وجبهة النصرة وداعش» والعديد من الفصائل والخلايا العنقودية التى لا تعرف لها ملة أو انتماء.. والخاسر الوحيد ليس النظام.. بل الوطن والمواطن.. فى ظل وجود معارضة سياسية فى الخارج أقل ما توصف بها أنها «معارضة مهلهلة» سيطرت عليها كيانات كثيرة وأسماء من طوائف متعددة القاسم المشترك والمتحكم فيها «جماعات الإخوان السورية الإرهابية» التى لم تسطتع على مدى السنوات الثلاث الماضية أن يكون لها قبول دولى أو حتى شعبى فى الداخل السورى ولم تفرز حتى عن قيادة وطنية حقيقية.. تستشعر آلام وعذابات الشعب السورى.. معارضة «الائتلافات المتعددة والمتغيرة» ليس وفقا لمصلحة الوطن.. وإنما تنفيذا لأجندات خارجية ووفقا أيضا لإقامة كل تيار من تلك التيارات المعارضة. ومع تقاعس المجتمع الدولى وعلى رأسه الإدارة الأمريكية، وحالة الارتباك التى أصابتها فى التناول الجدى والتعامل مع الأزمة السورية ترافق معها آنذاك «دعوات كاذبة ومتكررة» سواء من الإدارة الأمريكية.. أو الرئيس الأمريكى بارك أوباما.. بأن على النظام أن يرحل.. وأن أيامه معدودة فى البقاء.. ودعوات المجتمع الدولى ممثلة فى أمينها العام «بان كى مون» الذى أعرب مرارا عن قلقه وقلق المجتمع الدولى مما يجرى فى سوريا حتى وصل الأمر بالسوريين أن أعربوا هم عن قلقهم على قلق «بان كى مون» الذى اقتصر دوره فقط فى محور «القلق».. وربما كان ذلك فى إطار تنفيذ مخطط أمريكى صهيونى بمساعدة أطراف إقليمية على رأسها «تركيا وقطر» إلى أن اكتمل بظهور تنظيمى «داعش والنصرة» قبل ما يزيد على عام فقط وتحقيقهما لانتصارات أذهلت الجميع.. عام تمكن فيها التنظيم الإرهابى من ابتلاع دولة «العراق» ما بين ليلة وضحاها.. وتحت نظر المجتمع الدولى بأكمله.. فيما اقترب السوريون بوصفهم الحلقة الأضعف من الوصول إلى الحالة التى أصبحوا فيها على استعداد لقبول أى نوع من التسويات مهما كانت قواعد اللعبة فيها.. حلول تمكنهم من وقف آلة الحرب الجهنمية أملا فى الحياة فقط.. هذ إن لم يكونوا قد وصلوا بالفعل. ومع ضرورة أن يكون هناك توافق دولى على إيجاد حل يرضى كافة الأطراف فى الصراع على سوريا وهو أمر غير متوافر خلال المرحلة الراهنة، أو حتى فى المستقبل القريب، حيث تخلص مؤشراته فى أسباب عدة أبرزها وأهمها التحول المفاجئ لدول الاتحاد الأوروبى تحت وطأة هجرة اللاجئين إلى أوروبا على خلفية غرق الطفل السورى «إيلان».. واهتزاز ضمير أوروبا فجأة تجاه أوضاع السوريين بالتحول فى الدعوة إلى فتح أبواب دول أوروبا أمام اللاجئين السوريين فى إطار «محاصصة» قادتها المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» زعيمة الاتحاد الديمقراطى المسيحى.. بتعاطفها الشديد والمعلن لأول مرة مع قضية لاجئين بشكل عام ومع السوريين بشكل خاص، وتعاطف فرنسا معها تباعا والسويد ثم بريطانيا ثم الولاياتالمتحدة.. فيما لم يهتز الضمير الغربى من ملايين الصور التى نشرت عن عشرات الآلاف من ضحايا أبناء الشعب السورى.. وكأن هناك انتقائية فى فهم «ماهية الضمير» الإنسانى.. بالتركيز على المهاجرين واللاجئين السوريين واستقبالهم بحفاوة غير معهودة بل وتوطينهم الأمر الذى فاجأ الجميع عن المغزى!! فى خضم هذا الحجم الضخم من التناقض والانتقائية والكيل بمكيالين دون النظر إلى المعايير الدولية الحاكمة فى التصرف تجاه القضايا والأزمات الدولية بمعايير صحيحة وشفافة يأتى حديث الأممالمتحدة عن العودة إلى المفاوضات عبر «جنيف 1» عبر وسيطها «دى مستورا» بعد أن تجاوزتها فى «جنيف 2» والحديث آنذاك عن «جنيف 3» ثم العودة مرة أخرى إلى «جنيف 1» والذى «ترفضه سوريا سواء فى السر أو العلن باعتباره يشكل انتهاكا للسيادة السورية.. وهو ما أكده الرئيس بشار الأسد فى حواره الأخير مع قناة المنار اللبنانية التابعة لحزب الله، ليأتى الحديث عن انتخابات مستقبلية للمرحلة الانتقالية فى ظل هروب ما يزيد على نصف عدد سكان سوريا أى 11 مليونا.. والسؤال كيف تجرى الانتخابات مع استمرار الصراع والحرب الدائرة وفى ظل غياب الناخبين الذين قد يكون معظمهم فى الخنادق أو مهجرين أو قابعين فى السجون وربما جثث فى الصناديق.. فيما يصر المجتمع الدولى على تنفيذ خطة «دى مستورا» بعد أن انكشف المستور.. بأن الرئيس بشار الأسد لن يقبل بمسألة المرحلة الانتقالية التى من الممكن أن يكون طرفا بعيدا عنها أو ربما قريبا منها بدعوى أن تلك الحلول تمثل انتهاكا للسيادة السورية.. ولتصدق رؤية الأسد فى إصراره على التواجد فى المرحلة الانتقالية وبرعاية دولية سنده الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بتأكيده عدم التخلى عن الأسد فى المرحلة الراهنة حتى الانتهاء من القضاء على «داعش»، وهو الموقف الذى لاقى توافقا أوروبيا مخالفا للموقف الأمريكى فى إصراره على استبعاد الأسد من أى مرحلة انتقالية فى مستقبل سوريا وأن من يحدد مستقبل سوريا هم السوريون أنفسهم.