■ مصر تعانى من «الانحطاط الفكرى».. و«السوس» ينخر فى الثقافة ■ الوحى يأتينى أثناء «اللحظات الحميمية» ولعب «الدومينو».. والشعر ما بيأكلش عيش ■ نحن لم نطبق الدستور أصلًا حتى نعدله.. وأحذر من فتح الباب ل«الفاشية والاستبداد» ■ «هيكل» ليست لديه مواقف سياسية.. و«الجخ» مُصاب ب«لعنة الأبنودى» ■ اختيار «النمنم» وزيرًا للثقافة «صائب» وأطالبه بمعالجة قضايا السينما والمسرح استدعى الشاعر سيد حجاب مخزون ذكرياته، صال وجال معنا فى ماضيه وحاضره، كاشفًا عن مناطق كثيرة لم يسلط عليها الضوء من قبل، سواء فى حواراته الصحفية أو التليفزيونية. تحدث بالتفصيل عن فترة انضمامه لجماعة الإخوان فى طفولته وأسباب تركه الجماعة بعد تأييدهم بقاء الاحتلال الإنجليزى فى مصر. تطرق «حجاب»، المولود فى 23 سبتمبر عام 1940 بمدينة المطرية، محافظة الدقهلية، فى حواره مع «البوابة»، إلى ظاهرة شعراء الفضائيات، ورموز السياسة والفن والشعر، مؤكدًا أن «الغناء والشعر» فى ثورة يناير كانا المحرك الرئيسى لها حينذاك، قبل أن يتضاءل المجال أمام الفن والأدب وينحصر فى دائرة مواقع التواصل الاجتماعى. وصف دعوات تعديل الدستور الذى كتب هو ديباجته ب«اللهو»، معتبرًا عصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك، عصر اضمحلال فكرى وثقافى، مطالبًا الرئيس عبدالفتاح السيسى بالانحياز للفقراء. وعن الشعر والأدب فى الفترة الحالية، قال: إن مصر تعيش حاليًا فترة انحطاط فكرى وثقافى، مشددًا على ضرورة التصدى لهذه الأزمة قبل أن تقع الطامة الكبرى، معتبرًا أن ظهور أغانى المهرجانات والإسفاف الذى تتعرض له الساحة الغنائية حاليًا، بداية الطريق لنفق مظلم تعيشه الحياة الثقافية فى مصر. ■ بداية.. كيف ترى المشهد فى مصر حاليًا من عين الشاعر؟ - مصر حاليًا تعانى حالة من الانحطاط، انحطاط فكرى وثقافى، وليس على مستوى الشعر فحسب، فالتدهور يضرب الثقافة، وينخر فيها كالسوس، وأصبح رأس المال والمصلحة الشخصية المتحكم الرئيسى فى كل شيء، لذلك يجب على الدولة أن تقف وتتصدى لذلك قبل أن يضيع كل شيء. ■ ماذا عن أداء الرئيس عبدالفتاح السيسي؟ - الرئيس السيسى يسير بخطى ثابتة، لكنه مثل من يتحرك فى حقل ألغام، ما بين رجال مبارك الذين يحاولون الالتفاف حوله للعودة من جديد إلى المشهد السياسى على حساب الثورة، وبين أصحاب المصالح ورأس المال المتحكم فى الاقتصاد المصرى، علاوة على الأزمات والتركة الثقيلة التى ورثها الرئيس، وهو مُطالب الآن بالانحياز لطبقات الشعب المصرى الأصلية، والفقراء بالتحديد، حتى يحقق ما وعد به قبل ترشحه للرئاسة، فعليه ألا يسمح بعودة رجال النظام القديم للمشهد مرة أخرى، حتى لا يصطدم بغضب الشارع، والثورة التى دحرت النظم البائدة. ■ ما رأيك فى دعوات تعديل الدستور؟ - دعوات هزلية، فالبعض استند إلى تلميح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أحد خطاباته، الذى أشار فيه إلى أن الدستور كتب بالنوايا الحسنة، وهو ما تم تداركه فيما بعد من قبل رئاسة الجمهورية، إلا أن البعض استغل ذلك بنوايا سيئة، من أجل تحقيق مصالح ومآرب شخصية، بالالتفاف على الدستور وتحقيق أهداف الثورة المضادة، ودحر أهداف ثورتى الخامس والعشرين من يناير، والثلاثين من يونيو، حيث كُتب الدستور بأكبر توافق شعبى فى لجنة تأسيسية تمثل المجتمع المصرى كله، وتوافق عليه المصريون جميعًا بأغلبية ساحقة، إذ ضمت اللجنة ممثلين للرأسمالية الوطنية والجيش والأزهر والكنيسة والعمال والفلاحين، وهو بالتالى تعبير عن طموح هذا المجتمع لمستقبل أكثر تقدمًا وأكثر عدلًا، فالاعتداء على الدستور وتجاوزه، وتعديله يفتح الباب أمام الأفكار الفاشية والمستبدة، وإعادة إنتاج الدولة القديمة التى ثار عليها الشعب المصرى، ومن المضحك والهزلى أن نسعى إلى تعديل الدستور ونحن لم نطبقه بعد، فالالتفاف على الدستور سيؤدى إلى حالة اضطراب فكرى ومجتمعى خطير. ■ كيف استقبلت اختيار حلمي النمنم وزيرًا للثقافة؟ - اختيار صائب وجيد، وأعتقد أنه حقق آمال الجماعة الثقافية، لأنه ينتمى لجماعة الثقافة الوطنية المصرية، وله خبرات متعددة فى وزارة الثقافة وآليات العمل بداخلها، وعليه أن يعيد إلى وزارة الثقافة هيبتها ووجهها المستنير، وأن يجعلها ترجع مرة أخرى لتلعب دورها فى المعارك التى تعيشها مصر والأمة العربية فى هذه المرحلة الحرجة، وعلى رأسها المعركة مع الإرهاب، وأن تتصدر المشهد سواء على المستوى السياسى أو الثقافى، حيث يصبح للثقافة دور كبير فى تجفيف منابع الإرهاب، ومحاربة الفكر المتطرف والإرهابى، كما أن وزارة الثقافة مطالبة بالتدخل فى عمل السينما والمسرح بما يعيد إليهما رونقهما ودورهما المحورى، فى تنمية العقل والمجتمع المصرى ومناقشة القضايا التى تهم المجتمع بكافة أطيافه. ■ هل أنت راض عن المستوى الثقافي في مصر؟ - من وجهة نظرى أن لكل عصر ظروفه ومعطياته، فلو رجعنا لعصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لوجدنا الثقافة المصرية شهدت أزهى عصورها، وخرج العديد من الشعراء والمثقفين فى عهده، وشهدت الثقافة نهضة كبيرة، حيث احتل المثقفون والشعراء مكانة كبيرة وتصدروا المشهد، بينما شهد عصرا أنور السادات وحسنى مبارك، حالة انحطاط وتجريف فكرى وثقافى بشكل بشع، حيث اضهدا المثقفين والأدباء وحولاهم إلى مسخ، وتعمدا تهميشهم ووضعهم على الرف، وعمت حالة من التردى لا نظير لها، حتى أتى عصر المعزول مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، وأعتبر حكمهم جملة اعتراضية فى التاريخ المصرى، ودخلوا بالبلاد فى نفق مظلم، لولا ثورة يونيو، لكانت البلاد ذهبت إلى غير رجعة، وحتى اللحظة التى نعيشها فى ظل حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، أرى أن الرجل يبذل محاولات حثيثة من أجل عودة الهيبة والزعامة للأدباء والمثقفين. ■ كنت أحد أعضاء جماعة الإخوان لفترة.. كيف ترى تلك الحقبة من عمرك؟ - حدث ذلك فى فترة الطفولة ولا أندم عليها، وفى نفس الوقت لا أسميها حقبة، وتعلمت فيها العديد من الدروس والعبر، ولم تستغرق سوى ثلاث سنوات، حيث انضممت للجماعة وأنا فى عمر 11 عاما وتركتها فى عمر 14، وكنت من أشبال الدعاة، وكنت مُكلفًا بتوزيع منشور ضد اتفاقية الجلاء لسنة 1954، وكنت مثلى مثل باقى المصريين، ضد فكرة الاستعمار، وأحلم بجلاء الإنجليز عن مصر، لكن عندما تغييرت مبادئهم ورأيت أنهم يؤيدون بقاء الإنجليز، تركت الجماعة وتبرأت منها، ومشاركتى فى ثورة الثلاثين من يونيو خير دليل على عدم انتمائى لها. ■ هل ترى السياسة مادة خصبة للشعر؟ - بالفعل.. فالسياسة مادة خصبة وتوحى للمثقف وللشاعر بالعديد من الكتابات والأفكار، مثلها مثل عالم الطفولة، أو عالم الطبيعة، لكن الشاعر هنا مُطالب بأن يفصل بين العمل والكتابة لصالح السلطة، وبين الشعر والكتابة من أجل الكلمة. ■ هل يوجد شاعر سلطة؟ - بالطبع.. فهناك شعراء ومثقفون عملوا من أجل السلطة وانخرطوا فيها، وعلى رأسهم على مبارك ورفاعة الطهطاوى، ولكنهم خدموا قضية الثقافة والمثقفين من خلال قربهم من السلطة. وهناك العديد من المثقفين والشعراء الذين لعبوا فى مجال السياسة، أمثال أحمد مندور، وبيرم التونسى، كما كان فى المشهد أيضا من بزغوا عن طريق المجال السياسى، أمثال أمل دنقل وفؤاد حداد وصلاح جاهين، ومن المثقفين محمد حسنين هيكل فى الوقت الحالى، إلا أننى أرى أن هيكل رجل صحافة فقط، لكنه لا يمتلك أى مواقف سياسية. ■ هل كل من يهاجم السلطة ثوري؟ - ليس بالضرورة، فهناك من يهاجم النظام والسلطة من أجل الظهور فحسب، وخلق حوله هالة من الصخب والشو الإعلامى، فليس كل من يتعرض للنظام بهجاء أو نقد شاعر ثورى. وفى نفس السياق، أرى أن كل شاعر يمدح السلطة أو يتقرب لها عن طريق كتابته، هو رجل السلطة وشاعرها، ويعمل لتحقيق مصالحها، وليس من أجل الكلمة. ■ ماذا عن أحلامك في مجال الشعر ومثلك الأعلى؟ - حتى اللحظة أرى أننى لم أصل لمرحلة النضج، فكل يوم يمر أتعلم شيئا جديدًا، ومن وجهة نظرى أن الإنسان يحيا ليتعلم، وأحلامى فى مجال الكتابة والشعر لم تنته ولن تنتهى، وأتمنى كل يوم فكرة جديدة وقصيدة حالمة، تحقق رواجاً، فالعلم والثقافة لا ختام لهما أو نهاية. ومنذ بدأت كتابة أولى قصائدى، وكان عمرى حينها 11 عاماً، كنت أرى أمامى الشاعر الكبير بيرم التونسى، وصلاح جاهين، وأحمد شوقى، ومن قبلهم المتنبى مثلًا أعلى لى، كما فى فترة الصبا، وأيضًا صلاح عبدالصبور وعبدالمعطى حجازى، حيث كنت أتمنى أن أستحوذ على شهرتهم ومكانتهم الشعرية والثقافية. ■ كيف ترى الأجيال الجديدة من الشعراء ومنهم هشام الجخ؟ - شاعر جيد وخامة رائعة، لكن عليه أن يبتعد عن موروث الأبنودى والدنقلى، فهو متأثر بشكل كبير بالشاعر عبدالرحمن الأبنودى وأمل دنقل، وعليه أن يخلق لنفسه مساحة ومنطقة خاصة له. ■ من ترى أنه خليفة سيد حجاب؟ - لا أرى حتى الآن خليفة لى فى مجال الشعر، فالشعر لا يورث، وكل عصر له ظروفه ومعطياته المختلفة، ومستوى الشعراء يختلف فيما بينهم. ■ مَنْ من الرؤساء كنت تتمنى الكتابة له أو هجاءه؟ - لم أتمن هجاء أحد، فلا أسعى إلى الدخول فى لعبة السياسة، بالهجوم على أحد، لكنى سبق أن مدحت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فى قصيدة كتبتها خصيصًا له. ■ هل لديك طقوس خاصة فى الكتابة؟ - لا توجد طقوس أو معايير بعينها، وإن كان ذلك يظهر فقط أثناء كتابة تترات المسلسلات، ففى البداية أشارك مع مؤلف العمل والمخرج منذ بداية صُنع الفكرة وبلورتها، إلى أن يصبح العمل مكتوبًا بشكل كامل وأقرأه جيداً، وأحلله، وأتعايش فيه، كأننى أحتل دور البطل فى الرواية، وأحاول أن أفهم الرسالة الدرامية الخاصة به، وأحدد إلى أى طرف من أطراف الصراع أنتمى، وأحدد اللغة السائدة فى المسلسل، حتى لا تكون المشاركة الغنائية منفصلة، ليخرج التتر بشكل متواصل مع العمل وليس منفصلًا عنه. وأنا لا توجد عندى معايير أو مقاييس للكتابة الشعرية، فقد تأتينى لحظات الكتابة وأنا فى لحظات حميمية، أو أثناء لعب الدومينو، أو أثناء الجلوس على البحر فى الإسكندرية، فالشعر والكتابة رزق من الله، يأتى دون أن تحسب له حسابات أو معايير. وكل القصائد التى كتبتها بلا استثناء أحبها، وأقدسها، ولم أندم على أى قصيدة كتبتها. ■ من كنت تتمنى الكتابة له ولم يحالفك التوفيق؟ - بالطبع قيثارة السماء فيروز، والتى أعتبرها أفضل صوت عرفة الغناء، حيث كنت أتمنى الكتابة لها، ولم تتح لى الظروف. ■ لو تحدثنا عن شعراء جيلك، ومن سبقك.. بداية بصلاح جاهين ومرورًا بفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم، فكيف تراهم؟ - جاهين نجح إلى حد كبير فى أن يكون قامة وقيمة كبيرة، ولم يحصل بعد على حقه فى التاريخ المصرى، لكنى أرى أن فؤاد حداد، نجح فى أن يحوز على وصف شاعر الجن والإنس، فقد نجح بشكل كبير فى خلق حالة ومنطقة خاصة به، من الصعب أن يحتلها أحد، بينما يعتبر أحمد فؤاد نجم أحد أمهر الشعراء الذين استغلوا العصر والحياة التى يلعبون فيها. ■ من الذى تحب قراءة أعماله من الشعراء ومن تبغضه؟ - لكل شاعر معايير خاصة يلتزم بها ويعمل بها، مع ذلك أحب أن أقرأ لجمال بخيت، وأيمن بهجت قمر، وعدد من الشعراء الشباب. لكن عدوى هو الجهل والغباء، فأنا أبغضهما لأنهما يدفعان للكذب والأباطيل، ويكبلان الروح الإنسانية. ■ هل كان للغناء والشعر دور فى ثورة 25 يناير والفترة التى تبعتها؟ - الشعر والغناء كانا محركين رئيسيين فى ثورة يناير، فقد تجلى ذلك فى الميدان بين الشباب، واسترجع غناء المقاومة وظهر على المنصات، وفى ساحات الميدان وسهرات المعتصمين من كل صوب وحدب، مثل مسار إجبارى وكايروكى، والتى تحاول بناء غناء جديد وبدء نوع جديد يمثل فلكلورا ثوريا فى الميدان، ولكن بعد مرور أعوام قليلة، عاد إلينا محترفو الانحطاط من جديد وانسحب غناء الميدان إلى مواقع التواصل الاجتماعى، وتعرضنا لحالة انحطاط فكرى وثقافى. ■ هل يتكسب الشاعر من شعره؟ - الشعر لا يوفر لقمة العيش، إلا لو كان للأغانى أو السلطة، لكن لا ضرر ولا بأس فى ذلك، طالما كان خالصًا من أجل الكلمة، ولا يخل بالشعر، وغير ذلك كان يقال على الشاعر أو من ظهرت لدية موهبة الشعر بأنه مسه الجنون والفقر. ولكن من المؤكد أن الأغنية مجال جيد جدًا لتوصيل الرسالة الشعرية وتشكيل الوجدان بشكل صحيح. ■ متى شعرت أن الشعر لا يمثل ظهرا وسندا لك؟ - فى أوقات عديدة، كنت أشعر أن الشعر كاد أن يؤثر فى حياتى من الناحية المادية والاجتماعية، ولكن كنت أتدارك ذلك، كما أننى أرى أن الشعر أخذ منى أكثر مما أعطانى، إلا أن محبة الناس أكبر شيء اكتسبته من الشعر، وهى قيمة لا تعوض ولا تقدر بثمن. ■ هل تتابع مسابقات الشعر على الفضائيات، وكيف تقيمها؟ - مسابقات بلهاء، تحكمها لعبة المصالح المادية والإعلانات، والنعرات الوطنية، فهى لا تنتج شعراء جيدين، ولا يصل منهم للمراحل النهائية أفضلهم، فهى لعبة خلقتها شركات الاتصالات من أجل تحقيق أرباح ومكاسب، بدليل عدم وصول شاعر بحجم هشام الجخ أو عمر الحاذق للنهائيات. ■ هل تعتقد أن زمن الشعر انتهى؟ - الشعر لم ولن ينته، فهو ولد مع الإنسانية وسينتهى معها، ولا يمكن أن يندثر، فالشعراء موجودون فى كل زمان ومكان. ■ كيف ترى ظهور أغانى المهرجانات والابتذال الذى تشهده الساحة الغنائية؟ - الأغانى المبتذلة التى ظهرت حالياً تعبر عن حالة الانحطاط الثقافى والفكرى الذى نعيشه، فالبلاد تمر بحالة انهيار ثقافى وفكرى، وهو ما ظهر جليًا فى الفترة الأخيرة، وهو ما يجب تداركه بشكل سريع، كما أنها تعبر عن الذوق العام، وبداية لمرحلة الانزلاق إلى الهاوية بشكل مفزع.