في الوقت الذي يحاول فيه الجميع الخروج بمصر من النفق الضيق والمظلم إلى آفاق أوسع وأرحب، خرجت علينا بعض الفتاوى لأصحاب الدعوة السلفية من تحريم وتحليل أشياء كثيرة، كان في مقدمتها الفن بشكل عام، وكل أنواعه من غناء وموسيقى وأفلام وغير ذلك، إذ يلقون بفتاوى وتصريحات لهم يؤكدون فيها تحريم كل ذلك، حيث إن تلك الفتاوى أثارت تخبطًا في الشارع المصرى في الآونة الأخيرة، فقد ظهر من السلفيين فريقان، فريق قال بالتحريم والآخر قال بالجواز. وأفتى بعض دعاة التيار السلفى المتمثلين في الدعوة السلفية - أحيانا بدون علم أو وعى للأمور، وبدون أدلة من القرآن الكريم أو السنة النبوية، ولا أقوال العلماء، لمجرد الانتصار لآرائهم فقط والقول في كثير من الأمور التي لا تتوافق معهم، وأن ذلك الأمر فيه خلاف من ناحية جوازه أم لا، ودون استناد إلى أدلة أو مصادر بنى عليها من أفتى بالحل أو الجواز أو المنع - ببعض الفتاوى المتعلقة بالفن وأقسامه «الغناء، الموسيقى، الشعر، الإنشاد، الدف». وهذه الفتاوى تأتى على رأسها الدعوة السلفية وعملت بها، مطالبة الشعب بالعمل بها أيضا، فقد ظهرت تناقضات كبيرة بين أقطاب الدعوة السلفية سواء بتحريمها أم لا، فتارة نرى أن دعاة التيار السلفى يتفقون على أن سماع الأغانى حرام شرعًا، وآخرين يؤكدون أنها حلال وأن سماعها لا حرمة فيه. تخاصم السلفيون ببعض الفتاوى التي أصدروها، فرأينا البعض من الذين يستشهدون بأحاديث للرسول الكريم وبأقوال بعض العلماء بتحريم الموسيقى والغناء والسماع لهما، وآخرون أباحوا سماع الموسيقى والغناء مستشهدين بأقوال العلماء الذين يجيزون ذلك، مؤكدين أنه لا يوجد نص شرعى على التحريم أو الوجوب، تاركين الأمر للشخص نفسه ولقناعته بذلك. وكان الداعية السلفى الشيخ أبوإسحاق الحوينى من أول دعاة التيار السلفى الذين حرموا الموسيقى والغناء، إذ أكد أن السنة تحرم كل أشكال الغناء والموسيقى وأنواعهما، وشدد على ذلك في العديد من لقاءاته. أما عبدالمنعم الشحات، المتحدث الرسمى للدعوة السلفية، أثار تلك الأمور وفتح النار على نفسه وعلى جماعته من حيث لا يدرى، إذ قال إن المعازف «الموسيقى والغناء» على اختلاف أنواعها وأشكالها من جملة الأمور المحرمة، واستدل على ذلك بأحد أحاديث الرسول: «ليكونن من أمتى أقوام، يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف»، وقد استشهد الشيخ محمود المصرى بذلك الحديث أيضًا، معللا مدى تحريم سماع الأغانى والموسيقى، قائلا: الموسيقى حرام ولا اجتهاد مع وجود النص، فاتخذ السلفيون هذا الحديث ذريعة لهم ليحرموا الغناء والموسيقى، حتى يتخبط الشعب بين حرمة الشيء وجوازه. وفى الجانب الآخر من الدعوة السلفية خرج علينا ياسر برهامى، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، وغلمانه سواء من داخل الدعوة أو من حزب النور السلفى، بمعركة كلامية حول حرمة الغناء، وعن الخلاف السائغ في هذا الأمر، فقد أصدر فتوى حسم فيها الخلاف الدائر حول الغناء والموسيقى، أكد فيها أنهما حرام، وأن القائل بجوازها هو قول باطل، ولا يوجد خلاف في هذا الأمر لدينا، فهذه المسألة لا ناقة لنا فيها ولا جمل، يخرج علينا برهامى وأتباعه ويشنون هجومًا حادًا على الغناء والموسيقى ويؤكدون تحريمها، مستشهدين بأقوال للرسول، متناسين أقوال العلماء من ناحية التحريم من عدمه في هذا الأمر. في الجانب الأخر رُدّ على السفيين القائلين بحرمة سماع الغناء والموسيقى، بأن النصوص الواردة في تحريم ذلك هو أمر غير ثابت عن الرسول، فقد نوهت دار الإفتاء المصرية إلى أن أهل المدينة أباحوا سماع الموسيقى، مستدلين على ذلك بقول الله عز وجل في كتابه العزيز إذ يقول «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»، ومن الأحاديث النبوية أيضا ورد ما يبيح سماع الموسيقى، فقد نقل القرطبى في الجامع لأحكام القرآن قول الشقيرى «ضرب بين يدى النبى يوم دخل المدينة، فهم أبوبكر بالزجر فقال رسول الله «دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح»، فكن يضربن ويقلن: «نحن بنات النجار حبذا محمد من جار»، كما أكدت أن ابن حزم الأندلسى قال في كتاب المحلى إن رسول الله قال «إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى»، فمن نوى استماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل. وعلى الجانب الآخر نرى السلفيون لا يصمتون إلا ويتحدثون عن أشياء أخرى تتعلق بالفن، فيصدرون الفتاوى في مشاهدة الأفلام والمسلسلات أيضا، من ناحية جواز مشاهدتها أو تحريمها، معلقين عليها بأنها أفلام ومسلسلات لا تهدف إلى أي شيء، واصفين إياها بالمبتذلة، في حالة قولهم بأن مشاهدتها بها شبهة من التحريم، ولكن المجمل عندهم والقول الرائد لديهم أن حكم مشاهدة الأفلام والمسلسلات حرام، لأنها تذهب بأجر الإنسان وتضييع للوقت. بينما أكد الداعية السلفى، أسامة القوصى، في تصريحات ل«البوابة»، أن الغناء والموسيقى ليسا حراما شرعا، وأنه يسمع الأغانى ويقبل الجيد منها ويتجنب الرديء منها أيضا، ولا يوجد دليل على حرمة الغناء والموسيقى، مشيرًا إلى أنه في فترة من الفترات كان يمر بمرحلة التحريم، وأنه يعرف أدلة من يقولون بتحريم الموسيقى والغناء، وأن هناك طريقة تفكير غريبة جدًا عند هؤلاء ولا زالت موجودة حتى الآن، وهى النص الجامد، والوقوف على النص بحذافيره، كالحافظ دون الفاهم.