■ ابن حزم يضعف أحاديث تحريم المعازف ■ الغزالى: «حلال شرعًا» ■ كريمة: الغناء والموسيقى لهما نفس الحكم يتطور العالم يومًا بعد آخر، حتى كاد يلمس «المريخ»، بينما يجذبنا السلفيون إلى مجاهل التاريخ، فملأوا حياتنا تحريمًا وتعقيدًا، وجعلوا أهل الدنيا وقودًا للنار قبل الآخرة، بأحاديث ضعيفة، وفتاوى عفا عليها الزمن، وتجاوزتها مقتضيات الحياة، وبينها فتاوى تحريم الغناء، رغم تفنيد الكثير من الأئمة والفقهاء لأسانيدهم على مر التاريخ. «البوابة» فتحت لعلماء الأزهر أبواب الرد على تحريم السلفيين للغناء، كما فتحت كتابات كبار الفقهاء، ممن انبروا للرد على تحريفاتهم للنصوص الدينية، وفى مقدمتهم إمام مذهب الظاهرية، ابن حزم الأندلسي، والشيخ محمد الغزالي، باعتبارهما أبز مفندى استدلال السلفيين الفاسد على مزاعمهم بالكتاب والسُنة. يستدل السلفيون على قولهم بحرمة الأغانى بأدلة من القرآن والسُنة، يعتبر فقهاء أنها غير صالحة لوجه الاستدلال، فمن القرآن الكريم يتمسك السلفيون بظاهر إحدى آيات سورة لقمان، وهى «ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم»، ووجه استدلالهم بالآية هو التوعد الإلهى لمن يشترى لهو الحديث من الناس، حيث فسر السلفيون «لهو الحديث» بأنه «الغناء». ويسود اعتقاد لدى السلفيين بأن مستمعى الأغانى يستحقون العقاب الإلهي، لأنهم مضلون عن أوامر الله بغير علم، ما يرى فقهاء أنه «زعم وتفسير خاطئ للقرآن»، لأن الآية نزلت فى مشركين كانوا يشترون مغنيات، ويجلسون بهن فى الأماكن العامة، ليجمعوا الناس حولهن، بدلًا من التجمع حول الرسول. وتعتبر السُنة النبوية ساحة للمعركة بين السلفيين وعلماء الأزهر حول الغناء، بسبب ما نقل فى كتب السُنة من أحاديث بهذا الشأن، ورغم ما أثير من جدل حول صحتها، إلا أن السلفيين يتمسكون بها. وفى مناقشته لسند الحديث، قال الإمام ابن حزم الأندلسي، إن «فيه من الرواة ليث، وهو ضعيف، وسعيد بن أبى رزين، وهو مجهول»، ومع ذلك، لم يستسلم السلفيون لما قاله ابن حزم بشأن رواة الحديث، فلجأوا إلى حديث سنده يرجع إلى الإمام على بن أبى طالب، نصه «إذا عملت أمتى خمس عشرة خصة حل بها البلاء»، منها «واتخذوا الفتيات والمعازف، فليتوقعوا عند ذلك ريحا حمراء، ومسخا، وخسفا»، لكن ابن حزم أضعفه، بقوله إن بين رواته مجهولين، منهم لاحق بن الحسين، وضرار بن علي، والحمصي. واستند السلفيون فى تحريمهم للغناء، إلى حديث معلق عن أبى مالك الأشعري، أنه سمع الرسول يقول «ليكونن من أمتى قوم يستحلون الخز والحرير والخمر والمعازف»، ورغم أن الحديث مدون فى صحيح البخاري، الذى يصفه السلف بأنه «أصح كتاب بعد القرآن الكريم»، إلا أن ابن حزم قال فى هذا الحديث، إن «السند هنا منقطع». وعن تحريم الأغانى بشكل عام وقاطع، قال ابن حزم، لا يصح فى هذا الباب (يقصد الأدلة فى تحريم الأغاني) شيء أبدًا، وكل ما ورد فيه موضوع، والله لو أسند منه واحد من الثقات (رواة الحديث العدل)، ما ترددنا فى رده أبدا، كما أجاز ابن حزم بيع الشطرنج والمزامير والعيدان والمعازف والطنابير، وقال إن بيعه حلال كله، ومن كسر منه شيئا ضمنه (أى يلتزم بالتعويض). ومن جهته، قال أستاذ الفقه المقارن فى جامعة الأزهر، الدكتور سعد الدين الهلالي، إن «الأغانى ليست محرمة كما يدعى السلفيون»، وأشار إلى أن ابن طاهر القيسى وابن حزم قالا إن الموسيقى والأغانى حلال، كما قال حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي، صاحب كتاب إحياء علوم الدين، إن الأغانى حلال شرعًا، وهناك دليل فى البخارى ومسلم على ذلك، هو ما قالته أم المؤمنين عائشة، (دخل أبو بكر، وعندى جاريتان من جوارى الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان فى بيت رسول الله؟، وذلك فى يوم عيد، فقال رسول الله، يا أبا بكر، إنّ لكلّ قوم عيداً؛ وهذا عيدنا). وقال وكيل كلية الشريعة والقانون فى جامعة الأزهر، الدكتور فتحى الفقي، عضو لجنة الفتوى بمشيخة الأزهر، إنه يرى تخريج حكم الأغانى على تخريج حكم الجلوس فى الطرقات، موضحًا «مثلما أن الطرق من آدابها غض البصر، ورد السلام، وكف الأذى، كذلك حكم الأغاني، فهى جائزة إذا كانت بغير اختلاط بين الرجال والنساء، وغير تغزل الرجل فى مفاتن المرأة». أفتت دار الإفتاء بجواز استعمال المعازف وسماعها بشرط اختيار الحسن وعدم الاشتغال بما يلهي عن ذكر الله تعالى أو يجر إلى الفساد أو يتنافى مع الشرع الشريف، مؤكدة أنه ليس فى كتاب الله تعالى ولا فى سنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا فى معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد الأصوات الموزونة مع آلة من الآلات. وأشارت إلي أن الموسيقى علم يُعرَف منه أحوال النغم والإيقاعات، وكيفية تأليف اللحون، وإيجاد الآلات، وتطلق كذلك على الصوت الخارج من آلات العزف، وأن مسألة سماع الموسيقى مسألة خلافية فقهية، ليست من أصول العقيدة، وليست من المعلوم من الدين بالضرورة، ولا ينبغي للمسلمين أن يُفسق بعضهم بعضًا ولا أن ينكر بعضهم على بعض بسبب تلك المسائل الخلافية، فإنما يُنكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه، وما دام هناك من الفقهاء من أباح الموسيقى، وهؤلاء ممن يُعتَد بقولهم ويجوز تقليدهم، فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية، خصوصا أنه لم يرد نص فى الشرع صحيح صريح فى تحريم الموسيقى، وإلا ما ساغ الخلاف بشأنها. وأوضحت الفتوي أن كثيرا من المحققين من أهل العلم- من الصحابة فمن بعدهم- ذهبوا إلى أن الضرب بالمعازف والآلات ما هو إلا صوت: حسنه حسن وقبيحه قبيح، وأن الآيات القرآنية ليس فيها نهي صريح عن المعازف والآلات المشهورة.