داخل الغرف المغلقة، فى العواصم الدولية والاقليمية، تجرى منذ فترة، على مهل وفوق نار هادئة، عملية انضاج حل سياسى للأزمة السورية، التى تكمل خلال الشهر الجارى أربعة أعوام ونصف العام. ولذا فقد كان من اللازم أن يتم تهيئة وضبط حرارة الأجواء المحيطة، قبل خروج الحل، وذلك برفع درجة التعاطف الانسانى مع ضحايا الأزمة، عبر تركيز الاعلام الدولى على مأساة اللاجئين السوريين، الذين وصلوا الى سواحل أوروبا هربا من جحيم الحرب، واختيار صورة جثة الطفل السورى آلان كردى التى قذفتها الأمواج الى الساحل «كأيقونة» أخيرة للمأساة، تمهيدا لقبول الحل الذى يتم الاعداد له، على الرغم من أن صور القتلي، ذبحا وحرقا وغرقا، لم تغب منذ بداية الأزمة يوما، فقط للأعين التى تريد أن ترى. على الصعيد السياسي، اقترح المبعوث الدولى إلى سوريا ستيفان دى مستورا، خطة شاملة لحل الأزمة، دعا فيها إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، ومجلس عسكرى مشترك بين الحكومة والمعارضة، وصولاً الى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت رعاية الأممالمتحدة. كما اقترح تأسيس «المؤتمر الوطنى السوري» من الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، مع الحفاظ على المؤسسات الرسمية وإصلاحها، بما فى ذلك الجيش وقطاع الأمن والقضاء، ورفض أى اجتثاث لحزب البعث. وأرسل دى ميستورا إلى الحكومة السورية والمعارضة وثيقتين تتعلقان بتنفيذ «بيان جنيف» الصادر فى 30 يونيو 2012، وآلية عمل أربع لجان تتعلق بالأمن ومكافحة الإرهاب ومسائل الهيئة الانتقالية والمؤسسات الحكومية. وكان من اللافت للنظر، أن «خطة دى مستورا» لم تناقش مسألة الخلاف بين الحكومة والمعارضة حول مستقبل الرئيس بشار الأسد، وهى النقطة التى كانت بمثابة «العقدة الرئيسية» فى مختلف مراحل الأزمة. «الأهرام» سعى الى استكشاف كواليس ما يجرى داخل الغرف الرسمية المغلقة، لاستشراف ملامح الفترة المقبلة فى سوريا، من خلال التواصل مع حسن عبدالعظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية السورية المعارضة، التى تمثل معارضة الداخل بسوريا، والتى تدعم الحل السياسى وترفض الخيار العسكري، فطرحنا عليه كل تساؤلاتنا، بعد عودته من العاصمة الروسية موسكو، التى شهدت خلال شهر واحد عدة زيارات لأطراف المعارضة السورية، على اختلاف توجهاتها. فى البداية، أكد عبد العظيم أن الحراك الدولى والاقليمى والعربى الآن أصبح واسعا تجاه الحل السياسي، لأن ظهور تنظيم داعش أخاف الجميع، فصارت هناك أولوية لحل الازمة السورية، وأصبح التوافق الأمريكى الروسى أكثر جدية، والآن فإن دائرة الصراع المسلح والحل العسكرى تضيق، بينما تتسع دائرة الحل السياسي، سواء لدى المجموعة الدولية أو اقليميا او على مستوى الدول العربية. وعلى صعيد المعارضة السورية، قال حسن عبد العظيم انه قد حدث أيضا تطور كبير جدا فى مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية الذى عقد يومى 8 و9 يونيو الماضي، وأن أكثر من نصف قوى المعارضة حضرت المؤتمر، ووضعت خارطة طريق للحل السياسى ومبادئ لسوريا المستقبل، بما فى ذلك الائتلاف السورى المعارض، الذى حضر ممثلون له، ومنهم أحزاب من المجلس الوطنى الكردي، ومن المعارضة المسلحة والحراك الثوري. وقال ان مصر لعبت دورا كبيرا جدا لتوحيد رؤية المعارضة، وان هيئة التنسيق تتابع العمل فى هذا الاطار. سألنا محدثنا عن ملامح الحل السياسى وخطواته والى أين يتجه، وعما اذا كان الرئيس بشار الأسد سيبقى بموجبه فى السلطة خلال الفترة المقبلة أم لا، فقال ان موضوع «رحيل الرئيس» مؤجل ومتروك لنتيجة التفاوض، ولكن ستكون هناك جدية فى تسليم الصلاحيات التنفيذية للحكومة الانتقالية التى سيتم تشكيلها، وهناك أيضا خطوات أخرى وفقا لخطة ديمستورا واللجان الأربع التى ستشكل من قوى المعارضة والسلطة والمجتمع المدنى وسيكون لها أيضا دور ميدانى فى مناطق الداخل السورى وتستطيع أن تفعل الكثير. وأضاف أنه خلال الفترة المقبلة ربما يكون هناك اجتماع بفيينا تمهيدا لعقد مؤتمر «جنيف 3»، وذلك لضمان ألا يفشل مثلما فشل «جنيف 2»، وحتى تتهيأ كل الظروف لنجاحه على خطوتين لا خطوة واحدة. فالآن خطر الارهاب أصبح يهدد الجميع وليس سوريا أو العراق فقط، بل يهدد الدول العربية والاقليمية ودول العالم وأوروبا، ولذلك فالكل يعمل على عقد مؤتمر «جنيف 3» لحل الأزمة، ووقف كل أنواع التدخل والتسليح ودخول الجماعات المسلحة المتطرفة. وفيما يتعلق بالمبادرة الروسية لمواجهة الارهاب، قال ان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين اقترح تشكيل حلف اقليمى لمواجهة الارهاب يضم العراقوسوريا والسعودية والأردن، ليس فقط كضربات جوية وإنما ميدانيا. ويعتمد هذا الحل على وجود الجيش السورى والجيش العراقى على مستوى السلطة، وعلى المعارضة المعتدلة المسلحة مثل فصائل ما يسمى الجيش الحر التى تقبل الحل السياسى ومستعدة لمواجهة الارهاب وداعش وغيرها، ووحدات أحزاب الحماية الشعبية الكردية. فالجميع الآن يبحث عن الحل السياسى وما يجعل الوضع ينتقل الى حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة من جهة، ويؤدى الى مواجهة الارهاب من جهة ثانية. ولكن ماذا عن الموقف السعودى من كل ما يجري؟ - السعودية محكومة الآن بظروف ما يجرى فى اليمن، ومحكومة أيضا بتحالفها مع الدول العربية وعلى رأسها مصر فى موضوع مواجهة الحوثيين وأنصار على عبد الله صالح، كما أنها صارت مهددة بظهور جماعات متطرفة لديها، وبالتالى فقد أصبحت الآن أقرب للحل السياسى فى سوريا بالتنسيق مع مصر، أكثر من أن تدعم الصراع المسلح. يبدو أن المجتمع الدولى والاقليمى أصبح يتجه الى أنه لا غني، لمواجهة الارهاب، عن بقاء الأسد خلال الفترة المقبلة بعد الوصول الى حل سياسي، ثم البدء ربما فى اجراء انتخابات بعد ذلك.. فهل هذا صحيح؟ - هم يعتبرون أن وجود الرئيس فى المرحلة الانتقالية ضرورى من أجل عدم انهيار السلطة أو الدولة، ولضمان عدم سيطرة داعش والجماعات المتطرفة على سوريا والمنطقة، لاسيما أن بيان جنيف السابق لم ينص على تنحيه ولا بقائه، كما يرون أن كل محاولات اسقاطه او اقصائه عن السلطة أو ترحيله لم تنجح، وأن الجيش السورى ولاؤه للنظام والرئيس أكثر من ولائه للشعب، وهم يريدون من هذا الجيش أن يواجه الارهاب، بالاضافة للجيش العراقي، فلذلك يرون أن وجود الرئيس ضرورى فى المرحلة الانتقالية. وهل وافقت المعارضة العسكرية على ذلك؟ - المعارضة العسكرية المعتدلة توافق، مثل وحدات الحماية الشعبية فى المناطق الشمالية (الكردية)، والفصائل التى تريد الحل السياسى فى الجيش الحر، ولها ولاء للوطن، ومستعدة لمواجهة الارهاب. هل يمكن أن ترفض هذا التوجه أطراف معينة فى الائتلاف السورى الذى دعم الحل العسكري؟ - هناك أطراف كثيرة فى الائتلاف لا تطالب برحيله قبل التفاوض، وانما تدخل عملية المفاوضات دون شروط، ولكن تطلب الآن ألا يكون له دور فى المستقبل ولا منظومة الحكم. وهذا مرتبط بظروف ميدانية من جهة، وبعملية التفاوض من جهة أخرى.