بعد أسبوعين فقط من تأييد مجلس الأمن الدولي لمبادرة المبعوث الأمميلسوريا "دي ميستورا"، بدأت ترجمتها عمليا وخرجت بنودها ووثائقها إلى النور تماما كما خطط لها بأن تنطلق في سبتمبر، ليظهر مبكرا تأييد الأممالمتحدة ومجلس الأمن للمبادرة الإيرانية والروسية ضمنيًا والتي تشترك في مضمونها مع وثائق ميستورا، المستندة لبيان "جنيف 1"، فهل تتصدر الرؤية الروسية الإيرانية أروقة الأممالمتحدة، المحفل الدولي الأهم، وتتراجع للخلف الرؤية السعودية والأمريكية الرافضة لبقاء بشار الأسد؟. وبحسب مراقبين، يظل لروسيا وحليفتها إيران اليد الطولى بالملف السوري والمالكة لأهم أوراق الضغط والتحريك، محذرين من أن تنجح روسيا في فرض أولوية محاربة داعش وليس بشار ومن ثم إطالة أمد الأزمة ومنح بشار وإيران الفرصة لتحقيق نصر عسكري في سوريا على حساب الرؤية السعودية والتي تبنتها أمريكا مؤخراً وهي رحيل بشار لأنه جزء الأزمة ولن يكون جزء من حلها.
لا لرحيل الأسد في تحد واضح للرؤية السعودية والأمريكية أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس أن بشار الأسد مازال الرئيس الشرعي لسوريا، رافضًا مطالبة "الأسد" بالرحيل كشرط مسبق لمحاربة الإرهاب معتبرًا ذلك الشرط أمر ضار وغير واقعي. واعتبر "لافروف"، في خطاب ألقاه الثلاثاء، أمام طلاب وأساتذة معهد موسكو للعلاقات الدولية الجيش السوري هو القوة الأكثر فعالية لمواجهة تنظيم "داعش" بسوريا داعيًا من أسماهم شركاء روسيا بالتخلي عن مطلب رحيله. وأشار إلى مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي أطلقها خلال استقباله وزير الخارجية السوري وليد المعلم والتي تتعلق بتوحيد الجهود لمحاربة تنظيم "داعش" والجماعات الإرهابية، مؤكدًا أن تلك المبادرة موجهة، بالدرجة الأولى إلى الجيشين السوري والعراقي والقوات الكردية، أي إلى كافة القوات التي تواجه "داعش" بالسلاح على الأرض.
هل يفرض بقاء بشار بالقوة؟ تترجم مبادرة المبعوث الأممي الرؤية الروسية حيث تعطي أهمية كبيرة لمشاركة النظام وحكومته في السلطة ومحاربة الإرهاب، والأكثر خطورة هيمنة روسيا على المسار العسكري، حيث كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "روسيا بدأت التدخل العسكري في سوريا، عبر اتخاذ قاعدة جوية دائمة، ستكون منطلقا لشن هجمات ضد تنظيم "داعش" وتشكيلات متطرفة في سوريا، فيما تلوذ الولاياتالمتحدة بالصمت. ونسبت الصحيفة إلى دبلوماسيين غربيين، قولهم: إن التدخل السريع الروسية وصلت سوريا بالفعل، وأقامت معسكرا في قاعدة جوية تحت سلطة نظام بشار الأسد، يرجح أنها قرب دمشق، وأضافت أنه في الأسابيع المقبلة سيتم إرسال آلاف العسكريين الروس إلى سوريا، بما في ذلك مستشارون ومدربون وعاملون في حقل الدعم اللوجستي، فضلا عن طواقم الدفاع الجوي، والطيارين الذين سوف يحلقون بالمقاتلات الحربية فوق سوريا. في المقابل نفى مصدر في وزارة الدفاع الروسية تقارير تفيد بقيام موسكو بإرسال طائرات حربية إلى سوريا لمحاربة عناصر تنظيم "داعش"، بحسب الموقع الرسمي لقناة "روسيا اليوم". ويرى مراقبون، أن ما تسرب للصحيفة العبرية إن ثبت صحته فإنه يعني تسليح روسيا بإمداد مباشر للأسد دون وسيط وقد يستخدم بشار هذا المدد العسكري ليس ضد داعش ولكن ضد المعارضة السورية، لتصبح روسياوإيران موجودة عسكريا معا مع النظام السوري وفي ظل مبادرة سياسية من الأممالمتحدة فيها مراوغة وميوعة وتضمن بقاء الأسد في السلطة لأطول فترة ممكنة كافية للقضاء على جميع خصومه.
هيمنة روسية على مبادرات الأممالمتحدة تهمين المبادرات الروسية والإيرانية على صناعة القرار ومخرجاته بالأممالمتحدة، ففي 17 أغسطس الماضي وبدعم روسي أعرب مجلس الأمن الدولي عن تأييده لمبادرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بتشكيل أربع مجموعات عمل مع ممثلي الحكومة والمعارضة السوريتين لتنفيذ بيان جنيف، واعتمد أعضاءه بيانا رئاسيا يعد أول وثيقة للمجلس بشأن التسوية السورية، يوافق عليها بالإجماع لم تتطرق لمصير الأسد. ودعا مجلس الأمن إلى وضع حد للحرب من خلال "إطلاق عملية سياسية تقودها سوريا نحو عملية انتقالية سياسية تعبر عن التطلعات المشروعة للشعب السوري"، وتتضمن تشكيل هيئة قيادية انتقالية مع سلطات كاملة، على أن تشكل على أساس تفاهم متبادل مع تأمين استمرارية عمل المؤسسات الحكومية، وحدد الأول من سبتمبر الجاري لإطلاق المبادرة.
وثائق المبعوث الأممي تحصن الأسد وبالفعل للمرة الأولى، قدم، أمس الثلاثاء، المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تصوراً للحل السياسي في سوريا وتنفيذ «بيان جنيف» مدعوماً بتشكيل مجموعة اتصال دولية- إقليمية، مقترحاً عملية سياسية من ثلاث مراحل تتضمن تشكيل ثلاثة أجسام، هي هيئة انتقالية تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة وتشكيل «مجلس عسكري مشترك» ينسق عمل الفصائل المسلحة من قوات نظامية وفصائل معارضة ويشرف على إصلاح أجهزة الأمن مع احتمال «إلغاء» بعض هذه الأجهزة، إضافة إلى مؤتمر وطني وصولاً إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية ب «رعاية» الأممالمتحدة. وقدم المبعوث الأممي وثيقتين، تتناول الأولى مسودة إطار تنفيذ «بيان جنيف» الصادر في (يونيو) العام 2012، فيما تتناول الثانية آلية عمل مجموعات العمل الأربع التي اقترح تشكيلها من الحكومة السورية والمعارضة والمجتمع المدني، بدءاً من منتصف الشهر المقبل لمدة ثلاثة أشهر. وتقسم الوثيقة السياسية مسيرة الحل إلى ثلاثة مراحل، مرحلة تفاوض والمرحلة الانتقالية والدولة السورية النهائية، على أن «تستند» المفاوضات التي ترك تحديد مدتها إلى السوريين، إلى «بيان جنيف» للوصول إلى «اتفاق مرحلي» يتضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار و «تعاون القوات المقاتلة (عدا الفصائل الإرهابية) وإدماجها» و «إصلاح القطاع الأمني» وصولاً إلى «تشكيل سلطات انتقاليّة». ووفق وثائق "ميستورا" في المرحلة الانتقالية، التي ترك أيضاً تحديد فترتها للسوريين، يستمر وقف إطلاق النار وتنفيذ «إجراءات بناء الثقة» ويقدَّم «جدول زمني لوقف الدعم المقدّم لجميع المقاتلين الأجانب وانسحابهم». وقالت الوثيقة: «منذ لحظة إنشاء الهيئة الحاكمة الانتقالية، ستتمتع بسلطة مطلقة في جميع الشؤون العسكرية والأمنية، وتشرف على المجلس العسكري المشترك»، على أن «ينسق مع جميع البنى العسكرية المحلية القائمة، ويشمل ممثلين عن الأطراف المقاتلة التي تتمتع بحضور كبير. وسيكون بمثابة منصة مستعمَلة لقيادة جميع العمليات العسكرية التي تُقدِم عليها الأطراف، ويضمن احترام وقف إطلاق النار والمحاربة المشتركة للتنظيمات الإرهابية واستعادة وحدة أراضي البلاد». وبقراءة أولية لمضمون هذه الوثائق نجدها تعيد تركيز كل سلطات الدولة مرة أخرى بيد بشار الأسد وتطيل عمر نظامه وتمكنه من فرض هيمنته بل وتعطيه شرعية دولية عقب موافقته عليها وتنقله من كونه مجرم حرب مرتكب جرائم ضد الإنسانية وقتل وتشريد ملايين السوريين بأسلحة محرمة دوليا تحوله إلى شريك في السلطة وقد ينجح في الانتخابات المرتقبة، فكيف بشعب معظمه مشرد خارج بلاده يموت في الشاحنات وقوارب الموت وعلى الحدود أن ينتخب، أو يشارك في مجلس عسكري أو سلطة انتقالية. وتعطي وثائق ميستورا أهمية كبيرة لمحاربة داعش والإرهاب أكثر من اهتمامها بمستقبل الشعب السوري نفسه، ولم تضع ضمانات للمعارضة، فقط يسحقها بشار أو يلتف عليها ويقوم بالتخلص منها أو الانقلاب عليها أو وضعهم بالسجون، كيف يتقاسم الثوار السلطة مع ذئاب الأسد في مجالس انتقالية عسكرية أو سياسية؟